• Thursday, 18 April 2024
logo

ضعف احدهما قوة للاخر.. البوبولزم (populism ) والنظام الديمقراطي متضادان

ضعف احدهما قوة للاخر.. البوبولزم (populism ) والنظام الديمقراطي متضادان
البوبولزم كتهديد للديمقراطية وبناء المؤسسات
في الفصل الثامن من دراستهما التي اعدوها لجامعة ستانفورد تحت عنوان ( المؤسسات السياسية والبوبولزم والديمقراطية في امريكا اللاتينية ) يشير البروفيسوران باتريشو نافيا وايغناسيو والكر الى ان احد اهم التحديات التي تعترض البناء الديمقراطي في دول امريكا اللاتينية هو ظهور القادة البوبوليست , والخطورة الاكبر هنا تكمن في ان هؤلاء القادة البوبوليست يظهرون عن طريق التصويت .

وحينما يبرز هؤلاء القادة البوبوليست فان مؤسسات النظام الديمقراطي تتعرض للوهن . لذا يجب التأكيد على ضرورة تثبيت مؤسسات النظام الديمقراطي للحيلولة دون بروز ظاهرة البوبولزم .

هذان البروفيسوران يضعان الاصبع على الجرح وعلى معوقات البناء الديمقراطي في الدول المقبلة على مشروع دمقراطية الـ ( now – populism ) الامركية اللاتينية ويقولان :
( ان البوبولزم الجديد يراعي اسس اللعبة الديمقراطية ويدخل الى المشروع عن طريق صندوق الانتخابات , غير ان هدف البوبولزم هو انتاج الديمقراطية الشخصية (personalistic democracy ) للبوبوليست ذاته وليس بناء النظام الديمقراطي النياني المؤسساتي ,كما هو الحال مع ديمقراطية هوغو شافيز في فنزويلا ونستور كيرنجر في الارجنتين وايفو مورالس في بوليفيا .

اذن ,فان الطريق الوحيد الذي يضع حدا لظهور النيو بوبوليزم هو الديمقراطية المؤسساتية , لابد من تقوية مؤسسات المجتمع الديمقراطي من اجل بناء المؤسسات الديمقراطية النيابية وتصبح ( dem ocracy of institutions) أي ديمقراطية المؤسسات .

ان النتيجة التي توصل اليها البروفيسوران نافيا و والكر هي ان هناك علاقة متضادة ومتقاطعة بين البوبولزم ومؤسسات النظام الديمقراطي , وكلما ظهر البوبوليست في مجتمع ما فهذا يعني ان المؤسسات الديمقراطية واهنة وهزيلة , واذا اراد ذلك المجتمع او النظام ان يضع حدا لظاهرة البوبولزم فلابد من تقوية المؤسسات داخل النظام الديمقراطي من اجل قطع الطريق على الديمقراطية الشخصية والبوبوليست .

لكتابة هذا التقرير ومن اجل متابعة اكثر لهذا الموضوع وحول ظاهرة بروز القادة البوبوليست وعن المخاوف التي تعترض النظام الديمقراطي المؤسساتي , توجهنا بالسؤال مباشرة الى بعض الخبراء والمختصين في الديمقراطية في دول امريكا اللاتينية .

البروفيسور كنيث روبرت رئيس القسم الحكومي في جامعة كورنيل والمتخصص في النظم الحزبية والبوبولزم والليبرالية الجديدة في امريكا اللاتينية , فعبر عن رأيه لمجلة كولان على النحو التالي :
( ان التعريف الذي يتناول القادة البوبوليست في امريكا اللاتينية هو على النحو التالي : هي تلك الشخصيات التي غالبا ما تظهر من خارج المؤسسات وتخاطب الناس العموميين ولا سيما اولئك الذين يعتقدون انهم على هامش العملية السياسية , وبهذا الشكل فانها تتحدى النخبة السياسية والنخبة الاقتصادية في البلاد . ورغم ذلك فانا اعتقد ان كل الديمقراطيات تحوي نوعا من البوبوليست لأن القادة عادة ما يدعون انهم يمثلون مطالب الجماهير,غير ان ما يميز البوبولزم عن الديمقراطية هو ان القادة البوبوليست يعارضون السلطة ويتحدونها ويتحدون النخبة الحاكمة , من خارج المؤسسات ).

