• Thursday, 02 May 2024
logo

محمد مرسي اول رئيس مصري منتخب..هل ينجح في جمع الخصوم و الفرقاء؟

محمد مرسي اول رئيس  مصري منتخب..هل ينجح في جمع الخصوم و الفرقاء؟
ترجمة/ بهاءالدين جلال


بعد انتظار طويل،اعلنت اللجنة الأنتخابية في مصر فوز محمد مرسي مرشح الأخوان المسلمين بنسبة 51%وبفارق كبير بينه وبين منافسه احمد شفيق الذي حصل على 48% من الأصوات،وكانت نسبة المشاركة المصرية في الأنتخابات قد بلغت 15% من مجموع خمسين مليون ناخب كان لهم حق التصويت والذين شاركوا في الأنتخابات،إنّ هذه النسبة تظهر بوجود انقسام في الشارع المصري، أي تصويت نصف الناخبين لصالح المرشح الأول و النصف الآخر لصالح الثاني،فضلاً عن أنّ نصف المصريين لم يدلوا بأصواتهم لصالح أي من المرشحين،وهذا يؤدي الى أنْ يتحمل الرئيس الجديد اعباء و مسؤوليات كبيرة في مسألة توحيد الصفوف وتحقيق التوافق، هذا الى جانب الخلفية الأسلاموية للرئيس التي لازالت تثير قلق و مخاوف غالبية القطاعات و القوى المصرية،الى جانب معوقات أخرى حول دوره و فرض السلطات و العلاقات مع المجلس العسكري الذي حكم البلاد لفترة من الزمن،ناهيك عن المشكلات الأقتصادية و الأمنية و الأجتماعية و السياسية التي يترقب الشعب المصري نتائجها ولايمكن للمصرين التغاضي عنها اذا ما عجز الرئيس الجديد عن معالجتها.

منذ اكثر من سنة و نصف سنة علق المصريون الذين قدموا التضحيات من اجل هذه التحولات،علقوا الآمال على مايفعله الرئيس الجديد،ويرى الكثيرون أنّ فوز مرسي جعل مصر يتخلص من المواجهات العنيفة للأسلاميين الذين كانوا يحركون الساحات و الشوارع قبل ظهور نتائج الأنتخابات.لقد أُثيرتْ تساؤلات كثيرة بعد فوز مرسي حول علاقات مصر مع امريكا و ايران و اسرائيل و دول الخليج رغم رسائل التطمين التي بعث بها مرسي الى هذه الجهات بعد فوزه .والى جانب مخاوف الأمريكان ازاء فوز مرشح اسلامي لرئاسة مصر الاّ أنّ بعض الأنباء اكدتْ أنّ الأمريكان انفسهم كانوا يعملون من اجل فوز مرسي. انّ الرئيس الجديد سوف يواجه صراعات بين الأسلاميين وبين الثوريين والجناح العسكري و اقطاب اخرى محلية و خارجية،وهناك شكوك حول قدرته على استخدام كافة سلطاته حيال الجناح العسكري سيما في الشؤون العسكرية أو في علاقاته مع دول العالم،لقد صدر بلاغ حول خفض صلاحياته لذا نجد أنّ الأخوان و حلفاءه يضغطون و يبذلون جهوداَ كبيرة من اجل اعادة كافة صلاحياته كرئيس دولة،وليبس هناك عبارة أو صيغة اتفاق يبدوأنها تمت بين الأخوان وبعض المجموعات اليسارية أو بين اللبيراليين و العلمانيين و الثوريين داخل مصر، ولكن احتمال التصادم بين الأخوان و المجلس العسكري مسألة حتمية واذا كان هناك رهان على هذا التصادم فإنّ السيناريو القادم سيكون اكثر مأساوية.

ويعتقد الدبلوماسي المعروف عبدالرؤوف الريدي أنه وفق الخطابات التي يطلقها مرسي إنما يحاول أنْ يدخل في قلوب عموم المصريين و يؤكد على الأنفتاح و يمد يد العون الى الجميع من اجل بناء دولة مدنية ديمقراطية عصرية.
ولكن الكاتب و الصحفي عبدالحليم قنديل فهو يقول: بعد لقائي الرئيس مرسي اُصبتُ بصدمة عندما سمعتُ منه أنه ينوي البقاء كعضو في حزب الحرية و العدالة على خلاف ما ذكر عنه سابقاَ كما أثار ذلك خوفاً من تأسيس دولة دينية ،لقد زادت مخاوف النساء و الأقباط من أنْ تأخذ الدولة صبغة اخوانية لأن مرسي كان يذكر في لقاءاته بأستمرار بأننا جميعاً مواطنون وليس لدى أحد تطمينات لغيره.

