• Thursday, 25 April 2024
logo

خلدون النبواني عضو مجلس المعارضة السوري لـ كولان: لا أعتقد أن النظام السوريّ سيسقط دُفعةً واحدة، ما أتصوره هو قيام مُبادرة ما تُشبه كثيراً أو قليلاً مُبادرة اليمن

خلدون النبواني عضو مجلس المعارضة السوري لـ كولان: لا أعتقد أن النظام السوريّ سيسقط دُفعةً واحدة، ما أتصوره هو قيام مُبادرة ما تُشبه كثيراً أو قليلاً مُبادرة اليمن
(خلدون النبواني) هو أحد المثقفين و المفكرين الذين يلعبون دوراً فاعلاً في المجلس الوطني للمعارضة السورية . من أجل مناقشة الوضع الدراماتيكي الراهن في سوريا و كذلك من أجل معرفة التوقعات و النتائج المستقبلية التي سيتمخض عنها ، بالإضافة إلى معرفة دور المعارضة السورية في توجيه الثورة و المواقف المحتملة من الدول الإقليمية و الدولية و تقييم الدور الكوردي كشعب مغبون في سوريا ، طرحنا عدة أسئلة على السيد (النبواني) و ردّ سيادتهم على أسئلتنا في لقاء حصري لمجلة كولان الأسبوعية حسب التالي:
(خلدون النبواني) هو أحد المثقفين و المفكرين الذين يلعبون دوراً فاعلاً في المجلس الوطني للمعارضة السورية . من أجل مناقشة الوضع الدراماتيكي الراهن في سوريا و كذلك من أجل معرفة التوقعات و النتائج المستقبلية التي سيتمخض عنها ، بالإضافة إلى معرفة دور المعارضة السورية في توجيه الثورة و المواقف المحتملة من الدول الإقليمية و الدولية و تقييم الدور الكوردي كشعب مغبون في سوريا ، طرحنا عدة أسئلة على السيد (النبواني) و ردّ سيادتهم على أسئلتنا في لقاء حصري لمجلة كولان الأسبوعية حسب التالي:



كولان: أنت كمثقف عربى سوري و كأحد أعضاء المجلس فى المعارضة السورية، ما هي قراءتكم للمشهد الراهن فى سوريا، و إلى متى سيبقى نظام الاسد فى سدة الحكم؟
النبواني: لا شك أن الوضع القائم في سوريا حالياً بعد عشرة أشهر من بدء الثورة لا يرضي أحداً ممن قلبه على هذا البلد، بل دعني أقول أنه وضع يدعو للأسف والإحباط. لا ينشأ الاحباط الذي أقصده هنا من عدم قدرة الثورة على الإطاحة برأس النظام فهذا أمرٌ قد حُسم برأيي وليست المسألة سوى مسألة وقت، لكنه ينشأ عن الدرك الذي انحدرت إليه سوريا والسوريين وإدراكنا مع طول أمد الثورة أنها قد تنتهي وتنحرف إلى حالة تشبه حالة نظام الأسد من اللاديمقراطية والتشدُّد. في واقع الأمر قد لا يختلف حال الثورة في سوريا عما سبقها بقليل أو عاصرها وربما سيليها من ثورات الربيع العربي فهي أولاً وأخيراً ثورة ضد الاستبداد وضد الإقصاء وضد الوصاية السياسية وضد انتهاك لحريات والكرامات وضد سياسات التفقير والإفقار والتهميش والتمييز والاستحمار والاستعباد، لكنها من جهة أُخرى تختلف عن غيرها بتعدد مكونات المجتمع السوريّ إثنياً ودينياً أو طائفياً وبخاصة ٍ موقع سوريا إقليمياً وجغرافياً. منذ بدأ ثورة الحرية والكرامة لعب نظام بشار الأسد المتمسك بالسلطة حتى الموت على كل هذه الأوراق ووفق مقتضيات الحال وكلما كان يخسر في لعب ورقة كان يرمي بالأُخرى مما أوصله وأوصل الثورة والبلد بكليته إلى ما وصلنا إليه. لقد حاول فصل الأكراد عن العرب وحاول تقسيم البلد إلى أقليات طائفية وأكثرية سنيّة والشعب السوري إلى وطنيّ وخائن وهكذا. شخصياً لم تعُد تقلقني مسألة بقاء آل الأسد في الحُكم فالشعب قد اختار ومن المستحيل أن يستطيع هذا النظام إدارة أمور سوريا بعد الآن، وإن كان أمر تغييره سيأخذ وقتاً ليس بالقصير قياساً بحجم الآلام والنزيف اليومي والخراب الذي يُحيق يومياً بالبلد.


