• Friday, 19 April 2024
logo

اقليم كوردستان بين عمليتي بناء الأمة و الدولة

اقليم كوردستان بين عمليتي بناء الأمة و الدولة
ترجمة/ بهاءالدين جلال

فرانسيس فوكوياما المفكرالمعاصر في العلاقات الدولية يُفصل في كتابه بناء الدولة : الحكم والنظام العالمي في القرن الحادي والعشرين- State-Building: Governance and World Order in the 21st Century- يفصل بين (بناء الأمة)و(بناء الدولة)،وهدفه الرئيس في هذا الفصل بالدرجة الاولى هو العراق،لأن الولايات المتحدة الامريكية استطاعت بسهولة تغيير أو الاطاحة بالنظام العراقي السابق عن طريق العملية العسكرية،ولكن بعد الاطاحة بالنظام السابق نرى أن الاوضاع تسير نحو اتجاه، لايتكهن أحد الى أين يمضي مستقبل العراق،ولدعم رأيه هذا، يستشهد بأفغانستان كمثال حيث كانت أمريكا تتطلع ابان الحرب الباردة الى تحويل تلك الدولة، بعد انتهاء الحرب، الى أن تخطو نحو الاستقرار و الديمقراطية،ولكن نجد بعد انتهاء الحرب الباردة أنها تورطت في أفغانستان بشكل آخر يكاد يكون أسوأ بكثيرمن قبل،و يعزو فوكوياما سبب ذلك الى خلط جهود أمريكا في عملية بناء الامة( Nation Building) مع عملية بناء الدولة(State Building) ولهذا فقد يعرّف بناء الأمة(يُعرّف عملية بناء الدولة بأنها عبارة عن بناء المؤسسات الرسمية من شأنها تصبح عاملاً للم شمل عموم مكونات المجتمع المختلفة و التعايش معاً،ومن هنا فأنه يؤيد آراء ماكس فايبر الذي يقول: ((تستطيع الدولة احتكار القوة و استخدامها))،لأن تعامُل الدولة كانت على هذا النحو دائماً وذلك بأستخدام الشرطة و الجيش لفرض القانون والنظام في المجتمع،ولكن السؤال الرئيس هو:اذا كانت عملية بناء الأمة بمعنى، التأريخ و الثقافة و اللغة و الهوية و المصالح المشتركة للمكونات المختلفة داخل المجتمع الواحد لم تكن ناجحة،هل أن عملية بناء الامة تكون ناجحة ايضاً؟يجيب فوكوياما في لقاء أجرته معه مجلة جامعة جوهانز هوبكين على هذا السؤال بأن عملية بناء الأمة ليست عملية فنية يتم استيرادها من الخارج،بل هي عملية تحتاج الى أن يصل جميع المكونات في المجتمع الى قناعة بأنها ذات تأريخ و ثقافة و هوية و مصلحة مشتركة،وفي هذا الاطار يشير الى أنه بأمكان كل واحد أن يقوم بتشكيل قوات الجيش و الشرطة و الحكومة و مؤسساتها،ولكنه لايستطيع أن يجمع بين مختلف المكونات في المجتمع للوصول الى القناعة من شأنها العيش معاً،هذه هي المشكلة الكبيرة التي- حسب رأي فوكوياما- تهدد الاستقرار و السلام والامن الدوليين، وبهذا الصدد فقد أشار الى العراق مابعد سقوط النظام السابق والذي اصبح ارضاً خصبة لتنامي الارهابيين و التهديد الى أمن وأستقرار عموم دول المنطقة.اذن مايقول لنا فوكوياما حول مسألة الحكم و النظام العالمي الجديد في القرن الحادي و العشرين هو تكرار لتعريف الدولة و الجهود الامريكية لعملية بناء الأمة (Nation building) في الدول المماثلة للعراق و أفغانستان،ويشيرهنا بصراحة الى أن كلاً من الدولتين العراق و أفغانستان لو بقيتا على شكلهما الحالي لشكّلتا تهديداً على النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين،وهذا يعني أن العراق وأفغانستان ليست فيهما المقومات التي يفترض وجودها في دولة هذا القرن،لذا فإن الدولة التي تصبح عامل حماية للنظام العالمي يجب أن تتوفر فيها النقاط الآتية:
1- بناء المؤسسات القوية يصبح وسيلة لأحتواء تهديدات التخويف و الترهيب التي يطلقها الارهابيون، ولكن السؤال هنا هو:ما المقصود ببناء المؤسسات القوية؟بدون شك فإن المؤسسات القوية تعني المؤسسات التي تعمل من اجل التقريب بين مكونات المجتمع المختلفة للعيش معاً، وعندما لاتستطيع تلك المؤسسات خلق هذه الاجواء،فإن ذلك يعني أنها تجعل من الدولة دولة ذات نهج دكتاتوري بدلاً من اتخاذ الخطوات نحو بناء دولة ديمقراطية وفدرالية.
2- الدولة التي تمتلك مؤسسات قوية بأمكانها التصدي لموجات اللجوء الى الدول الاخرى،ويالأخص الى الدول الغربية،وعلى سبيل المثال لو كانت مؤسسات الدولة العراقية بعد سقوط النظام البائد عند المستوى الذي يُمَكِنها بشكل جذري من حل مشكلة الشعب الكوردستاني في العراق واعادة المناطق المقتطعة الى اقليم كوردستان سلمياً وكذلك حل المشكلة القائمة بين المذهبين العربي الشيعي و السني، لعاد الملايين من اللاجئين العراقيين من الخارج الى بلدهم.
3- الدولة التي تمتلك مؤسسات قوية، بأمكانها توفير الخدمات الاساسية لشعبها و الاهتمام بالرعاية الصحية و التربوية،لذا فإن مثل هذه الدول تستطيع السيطرة على الامراض الخطرة و منعها من الانتشار في العالم،ولكن في بلد مثل العراق الذي مر على سقوط نظامها السابق اكثر من ثماني سنوات، لايشكو فقط من انعدام نظامي الرعاية و الصحة ، بل أن نصف سكانه محروم من حاجته الى مياه الشرب و الكهرباء،لذا لايمكن التوقّع من العراق الحالي أن يكون عاملاً لحماية النظام العالمي في القرن الحادي و العشرين.

