• Wednesday, 17 April 2024
logo

مرحلة التنوير نحو بناء الدولة القومية.... لاوجود للتغيير السياسي دون تغيير في تفكيرنا

مرحلة التنوير نحو بناء الدولة القومية.... لاوجود للتغيير السياسي  دون تغيير في تفكيرنا
خير تمهيد لهذا التقرير هو طرح السؤال الآتي: لماذا نربط مرحلة التنوير الاوروبي ببناء الدولة القومية؟وهل للدولة القومية تأريخ مشهود ليتم ربطه مع تأريخ التنوير؟ ففي البداية من المحتمل أن تحدث الاجابة عن هذا السؤال نوعاً من التناقض والارباك لدى القاريء،ولكننا عندما نقوم بأزالة الطبقات الكلسية اركيولوجياً عن سلبيات الدولة القومية خلال القرنين ما بعد التنوير، نرى بأن الخطوة الاولى نحو التنوير كانت من أجل تغيير الدولة الدينية الى الدولة القومية،وكان هذا سبباً ليكون مشروع السلام الدائم بين الشعوب إحدى ثمار مرحلة التنوير،وبمعنى آخر فأن فصل الدين عن الدولة،كانت الخطوة الاولى لبناء الدولة القومية،لذا نلاحظ حصول تغييرعلى مفهوم القومية بعد الثورة الفرنسية حيث كان لكل شعب الحق في أن تكون له دولته القومية،و وفق هذا السياق عندما تم إتخاذ الخطوات من مرحلة التنوير نحو بناء الدولة القومية.