كولان: حسب متابعتى لكتابتك السياسية والفكرية، لاحظت بأن افكارك علمانية وديمقراطية وتقدميّة، لكن التوقعات بشأن مستقبل سوريا ما بعد نظام الأسد تتنبأ بوصول الإسلاميين إلى الحكم أو هُم سيشكلون على الأقل الاغلبية المطلقة في مستقبل سوريا. أنت كمثقف تقدمى ومُفكِّر و صاحب رؤية، هل ترى إمكانية لأن تتحوّل سوريا بعد الأسد الى بلد ديمقراطي علماني تعددي فى ظل هيمنة التيارات الإسلامية الإخوانية؟
النبواني: مع أنني لا زلتُ أرى في العلمانية الشكل الأمثل لإدارة المجتمع مدنيَّاً بحيث يُحترم الجميع على قدم المساواة على أساس المواطنة وليس على أساس الدين أو الطائفة، إلا أن واقع المجتمعات العربية الحالي يفرض علينا، إذا ما أردنا أن نكون منطقيين ونتعامل بسياسة المُمكن، أن نعترف بأن الحضور الديني طاغي وأن مجتمعاتنا متدينة ولم يمتلك المواطن العربي بعد تصوراً لإمكانية فصل الدين عن كل شؤون الحياة بما فيها السياسة. لقد اتضح من تجربتي تونس ومصر أن الخطاب العلماني ظل على هامش المجتمع العربي بوصفه خطاب نخبوي وقد ساعد استبداد الأنظمة السابقة أو التي هي في طور السقوط كالنظامين التونسي والسوريّ اللذين قدما شكلاً هجيناً وإكراهياً للعلمانية على تشكل وعيًّ انتقامي مُضاد يربط بين العلمانية والإلحاد أو بين العلمانية والاستبداد وعداء الإسلام. هكذا ما أن أُعطيت الفرصة للناس للتعبير عن رأيها حتى اختارت التيارات الإسلامية ظنَّاً منها أن "الإسلام هو الحل". أعتقد أن الأمر بسوريا ليس محسوماً لصالح الإسلاميين كما حصل في تونس ومصر نتيجة بنية المُجتمع السوريّ. من الصحيح أن البعض يتصوّر أن السنة بوصفها أكثرية في سوريا فإن كل من وُّلِد سنيّاً سيصوّت بالكامل لصالح الأحزاب الإسلامية التي لا يبدو منها على السطح الآن سوى حزب الأخوان المسلمون، ولكن الأمر لن يكون على هذه الشاكلة برأيي لأن الأخوان ليس لهم تأثير فعلي على الأرض، بل على العكس لا يزال الشارع السوري بما فيه الشارع السّنيّ يرتاب منهم ومن تخبطاتهم ومن ذلك التاريخ الأسود الذي صنعه لهم نظام البعث وصورهم به بوصفهم قتلة إرهابيين.