ان النقاط التي اشرنا اليها،تشكّل عند فوكوياما معايير الدولة للقرن الحادي و العشرين،ولكن السؤال هنا هو: هل أن الاراء التي يطرحها فوكوياما في كتابه( الحكم والنظام العالمي في القرن الحادي والعشرين) لاتتعارض مع آرائه في كتاب( نهاية التاريخ)؟يجيب فوكوياما عن هذا السؤال في اللقاء ذاته مع مجلة جامعة جوهانز هوبكين:ان كتابه هذا هو مكمل لكتاب نهاية التأريخ،لأن نهاية التأريخ تعني بداية عملية التنوير في أنحاء العالم ، أي أن الدول ما قبل سقوط جدار برلين كانت مبنيةعلى أساس ايديولوجيات خاصة ،أو دول العالم العربي و الاسلامي كانت مبنية على اساس التمييز القومي والتطرف الديني،لذا فأن على تلك الدول القناعة بأن مثل هذه الدول قد فشلت وعليها العودة الى العقلانية، وكما هو الحال في اوروبا حيث انها عادت الى العقلانية ابان القرن الثامن عشر وأنهت الايام السوداء للعصور الوسطى،ان آراءه هذه تستند أيضا على ذات الاراء لماكس فايبر،الذي كان يعتقد أن اوروبا بدأت عملية التنويرلأن شعوبها قد يأستْ من الحكم ماقبل عصر التنوير و الوصول الى تلك القناعة بأن الصراعات الدينية و الحروب بين الشعوب لاتجدي نفعاَ،ومن الضروري إشاعة التسامح الديني و القومي بين مختلف الديانات و القوميات وتنفيذ مشروع(كانت) للسلام الدائم بين الشعوب،وهذا المشروع هو أساس للنقاط الاربعة عشر المعروفة بمشروع (وورد ويلسن ) حول تأسيس عصبة الأمم و أساس لمعاهدة (سيفر)التي تثبت حق تأسيس دولة كوردستان المستقلة،وهو أساس أيضاً لمقترح تأسيس الامم المتحدة كجبهة لدول الحلفاء ضد دول المحور من قبل روزفلت وتشرشل في عام 1941 وقد تم الاعلان عنها رسمياً في عام1942 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بأسم منظمة الامم المتحدة لتحل محل منظمة عصبة الامم.

