العراق يستقبل عامه الجديد وسط أزمة معقدة و شائكة
كان الجميع يتمنى أنّ يكون 2012 عام الأمل و الحلول لعموم مشكلات العراق،الاّ أنّ الامل شيء و الواقع شيء آخر،وذلك لأنّ الاوضاع السياسية في العراق و النزاعات القائمة بين قائمتي دولة القانون و العراقية قد تفاقمتْ بشكل يصعب فيه اعادة العملية السياسية الى وضعها بسهولة أو حتى اذا تمت الحيلولة دون اجهاض العملية السياسية،من الصعب أن تعود الثقة مرة اخرى بين الاطراف السياسية،والملاحظ هو أنّ طبيعة تفكير اغلب السياسيين العراقيين حول حل المشكلات هي الايمان باللجوء الى العنف اكثر من عودتهم الى المنطق و الحل العقلاني و الحوار لحلها ،وحول هذا الجانب يعتقد الدكتور سعد الحديثي استاذ السياسة و البحوث و التحليل السياسي في جامعة بغداد يعتقد بأنه ليس بالامكان الانتظار لحلها في غضون اسابيع أو أشهر ،وإنّما يُتوقّع أنْ يستغرق حل هذه الازمة سنوات عدة،وقد عبّر عن رأيه حول الموضوع ول(كولان) قائلاً: ((اليوم اذ ندخل سنة جديدة ، كنا نتمنى من قبل أنّه بعد انسحاب القوات الامريكية نستقبل السنة الجديدة بتفاؤل و أمل،كان اغلب المختصين و المراقبين على اعتقاد أنّ القوى السياسية العراقية تستطيع تحت مظلة الدستور العراقي ايجاد حل لنزاعاتها،ولكن يتضح أنّ التوقعات التي كانت لدينا خلال الأسبوعين أو ثلاثة أسابيع المنصرمة لم تكن في مكانها،خاصة بعد الازمة الاخيرة بين قائمتي"العراقية" و "دولة القانون" والتهم التي تم توجيهها في الملف الجنائي،وهذه عقّدت الاوضاع أكثر و اكسبتها حالة من التشاؤم،و لو فكّرنا في حل هذه الازمة،اعتقد أننا نحتاج الى سنوات وليس الى أشهر لنصل الى حل مُرضي،مع أنني لاأريد أنّ أكون متشائماً،بل المسألةهي عبارةعن الحيطةو الحذر والمراقبة لمعرفة ما سوف يؤول اليه مستقبل العراق،وبرأيي أنّ الحل يكمن في سعي الكيانات المستقلة لأيجاد مبادرة لحل الأزمة،و بمعنى آخر هناك اليوم مشكلة بين كيانين وتأخذ نزاعاتهما احيانأً اتجاهاً قضائياً واحياناً أخرى اتجاهاً سياسياً،ومن الواضح أنّ الجانبين "العراقية و دولة القانون" تتصارعان على الآليات و كيفية ادارة شؤون الدولة،وبرأيي أنّ الكيان المستقل هو "التحالف الكوردستاني"والسيد مسعود بارزاني رئيس أقليم كوردستان لديه التزام بشأن محاولة جمع الاطراف و احتواء الاوضاع و تذليل العقبات و المحاولة من اجل الجلوس على طاولة مستديرة للحوار و البحث عن مخرج من الأزمة الحالية،و احسن السبيل اليوم بدون شك، هو ضرورة الالتزام ببنود اتفاقية "اربيل" لأنها كانت العامل الرئيس لتشكيل الحكومة،لذا اعتقد أنّه على الاطراف المتنازعة ايصال رسالة الى وسائل الاعلام و الشركاء السياسيين لأقناعهم بأنّ القوى السياسية ملتزمة اليوم بالتوافق و الشراكة الوطنية،واعتقد أن هذا سوف يكون بداية للمرحلة المقبلة للعملية السياسية و يُطمأن الرأي العام العراقي و يبعث برسالة ايجابية الى جميع الاطراف و سيكون عاملا لتهدئة الاطراف و الاوضاع في آن واحد،وفي الوقت ذاته يُزيل الحقد و الكراهية بين القوى السياسية التي تنعكس اليوم بشكل من الأشكال على الشارع العراقي،ومن الواضح حتماً أنّ الازمة اليوم مرهونة بأرادة سياسية لدفع العملية السياسية نحو الأمام وازالة المعوقات و احتواء الأزمات،وفي الوقت ذاته مرهونة بأرادة عمل الوساطة من قبل التحالف الكوردستاني والتحالف الوطني لتحديد ملامح الاوضاع في هذا الاطار و المحاولة من أجل اتخاذ خطوات جدية و سريعة لاحتواء الازمة،وفي هذا الصدد اعتقد أنّ لقاء السفير الامريكي في العراق مع الرئيس مسعود بارزاني كان يهدف بالدرجة الاساس الى الحث و الاندفاع نحو اعادة طرح المبادرة، وأقصد بها اتفاقية اربيل من اجل تفعيلها،مع التأكيد على حل النزاعات السياسية سلمياً)).