يعتقد الباحث و المحلل السياسي عمرو حمزاوي أنّ الرئيس الجديد يواجه عقبات و احتمالات كبيرة، الأولى أنْ يقدم نموذجاً حقيقياً لأدارة منصبه و مهماته الوظيفية وفق الصلاحيات المحددة له بعد خفض صلاحياته في اعلان الدستور المعدل و في اطار الديمقراطية،الثانية اندفاعه نحو التحولات الديمقراطية التي طرأت في مصر وكذلك عمله لنقل السلطة من المجلس العسكري الى المؤسسات المدنية المنتخبة،لأنه لايمكن لمصر أنْ يشهد الأستقرار من غير نقل دولة المواطنة و المؤسساتية الى يد المدنيين الذين يضعون الأمور العامة و السياسية في اطار تطبيق الديمقراطية و تناول السلطة عن طريق صناديق الأقتراع النزيهة،وكذلك عبر فصل السلطات العامة و مراقبة المؤسسات الأمنية و العسكرية من قبل المدنيين المنتخبين من قبل الشعب،فضلاً عن الرقابة القانونية و الأدارية و الشعبية للمؤسسات التنفيذية و الأدارية لضمان احترام حقوق الأنسان و مساواة المواطنين و ابعادهم عن نفوذ المصالح الحزبية.العقبة الثالثة هي المحافظة على الحريات الشخصية و الحقوق السياسية و الأقتصادية و الأجتماعية و الثقافية التي كان يحلم بها المصريون منذ زمن طويل،وإنّ الكثير من المصريين ليسوا متفائلين بالتأريخ الأسلامي السياسي،لذا على مرسي أنْ يتذكر دائماَ بأنّ المجتمع المصري كان تعددياً الذي نظّم تعايشه المستقربين شرائحه في ظل أبداعاته العقلية و الثقافية و الفنية الأصيلة،وإنّ عبارة الدولة المدنية ابقت رغبة الجميع الأختيارية من اجل ضمان و حماية الحقوق و الحريات في مستوى مستقر،العقبة الرابعة أمام مرسي هي أنْ يصبح رئيساً لعموم المصريين وليس فقط للذين منحوه اصواتهم في الأنتخابات، ولانقصد بأنه ينال رضى الجميع و الذي يُعد فرضية خيالية خلاف الديمقراطية التي تنظم السياسة في اطار المنافسة و التضامن و الصراع السلمي بين السلطة و المعارضة،بل أنّ الهدف من أنْ يصبح رئيساً للجميع هو صياغته للسياستين الداخلية و الخارجية بحيث تصب في مصلحة و طموح و معاناة الذين لم يصوّتوا له قبل المصوتين ،وعليه احترام معارضة ديمقراطية التي تراقب اعمال الحكومة و توجه لها الأنتقادات البناءة.وأنْ يتذكر دائماً بأنه لايوجد فائز ساحق في الأنتخابات ابداً،بل أنّه وصل الى كرسي الحكم بأغلبية مكثفة قليلة،وأنّ نصف المصريين الذين كان لهم حق التصويت لم يتوجهوا الى صناديق الأقتراع. العقبة الخامسة امامه هي حماية العلاقات المباشرة الشفافة مع المؤيدين و المعارضين لحكمه دون التمييز بينهم،كما كان مصر يعاني في السابق من رؤساء كانوا يريدون الأستحواذ على السلطات الكاملة من خلال نظرتهم الضيقة للسياسة ، أما اليوم فعلى الرئيس الجديد في مصرالذي شهد تحولاً ديمقراطياً العمل على تنظيم التوازن بين عموم المجتمع وأنْ لايقف على برج عال لأنّ ذلك كان شأن الأنظمة القمعية.


