• Friday, 03 May 2024
logo

مصر تعيش أصعب ايام فى تاريخها وتترقب إعلان رئيسها المقبل: مخاوف من صدام بين الإخوان والعسكر ..وتوقعات بتفاهمات بين الطرفين لن تكون خاتمة المطاف

مصر تعيش أصعب ايام فى تاريخها وتترقب إعلان رئيسها المقبل: مخاوف من صدام بين الإخوان والعسكر ..وتوقعات بتفاهمات بين الطرفين لن تكون خاتمة المطاف
رسالة القاهرة
أسماء الحسينى

تعيش مصر هذه الأيام أصعب وأطول أيامها على الإطلاق منذ قيام ثورة 25 يناير قبل عام ونصف ،وينتظر المصريون بخوق وقلق شديدين ما ستسفر عنه نتاج جولة الإعادة فى الإنتخابات الرئاسية بين كل من الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء فى عهد مبارك و الدكتور محمد مرسى مرشح حزب الحرية والعدالة المعبر عن جماعة الإخوان المسلمين ،وكان وصول هذين المرشحين لجولة الإعادة معا من بين 13 مرشحا فى الجولة الأولى تم تفتيت الأصوات بينهم صدمة لقطاعات كبيرة فى الشارع المصرى ،وإنتخاب بين خيارين أحلاهما مر ،كما عبر كثير من المصريين .
وقد سارع الإخوان المسلمين للإعلان عن فوز مرشحهم قبل إعلان لجنة الإنتخابات بنسبة 52%،فى موقف اعتبره البعض رغبة منهم فى فرض الأمر الواقع ،فيما أكدوا أنه رغبة منهم فى إعلان الحقائق لعدم تزويرها لصالح خصمهم شفيق الذى حصل بحسبهم على 48%،فيما ظلت حملة شفيق تعلن فوز مرشحها .
وكان المجلس العسكرى قد استبق ظهور نتائج الإنتخابات بخطوات اعتبرها المراقبون أنها تحسبا لفوز المرشح الإخوانى،ومن بين تلك الخطوات حل مجلس الشعب الذى تسيطر عليه أغلبية إخوانية وسلفية ،وإعلان دستورى مكمل يعطى المجلس العسكرى سلطة التشريع لحين إجراء الإنتخابات البرلمانية ،وسلطة تكوين لجنة تأسيسية للدستور تعبر عن الشعب المصرى بيلا للجنتين فشل الإخوان فى تشكيلهما بشكل متوازن يرضى بقية القوى السياسية ،كما أصدر المجلس العسكرى أيضا قرار الضبطية القضائية الذى يمنح سلطة لقوات المخابرات والأمن ،وهذه الخطوات جميعا قوبلت باستنكار القوى السياسية ،وأدت لخروجها مجددا إلى ميدان التحرير وميادين مصر الأخرى للإعتراض عليها ،وهو ما استغله الإخوان للتصعيد ضد المجلس العسكرى لفرض مرشحهم ،وأصبح الآن هناك إستقطاب وإنقسام شديد بين الإخوان والقوى الثورية والديمقراطية التى إنحازوا إليهم خشية ضياع الثورة ،والمجلس العسكرى والقوى الثورية والديمقراطية وقطاعات الشعب الذين إنحازوا إليهم خشية ضياع البلد بحسب ظنهم حال وصول الإخوان المسلمين لحكم مصر ،وتأخر إعلان إسم الرئيس المقبل لمصر الذى كان مقررا يوم الخميس الماضى ،بسبب كثرة الطعون المقدمة فى كلا المرشحين ،وهناك أنباء كثيرة عن حوار يجرى بين المجلس العسكرى والإخوان وربما صفقة يسعيان للوصول إليها ،يخشى البعض ألا تنهى الأزمة ،أو أن تكون بداية لسلسلة أخرى من الأزمات ،وهناك أنباء أيضا عن ضغوط أمريكية لصالح الإخوان ولقاءات بين مسئولين أمريكيين عديدين والجماعة .