ما أشار اليه الدكتور سعد الحديثي كان جزءاً من التشاؤم،ولكنّه أشار اليها بحذر، ولكن عباس الياسري الكاتب و الباحث السياسي في مركز(النور)يشير بصراحة الى أنّ الاوضاع انقلبتْ الى التشاؤم واذا لم يحسم العراقيون تلك النزاعات فإننا نتجه نحو مستقبل مظلم،وحول هذه المسألة يقول الياسري: ((الاحداث الأخيرة في العراق تشبه سحابة سوداء غطّتْ سماء العراق،وتزامنت مع انسحاب القوات الامريكية،و كنّا نعلّق الآمال كثيراً بعد انسحاب القوات الامريكية بأنّ العراق يتّخذ الخطوات بأتجاه ايجابي،ولكن للآسف انقلب هذا التفاؤل الى التشاؤم،وبأعتقادي إنّ خير وسيلة للخروج من هذا الوضع المتشائم و الوصول الى التفاؤل هو انجاح احدى المبادرات المطروحة من قبل فخامة رئيس الجمهورية و السيد رئيس أقليم كوردستان و السيد"الصدر"و السيد"عمّار الحكيم" و إنّ واحدة من تلك المبادرات كفيلة لأعادة تفعيل العملية السياسية من اجل تحديد خريطة أو حل لكل الازمات، واذا ما تم اتخاذ المسألة بهدوء و حكمة ،عندئذٍ سيغطي العراق المزيد من التفاؤل وليس التشاؤم،ولكن مايزيد التشاؤم هو أنّ الثقافة السياسية في العراق خلال ال100سنة الماضية هي اللجوء الى العنف عندحل المشكلات،ولا توجد في تأريخ العراق المعاصر مشكلة تم حلها عن طريق الحوار ، بل كان حلها يكمن دائماً في استخدام القوة و التهديد و القتل و القصف وكذلك استخدام الاسلحة المحظورة في حل المشكلات الداخلية،لذا ما يتعلق بعملية الحوار و التسامح فبأعتقادي أنّنا اليوم في المرحلة الانتقالية وما تم تحقيقها الى هذا اليوم خطوة جيدة وقد جرى حل مشكلات عدة عن طريق الحوار،حتى أنّ غالبية القادة السياسيين يعتقدون بأنّ الحوار هو خير حل للخروج من الأزمات،وبرأيي إننا بحاجة الى الوقت للتعود على ثقافات مختلفة بينها السلام و قبول الآخرين،ثقافة تحوّل العنف الى السلام،والمرحلة الانتقالية التي نمر بها اليوم تتطلب الوقت،و أنا متأكد أنّ المستقبل سوف يغيّر العقلية العراقية السابقة الى حدٍ كبير والتي كانت مبنية على اللجوء الى العنف)).
المشكلات المتراكمة اصابتّ الحكومةالعراقية بالشلل
في أي بلد تتراكم فيه المشكلات غير المحلولة فإنّ أصغر نزاع كفيل بأعادة تعقيد الاوضاع مرة أخرى،وفي هذا الاطار اذا ما ألقينا نظرة على أوضاع العراق نظرة عابرة لوجدنا أنّه يعاني من مجموعة مشكلات متراكمة لم يجد لها الحل،وحول تداعيات تلك المشكلات على انفجار هذه الأزمة، تحدث السيد مثال الآلوسي رئيس حزب الأمة العراقي ل( كولان) قائلاً : ((بعد أجتيازنا التجارب القاسية للحروب و الدمار و انهيار الدولة العراقية ، كانت الحروب الطائفية و المذهبية عاملاً للمزيد من التفكير في استخدام العنف لحل المشكلات،وهنا أقولها يصراحة تامة ، لدينا اطراف تمثّل السُنّة و أخرى تمثّل الشيعة،ولكن لدى الطرفين بعض الاشخاص تكمن مصالحهم في استخدام العنف، وبمعنى آخر أنّ بينهم أشخاصاً يدّعون أنّهم دافعوا عن السُنة و أخرين يدّعون أنّهم مدافعين عن الشيعة،أنا رأيتُ بأم عيني كيف كان الدفاع،كان عن طريق استخدام السلاح،أي التجاوز على الانسان و القانون و القيم،ولهذا سميتُهم (أمراء الحرب)، ولاأعتقد أنّْ بأستطاعة أمراء الحرب بناء الدولة،وبرأيي يجوز أنّ يكون السيد نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي على صواب عندما يقول: هناك بعض الاتهامات ضد "طارق الهاشمي"، ولكن كيفية التعامل مع تلك التُهم دليل على التسييس و وجود محاولة من جانب الحكومة العراقية في استخدام الملف القضائي من اجل هدف سياسي،وهذا ليس جيداً ويُعد محاولة فاشلة،وأنتم الكورد أمامكم خياران،إما اتهامكم كجزء من القضية،وهذا غير صحيح لأن الكورد كانوا دوماً جزءاً من الحلول،وإما أنْ تتعاونوا من اجل تغيير الحكومة الحالية،ولكنكم لاتفعلون ذلك،ولهذا أننا بحاجة ماسة الى الأمل و التفاؤل والسلام في هذه الأزمة،إنّ الازمة