لم يكن ينظر في البداية الى هذه المسألة كونها تحتاج الى اجراء القراءة اللازمة لها،والسبب واضح وهو أنه قبل مرحلة التنوير كانت لكل الشعوب دول في إطار ديانات معينة، أو كانت أجزاء من امبراطوريات كبيرة،ولكن في المحصلة وبعد تفكك تلك الامبراطوريات أصبحت لمختلف القوميات دول في اطار الدول القومية،لذا فأن الشعوب التي بنت دولها على أساس فصل الدين عن الدولة كالشعوب الاوروبية وتقدمت خطوات حثيثة الى الامام،كان ذلك نتيجة لحضاراتها وتقدمها، وينظر اليها كثمرة التنوير،وأما الشعوب الاخرى التي كانت لها امبراطوريات أو دول ولم تمر بتلك المرحلة، لانجد لديها هذه النتيجة مثلما نجدها لدى الدول الاوروبية الغربية،وبالدرجة الاولى لها و لشعوبها، وكذلك مباديء التنوير( التسامح، التعايش، حقوق الانسان..الخ)والتي اصبحت مبادىء عالمية لكل الشعوب بالدرجة الثانية، ونسأل هنا الى أي حد استفادت الشعوب الاخرى من ثمرة التنوير فهذا بحث آخر، ولايمكننا القول بأنها استفادت منها على حد سواء،أو حتى اذا اعترفت بها كمبادىء عالمية ،لانستطيع القول بأنها التزمت بها مثلما ينبغي،ولهذا عندما نتحدث في هذا الاطار عن مرحلة التنويرالاوروبي،كمرحلة تؤدي الى فصل تام بين القرون الوسطى و بداية عصر النهضة،نلاحظ بأننا كأمة كوردية وكشعب كوردستان ،نقف عند هذه المرحلة بنوع من الشك والريبة ولكننا في الوقت ذاته معجبين بنتائج و افرازات التنوير و نريدأن نهضم تلك المرحلة وأن تصل قدرات أفراد مجتمعنا الى مستوى افراد الدول الاوروبية التي وصلته بعد التنوير، من اجل تحقيقها.ولكن الشىْ الوحيد الذي يميز امتنا المحرومة والمجزأة عن الامم الاخرى،هو اننا ككورد لم نكن نمتلك دولة قومية مستقلة عند اي محطة من محطات التنوير، وان لم يكن لدينا اطلاع عن هذا التأريخ كفكرة ،ولكن لاتكون لدينا تجربة كتطبيق،وفي الكثير من الاحيان لانضع اعتباراَ لخصوصياتنا ومميزاتنا القومية عند قراءتنا لهذه المرحلة المهمة من تأريخ الانسانية،و الاسوأ من ذلك اننا ننظر الى خصوصيات و مميزات الشعوب المتسلطة والمجزأة عليها كوردستان كأنها خصوصياتنا ومميزاتنا،ولهذا فمن المهم الاشارة هنا الى عدة نقاط:
• في الدول المجاورة لنا والتي تعيش فيها ثلاث قوميات( الفرس و الترك والعرب)و المقسمة عليها كوردستان،ثمة اختلاف بشكل من الاشكال بين الترك والقوميتين الآخريين ،لان الجمهورية التركية الجديدة تأسست على أساس العلمانية أو فصل الدولة عن الدين بعد انهيار الامبراطورية العثمانية ، و تأسيس تلك الدولة لم يكن اصلاً على أساس فصل الدولة عن الدين، بل كانت على اساس معاداة الدولة والدين،الوجه السلبي لهذه الحالة هو بناء الدولة على أساس العلمانية والتي لاتنسجم مع مفاهيم سبينوزا حول العلاقات بين الدين والسياسة و كذلك مع مفاهيم فولتير بشأن التسامح الديني و مناهضة العنف و المذهبية و رد( أمانوئيل كانت) حول السوآل( ماهو التنوير؟) فمثلما ينتقد ريجس دوبريه العلمانية الفرنسية مسميا اياها ب( التنوير العميائي)، فأن بناء الدولة التركية على أساس العلمانية الفرنسية كانت تقليدا عميائيا للتنوير ايضاً،وكيف أن القوميتين الاخريين(العربية والفارسية) بحاجة الى المرور بمرحلة التنوير، فان الدولة التركية بحاجة ايضا الى أن يجري فيها تصحيح الجوانب المظلمة للتنوير ،وفي هذا السياق عندما نتمعن في شروط الاتحاد الاوروبي بشأن قبول تركيا في الاتحاد الاوروبي،نرى انها وضعت شروطاً مطلقة لتعديل دستورها، حتى يصل الى مستوى ينسجم و اسس دستور الاتحاد الاوروبي،وهذا خير رد على الاصوليين و السلفية الاسلامية السياسية الذين يشوهون الوجه المشرق للتنوير،ويحاولون الاساءة الى هذا النتاج الانساني الكبير لاغراضهم و مآربهم السياسية، وهذا دليل على أن نتاج مرحلة التنوير لايهدف الى الاخلال بالدين أومعاداة الدولة من أجل الدين،وهذا ليس بالنسبة لتركيا لوحدها، وانما لفرنسا ايضا.
• وبالنسبة للشعبين( العربي و الفارسي) والذي من الممكن القول بأن الشعب الفارسي له دولته الخاصة وبالنسبة للشعب العربي أيضا له(22) دولة،ولكن الشعبين بحاجة الى المرور مرة أخرى بمرحلة التنوير،واذا ما عدنا الى الدول العربية و سألنا: في الخمسينيات من القرن الماضي و عندما استقلت الدول العربية واحدة تلو الاخرى فأنها لم تخطو نحو الديمقراطية ، وحتى أن لبنان خطى بشكل من الاشكال الى الديمقراطية, ولكن الحروب الداخلية التي حدثت فيه اواسط السبعينيات واستمرت حتى اوائل التسعينيات حالت دون أن يخطو لبنان كدولة ديمقراطية، والاسوء من ذلك ، بما أن العالم العربي يقع في الشرق الاوسط، والشرق الاوسط كان ساحة للصراعات بين المعسكرين الاشتراكي و الغربي ومن أجل أن لايصل المد الشيوعي الى الدول العربية، كانت الدول وعلى رأسها امريكا تساند الدول الدكتاتورية والتيارات الاصولية داخل المجتمع العربي، حيث أن الارهابي الاكبر (أسامة بن لادن) كان أحد نتاجات سياسة الغرب من اجل احتواء الشيوعية في العالم.وهذا كان السبب في عدم وصول موجة الديمقراطية الى المنطقة الوحيدة في العالم وهي الدول العربية من المغرب العربي وحتى الخليج بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق،والان وقد غطت موجة من التغيير العالم العربي من المغرب الى الخليج وبينها سورية، و التفاؤل لهذه الموجة ليس بالاتجاه الذي يشير بأن الدول العربية دخلت مرحلة التنوير وبناء الدولة على أساس الدولة العصرية بعيدة عن القومية العربية العنصريةو الاسلامية الاصولية،وهذه حالة تستوجب بناء المجتمعات العربية مرة اخرى على أساس فصل الدين عن الدولة واحترام الديانات المختلفة داخل البلاد العربية وكذلك احترام الشعوب الاخرى كالامازيغية و الاقباط وحتى الكورد.
• وبالنسبة لنا ككورد وشعب كوردستان، حيث لنا خصوصييات التسامح و التعايش مع مختلف القوميات والديانات ولم يقم بالدمج بين الحركات الدينية والسياسية عبر تأريخ ثوراته المتلاحقة ، لذا فأن هذا الواقع يستوجب بدء مرحلة التنوير من بناء الدولة العصرية المستقلة،والشعوب الاخرى(الفارسي،التركي،العربي)لها دول مستقلة،ولكن تلك الدول بحاجة الى البناء من جديد حالها حال دول عصر التنوير في اوروبا،فمثلما بنت الثورة الفرنسية من جديد الدولة الفرنسية على أساس مجموعة من المباديء( الحرية و الاخاء والمساواة) حيث أن الدولة الفرنسية في عام 1789 لم تكن ابدا الدولة ذاتها قبل هذا التاريخ،فان الحال نفسها تنطبق على دول الشرق الاوسط حيث عليها المرور بمرحلة التنوير لاتشبه ماكانت عليها من قبل،وهنا نكررها ثانية بأن حال الكورد وشعب كوردستان تختلف في هذه المعادلة،صحيح إن شعب كوردستان بحاجة الى ان يخطو نحو التنوير واعادة بناء شخصية افرادها ،الاًُ أن بناء هذه الشخصية وارساء دعائم التسامح الديني والقومي بين مختلف الشعوب والديانات في كوردستان، تبدأ اولى خطواتها من بناء الدولة القومية،وكما يقول هيغل أن قمة عقلانية الافراد و ادارة قدرتها العقلية تتجسد من خلال الدولة،لذا فليكن السؤال الرئيس في هذا التقرير كالآتي: كيف نستطيع تطوير مستوى قدرات الافراد في كوردستان بحيث تستطيع على الاقل اعادة تطبيق نتاجات مرحلة التنوير؟فأنه دون شك هذه الحالة تبدأ من التغيير في تفكير وفكر الفرد الكوردستاني ،وذلك بتغيير اساليب تفكيره الى الهدف الرئيس الا وهو بناء دولته القومية.، وانه لايمكن التغيير في المجالات والقرارات السياسية دون تغيير في تفكيرنا.