وفى قراءة للمشهد الحالى فى مصر يقول الكاتب الصحفى سعد هجرس ل "كولان " :إن مصر تمر الآن بلحظات تاريخية ،لها وجهان ،أحدهما إيجابى للغاية ،يتمثل فى أن هذه هى أول إنتخابات تعددية فى مصر ،شاركت فيها أطراف إسلامية وعلمانية وقومية وليبرالية وعلمانية وقومية وعبرت عن آرائها ،فمصر تعيش أجواء ربيع حقيقى ،ولكن لهذا الربيع وجه آخر مخيف ،حيث تعيش مصر لحظات بالغة الدقة والحساسية مشحونة بالتوتر وحبلى بالمخاطر ،فالإنتخابات فيها ليست مثل نظيرتها فى أى دولة بالعالم ،فيها فائز ومهزوم ،فكل طرف من الطرفين المتنافسين فى مصر يدعى أنه المنتصر قبل إعلان الفائز بصورة رسمية ،والآن السؤال هو كيف سيكون وضع الخاسر بعد كل هذه التعبئة ،وحتى عندما يعلن الرئيس سيكون بدون برلمان أو دستور ،والبرلمان المنحل يناضل من أجل البقاء ،والمجلس العسكرى أخذ السلطة التشريعية واعتبر نفسه برلمان موازى ،ويسعى لتأسيس لجنة تأسيسية للدستور ،وهناك لجنة أخرى ،وبالتالى فإن هناك احتمالات خطيرة للغاية ،وهناك صدام يلوح فى الأفق وصراعات سياسية محتدمة ،وحالة إرتباك ،فالفارق بين نسب التصويت للمرشحين ليست كبيرة ،وبالتالى فالإنقسام حاد ،وأعتقد أن الرقم المهم فى معادلة هذه الإنتخابات هو المقاطعون والمبطلون لأصواتهم والذين يشكلون عددا كبيرا ،وهناك نوعين من المقاطعة ،مقاطعة بسبب عدم الإكتراث ،ولكن الآن هناك مقاطعة كبيرة إحتجاجية على المرشحين اللذين لايرقيان فى نظر كثير من المصريين لطوحات ثورة 25 يناير ،وبالتالى فإن الرئيس القادم سيأتي بشرعية مجروحة ،بسبب زيادة عدد الذين أبطلوا أصواتهم .
ويضيف هجرس : أعتقد أن تقارب نسب المرشحين يشير أيضا غلى احتدام الصراع بين الطرفين ،وبالتالى انقسام المجتمع ،والأصوات التى حصل عليها مرسى ليست كلها حبا فى مرسى بقدر ماهى احتجاجا على شفيق الذى يرى البعض أن فى وصوله عودة للنظام القديم ،كما أن الأصوات التى حصل عليها شفيق ليست كلها حبا فى شفيق بل رفضا فى الدولة الدينية التى يمثلها مرسى ،وهى ليست وهما فى عقول الليبراليين والعلمانيين واليساريين فى مصر ،وإلا ماتفسير شعارات دولة الخلافة التى ظهرت فى صفوف الإخوان والإسلاميين ،وأحد دعاتهم طالب بدولة الخلافة الإسلامية وعاصمتها القدس ،وإن كان الإخوان ينكرون ذلك أحيانا ،وفى المقابل فغن شفيق ليس ممثلا للدولة المدنية ،حيث يعيد إنتخابه إنتاج النظام القديم لمبارك مع صيغة عسكرية ،وهذه الصيغة العسكرية والأخرى الدينية تتناقضان مع الدولة المدنية .
ويرى هجرس أن الديمقراطيين فى مصر هزموا فى هذه الإنتخابات لكن ربما انتصرت الديمقراطية ،لأن غير الديمقراطيين يمارسون آليات الديمقراطية ،وهذا تقدم مهم .ويرى أن الصدام بين المجلس العسكرى والإخوان وارد فى حال فوز مرسى أو عدمه ،لأنه سيكون هناك إزدواج فى السلطة وخلاف حول صلاحيات الرئيس ،وأنه ستكون هناك مساحات للمساومة والتسويات والتفاهمات بين الجانبينن ،مع العلم بأن الإخوان يتمتعون بدرجة عالية من البراجماتية والعملية ،وسيسعى كلا الطرفين لتسوية ما فى الحالتين ،لكن هذا لن يلغى احتمال الصدام ،الذى لن يخسر فيه المجلس العسكرى أو الإخوان ،بل على مصر كلها ،التى تنتظر إنتقالا سلسا للسلطة ينقل مصر من هذه الحالة البائسة إلى دولة مدنية حديثة .