أياً يكُن إذا كان علينا احترام الديمقراطية فإننا يجب أن نقبل بمن يفوز كائناً من كان على أن يلتزم بالمساواة واحترام الحريات العامة والفردية وعدم التمييز وأن نمنحه فرصة لأن يحكم ثم نحكم على أدائه من بعد. في عالمنا العربي اليوم لا يمكن على ما يبدو إقامة دولة علمانية مثلاً على الطريقة الفرنسية، ولكن لا يمكن بنفس الوقت إقامة إمارة إسلامية وإنما علينا أن نمر ـ بسبب إكراهات التاريخ ـ بمرحلة دولة هجينة نصف علمانية ونصف إسلامية. حتى الإسلاميين محكومون بواقع قائم وهم لن يستطيعوا أن يحكموا إلا بأدوات الدولة الحديثة كالدستور ومؤسسات القضاء وأنظمة التعليم الخ. على كل طرف أن يتعلم كيفية التعايش مع الطرف الآخر وأن يقترب خطوة منه ولعل على الإسلاميين أن يفهموا هذا الدرس جيداً.
إذن لن تكون سوريا علمانيّة مئة بالمئة، أما عن ديمقراطيتها المستقبلية فهذا أمرٌ آخر. فأنا إذ أؤكِّد من جديد بأنني لستُ قلقاً من نهاية امبراطورية الأسد الدكتاتورية في سوريا، إلا أنني متخوِّفٌ فعلاً على مُستقبل سوريا ما بعد الأسد. فقد أثبتت القيادات السياسيّة للمُعارضة فشلاً ذريعاً لا يُمكن إنكاره في إدارة الثورة وتكشَّفت عن وجه لا يبشِّرُ حقيقةً بمستقبل ديمقراطي مأمول لسوريا الغد وعليه فلن يكون نجاحاً أن نُطيح بأشخاص ونحتفظ بعقلية الاستبداد. يبدو أن النظام المُستبد يُنتج أشباهه فتتقمص الضحية ثوب جلادها وملامحه. الديمقراطية ستولد لأول مرة في سوريا منذ بداية حكم البعث، ولكنها ستولد عليلة وستوضع في الحاضنة ولن تتمكن من المشي قريباً أو الحياة ما لم تتلقى عناية مُشدّدة.

كولان: الموقف الدولي تُجاه الوضع الحالى فى سوريا موقف ضعيف، وقد رأينا كذلك أن موقف الجامعة العربية بإرسال بعثة المراقبين لم يكن بالمستوى المطلوب، و كلنا يرى المجتمع العربي السوري وهو يعاني يومياً من العنف و القتل الغير المسبوق لهذا سيغدو من الضروري وضع نهاية للاستبداد السياسي وللاستبداد العائلي بأي ثمن. سؤالي هو: أنتم كمعارضة سورية كيف تنظرون الى الموقفين العربي و الدولي تجاه الوضع الحالي فى سوريا وتجاه نظام الأسد؟ هل تحاول الدول الغربية والعربية الإبقاء على نظام الاسد لضمان مصالحها؟
النبواني: لا تأبه دول حقوق الإنسان في سياساتها الخارجية لأدنى حقوق الإنسان ولا تستخدمها إلا شعارات تمتطيها لتحقيق مصالح خارجية وأحياناً داخلية. القضية هي قضية مصالح اقتصادية أولاً وجيوسياسية ثانياً وانتخابية ثالثاً أما إنسانية فأبداً. لقد سارعت الدول الأجنبية القوية للتدخل في ليبيا طمعاً في البترول الليبي، ولكن ليس في سوريا ما يغري مطامع هذه القوى أو ما يُسدّد فاتورة الحرب خاصة في فترة الأزمة الاقتصادية القويّة التي تمر بها دول الغرب. لكن إذا لم يكن هناك مصالح اقتصادية فلا شك أن هناك مصالح جيوسياسية مُعقّدة تصبُ أحياناً لصالح النظام الأسديّ وأحياناً أُخرى ضده. فمثلاً لا مصلحة لإسرائيل في تغير نظام الأسد لأنها تعرف التعامل معه وهي لا تدري ما هو شكل الدولة القادمة التي يمكن أن تهدد أمنها وحدودها التي حفظها لها نظام الأسد منذ عام 1973 وهذا يُشكل عاملاً يجعل الكثير من الدول الغربية مترددة حيال الوضع في سوريا. ثانياً هناك تخوف بعد انتخابات