بناء الدولة القومية والاستعداد لبدء التنوير
عندما أطلق هيغل على الثورة الفرنسية تسمية نهاية التأريخ،فأنه كان يقصد بناء الدولة القومية كآخر هدف للعقل على شكل طرح ارادة الافراد وصولا الى الحرية الفعلية، وفي احد اجزاء الكتاب الثاني لمناقشات الاعمال الكاملة لهيغل بعنوان(القانون كأساس للدولة) يقول:( ان بناء الدولة هو العقل الذي يظهر على شكل الارادة... ولهذا فأن الدولة بحد ذاتها تركيبة أخلاقية وتشكل عاملا في تحقيق الحرية الفعلية، وهذا هدف مطلق للعقل من اجل تحقيق تلك الحرية ،ولأن الدولة هي وجود الروح على الارض وهذا لا تتحقق الاً بالوعي، وبما أن تحقيقها هو اعلى المفاهيم الاخلاقية على الارض، فأنها تتم من بناء الدولة، و سواء يعرف المواطن هذه الحقيقة أم لا،فأنه لايتمكن من تحقيق حرياته إن لم يكن عضوا في تلك الدولة،عضو يتابع تحقيق هدفه والذي يعبر عن الارادة الشاملة للمجتمع).

اذن فأن هيغل يعتبرالدولة القومية كوجود للروح على الارض بعد الثورة الفرنسية، وبمعنى آخر لو تمثل الدولة وجود الروح على الارض ،فان تلك الروح تشكل مجمل ارواح افراد المجتمع،ولايستطيع الفرد البحث عن أهدافه السامية (وهي تحقيق حرياته عمليا) دون وجود دولة، وان هذا الهدف يجسد اهداف المجتمع الشاملة،أي تجسيد لعموم ارادة افراد المجتمع.ولكن السوآل الرئيس هنا هو:هل أن تعربف هيغل للدولة هذا، ينطبق على كل الدول؟ وهل من المفروض ان تخضع افراد المجتمع لكل الدول،حتى لو ان تلك الدول تحمل الهوية القومية للشعوب؟ بدون شك فان هذا السؤال اسيئت به نظرية هيغل حول بناء الدولة القومية لفترة طويلة، ولكننا لوتعمقنا في فحوى النظرية،نجد ان الدولة التي يعرُفها هيغل كروح للامة على الارض، لا تشمل الدول التيوكراتية(الدينية)و لا الدول القومية الشاملة أوالدكتاتورية، وبالعكس فانه يعرف الدول القومية الدكتاتورية و التيوكراتية كأرادة خارجية متسلطة على ارادة الافراد، وبمعنى آخر،الدولة القومية عند هيغل والتي تصبح هوية الامة في العالم وبين الامم الاخرى،هي الدولة التي تمثل ارادة أفراد المجتمع،خاصة انه يجعل من القانون اساسا للدولة، وينبغي أن تعبر القوانين عن ارادة افراد المجتمع، وهذا يعني ان تكون القوانين من تشريعات الانسان(القوانين الوضعية)، ولهذا فقد جعل من القوانين الوضعية أساسا للدولة،والهدف منها هو عندما تخضع أفراد المجتمع الى القانون ، فأن هذا يعني انها تخضع لارادتها وليس لارادة خارجية،والاهم من ذلك عندما تتم معاقبة المجرم بالقانون،يعتبر هيغل المجرم منحرفا أو متمردا عن ارادة عموم المجتمع،وهو يعاقب لكي يعاد الى صفوف الافراد الاخرى فى المجتمع،وهذا يعتبر تطبيقاً للعدالة،اذن فأن اساس الدولة عند هيغل هو الدستور المدني الليبرالي الذى يستطيع تحقيق الحرية الفعلية داخل الدولة ،ومن هذا المنطلق فقد نظر هيغل الى الثورة الفرنسية واساسها يكمن في ايجاد الدستور المدني الليبرالي،وبالتالي تتحقق أهداف الثورة الفرنسية(الحرية و المساواة والاخاء)واصفاً اياها بنهاية التاريخ،لأن نهاية التأريخ يمثل وصول الانسانية الى الحرية الفعلية.