السياسية هي عبارة عن تراكم سبع سنوات من الازمات وانتقالها من مرحلة الى أخرى و السكوت على معظم الملفات من اجل الخروج من أزمة الى أخرى أو من مرحلة الى أخرى عقّدتْ المسألة وجعلتها متداخلة و أكثر خطورة،كانت لنا حكومة انتقالية ومن ثم حكومة أخرى و البرلمان وكنا نسعى الى انجاح العملية السياسية،وضحى الجميع في هذا المجال و أعتقد أنّ الكورد ضحّوا كثيراً عندما صبروا على المادة 140 من الدستور و على قانون النفط و الغاز،كما صبروا على مسائل أخرى وكان الهدف هو انجاح اتفاقيات"التحالف الكوردستاني" التي أبرمها مع الحكومات المتعاقبة،لذا نحن اليوم أمام أزمة معقدة و متداخلة و كبيرة،لانشعر بالتفاؤل الى أنْ نلتزم بالدستور ونطوّر العملية السياسية ونتجاوز أزمات السلطة المطلقة و التشهير الشخصي،ولايمكن الخروج من هذه الأزمة الاّ في حال موافقة السياسيين العراقيين على بناء المؤسسة العراقية المهنية ولكنها غير واضحة الملامح لأننا لدينا حكومة فاشلة وهناك انتكاسة عامة،الاحداث الاخيرة أثبتتْ أنّ الحكومة الحالية غير متجانسة وغير قادرة وفاشلة،و جميع الاطراف تصّر على بقائها، أنا شخصياً متشائم و قلق و خائف ايضاً، ارجو أنْ أكون على خطأ،ولكنني أخشى من اندلاع حرب أهلية جراء استمرار هذه الأزمة التي يمكن أنّ تقود البلاد الى الهاوية،لذا أعتقد بأنّ بداية فتيل هذه الحرب سواء من ديالى أو من سامراء ثم بغداد،عندئذٍ تخرج عن نطاق السيطرة،لذا لايوجد أي حل غير انعاش و تفعيل العملية السياسية والألتزام بالدستور و القانون،وشخصياً لاأرى بصيص أمل وخاصة في الصراع القائم اليوم بين "العراقية" و "التحالف الوطني")).
وحول ما أشار اليه مثال آلوسي بصدد هذا الموضوع،سألنا الدكتور سعد الحديثي لماذا الثقافة السياسية لدى الاطراف العراقية على هذا النحو؟ أجاب الحديثي قائلا: ((أريد أن أذكر أمراً بكل صراحة ،مع كل الاسف كانت طبيعة الثقافة السياسية دائماً على هذا النحو،لقد تعاملوا مع المسائل على أساس العنف و التطرف في "الانفعالات و العواطف"،وليس من منظور عقلاني في حل المشكلات،وكانت المواقف في بعض الأحيان تأخذ شكل "الفعل و رد الفعل"،لذا اعتقد أنّ النخبة السياسية هي جزء من ثقافة هذا المجتمع واصحاب هذه الطبيعة و الشخصية الذين لايعرفون الحل الوسط ويمارسون العنف أحياناً ضد الأطراف الأخرى،وهذه مشكلة كبيرة و لها أبعاد مختلفة مثل،مشكلة التعايش بين العراقيين و قبول الآخر حتى لو اختلفتْ مبادؤنا،تقدير الشخص المقابل حتى لو لم يتفق معي في الرأي،مع الأيمان بالآليات السلمية في ادارة النزاعات و عدم استخدام ورقة غير اخلاقية فيها،ومع كل الاسف لم نصل الى هذه المبادئ حتى الآن،لاننا بحاجة الى الوقت لأيجاد شخصية مدنية عراقية يؤمن بالاساليب المدنية في كيفية ادارة النزاعات و لايفرض ارادتها تحت أي تسمية،المشكلة تكمن في أنّ غالبية النخبة السياسية لم تصل الى هذا المستوى والمسألة خطرة جداً لأنّ تداعياتها سوف تنعكس على الشارع العراقي،والاكثر من ذلك نجد أنّهم يثيرون شعار الفئوية والذي يزيد من تعقيد الأزمة وليس حلها،اعتقد أنّ مناقشة مسألة الفدرالية بصورة جدية و عميقة في هذا الوقت والعمل على تطوير هذه المسألة من حيث تشكيل الأقاليم في مختلف المحافظات،يمكن أنْ تشكّل بوابة للخروج من الأزمة،لأنّ الأزمة الحالية حتى لو تم حلها بصورة آنية فإنّ جذورها ستبقى ايضاً،لذا اعتقد أنّ الفدرالية هي الحل للتعددية و اختلاف الآراء و وجهات النظر والتعددية من الناحية الدينية و العرقية و المذهبية،كما أنّها محاولة لحماية وحدة البلدان،وفي الوقت ذاته وسيلة لضمان الحقوق السياسية و المدنية و الثقافية لعموم المكونات و الاقليات في المجتمع،قد يكون هذا مخرجاً حقيقياً من أزمة العراق الحالية،ولكن إصرار طرف على الانفرادية في القرارات السياسية و تجاهل اطراف أخرى،برأيي فإنّ ذلك لايضمن الاستقرار)).