تونس ومصر من وصول الحركات الإسلامية المعادية للغرب إلى السُّلطة في سوريا الأمر الذي سيهدد مصالحه في منطقة الشرق الأوسط. تسعى فرنسا بقوة للتدخل عسكرياً أيضاً في سوريا لأن الأمر يخدم مصلحة الحكومة الحالية بقضية الانتخابات بحيث تظهر تلك الحكومة لشعبها سعيها لمساعدة الشعوب في تحقيق ديمقراطيتهم وتحرف انتباههم عن المشاكل الداخلية في فرنسا، لنفس السبب الانتخابي، ولكن لأسباب مختلفة تبدي الولايات المتحدة الأمريكيّة عدم رغبتها بأي تدخل عسكري فهي تعاني من أزمة اقتصادية ونفسية بعد حربها لأفغانستان والعرق ولا تريد خسارة الناخب الأمريكي قُبيل الانتخابات بحروب جديدة. أخيراً والأهم من هذا كله هو أن سوريا ليست بلداً منعزلاً وإنما هي تتموضع في كتلة إقليمية تتكون من إيران والعراق وسوريا ولبنان مما يستدعي تحريك كل تلك الكتلة بل وتفكيكها إذا ما تم كسر إحدى حلقاتها وهذا ما يُفسر استقتال هذه الدول في الإبقاء على نظام الأسد بما في ذلك رشوة روسيا والصين وتوتير المنطقة بكاملها. نعم الملف السوري مُعقّد، ولكن كثرة الخلخلة تؤكد أن هذا الباب المُغلق صار قاب قوسين أو أدنى من أن يتخلّع ويفتح بذلك المنطقة على مستقبل جديد وغامض بنفس الوقت.
في كل هذه التجاذبات تعرف جامعة الدول العربية جيداً محدودية ما يمكن أن تقوم به وهي بالنهاية عبارة عن مجموعة دول عربية لبعضها مصالح ولأُخرى مخاوف مما يحصل في سوريا مما يجعل قراراتها متباينة وغير فاعلة بأي حال من الأحوال. لا أريد أن أفوِّت في هذه المناسبة الإشارة إلى الدور المتخاذل بل والمتآمر الذي تقوم به حكومة الجزائر ضد رغبة الشعوب العربية في التحرُّر وذلك لخشيتها من أن تمدد رياح التغيير إليها. في هذا الصدد يبدو لي أحمد بن حلي نائب أمين الجامعة العربية موظفاً صغيراً يعمل لصالح النظام السوري في الجامعة العربية.

كولان: كان الموقف التركي فى البداية مع المعارضة ومع الشعب السوري، ومع أن المسؤولين الأتراك يدينون، من خلال تصريحاتهم الإعلامية، الأعمال التى ارتكبها والتي لا يزال يرتكبها نظام الأسد ضد شعبه، لكن فى الواقع الفعلي، فإن تركيا تقف حاليا موقف المشاهد ازاء ما يجرى فى سوريا. كيف تفسرون هذا الموقف التركي ولماذا تراجعت تركيا عن الجدية التى ظهرت عليها فى البداية؟
النبواني: ليست تُركيا في النهاية سوى دولة تتعامل بمنطق السياسة الحالي البراغماتي وما يُحركها هي مصالحها وإمكانياتها وحسابات الربح والخسارة ففي السياسة كما كان يقول تشرتشل ليس هناك أصدقاء دائمون وإنما هناك مصالحة دائمة. من هذا المنطق تتحرك تركيا وفقاً لعلاقات القوى وتغيراتها في المنطقة فهي تخشى على تدهور الأوضاع فيها فيما لو تدهور الوضع في سوريا وامتلأت تركيا بالمهاجرين وانتقل الصراع الطائفي إليها وهي تُدرك تماماً من جهةٍ أُخرى أنها لا تستطيع التدخل بمفردها عسكرياً دون قرار من مجلس الأمن. تعي تركيا أن إمكانية التدخل الدولي في سوريا أمر مؤجَّل الآن على أقل تعديل نتيجة الفيتو الروسي والصيني وهي تُدرك كُلفة عملية أي تدخل تركي عربي في سوريا وحجم وأهمية التهديد الإيراني وبالتالي هي تعيد حساباتها وفقاً لميزان القوى وبما يتلاءم أولاً وأخيراً مع مصالحها على اختلاف أشكالها.