ان هذه السطور كانت مهمة جداً كخلفية لضرورة وجود الدول في حياة الشعوب،سيما لشعبنا والذي يعد من اكبر الشعوب في العالم دون أن تكون له دولة مستقلة،وهذا مهم جداً لان مرحلة التنوير لاتبدأ في حياة اية امة ان لم تكن لها دولة والتي وصفها هيغل، وهي دولة على اسس دستور ليبرالي يحقق الديمقراطية الليبرالية في المجتمع،لذا علينا في هذه المرحلة تغيير تفكيرنا نحو الهدف المنشود لارادة افراد المجتمع،لتتمتع الافراد بالحرية بشكل عملي،علينا الوقوف على هذه المسألة بكل جرأة ونجعلها مثار مناقشة جدية لكي لا تواجه هذا الهدف اية عرقلة ،وهو هدف لكل الافراد،ان هذه المسألة تعد حساسة الى آخر حد على المستوى السياسي،وبمجرد الحديث عنها يثير حفيظة الشعوب المجاورة، وأن كلمة السيد مسعود بارزاني التي القاها خلال المؤتمر ال(13) للحزب الديمقراطي الكوردستاني والذي دعا فيها الى درج مسألة تقرير المصيرفي برنامج الحزب للمرحلة المقبلة، رأيناها كيف خلقت اثارة على مستوى المنطقة،وبما أن هذه المسألة حساسة على المستوى السياسي، لذا لايجوز التعامل معها بهذه الحساسية على المستويين الفكري والثقافي، وعلى عكس ذلك فمن المفروض ان تكون هذه المسألة اليوم على رأس خطابنا الثقافي و الفكري ونحاول اثارتها مع المثقفين و المفكرين حولنا، وذلك من أجل كسر هذا الحاجز والذي ينظر الى بناء دولة كوردستان الى الابد كأنه تمليك أو امر اضافي للشعب الكوردستاني،والاهم من ذلك الوقوف على المعوقات و السياسات الخاطئة والتي تعرقل تحقيق هذا الهدف،والبداية هي كسر حاجز الخوف الذي اجاب من خلاله (عمانوئيل كانت )عن السؤال(ماهو التنوير؟)، والمنور هو الشخص الذي ينجو بنفسه من تحت وصاية خارجية ومن ذاته ايضاً و يرفع أول اصواته بحرية،وللاسف، نسمع قليلاً أصواتاً خافتة من خطاباتنا الثقافية، ولكن لم نسمع لحد الآن الصوت الرفيع الذي يعتبره( كانت) مقدمة للتنوير، وحتى على الاقل الصوت الذي خرج من البروفسور انطونيوداماتو لدى التوقيع على اتفاقية اوضاع القوات الامريكية في العراق(SOFA ) حيث قال في كلمة له بعنوان( هل نحن نسينا الكورد؟ حيث كتب :( ستكون كوردستان الضحية الرئيس للانسحاب السريع للقوات الامريكية من العراق، صحيح ان ادارة بوش لاتستطيع الابقاء على قواتها في العراق لفترة طويلة لأن الكورد بحاجة الى الحماية،ولكن في الوقت ذاته يتم توجيه السياسة الخارجية وفق الرأي العام،واذا قلنا ان الرأي العام الامريكي لايعرف شيئاً ما عن أهمية حماية الكورد،فاننا نقع في في خطأ كبير،لذا فأن لم يتم التفكير بسرعة بشأن حماية الكورد فأن اقليم كوردستان يتعرض الى مخاطر،والخطوة البسيطة لحمايته هي الطلب من الامم المتحدة قبول الاقليم بصفة مراقب،والاهم من ذلك هو اتخاذ خطوات نحو تأسيس الدولة الكوردية،والوقت الان مناسب لهذا الاجراء، لأنه بعد انسحاب القوات من المحتمل حدوث اضطرابات و تعقيدات.والبروفسور داماتو الذي كان مستشارا قانونيا في دولة كوسوفو،كتب مقاله هذا في عام 2008 عندما كان الرئيس الامريكي جورج بوش و رئيس جمهورية العراق والسيناتوريين باراك اوباما وجون ماكين بصدد تقييم اتفاقية(SOFA)حول الانسحاب السريع للقوات الامريكية من العراق، في ذلك الوقت اقترح داماتو بضرورة اتخاذ خطوات سريعة لتأسيس دولة كوردستان،وكان من المفروض أن تكون هذه المسألة جوهر مواضيع ومقالات ثقافية للكتاب والمثقفين في كوردستان، على اية حال بعد نشر هذا المقال نحن كمجلة (كولان) اجرينا اتصالاً مع البروفسور انطونيوداماتو وسألناه: ان لم تتخذ امريكا والمجتمع الدولي خطوات وفق مقترحكم لتصبح كوردستان مراقباً أو تصار الى دولة، هل بأمكاننا ان نخطو بأنفسنا نحو هذا الهدف؟ ردً البروفسور على سوآلنا بصراحة:لايجوز الانتظار من احد وعليكم بذل المساعي لخلق ارضية قانونية من أجل تأسيس هذه الدولة،وسألناه مرة اخرى ماذا يقصد بخلق ارضية قانونية لبنائها؟ اجاب بقوله: عليكم ببذل الجهود لكي يتمتع أقليمكم بكل المقومات القانونية للدولة العصرية،ولو نتوقف بدقة عند كلمات البروفسور داماتو هذه، فأنه يشرح لنا بصراحة ،على اقليم كوردستان أن يوفر مقومات الدولة الليبرالية الديمقراطية و ان يحافظ عليها،ليحترمه العالم ويرغم الى الاعتراف به كدولة مستقلة.
معوقات بناء الدولة القومية
يعني بناء الامة ((Nation Building في الادب السياسي الحديث ، بناء مؤسسات الدولة،كما هي اشارة الى بناء هيكلة وهوية وطنية عن طريق استخدام سلطة الدولة، وهدف هذه العملية هو وحدة صف الشعب داخل الدولة مع تأمين الاستقرار واستمراره،ليصبح أساساً لبناء البنية التحتية وبداية عملية للنمو الاقتصادي و الاجتماعي، اذن فأن هذه العملية تتفق تماما مع تعريف هيغل للدولة، حيث يربط بناء الامة بتأسيس الدولة القومية، و في كلتا الحالتين يحدد عدة شروط لهذه العملية وهي:
1- عملية بناء الدولة القومية،أي عملية بناء الدولة الليبرالية الديمقراطية،وهذا يعني الدولة التي نظمت حرياتها بالقانون.
2- يتم الفصل بين الدين والدولة، ويسود احترام مختلف الديانات و القوميات داخل تلك الدولة وفق الدستور.
3- لايسمح لأي قوة سياسية بأعادة الدمج بين الدين والسياسة أو بين الدين والدولة،والمثال على ذلك الاحزاب الدينية التي تشارك فى العمليات الديمقراطية بأوروبا الغربية تحت اسم الحزب الديمقراطي المسيحي،ان تلك الاحزاب سمح لها بالشكل الذي تنظر الى الدين المسيحي كاساس اخلاقي للمجتمع، وليست كعناصر لممارسة السياسة في ادارة الدولة، وهذه ليست ذريعة لوجود احزاب اسلامية سياسية داخل العملية الديمقراطية،والتي تنظر الى نتاجات التنوير الاوروبي والنظام الليبرالي الديمقراطي كبدعة غربية،لذا عندما يقوم حزب سياسي بأسم الاسلام بتبني فكرة ضد الديمقراطية ويحاول من خلال صناديق الاقتراع اعادة الدمج بين الدين والدولة وبين الدولة والسياسة، فهذا لايدخل في خانة عدم اتخاذ الخطوات نحو بناء الديمقراطية وبناء الدولة القومية فقط،وانما هو تأكيد لوضع العراقيل أمام الديمقراطية وبناء الدولة القومية والعودة الى القرون الوسطى،أي الى عهود اللاهوتية وسلطة الكنائس،و بصراحة هو اجهاض لعملية التنوير.

