• Wednesday, 24 April 2024
logo

الشاعر والناقد هشام القيسي: العراق طليعة التحديث في الشعر العربي

الشاعر والناقد هشام القيسي: العراق طليعة التحديث في الشعر العربي
هشام القيسي شاعر وكاتب وناقد كركوكي، نتاجاته تعبر اصدق تعبير عن هوية كركوك ذات الثقافة التعددية، هذه المدينة التي تتكلم بلغات عدة وتكتب بلغات عدة وتعترف على الصعيد الرسمي المحلي باربعة لغات (العربية، الكردية، التركمانية والسريانية) كلغات اصيلة لسكان المدينة...
حاوره: طارق كاريزي

احد الرموز الثقافية البارزة في كركوك. هشام القيسي شاعر وكاتب وناقد كركوكي، نتاجاته تعبر اصدق تعبير عن هوية كركوك ذات الثقافة التعددية، هذه المدينة التي تتكلم بلغات عدة وتكتب بلغات عدة وتعترف على الصعيد الرسمي المحلي باربعة لغات (العربية، الكردية، التركمانية والسريانية) كلغات اصيلة لسكان المدينة. اطفال هذه المدينة كل متاح له الدراسة بلغته الام، اسواق المدينة بما يجوبها من زبائن وبما فيها من باعة وتجار واصحاب محال تجارية او محترفات او امكان مهنية وخدمية، الكل يتكلمون في احضانها بلغات المدينة. انها مدينة الالوان واللغات والثقافات المتعايشة على مدار قرون خلت.
في هذه البيئة الثقافية الغناءة تتوفر الفرصة للنخب الثقافية الابحار في اكثر من ثقافة والتقرب من نبضات النخب باكثر من لغة، وفي ذلك نعمة كبرى وارضية خصبة لمن يود ان ينهل من منابع متعددة. ولعل هشام القيسي احد العناوين الثقافية البارزة في مسعاها للاستفادة من اجواء التعددية الثقافية في كركوك. فهو وان يجيد لغات كركوك الا انه من حيث المطالعة والكتابة ينحصر مسعاه باللغة العربية، وهذا لم يمنعه الاندماج مع بقية ثقافات كركوك من خلال ما يترجم من الكردية والتركمانية والسريانية الى العربية، وبذلك فقد اختط لذاته نهجا اثمر عن مشاريع كتابيّة بناءة عبرت عن نفسها في مؤلفات عن الشعر الكردي والتركماني وعن ادباء وكتاب وشعراء من جميع اثنيات كركوك.
في زياراته المتكررة الى مكتبة كاريز، وبالمناسبة فهو من المواظبين على زيارتها، خصوصا مع زميلنا الكاتب والروائي تحسين كرمياني، نطرق معا ابواب شتى للادب والثقافة واحيانا تحيد المناقشات باتجاه السياسة، ذلك العالم الذي لا يتوافق مع رؤى الاديب والكاتب، وبعد ساعات ملؤها الحوارات تنتهي جلساتنا التي هي بمثابات حوارات ادبية ونقاشات ثقافية على الود والبركة، ثم نودع بعضنا على امل العودة واللقاء في اقرب وقت ممكن. وفي آخر زيارة له بعد الارتخاء النسبي لحالة حضر التجوال التي فرضتها ظروف انتشار وباء الكورونا، دخلنا كالعادة في حواراتنا الادبية. مع ان الادب والشعر باتت من مفردات اهتماماتي الثانوية منذ سنين، الا ان ذلك لا يعني عدم الالمام بهما، لذلك طرحت على الشاعر والناقد هشام القيسي حزمة من الاسئلة حول عالم الادب والشعر العربي، انقل البعض منها مع اجوبة الاستاذ القيسي عنها باختصار:
*لو اردنا تصنيفا لتأريخ الشعر العربي، بدءا من العصر الجاهلي كبداية للشعر (الكلاسيكي) العربي، كيف توضح لنا هذا التصنيف؟
-من المؤكد ان الشعر الجاهلي هو الاساس او الجذر الذي اثمر تاريخ الشعر العربي طوال خمسة عشر قرنا، وبذلك ومن باب التصنيف الشائع للآداب العالمية نستطيع ان نقول بان الشعر الكلاسيكي العربي يبدأ بالعصر الجاهلي وذورته تجسدت في المعلقات ومن ثم شهد الشعر العربي طفرة كبيرة في العصر العباسي.
*ما طبيعة هذه الطفرة التي حدثت في الشعر العربي اثناء العهد العباسي؟
-من باب كون الشعر يجسد صورة المجتمع وواقعه الحياتي والحضاري، فبناء عليه يمكننا القول بان الشعر العربي الذي سبق العصر العباسي كان شعرا يمثل حياة البداوة والقيم البدوية. فالمجتمع العربي قد عاش وسط بيئة شبه الجزيرة العربية وعبر الشعر عن تفاصيل هذه الحياة والمنظومة القيمية السائدة فيها. اما المجتمع العربي في العصر العباسي فقد شهد ظهور وسيادة الحياة الارستقراطية، وهذا يعني تغييرات بنوية كبيرة في طبيعة الحياة ونمط التفكير ومديات الذائقة الجمالية. وقد انعكس كل ذلك على النتاجات الشعرية لشعراء هذا العصر.
*اي اننا اما تغييرات في القاموس الشعري؟
-ان القصيدة العمودية حافظت على سيادتها حتى بزوغ فجر الشعر الحديث، وبالمناسبة فان منبع الحداثة في الشعر العربي كان العراق حيث جاء كل من بدر شاكر السياب، محمود البريكان، نازك الملائكة، بلند الحيدري، عبدالوهاب البياتي وآخرون باسلوب شعري جديد سميّ بالشعر الحديث حيث مارس هؤلاء الشعراء نوعا من الحرية في استخدام التفعيلة وكذلك دمج اكثر من بحر شعري في القصيدة، وشكلت هذه الحالة نقلة في الشعر العربي الذي بات آخر عمالقته الجواهري وخليفته عبدالرزاق عبدالواحد. ومن ثم ظهرت انماط شعرية جديدة كالشعر المعاصر وقصيدة النثر والسردية الشعرية.
*هل توافقني في ان المشرق العربي هو منبع الشعر والمغرب العربي هو منبع الفكر، بالدرجة التي نرى بان الشعر في بلدان المشرق العربي خصوصا العراق اصبح الوريث للشعر العربي والمكمل للتراث الشعري للعرب، اما بلدان المغرب العربي وخصوصا مراكش شهدت ظهور المفكرين وربما الفلاسفة ايضا وكأنهم امتداد لمدرسة ابن رشد الاندلسية في الفلسفة وعالم الاجتماع الكبير ابن خلدون؟
-هذا الكلام صحيح الى حد بعيد، وربما تعد مصر منبع الرواية العربية، فالمشرق العربي حقيقة ظل ينهل من ثقافته العربية المشرقية التي تجد في الشعر افضل الفنون الادبية واسماها، فيما خضعت بلدان المغرب العربي لحالات من الاحتكاك مع الثقافات الاوربية كالثقافة الفرنسية والاسبانية والايطالية، وكل ذلك دفع المشهد الثقافي في بلدان المغرب العربي للتقرب اكثر فاكثر من نمط الثقافة الغربية او الثقافة العربية والشرقية المطعمة بالنمط الثقافي الغربي الذي رفع من شأن الفكر والفلسفة، وترك ذلك ثماره في المشهد الثقافي لبلدان المغرب العربي.
Top