كولان: لقد عانى الشعب الكردي فى سوريا كثيراً فى ظل نظام الأسد، حتى أنهم حُرموا من نيل الجنسية السورية وحقوق المواطنة. نحن الأكراد تابعنا وبكل جدية برنامج و مواقف المعارضة السورية، لكن مع الأسف الشديد لم نرَ أي شيء فى برنامج المعارضة حول حقوق الاكراد فى سوريا. هل تغمض المعارضة هي أيضا عينها عن حقوق الاكراد فى سوريا؟ أم أن عندكم خطوات بهذا الشأن غير معلنة لحد الآن؟
النبواني: يجب عليَّ أولاً أن أُحييّ أهلنا الأكراد الذين رفضوا محاولات النظام بفصلهم وتحييدهم عن بقية الشعب السوريّ على أساس أثني ومحاولة إفهامهم أنهم يقفون في الجانب الآخر من السوريين العرب. لقد كان هذا الموقف شجاعاً لأنه كان في بداية الثورة والأمور كانت غير واضحة أبداً وكان موقفاً مميزاً لأنه جاء ممن هُمِّش واضطُهِد وسُلبة حقوقه طويلاً على يد هذا النظام الفاشيّ. لكن تظل "المسألة الكرديّة" مسألة حساسة ودقيقة في سوريا الآن وفي مرحلة ما بعد الأسد. كان حزب البعث يظن أن العروبة هي هوية تقوم على القومية ولم يفهم أنها مكوِّن ثقافي وتاريخي عليه ألا يقصي غيره من المكونات الثقافية وأن لا يفرض عليه لونه أو يحاربه ويخرجه من دائرته. ليس الأكراد بنظري سوريين آخرين بل هم سوريون أولاً وأخيراً لهم ما للسوريين من حقوق وعليهم ما عليهم من واجبات. بهذا المعنى يجب العمل على رد الاعتراف بالهوية السورية للأكراد وإنهاء تلك الحرب الهوياتية المُصطنعة والمفتعلة بين عرب وكُرد لتكون الهوية الجديدة هي الهوية السورية. عندها لن يكون هناك مُشكلة أن يتولى الحكومة السورية مثلاً شخص كان يُصنف كُردياً غير عربي في فترة نظام البعث.