الفصل بين الدين والسياسة.. الخطوة الاولى نحو التنوير
كما اشرنا في العديد من المرات سابقاً، لم يجر في القاموس السياسي القومي للكورد وكوردستان ابداً أن تم الدمج بين الدين والسياسة،وهذا يعني أن الكورد كشعب مسلم لم يحاول استخدام الاسلام كفكرة لجمع وتأجيج الجماهير عند تعرض شعب كوردستان الى المآسي والمحن والويلات وفي مقاومته المحتلين، والاهم من ذلك لم يظهر أبداً داخل حركة التحرر الكوردستانية طرف سياسي يستهين بالدين،وحتى لو جرت الاستهانة بأحد مقومات الدين الاسلامي الحنيف داخل بعض الاحزاب اليسارية تحت تأثير الايديولوجية الماركسية،فأن هذا الشخص قد عوقب من قبل قيادة ذلك الطرف أو تم طرده من بين صفوفه في حال الاستمرار فيه، هذه حالة قل نظيرها في التاريخ،أن لاتمارس السياسة بالدين وتكن احتراما كبيراً للدين،و حتى وصل الى الحد الذي يعتبر فيه علماء الدين الاسلامي الحنيف أنفسهم جزءاً من الحركة، والاهم من ذلك ان يقدر علماء الدين الاسلامي من الشعوب الاخرى مواقف و تعامل شعب كوردستان،لذا فأن هذا الجانب الايجابي والذي هو تعامل وتصرف فطري كوردستاني لدى افراد كوردستان والاحزاب و الاطراف السياسية كافة،ميزت الحركة السياسية الكوردستانية عن الحركات السياسية الاخرى في العالم، وثمة ظواهر عجيبة في تاريخ الانسانية،صحيح هناك الكثير ممن مارسوا السياسة خارج الدين وأظهروا أنفسهم بمظاهر أخرى،ولكن صمودهم بعيداً عن الدين كان عند الانتصارات أما في الانتكاسات فقد لجأوا الى الدين،يتحدث سبينوزا في كتابه( رسالة في اللاهوت والسياسة) عن الاسكندر الكبير الذي ظل بعيداً عن الدين عند الانتصارات وقد لجأ الى رجال الكنائس عند الهزائم،وكذلك دكتاتور العراق السابق صدام حسين عندما كانت سياساته تلقى النجاحات كان يفجر المساجد ويفخخ رجال الدين الاسلامي لأغتيال خصومه،مثلما فعل في السبعينيات من القرن الماضي عند محاولته اغتيال الزعيم الراحل مصطفى البارزاني، ولكن عندما فشلت سياساته اصبح العالم كله عدواً له،وكتب بخط يده كلمة( الله اكبر) على العلم العراقي وصنع لنفسه شجرة مزيفة معتبراَ نفسه حفيداً للامام علي (كرم الله وجهه)،ان هذه الحالة لم تكن موجودة داخل حركة التحرر الكوردستانية،لذا عندما نعود الى تأريخ التنوير الاوروبي،فأن العديد من المفكرين يعيدون بداياته الى كتاب سبينوزا(رسالة في اللاهوت والسياسة) كبداية للتنوير والذي كتبها لثلاثة اغراض وهي:
1- حاول سبينوزا في كتابه إبطال فتاوى رجال الكنائس وقضاتها،والذين كانوا يمنعون الناس من التفكير بحرية وعقلانية.
2- الكتاب كان رداً على القسسة الذين كانوا يكفًرون سبينوزا ويعتبرونه كافراً،ولهذا يرد عليهم سبينوزا، ان الفصل بين الدين والسياسة هو إزالة عنف الكنيسة عن الدين واعادة الهيبة للدين و انه لايعادي السلام والدولة.
3- كان دفاعاً عن التفكير العقلاني ضد همجية المسيحيين الاصوليين.
ومن دون شك فأن فولتير والذي استقبلته كافة الدول الاوروبية عدا بلاده فرنسا،وهو صاحب( رسالة التسامح) لتعايش مختلف الديانات والمذاهب، فهولم يكن ضد الدين، وكان يعادي من يسئ الى الدين، ولكن الاصوليين يكفٍرونه ولم يسمحوا له بالاقامة في بلاده.