وحول مدى تأثير ظاهرة البوبولزم على اضعاف مؤسسات النظام الديمقراطي النيابي يقول البروفيسور روبرت:
( في الحقيقة ان ظهور القادة البوبوليست مرهون بشكل اكبر بوجود المؤسسات السياسية الضعيفة , وبشكل خاص النظام الحزبي , اذ ليس بمقدور هذه المؤسسات توفير الارضية لصراع صحي بين الاحزاب السياسية , فضلا عن عدم وجود مجتمع مدني قوي , وفي نفس الوقت فان المؤسسات الحكومية عاجزة عن توفير الخدمات المطلوبة للناس , حينها تنبثق هذه الشخصيات البوبوليستية من خارج المؤسسات وتحاول استمالة الناس نحوها , ولهذا فانا اقول ان نشوء هذه القيادات البوبوليستية هو رد فعل لضعف مؤسسات النظام الديمقراطي , عليه فان البوبوليست يظهرون في الظرف الذي تكون فيه المؤسسات ضعيفة للغاية فيلجؤون الى مخاطبة الناس بشكل مباشر ).

نستنتج من حديث البروفيسور روبرت الذي خص به مجلة كولان ان ظهور القادة البوبوليست او النيو بوبوليست هو نتيجة مباشرة لضعف مؤسسات النظام الديمقراطي وضعف النظام الحزبي في ذلك البلاد .واذا ما نظرنا في هذا الاطار الى ضعف النظام الحزبي , سنرى ان الديمقراطية النيابية أي تلك الديمقراطية التي تنجم عن طريق صراع الاحزاب السياسية كما يشير البروفيسور ادم بروزكي من جامعة نيويورك , واكثر من هذا فان بروزكي يؤكد ان ( بدون وجود الاحزاب السياسية فلا وجود لديمقراطية مستقرة في العالم ).

اذن ,حينما يظهر قائد من قادة البوبوليست فان ذلك يعني الشروع باضعاف الاحزاب السياسية وانكار وجودها, ويشرع القادة البوبوليست بمخاطبة الناس والاعلان عن ان الاحزاب السياسية فاسدة وتعمل بالضد من ارادتكم ولهذا فلابد لكم من اتباع ارادتي فانا (مخلّصكم) مما تعانون!! على الرغم من ان البوبوليست يعرف – وقبل الاخرين – انه ليس المخلّص , غيرانه يشرع بدعوته هذه للاسباب ادناه :

1- حينما يدخل القائد البوبوليست الى مشروع اللعبة السياسية فانه يعلم علم اليقين ان الاحزاب السياسية هي العامل الاساس في بناء الديمقراطية النيابية والديمقراطية المؤسساتية , غير ان هدف البوبوليست هو الديمقراطية الشخصية , بمعنى انه يسعى الى توظيف فكره هو بدلا من الاسس الليبرالية .

2- فيما اذا كانت هناك مؤسسات قوية واذا كانت سلطات النظام الديمقراطي تخضع للرقابة ( رقابة سيادة القانون ) فان البوبوليست يحاول ان يضطلع بدور الرقيب على كل السلطات الموجودة داخل النظام السياسي , أي انه يقول للناس انه هو الرقيب الحقيقي وليس سيادة القانون .
حول هذه الموضوع ومعادة البوبوليست للقيم الديمقراطية , يقول البروفيسور روبرت لمجلة كولان ( ان عامل عدم تأييد البوبوليست لتطبيق القيم الديمقراطية يعود الى ان السلطات في النظام الديمقراطي لابد ان تمارس ضمن اطار واضح , عدا عن هذا فان السلطات تخضع للمراقبة في النظام الديمقراطي ).



تأثير الفكر اليساري على ظهور البوبوليست وعلى بناء الديمقراطية الفردية بدلا من المؤسساتية

يعتقد البروفيسوران نافيا وولكر من جامعة ستانفورد ان الاحزاب السياسية في امريكا اللاتينية هي التي توفر الارضية الخصبة لظهور البوبولزم , لأن الاحزاب في اغلب بلدان امريكا اللاتينية لم توفق في بناء مؤسسات النظام الديمقراطي او انها حاولت بناء مؤسسات النظام الديمقراطي غير ان البوبوليست حالوا دون ذلك .

ويعتقد البروفيسوران المذكوران ان , في كلتا الحالتين , في حالة ان ظاهرة البوبوليست هي التي تحول دون بناء مؤسسات قوية , او ان الاحزاب لم تتمكن من بناء المؤسسات القوية , فان ذلك يعيدنا الى ذات النتيجة وهي ان بروز ظاهرة البوبولزم مرهون بضعف مؤسسات النظام الديمقراطي , عليه , كلما كانت الاحزاب السياسية فاعلة داخل المجتمع وكلما كان سعيها من اجل الاتيان بديمقراطية نيابية ,كلما اضمحلت ظاهرة البوبولزم , من هذا نفهم ان من الطبيعي ان يقف البوبولزم ضد الاحزاب السياسية وان يحاول ان ينزع عنها ثقة الناس داخل المجتمع , و السبب في هذا تكشفه لنا شخصية البوبوليست وهو , ان الديمقراطية الناجمة عن طريق الصراع بين الاحزاب السياسية داخل المجتمع ينظر اليها البوبوليست وكأنها خصم له .