الانتخابات المبكرة هي الحل ولكنّها بحاجة الى أوضاع مستقرة
وحول تجاوز الأزمة و اعادة تنظيم العملية السياسية و مقترح بعض الاطراف بأجراء انتخابات مبكرة،وهذا يعني اذاما اتفقت الاطراف على هذا المقترح فهذا يعني أنّ عام 2012 سوف يشهد منافسات انتخابية،ولكنها ليست ديمقراطية،وإنّما عدائية،و بشأن هذا الموضوع و في اطار حديثه يقول مثال الآلوسي: ( تجري الانتخابات عندما تكون الاوضاع مستقرة،ولكن العراق الآن ليس مستقراً،للأجندات الأقليمية تاثير على العراق و للأوضاع الاقتصادية و البشرية و الستراتيجيه دور ايضاً في هذه المسألة،وبرأيي علينا العمل من أجل ايجاد ستراتيجية عراقية لبناء الدولة العراقية و مؤسساتها و لدينا عوامل ومقومات كثيرة للتوفيق في هذا الجانب،وهذا يحتاج الى ارادة سياسية ،ولكنني لاأجد هذه الارادة، وما أجده عبارة عن صراعات و تجاذبات سياسية وهي جزء من الأجندات الأقليمية).
لايجوز تهميش أي مكوّن في العراق
وكما أشار اليه الآلوسي ، في حال عدم اجراء انتخابات مبكرة ليعيد العراق استقراره،فإنّ اعادة الاستقرار تحتاج الى مواصلة الاطراف مشاركتهم في الحكومة و المؤسسات الأخرى داخل العملية السياسية عن طريق التوافق السياسي،ومن جهة أخرى كما اشار اليه رئيس الوزراء العراقي علناً،يمكن الاستغناء عن التوافق، وهذا يعني قد يجوز اهمال مكون رئيس،وحول وجود هذا التناقض بين الواقع السياسي و بين مواقف رئيس الوزراء،أشار عباس الياسري المراقب و المحلل السياسي في حديثه ل(كولان) الى ذلك بقوله : (( اذا ما استغنينا عن التوافق أو تجاهلنا أحد المكونات، فهذا يعني أنّنا نعود مرة أخرى الى الثقافة الاجتماعية الموجودة سابقاً،لأنّ تجاهل أشخاص أخرين كان قد وصل الى اطار الطائفة وحتى العشيرة ذاتها عند صراعاتها على السلطة،وبرأيي إنّ الذي ينظر الى المكونات الأخرى بهذا الشكل ،فإنّ هذه النظرة بعيدة جداً عن كل المعايير الدينية و الأنسانية و المعايير الطبيعية ايضاً، لأن الله سبحانه و تعالى خلق الكل بالتساوي،لذا عندما نعبّر عن أرائنا خلافاً لأرادة الله عزوجل، فهذا يعتبر ضعفاً في الأيمان،كان البعث و صدام حسين قد فرضا السلطة على العراق عبر استخدام القوة من اجل السيطرة الكاملة على البلاد،وبأعتقادي أنها علامة ضعف و ليست القوة،القوي هو الذي يمنح الفرصة للمقابل و ينظر اليه من منظور إنساني،لذا فإننا اليوم بحاجة الى نشر ثقافة التعايش عن طريق وسائل الأعلام،لأن السياسين لم يتمكنوا من نشرها بين المواطنين،لذا يستوجب أنّ تقوم منظمات المجتمع المدني و وسائل الأعلام بخلق أجواء التعايش السلمي و المساواة،وعندئذٍ يضطر السياسيون التعامل معنا كمواطنين عراقيين وبأننا مشاركون و متساوون في الحقوق و الواجبات)).