ومن هنا السؤال : ان حركة التحرر الكوردستانية لم تدمج بين الدين والسياسة في كوردستان، اذن اين يكمن مصدر خطورة ذلك؟ ومما لاشك فيه أن مصدر الاجابة هو الاحزاب الاسلامية السياسية، التي دخلت كوردستان حاملة معها أفكاراً ومفاهيم خارجية لغرض تسييس الدين و فرضه على شعبنا،وان شعبنا لم يؤمن أساساً بالدمج بين الدين و السياسة، اما الذين هم مصادر هذه الافكار كجماعات الاخوان المسلمين والاحزاب و الاطراف الاسلامية والقادمة من السعودية وأفغانستان، فإن كل واحدة منها تعادي نتاجات التنوير الغربي وبناء الدولة القومية بطريقتها الخاصة،و التي هي اصلاً من نتاجات مرحلة التنوير،وعلى سبيل المثال ان تيار وجماعات الاخوان المسلمين أو الذين يتكلمون باللغة الكوردية ويرددون أفكارهم،يظهرون على شاشات التلفاز ويتحدثون عن الديمقراطية والمفكرين أمثال فوكوياما و آلان تورين،ولكنهم يعيدون استخدام النتاجات الفكرية لهؤلاء المفكرين لابادة الديمقراطية، فعلى سبيل المثال: أحد اعضاء قيادة الاتحاد الاسلامي يشير الى فوكوياما عندما يتحدث عن الانتخابات،ولكن السؤال هو: هل أن فوكوياما الذي اصدر كتاب( نهاية التأريخ والرجل الاخير) هو فعلاً كان آخر رجال التأريخ الذي يصنع الحرية الفعلية؟ هو ذلك الرجل الذي يعتبر مقومات الليبرالية بأنها بدعة غربية ويحاول تشويهها،والسوآل هو أيضاً لماذا يقوم الحزب الاسلامي السياسي بتفكيك الليبرالية؟والجواب سهل، لأن اساس الليبرالية هو فصل الدين عن السياسة،ولكن الحزب الكوردي التابع لأخوان المسلمين فأن كل محاولاته تنصب في الدمج بين الدين والسياسة، ويقول بكل صراحة عبر شاشة قناته لايمكن الفصل بين الدين والسياسة،أما بالنسبة الى الجهة الاخرى المماثلة لاحزاب السعودية و أفغانستان، فلايحتاج الى الحديث عنها لانها اعلنت منذ عدة سنوات جهادها ضد الليبرالية و الديمقراطية.

مخاوف الدمج بين الدين والسياسة
ثمة بعض المشكلات تعاني منها المجتمعات العربية ونحن بمنأى عنها، وقد تحاول بعض الاحزاب الاسلامية اثارتها في مجتمعنا الكوردستاني ايضاً، يضللون بها أنفسهم و كذلك شعبنا ، وحول تلك المشكلات ،يقول المفكر العربي هشام الشرابي في كتابه (النقد الحضاري للمجتمع العربي في نهاية القرن العشرين)،(لو أردنا أن يتجاوز المجتمع العربي مشكلاتها المتراكمة الحالية وتعود اليها قدراتها ويصبح جزءاً من التاريخ ، فلاحلً امامنا الاَ أن تبدأ تلك المجتمعات بتبني الانتقاد الحضاري من اجل خلق وعي ذاتي مستقل ولتعود اليها العقلانية الهادفة،وهذا ليس في صفوف المفكرين والمثقفين فحسب، بل بين عموم الشرائح والاحزاب و المجاميع على مستوى المجتمع برمته.