حول النظام الحزبي في البلدان التي تبرز فيها ظاهرة البوبوليست وحول الاحزاب السياسية وعداء البوبوليست للنظام السياسيي الذي تفرزه الاحزاب السياسية , يقول البروفيسور ديسبو ساتو المتخصص في النظام الديمقراطي و ظهورة البوبولزم في امريكا اللاتينية, يقول لمجلة كولان ولهذا التقرير بالتحديد :
(في اغلب الحالات تكون الديمقراطية سببا في ان يتبوأ البوبوليست دفة الحكم , وغالبا ما ينظر البوبوليست الى نواقص الديمقراطية بيأس ,و ليس كل الناس من البوبوليست لأننا نحن ايضا نجد الكثير من النواقص والقصور في الديمقراطية غير ان البوبوليست ,ومن خلال منظورهم لهذا اليأس , يعتبرون النظام في بلادهم غير شرعيا و يعتبرون السياسة مسألة عادية لا تحتاج سوى الى قائد يتمتع بالقوة فضلا عن مستقبل حقيقي .

في الديمقراطية الحديثة , المسائل اكثر تعقيدا , غير انهم ولكونهم على اعتقاد انهم يستطيعون معالجة كل القضايا من خلال وجود حكومة قوية فحسب ولهذا يمكن ان يكون البوبوليست معادون للديمقراطية , وغالبا ما يتضح ان هذا خطأ ويبقى البوبوليست خطرا دائما على الديمقراطية .
كل الانظمة السياسية فيها نسبة من البوبولزم, ولكن , حينما تخفق الاحزاب السياسية ,يتعرض الناخبون الى اليأس فيستجد مناخ يستفيد منه القادة البوبوليست ).

حول قصر نظر البوبوليست واستخفافهم بالمعادلالت السياسية , يقول البروفيسو سكوت ديسبا سوتو :
( البوبوبوليست لديهم نظرة متواضعة الى العالم ,فهم يرون الواقع على النحو التالي : قائد قوي يمكنه ان يقود الامة وان يحقق طموحاتها على افضل وجه ويعتبرون السياسة مسألة عادية لا تحتاج سوى الى الفعل .

البوبوليست يعتبرون خصومهم من المفسدين وجزءأ من المشكلة الكبرى, ولهذا وفي كثير من الحالات يعتبرون الانتخابات عائقا في طريق ايجاد الحل الحقيقي , لكن واقع الحال شئ اخر وفي اغلب الديمقراطيات,تحتاج السياسة الى التسامح , لأن الناس عادة ما تكون غير راضية من مواقف القادة والاحزاب السياسية ولكن , المسألة في الديمقراطية ليس في تحقيقك لكل شئ بل فيما اذا كان حق الحياة والحرية مصانا وفيما اذا كان بامكان الجميع ان يكون لهم تاثير في عملية صنع القرار ؟ اغلبية المواطنين في المجتمعات الديمقراطية غير راضين على سياسات حكوماتهم , ولكن اغلب المواطنين ايضا , في المجتمعات الديمقراطية ,يفضلون الحكم الديمقراطي على اشكال الحكم الاخرى, واكثر من هذا فان هناك الكثير من الادلة على ان الديمقراطية هي السبب في الانعاش الاقتصادي وتامين الخدمات العامة والتقدم ).

استنادا الى ما قاله البروفيسور ديسبا سوتو , هنالك نوع من العداء بين البوبولزم والنظام الديمقراطي المؤسساتي ,كما هناك تضاد اخر وهو ان البوبوليست يظهرون من خلال صناديق الاقتراع .

وحول اذا ما كان البوبوليست يشكل تهديدا على النظام الديمقراطي ؟ يقول البروفيسور سوتو :
( البوبوليزم ليست على النقيض من الديمقراطية في كل الاحوال الا انها غالبا ما تتحول الى تهديد لاسس الديمقراطية المستقرة , على سبيل المثال , يجب على الجميع الالتزام بالديمقراطية والانتخابات وان يحترم نتائج الانتخابات التي تعتبر عن ارادة الناس , في بعض الحالات ولفرط ايمانهم بانفسهم فان البوبوليست لا يحترمون نتائج الانتخابات , ان الثقة بين الاحزاب السياسية متدنية في العديد من البلدان و من بينها الولايات المتحدة الامريكية , كما ان تطوير حزب سياسي صلد, بحاجة الى مزيد من الوقت.

امريكا تعاني من الكثير من الصعوبات, فقد عانت من العصيان ضد الحكومة اول الامر , وقد مر وقت طويل لنشهد هذا النظام السياسي الذي نراه الان ).