العقبة السادسة هي عبارة عن تنظيم علاقات الرئيس مع جميع الأطراف وخاصة مع الأخوان المسلمين وحزب الحرية و العدالة أو مع التيارات السياسية الأسلامية لتطمأن كل الأطراف بأنّه بأمكان تلك الأحزاب ممارسة الديمقراطية واحترام القانون،ويقع الدكتور مرسي في موقع المسؤولية لضمان تلك التنظيمات، قد يجوز له التنازل عن مؤسساته الحكومية من اجل تنفيذ سياساته،ولكن المؤسسات و الدوائر التنفيذية في الدول الديمقراطية مستقلة تماماً،لذا على الرئيس الأعلان عن استقالته من قيادة حزبه وحتى من الأخوان، وقد يكون من الممكن عدم تنازل الرؤوساء في بعض الدول الديمقراطية عن مناصبهم و التزاماتهم الحزبية،ولكن السياسة الحالية في مصر يتطلب فصل الرئيس عن الأخوان وكذلك الضغط عليهم لتنظيم أمورهم كمجلس أهلي أو مؤسسة و الخروج من دهاليز الخفية ليتمتعوا بعنوان قانوني من الناحيتين الأدارية و المالية.

ولكن كمال هلاوي الذي كان أحد قادة الأخوان واستقال مؤخراً يعتقد أنّ انتخاب مرسي هو أحد المكاسب الكبيرة للثورة الشعبية المصرية بعد اسقاط حكم مبارك الذي استمر لأكثرمن ثلاثين عاماً حيث كان يسمى الخزين الستراتيجي لأسرائيل و الذي كان قد أبعد مصر عن العالم العربي، ويضيف قائلاً:إنّ ّ مرسي يتسلم مقاليد الحكم وهو يواجه الكثير من المشكلات منها الملفات الساخنة خاصة المتعلقة بأتفاقية كامب ديفيد التي وصفها الأسلاميون بالأتفاقية الكريهة ،وكذلك الملف المتعلق بأمريكا أي ملف الأرهاب الذي كان الأسلاميون و المقاومة الأسلامية و حزب الله قد ادرجوا في قائمة الأتهام به،ومن الملفات الساخنة الأخرى تزايد صلاحيات المجلس العسكري خاصة بعد حل البرلمان و الأصرار في تشكيل مجلس لأعادة صياغة الدستور،وملف مبارك و اعوانه أو حالة الأستقطاب التي جعلت القبطيين يؤيدون شفيق خوفاً من الشريعة الأسلاموية وحكم الأخوان،والملف الأخير هو ظهور فلول النظام السابق ،ولكن علينا أنْ لاننسى أنّ الأنتخابات التي هي وسيلة ديمقراطية قد منحتهم فرصة للمنافسة على منصب الرئاسة،واذا قبل المصريون بفوز مرسي و بفشل شفيق فأنهم سيضطرون الى الموافقة على أي انتخابات أخرى بعيدة عن التزوير في المستقبل،نتمنى أنْ يفي مرسي بوعوده التي قطعها على الشعب المصري قبل الأنتخابات وأنْ لايستاء من الأنتقادات البناءة التي توجّه له خارج دائرة الأسلاميين.