ثمة حركة ذات طابع انتقادي حضاري تبرز في الوقت الحاضر بين المجتمع ،وهي عبارة عن فكر نقدي ديمقراطي مشترك نابع عن حوار و تبادل فكري حر يقف ضد الايديولوجية الثورية البائدة و الفكر الاصولي الاسلامي،هذه الفكرة مصدرها العلمانية، وهي لاتعني عدم تبني الدين أو رفض المعتقدات والقيم الدينية.وانما هدفها هو الفصل بين ما هو اجتماعي و ماهو سياسي،و منع استخدام القيم الدينية كذريعة للتشبث بزمام السلطة الحالية او استبدالها بالسلطة الباترياركية القمعية المماثلة). لو تمعننا في هذه الاسطر،وجدنا ان الكاتب حدد اسباب و عوامل تخلف المجتمع العربي في نقطتين: الاولى تكمن في الفكر القومي العربي التقليدي المتجسد في السلطات الدكتاتورية الحالية للانظمة العربية، والثانية هي الاصولية الاسلامية السياسية،التي أصابت المجتمع العربي بالشلل، وهذان الامران لم يكن موجودين في المجتمع الكوردستاني،لذا نحن كشعب كوردستان نظلم أنفسنا لو قارننا شعبنا بالشعوب المجاورة،لان الاخيرة بأمس الحاجة في الوقت الحاضر الى مرحلة عصيبة ودموية من اجل الوصول الى المرحلة التي نحن فيها الان،والتي تتجسد في وجود قناعة راسخة لدى شعبنا حيث لايؤمن بالدمج بين الدين والسياسة، في الوقت الذي يعتبر علماء الدين والقيم الدينية محل تقدير واحترام الشعب.

وكما اشار اليه هيغل فأن الوعي يشكل الخطوة الاولى نحو بناء الدولة القومية، وان الدولة هي الروح القومية على الارض، عليه يجب اخذ الحيطة والحذر ازاء بحث مخاطر الدمج بين الدين و التنوير، وحول هذه المسألة توجهنا بالسؤال التالي الى البروفسور ريجارد مارتن استاذ العلوم الدينية والمتخصص في الدين الاسلامي من جامعة اموري EMORY،ما معنى التنوير، وماذا قدًم الى الانسانية؟ اجاب البروفسور مارتن بما يلي: كان عصر التنوير في اوروبا تحديا لسلطة الكنيسة في شؤونها الدينية اكبر مما كان موجهاً الى الدين نفسه، والتنوير في الغرب حقق مكسبا،حيث جعل من (الدين) و (العلمانية) كيانين أو عالمين مختلفين، اللذين وجدا فيما بعد في العالم الحديث، العلاقات بين العالمين تجلت في التعايش والصراع على الحياة الحديثة في أورو- أفريقيا وفي العالم الاسلامي أيضاً، احد تجسيدات هذه الثنائية ظهر على شكل الصراع المستمر بين الدين والدولة من أجل السلطة والنفوذ، حيث لايكون هناك وجود للحرية الدينية وحماية الاقليات عندما يسمح لدولة أو جماعة دينية معينة أن تفرض ارادتها على مجموعة أو جماعات دينية أخرى. لكل الليبرالية الديمقراطية خلل،ولكن الاقليات الدينية التي تعيش في كنف المجتمعات الديمقراطية تتمتع بالحرية أكثر مما لدى الدول التيوكراتية.

وفي الاطار ذاته ثمة بعض الاحزاب السياسية في أوروبا تطلق عليها تسمية الاحزاب الدينية، ولكنها أساساً تؤمن بالعلمانية أمثال الاحزاب المسيحية الديمقراطية،سألنا البروفسور دال توكوي استاذ الفلسفة والفلسفة الدينية في جامعة سني فريدونيا عن ذلك، وقد أجاب على( كولان )بمايلي: ( بأعتقادي أن الاحزاب التي تطلق عليها المسيحية الديمقراطية، فأن هذه التسمية تكاد تكون تقليدية، فمثلاً لايوجد في أمريكا أي حزب له خلفية دينية،وحتى لو وجد، فالناس يعتبره أمراً غريباً،ولكن المهم هنا هو برنامج الحزب وايديولوجيته،وعلى سبيل المثال ،هل أن هذا الحزب يؤمن بأن يكون جميع المواطنين مسيحيين أم لا؟ انا اعتقد ان اسم الحزب ليس مهماً بقدر أهمية برنامجه.