ضمن هذا الاطار وفي متابعة اكثر حول تاثير نظم الاحزاب السياسية وحول بروز ظاهرة البوبوليست , يقول البروفيسور محمد توكلي,المتخصص في الحضارة والدراسات السياسية والتاريخية في جامعة تورنتو
الكندية :
( صناعة الاحزاب الشمولية و القادة البوبوليست ليس مرهونا بالبلدان النامية فحسب بل ان هذه الاحزاب تظهر في البلدان الاوربية وفي الولايات المتحدة الامريكية ايضا , ولكن المهم هو ان يعي الناس حقيقة ان هذه الاحزاب لا تمثل مجموع الناس في بلدانها ,على عكس ادعاءاتها وشعاراتها و كما على الناس ان تتعلم ان تطرح جملة من الاسئلة المحددة على الاحزاب السياسية , تتعلق ببرامج عمل تلك الاحزاب فيما يتعلق بالرقابة الصحية وتحسين الوضع التربوي وغيرها من الامور .

وعلى الرغم من ان البوبوليست لا تعتبر نفسها ضمن الشموليين الا ان نتائج اعمالها تؤدي بهم بان يتصرفوا كالاحزاب الشمولية .

ان الهدف من محاولات البوبوليست هو ان يوحوا بان ذلك الشخص او تلك الجهة تعبر عن مطالب الناس وعن وجهات نظر الجميع في الوقت الذي لا يمثل ذلك الحزب سوى جزء قليل من الناس ومرد هذا هو ان الاحزاب الشمولية اسست ايديولوجيتها على مبدأ انها هي التي تمثل طموحات وامال مجمل الناس في بلدانها , على سبيل المثال , البوبوليست يتولون دفة الحكم من منطلق انهم سيسعون الى تحقيق حياة افضل للناس غير انهم وفي حال اخفاقهم في ادائهم وفي تحقيق ما وعدوا به فانهم يلجؤون الى معادات الاحزاب الاخرى, ويضعون اللوم على عاتق القوى الاخرى ويحملونها تبعية الاخفاق وينظرون اليها كعدو على اعتبار انها هي السبب في اخفاقاتهم ). اذن وكما اشار الاساتذة فان البوبوليست يسوّقون انفسهم على انهم مصدر الحقيقة وعندما يحجب الناس عنهم الثقة , لا يتوانون عن النظر الى الناس ايضا ,كاعداء!!


ولقطع الطريق عن هذه الظاهرة يقول البروفيسور نيتينا تان المتخصص في نظام الاحزاب ونظام الحكم في شرق اسيا :
( ان الانتخابات ليست سوى الية لجعل الصراع والتحدي عملية مؤسساتية, ليتواصل الصراع دون عنف واراقة الدماء , ولكن ما يتضح في البلدان النامية هو ان النظام الحزبي لم يتحول الى مؤسساتي , اعني ان الاحزاب السياسية والمرشحين لم يتعلموا بعد اصول اللعبة وكيفة قبول النتائج , على العكس من البلدان التي فيها انظمة حزبية مؤسساتية , فان كل الاطراف ملتزمون باصول اللعبة بشكل يعترف الجميع بحقيقة ان الانتخابات ستنتهي الى طرف فائز واخر خاسر وان الطرف الخاسر سيقبل بالنتيجة بكل سهولة ويسر , غير ان في البلدان التي لم يتحول نظامها الى نظام مؤسساتي فان كل الاطراف يعتبر نفسه فائزة وان الطرف الذي لا تسعده النتائج ,يحاول اللجوء الى ادوات اخرى كالانقلابات والعنف والتعبير عن الرفض والدعوة لاسقاط نظام الحزب الحاكم , وهذا هو سبب عدم استقرار الاوضاع , الدائم , في الانظمة غير المؤسساتية , ومن هذا المنطلق يمكننا القول ان السبب الاول في الانتماء الى الاحزاب السياسية , غالبا مايكون سببا ايديولوجيا , اما السبب الثاني فهو الحصول على موقع سياسي افضل او الحصول على السلطة , اذن , لا يجوز ان ننسى ان الاحزاب السياسية هي ادوات للفوز وللحصول على السلطة .

والنقطة الرئيسية والاهم في الديمقراطية هي الفوز بثقة الناس الذين يتحتم عليهم جميعا القبول بنتائج فوز طرف معين وان يمنح ذلك الطرف الفائز الفرصة لأن يتولى مقاليد الامور ولكننا لا يمكننا ان نحدد ـ ان كان في دول من الدول النامية او المتقدمة ـ ان القائد السياسي , شمولي ام لا ).


ترجمة عبدالرحمن باشا
Top