لكن، لم يعاني الأكراد فقط من عُسف النظام بل عانى منه الشعب السوري بالكامل مع الاعتراف بأن معاناة الأكراد كانت أعظم وأكبر. لماذا لا يوجد هناك تصوُّر جديّ للمسألة الكُردية؟ بصراحة لأن الموضوع لم يخرج من ثنائيته المتقابلة عرب في مقابل الكُرد أو العكس. وبصراحة أكبر هناك طرح خطير يُطالب به بعض الأكراد، انطلاقاً من منطق الانتقام أو التعويض للضحية، بحيث يدعون إلى تعامل مُميّز للأكراد سواء لمعاناتهم الطويلة مع النظام أو سواء لرغبتهم بتشكيل كبان سياسيّ يشبه الدولة الفدرالية كما حصل في العراق. لا يبدو هذا الطرح مُمكناً برأيي ولا أظن أن المثال العراقي الإقليمي إلا مثال سيء سيفصل بين العرب والكرد ويعقد مشاكلهم ويؤكد اختلافهم بدلاً من أن يساعدهم على أن يتعايشوا جميعاً تحت سقف وطن واحد بنفس الحقوق والواجبات؛ وطن لن يكون عربياً خالصاً ولا كُردياً خالصاً بل سورياً للجميع. يتحدث الكثير من الأكراد عن حُلم قيام دولة كردية وأتفهم معاناتهم نتيجة القمع الذي تعرضوا له من قبل الأنظمة الحاكمة في كل من تركيا وسوريا والعراق، ولكنني وبصراحة ضد قيام دولة على أساس قومي خالص أو ديني خالص. لماذا نُطالب بالانفصال عن دولة ولدنا وعشنا فيها وصار لنا فيها كل الحقوق والواجبات على قدم المساواة مع أي فردٍ آخر؟ بهذا الصدد أعجبني مؤخّراً بيان المجلس الوطني الكرديّ الذي أكد على عدم الاستقلال أو الانفصال عن سوريا وأن هذا البلد سيصير لكل أبنائه عرباً وكُرداً دون تمييز.


كولان: لدى سوريا موقع جيواستراتيجي مهم في المنطقة، ولحد الآن هي بصورة رسمية فى حالة حرب مع إسرائيل، و لها تحالف تأريخي واستراتيجي مع إيران، ونفوذ وتأثيرات قوية على لبنان وفلسطين. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : بعد سقوط او رحيل نظام الاسد كيف ستتغيّر المعادلة السياسية فى المنطقة؟
النبواني: ربما يكون الشعب السوري الثائر قد أخذ بشكلٍ لا واعٍ ـ بعد صراعه الطويل والمميت مع النظام ـ مجموعة من ردود الأفعال التي تقف على الطرف الآخر من مواقف النظام المُعلنة وهو بالتالي ينقُم مثلاً على سياسات إيران في سوريا وهيمنتها على القرار السوريّ وربط مصيره بمصالحها ونفوذها كما ومن الواضح أن إعجاب السوريين بحزب الله وبقائده حسن نصر الله قد انقلب مؤخّراً إلى كُره وعداء وصار الشارع السوري الثائر يتهم النظام صراحةً بحفظه لحدود إسرائيل وعدم السعي إلى تحرير الجولان الخ. لكن مع كل ذلك، فبرأيي أنه وبعد سقوط الأسد لن تكون سوريا في النهاية سوى دولة تلعب بالأوراق السياسية ببراغماتية كما تقتضي قوانين هذه اللعبة في عالمنا المُعاصر المصلحيّ ولن تقطع علاقاتها نهائياً لا مع إيران ولا مع غيرها من الدول، ولكنها ستُخرج سوريا من هيمنة المشروع الإيراني الإمبراطوريّ. لقد رأينا مثلاً نقمة الشعب التونسي على نظام معمر القذافي لدعمه الصريح زين العابدين بن علي وتقديم المساعدة له لكي يبقى في الحُكم ثم محاولة زعزعة الأمن في تونس، ولكن الأمر لم يتحول إلى صراع مُباشر مع نظام القذافي بعد رحيل بن علي بل إلى لُعبة دبلوماسية وتوازن قوى ورغبة في تهدئة اللعب والالتفات إلى قضايا أكثر إلحاحاً كالأمن والاقتصاد، الخ. نفس الكلام يمكن أن يقال عن موقف ثوار ليبيا من حكومة الجزائر التي دعمت القذافي سراً وعلانية، ولكن ها هي الدبلوماسية ستسود الآن علاقات البلدين.