إن تلك المبادئ التي تسعى لها الانسانية منذ القرن الثامن عشر و في مطلع التنويرو بعد الثورة الفرنسية و انتهاء الحرب العالمية الثانية تعرقلت كثيراً مع بدء الحرب الباردة، و بدلاً من أن تصبح الأمم المتحدة المنظمة العالمية التي ترسى دعائم السلم بين شعوب العالم تحولت الى منظمة شغلها الشاغل هو المحافظة على التوازن بين المعسكرين الشرقي و الغربي ،لذا نجد عندما انهار المعسكر الشرقي الذي كان يقوده الاتحاد السوفيتي، اعلن فوكوياما نهاية التاريخ،وهذا يعني أن الانسانية و بعد انهيار المعسكر الشرقي وصلت الى حقيقة وهي أنها لن تتّبع طريقاً آخر غير طريق الحل الديمقراطي و الليبرالي،ومن هنا تبدأ الانتقادات بشأن نهاية التاريخ، لأن كل العالم في انظمتهم الدولية القديمة لم ييأس بالمستوى الذي يجعلهم يبدأون بناء عملية تنوير العقلانية،وعلى سبيل المثال بعد مرور اكثر من 20 سنةعلى سقوط جدار برلين،لاتزال الاسلحة النووية لكوريا الشمالية و الدول الثيوقراطية و الشمولية العربية والاسلامية و الشعوبية لأمريكا اللاتينية والدول مابعد الشيوعية تشكل أكبر تهديد على السلم و الأمن والانظمة العالمية في القرن الحادي و العشرين،ولكن في مقابل كل هذه التهديدات السياسية و تهديدات تقدم التكنولوجيا وبالأخص الجهود المبذولة لأستنساخ الانسان،يطمأن فوكوياما الانسانية بأنه في النهاية وعلى المستوى السياسي يجب أن يتخذ العالم جميعاً الخطوات نحو التنويروالعقلانية مع وضع حد له على مستوى تقدم التكنولوجيا لكي لايتم وضع البشرية في خدمة التكنولوجيا،بل بالعكس،وكما يقول هابرماس يجب أن يعاد تصنيف مصالح المعرفة،وينبغي انجاح تلك المصالح لكي تصبح عاملاً لوصول الانسان الى الحرية و التحرر وليس الجانب الآخر من المعرفة الذي يستخدم في مصلحة تقدم التكنولوجيا بحيث يصبح الانسان عبداَ لها.

ممالاشك فيه أن عموم شعب كوردستان يتطلع الى بناء دولة مستقلة،ولكن هذا الطموح شيء و الأعتراف بالواقع الحالي شيء أخر، أوأكثر صراحة ان الخط الذي يشكل جسراً بين طموح شعب كوردستان وتطبيق هذا الواقع هما عمليتان كبيرتان، يتطلب وقفة من الافراد بكل دقة و يشارك في انجاحهما. العملية الاولى وهي بناء أمة كوردستانية كأمة بكافة مكونانتها القومية والدينية المختلفة،ومن الضروري أن تجمع شعور الهوية الكوردستانية في اطار التأريخ المشترك و الثقافة المشتركة و المحافظة على خصوصية اللغة و الدين لكل مكون وفي اطار المصلحة المشتركة للمواطنة الكوردستانية،من المحتمل أن يكون السؤال هنا هو:هل أن القيادة السياسية و رئاسة أقليم كوردستان قصّرتْ في ذلك؟ وبالأخص رئيس أقليم كوردستان الذي يُنظَر اليه ليس كرمز للتعايش و التسامح و السلام في أقليم كوردستان فقط، بل في عموم كوردستان و المنطقة،وفي جوابنا على هذا السؤال نقول إن رئيس أقليم كوردستان لم يُقصّر حتى أن هدفه هو أن يتم تثبيت جذور ثقافة السلام و التعايش و والتسامح في عموم العراق وينعكس ذلك على الشرق الأوسط والدول الاسلامية جميعاً،اذن الخطر الرئيس لايكمن في وجود أو عدم وجود ارادة السلام والتسامح و التعايش لدى رئيس أقليم كوردستان، بل أن الخطرفي الأيادي التي وراء زعزعة الارادة الخيرية لرئيس الاقليم،و تلك المحاولات مستمرة منذ سنوات على المستويين المحلي و الخارجي بدءاً من اتباع عملية القتل الجماعي للأخوة المسيحيين والكورد الشبك و الايزديين في مناطق الموصل و تلعفر و سنجار،وصولاً الى عمليات الترحيل و القتل الجماعي للكورد في السعدية و جلولاء،ومن هنا يتحمل كل الافراد الذين يعيشون ضمن ادارة اقليم كوردستان من القوميات و الديانات ومن المناطق المقتطعة التي تعود مستقبلاً الى الاقليم عدد من الامور:
1- على كل الافراد الوصول الى القناعة بأن دعوة رئيس اقليم كوردستان كون عموم المكونات في كوردستان هي شعوب و لايُقبل أن يُطلقْ على أي مكون اسم الاقلية،وكذلك فإن كل الديانات في اقليم كوردستان سواسية ، سواء عدد متتبعيها كان كبيراً أوقليلاً فإن ذلك لايُقللْ من عظمة و قدسية الديانة،وهذا يعني أن السيد رئيس اقليم كوردستان يسسعى في المرحلة الاولى الى بناء الامة الكوردستانية، كأمة على اختلاف الديانات و القوميات والشعور بهويتها الكوردستانية وثقافتها وتقاليدها و تأريخها،وفي المرحلة الثانية وهي عملية بناء الدولة،أي بدء عملية بناء المؤسسات القادرة على جمع كل الاختلافات، و يستطيع مواطنوكوردستان في ظلها العيش على هذه الارض بكرامة و حرية.
2-عملية بناء الديمقراطية المرتبطة مع بدء عملية التنمية،قد بدأت من الصفر في المناطق الخاضعة لأدارة حكومة اقليم كوردستان وكانت قد أُهملتْ سابقاً من قبل الحكومة المركزية،ومن أجل تأمين ارضية مناسبة للبدء ببناء العملية الديمقراطية يجب أن تنجح معها عملية التنمية،الجهود التي بدأها السيد رئيس أقليم كوردستان في مجال الاصلاحات،تصب في مصلحة شعب الاقليم من أجل الشعور بالعدالة الاجتماعية و سيادة القانون،وهذا يتجلى في اطار عملية بناء الامة‘لذا من المهم أن تكون مؤسسات الدولة التي يتم بناؤها لهذه العملية قادرة على حماية سيادة القانون و العدالة الاجتماعية،والاهم من ذلك هوضرورة مراعاة الاوضاع الراهنة في المناطق المقتطعة عن اقليم كوردستان و التي هى في مرحلة لايمكن أن تبدأ فيها عملية التنمية، حيث أن تلك المناطق كانت في السابق مُهمّشة و حالياً تعاني ايضاً من التعامل المتعمد لحكومة العراق المركزية من ناحية عدم تطبيق المادة140 لحل مشكلاتها وتأخير عودتها الى أقليم كوردستان،والهدف من تأخيرتنفيذ المادة هو التأخير في عملية بناء الامة الكوردستانية و كذلك عملية بناء مؤسسات الدولة لأقليم كوردستان، وهذه تعتبر معوقات أخرى تعترض جهود رئيس أقليم كوردستان و تعرقل سير العمليتين بالتوازي.