ومن جانبه يرى المحلل السياسى الدكتور أحمد سيد أحمد ل "كولان "أن الإخوان عدلوا من تكتيكاتهم ،ونجحوا فى إدارة إنتخابات الرئاسة لصالحهم ،بحيث تحقق لهم العديد من المكاسب ،أولها فرض الأمر الواقع بفوز مرشحهم مرسى عبر التبكير بإظهار نتائج فرز اللجان الفرعية ،وهو ماقلل من هامش أى عمليات تزوير قد تحدث وتغير أو تعدل النتيجة ،كما أنهم قاموا بتشكيل جبهة اصطفاف وطنى بالتحالف مع كثير من القوى الثورية مثل 6 ابريل والجبهة الوطنية للتغيير وإئتلاف شباب ثورة مصر والإشتراكيون الثوريون وغيرهم من الرموز الوطنية ،وذلك فى تغيير لصورة المعادلة التى كانت تقدم بأن المعركة بين الإخوان والمجلس العسكرى ،بينما جعلوها بين قوى الثورة والمجلس العسكرى الذى اتهموه بالإنقلاب الناعم على الثورة وأهدافها ،ومن شأن هذه الجبهة إلى جانب الملايين المحتشدة فى الميادين ،والتى تضم ليس فقط التيار الإسلامى ،بل ايضا القوى الثورية الأخرى ،ومن شأن ذلك أن يشكل عامل ضغط قوى على المجلس العسكرى للتراجع أو تعديل الإعلان الدستورى أو إلغاء حكم المحكمة الدستورية بشان حل البرلمان أو إلغاء قرار الضبطية القضائية ،كما أن ذلك يمثل أيضا عامل ضغط أيضا من أجل أن يحصل الرئيس القادم على كامل الصلاحيات المتعلقة بمنصبه ،كما أن هذه التحركات من جانب الإخوان تبدد أيضا الكثير من المخاوف بشأن وصول التيار الإسلامى للسلطة واستحواذه على كل مفاصل الدولة ،خاصة عندما أكد مرسى وبيان الجبهة الوطنية الموحدة بأن تكون هناك مؤسسة للرئاسة تضم إلى جانب الإخوان نوابا من الأقباط والشباب والمرأة وكثير من ألوان الطيف السياسى فى المجتمع ،وكذلك تعهده بأن تكون الحكومة المقبلة إئتلافية تجمع كل القوى السياسية ،وترأسها شخصية وطنية لاتنتمى لأى تيار سياسى ،لكن السؤال المهم هو هل سيرضى المجلس العسكرى والقوى السياسية التى تدعمه وتدعم شفيق بهذا الخيار أم أن المشهد سيظل معقدا وتزداد حالة الإحتقان السياسى ،وهذا يتوقف على عدة عوامل ،أهمها أن تكون نتيجة الإنتخابات بشكل نزيه وشفاف وواضح ،بحيث تعطى شرعية للرئيس المنتخب وتقلل من حدة أنصار التيارالآخر ،إضافة إلى تغليب منطق الحوار الوطنى والمصالحة الوطنية عبر الحوار بين كافة القوى لإنهاء حالة الإستقطاب الحادة وإعلاء المصالحة الوطنية والمصلحة العليا للبلد وتحقيق أهداف الثورة .
....وفى كل الأحوال لابد للرئيس القادم أيا كان -الفريق أحمد شفيق أو الدكتور محمد مرسى - أن يعلم أن مصر أكبر من أن تصبح لقمة سائغة يلتهمها أى فصيل منفرد أو مجموعة مصالح أو تيار دينى ،نعم فمصر أكبر من العسكر والإخوان ومن فلول الحزب الوطنى المنحل أو أى مجموعة أخرى محدودة مهما كبرت ، والدرس الذى يجب أن يستوعبه الرئيس المقبل ومعه جموع المصريين أن بقاء وإستقرار وتقدم مصر بات مرتبطا اليوم بقدرتها على تحقيق المصالحة الوطنية المبنية على العدالة .
ولن يستطيع حاكم كائنا ماكان أن يعيد مصر إلى الأوضاع الخاطئة التى كانت عليها فى السابق ،فأساليب الظلم والقهر والطغيان أيا كان مصدرها لن تكون مقبولة بعد اليوم ،فالشعب المصرى الذى وثق فى قدراته وإمكاناته لن يقبل مرة أخرى بطاغية أو مستبد ،عسكريا كان أو رافعا لشعارات الإسلام ،وسيجبر أى قادم إلى القصر الجمهورى على إحترام إرادته ودماء شهدائه .
والحالمون بالعودة إلى نفوذهم القديم لن يكون لهم مايرغبون ،والإسلاميون مطالبون مثل غيرهم بمراجعة نهجهم...وإذا انتهج الفريق شفيق فى حال فوزه سياسة إقصائية أو عقابية أو ظن أنه مسنودا من النظام القديم وحوارييه ورجال أعماله فسيواجه بثورة أخرى ،ومثله الإخوان إذا قاموا بتصفية الحسابات وإذا لم يعالجوا أخطاءهم وتوجههم للإنفراد بالسلطة والهيمنة .
...فهل يمتلك الرئيس القادم الشجاعة ويرتفع فوق انتماءاته الضيقة نحو أفق المصالحة الوطنية المرجوة ،ويقدم خطابا وسياسة توافقية عنوانها العريض أن مصر للجميع ،لايستثنى منها أحد ،ولاتهمش فيها منطقة أو تعاقب طائفة أو مجموعة ،أو يتم فيها السكوت على ظلم أوفساد...ورغم كل التخوفات والهواجس التى تحيط بالإنتخابات الرئاسية ،ورغم كل الإحباط والتشاؤم من الحال الذى آلت إليه الأوضاع بعد الثورة ،إلا أنه ومهما كانت النتيجة فمصر تكسب وتخطو للأمام،صحيح أن ذلك يتم ببطء ،لكن المؤكد أن وعى الناس يتشكل ،وأن خبرتهم تزداد ،وأن لامبالاتهم تقل ،وأنهم لن يقبلوا بحاكم ديكتاتور بعد اليوم .
Top