لا أعتقد أن النظام السوريّ سيسقط دُفعةً واحدة كما يتصور البعض ثم يأتي نظام جديد يحل مكانه بين ليلةٍ وضحاها. ما أتصوره هو قيام مُبادرة ما تُشبه كثيراً أو قليلاً مُبادرة اليمن بحيث يتم من خلالها نقل السُّلطة بهدوء مع بقاء بعض مراكز القوى في النظام الحالي في مواقع مُسيطرة بعد التفاوض معها. مما يعني أن التحول في العلاقات الإقليمية لن يكون دراماتيكياً وسريعاً بل ستتجاذبه مرّة أُخرى لعبة الصراع على المصالح والقوى. على المدى البعيد لاشك أن الخاسر الأكبر سيكون إيران وحزب الله وسيؤدي إلى تغيير في أوراق الصراع على الشرق الأوسط. لن تكون إسرائيل أقل تضرًّراً من إيران برأيي برحيل نظام الأسد فهي وبعد مرحلة من الاطمئنان على سيطرتها على الجولان بدون منافس وعدم خشيتها على أمن حدودها، فإنها ستواجه جملة تغيرات إقليمية كبيرة سواء في مصر أو في سوريا مما سيُهدّد بعودة الحروب العربية الإسرائيليّة من جديد وبخاصة أن السوريين متمسكون بقضية فلسطين واستعادة الجولان قبل ومع وبخاصة بعد نظام الأسد.

كولان: الكثير من المراقبين والسياسيين يتخوفون من اشتعال حرب أهلية داخل سوريا. طبعا كلنا نعرف أن اندلاع حرب أهلية سيكون لصالح نظام الأسد لأن الوضع الثوري سيتحول الى فوضى و عدم الاستقرار. ما هو برنامجكم لتجنب اندلاع حرب أهلية؟
النبواني: لا أُخفيك أن المعارضة السورية على اختلاف تنوع جبهاتها وهيئاتها وأسمائها ليس لديها أي برنامج واضح يُطمئن السوريين أو الخارج لمرحلة ما بعد الأسد. إذا لم تعيد المعارضة بناء صفوفها من جديد، فإن الملف السوري سيزداد تعقيداً وسيطول الألم السوري وقتاً أطول وستكثر المصالح في وطنٍ قرار نيرونه حرقه قبل أن يخرج من السُّلطة. ليس تجنُّب الحرب الأهلية إذن هو ورقة تقدمها المعارضة السورية، وإنما هو حصيلة لوعي الشعب السوري الذي يُدرك جيداً أنه لا يستطيع أن يعيش إلا معاً بكل ألوانه وأطيافه وتنويعاته التي لا تزيده إلا غنىً وثراءً. دعني هُنا أُميِّز ما بين الحرب الأهلية التي يمكن أن تقوم بين مكونات المُجتمع وما بين صراع عسكري عسكريّ يظل بشكله الأعم والأكبر صراع بين جيش الأسد وبين الجيش السوريّ الحُر. طبعاً يُمكن أن يتبع لذاك قطعان الشبيحة ولهذا بعض المتطوعين من غير العسكريين لكن جوهر الاقتتال هنا لن يكون حرباً مدنية وإنما عسكرية الهويّة. لن يقتتل السوريون إذن على أساس الإنتماء الديني أو الطائفي أو الإثني فهم قد حافظوا حتى الآن، مع بعض الاستثناءات هنا وهناك، على رفض للطائفية والتأكيد على أن الشعب السوري واحد.
لا أخفي بهذا الصدد تخوفي من حالات انتقام قد تحدث بعد سقوط النظام في هذه المنطقة أو تلك، ولكن سيتم السيطرة عليها برأيي لتستقر الأمور بعد ذلك مع الزمن. لذلك لا بد أثناء التفاوض على رحيل النظام وفي المرحلة الأولى التي تسبق تسليم السُّلطة من فتح حوار وطني شامل لكل السوريين ومد اليد لمن كان في الجهة المٌقابلة، وإلا لوقع المحذور ولاستبدلنا نظاماً يُقصي ويميز ويستبعد بشقيقه التوأم.
Top