بناء الدولة هو عملية بناء المؤسسات
في مرات عدة يتم ضمن الادبيات السياسيية الكوردستانية الدمج بين عمليتي بناء الدولة و الاعلان عن الدولة،أو استخدامهما بمعنى واحد،وفي احيان أخرى تتقدم عملية بناء الدولة على الاعلان عنها ،وعلى سبيل المثال فإن التايلاند قد رُفعَت عنها عضوية الامم المتحدةعام 1971، ولكنها لاتزال مستمرة في عملية بناء الدولة وتسعى الآن من اجل الحصول على الموافقة من الامم المتحدة للأعلان عن الدولة ثانية، وفي أماكن أخرى نجد أن العملية تبدأ بعد الاعلان عن الدولة أو حتى بعد وجودها لسنوات طويلة،ولكن عملية بناء الدولة لم تبدأ بعد و تلك الدول لاتزال تشكل تهديداً، ليس على السلام والأمن الدوليين فحسب، بل حتى على شعوبها،وأمثال تلك الدول كثيرة في العالم الثالث و الدول العربية و الاسلامية الى حدٍ لايستوجب الاشارة اليها كنماذج.
اذن بالنسبة لنا كأقليم كوردستان علينا أن لانربط بين عمليتي بناء الأمة و الدولة وبين الاعلان عن الدولة،بل نعمل من أجل أن تستمر العمليتان معاً، وأن نخطو نحو الانتصار،سيما وأنه هناك وجوداً لتجربة ناجحة في اقليم كوردستان، والمهم أن يكون همنا الرئيس هو عودة المناطق المقتطعة الى اقليم كوردستان و أن تعم عملية التنمية عموم الاقليم وأن نسعى الى تعزيز مؤسساتنا الحكومية ،ليتمكن شعب كوردستان على إختلاف قومياته و دياناته العيش معاً، واستعداد الشعب العمل معاً و تحديد مستقبلهم ، حينها حتى اذا ما تم الاعلان عن دولة كوردستانية ،فإن العالم كله سوف يرحب بنا.
Top