و اذا ما وجد في امريكا حزب ديني حقيقي مثل الحزب المسيحي الديمقراطي لا يحمل اسماً دينياً فقط بل له برنامج مسيحي ويؤمن بضرورة بأن يكون جميع أفراد البلاد مسيحيين،عندذاك يعتبر الامريكيون الحزب تهديداً للديمقراطية،من جهة أخرى عندما يتم إتهام الاحزاب الاسلامية بأنها تعادي الديمقراطية،سبب ذلك لايعود الى كونها تدار من قبل المسلمين،وأنما السبب يكمن في أن تلك الاحزاب تعادي تماماً الليبرالية الديمقراطية الغربية،و كذلك ترى من الضروري أن تدار الدولة وفق الشريعة، وعندم نسأل لماذا يجب الفصل بين الدين والسياسة مع الليبرالية الديمقراطية؟ يكون الجواب: السبب هو أن يكون الناس أحراراً في ممارسة طقوسهم الدينية،دون الاضرار بالأخرين، ولكن الخشية هنا من أن يتم اخراج المسلمين والهندوس من أمريكا في حال تولي الشخصيات الدينية المسيحية على سبيل المثال السلطة فيها،اذن الهدف من الفصل بين الدين و الدولة هو منع الشخصيات الدينية من تسلم السلطة و استخدام الدين لاجبار الآخرين على اتباع معتقداته ومبادئه.

الشرق الاوسط ومشكلة الاصوليين
الشرق الاوسط أو بالاحرى الدول العربية تمر اليوم بمرحلة التي يفضي عليها نوعا من التفاؤل نحو التغيير من جهة،والخوف من تغيير السلطة العسكرية الى السلطة المماثلة من جهة أخرى،وحول هذه المسألة توجهنا بالسؤال الى البروفسور تيمور كوران استاذ الفكر والثقافة من جامعة كاليفورنيا، وفي تصريح خاص ل( كولان) قال: (احدى مشكلات الشرق الاوسط والتي أدت الى استغلال الدين من قبل الدول لتحقيق الاهداف وأحياناً اهداف العنف هي أن الدول لم تكن تمتلك الشرعية في المنطقة ما أدى الى انشاء دول ضعيفة.

ان دول الشرق الاوسط قد حافظت على نفوذها بالقوة واستمرت فيها،وليس اعتماداً على اراء الناس، لذا اعتبرت نفسها مرغمة في اعتمادها على اي صيغة شرعية متيسرة لها من اجل حماية نفسها والبقاء، لقد لجأت دول الشرق الاوسط الى الاسلام للمحافظة على كيانها من احتمالات السقوط، اذكر اليكم مثالاً: اصبحت المملكة العربية السعودية دولة غنية ابان السبعينيات و بصورة مفاجئة وذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط، وفي تلك الفترة كانت بعض الدول الفقيرة مثل مصر و سورية و منظمة التحرير الفلسطينية كانت تشكل مصدر تهديد لها، وكانت رد فعل السعودية أن قدمت مساعدات واسعة الى الجماعات الاسلامية في الشرق الاوسط،وبينها الجماعات الاسلامية المسلحة،وذلك من أجل أن تشكل تلك الجماعات دروعا لحمايتها، لذا لو أجيب ببساطة على سؤالكم الشائك يمكنني القول أن ضعف الدولة وعدم تبنيها الديمقراطية كان السبب في استغلالها للدين، لان الدولة القوية ليست بحاجة الى الدين لتعزيز أركانها،كذلك فأن الجماعات الراديكالية في العالم الاسلامي قد عكست التصوير العالمي للدين الاسلامي والسائد في معظم المناطق ، وبمعنى آخر ينظر الى الدين الاسلامي في اغلب مناطق العالم بأنه سبب التخلف وعدم التسامح ويرفض العالم الغربي بشدة،وحسب رأيي فان العصر الذهبي للراديكالية الاسلامية قد ولى، وعندما يتم تسييس الدين فيعني ذلك أن المطاليب تطرح بالاسلوب الديني،وعندها تتعرض تلك المطاليب الى المساومات،وهذا لاينسجم مع الديمقراطية ويتجاوز الى الصراع الجدي، الخطر يكمن هنا ، لديك أحزاب سياسية، احزاب دينية تنتهج المبادئ العصرية والحديثة بينما توجد شخصيات من بين هذه الاحزاب تريد التطرف كثيراً في الامر.

وفي بعض الاحيان وبسبب الآلية الداخلية لتلك الاحزاب عندما تتسلم مقاليد الحكم فأن هذه الشخصيات تحاول تحقيق مكاسب اكثر راديكالية و سلطوية، وهذا هو الخطر الاساس في الديمقراطية و التي نجدها داخل حزب العدالة والتنمية في تركيا،وذلك لأن اعضاءه لايملكون اجندة حديثة،وهناك اشخاص ينتهجون الراديكالية ويحاولون تضييق حدود الحريات. وفي الوقت الحاضر نجد أن تلك المخاطر قد انخفضت لان ثورات تونس و مصر و سورية واليمن لم تنظر الى الدين بالدرجة الاساس كمصدر للتقدم وكمفتاح للمشكلات،وان الدافع والمحرك للانتفاضات التي حققت النجاح كانت وراءها الجماعات العلمانية،أو التي كانت لها اهداف علمانية، لذا فأننا سوف نرى في الاعوام المقبلة حركات تكون بعيدة عن الجماعات المتطرفة،و عندما تتولى الجماعات غير الدينية اي الاكثر علمانية مقاليد الحكم،تتصدى بقوة الى هذه الصورة التي صنعتها الجماعات الراديكالية،وتطرح نموذجا حديثاً ذا التسامح الديني.


ترجمة / بهاءالدين جلال
Top