من جانبه يعتقد الأستاذ حسن نافعة استاذ العلوم السياسية أنه من الضروري انْ تعاد كل السلطات و الصلاحيات الى الرئيس المنتخب بعد اداء اليمين الدستورية،سيما السلطات التي كان يتمتع بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع السلطة التشريعية ، إنّ رئيس الدولة في أي نظام سياسي في العالم سواء الديمقراطي أو غير الديمقراطي فهو يعتبر قائداً للقوات المسلحة وهو رمز لتجسيد سيادة الدولة،وفي الوقت ذاته لايجوز خروج المؤسسة العسكرية عن اطار سلطاته بأي شكل من الأشكال،أو ظهور المؤسسة وكأنها دويلة صغيرة داخل الدولة،من أهم مهام الرئيس و اختصاصاته بأعتباره اعلى سلطة تنفيذية هي القيام بتعيين رئيس الوزراء و الوزراء و كبار موظفي الدولة،ومن حقه الطبيعي أن تتوسع صلاحياته للسيطرة على عموم مواقع السلطة التنفيذية،سيما الوزارات السيادية كوزارات الدفاع و الخارجية و الداخلية و المالية،و ان تخفيض أي صلاحية من تلك الصلاحيات تُعد انقلاباُ على الدستور،قد يقول البعض أنّه من الصعب قيام رئيس دولة بجمع السلطتين التنفيذية و التشريعية في يده بمفرده، خاصة اذا كان هذا الرئيس موالياَ لجماعة الأخوان المسلمين،هذا الكلام ليس له مبرر في حين يمكن أنْ يحدث هذا اذا كان جمع السطتين سبباً لنقل السلطة التشريعية من قطب غير منتخب الى قطب منتخب،واذا كان بخلاف ذلك حيث يقوم قطب غير منتخب بالسيطرة على السلطة التشريعية بذريعة فصل السلطات فهذا يعني تدخلاً واضحاَ و صريحاَ من السلطة،وعلى عكس هذا التوجه يقول الدكتور نبيل عبدالفتاح رئيس منتدى البحوث الأجتماعية و التأريخية التابع للأهرام : إنّ مصر الأن أمام كل الأبواب التأريخية سواء بوابة الأستمرار في النموذج السياسي المصري السابق أو بوابة استخدام بعض الأفكارو الأنظمة و الأساليب في العمل السياسي الخاضعة لمفاهيم الجماعات المذهبية،وعلى الرئيس الجديد توجيه سياسة مطمئنة في خطاباته بشأن الحريات العامة،ويؤكد التزامه بدعم المرأة و حماية حقوق الأطفال و الأقليات،ويتحدث في خطاباته كشخصية اسلامية ديمقراطية منفتحة و معتدلة و مجددة للحرية في الفكر الأسلامي و ممارسة الحريات الدينية و المباديء،وأنْ يتصف بالأنفتاح على العالم و الأبعاد الثقافية ويثبت أنّه قادر على تطوير بلده عبر تأريخه العريق ويواجه به التحديات ،ويُلقي خطاباً يبيّن فيه التزامه الى جانب المركز الأسلامي التأريخي للأزهر و تقاليد الأغلبية السنية،بحيث يستوعب المذاهب الأخرى ويضع الحوار فوق المذهبية،يجب أنْ تكون خطابات الرئيس حاسمة و تفرض قوتها على الجماعات و الحزبية الضيقة وتكون لها رؤية واضحة بعيدة عن الأنتماءات الحزبية و لاتتجاوز حدود أي جماعة لتكون للقرارات السياسية التي يصدرها الرئيس رؤية عصرية و واسعة ازاء وحدة المؤسسات الرئاسية و تكاملها والتي تختلف اختلافاً كاملاً عن القرارات التي يصدرها رئيس حزب لمؤيديه و انصاره والنابعة من احساس عاطفي،أي تكون الخطابات ملتزمة بمبدأ مكافحة الفساد و المفسدين و معاداة شبكاتهم داخل مؤسات الدولة وخارجها ،ملتزمة بحرية الأبداع و الفن،لاتخشى الأخطاء و التجارب بل تدافع عن حق الأختلاف الذي يخفي بين ثناياه اساس قوة مصر و امكانياته ليلعب دوره الحقيقي على الصعيين الأقليمي و العالمي،خطاب رئيس لشعب اهتزت دعائمه ويجب أنْ تنعكس في فضاءاته الحريات و يؤسس لثقافة المسؤولية و يرّسخ هيبة القانون في الضمير و الوعي بعيداً عن التصرف الأجتماعي العشوائي غير المسؤول،كما أننا بحاجة الى المعالجة الجذرية لتنظيم الدراسة و مناهجها،اذاّ مصر بحاجة الى التحاور مع نفسه وانتقاده بعيداّ عن الشعارات.

أما الأعلامي خيري رمضان له رأي آخر فهو يعتقد أنّ مرسي سوف يواجه أزمة مستعصية في فترة رئاسته للبلاد،ليس بسبب الأنهيار الأقتصادي و السياسي وإنّما بسبب ارضاء الحلفاء والأطراف التي كان لها الفضل الأكبر في وصوله الى الحكم،ولكن هل يتمكن من نزع عباءته الحزبية ولايخضع لمطالب القيادة السابقة في الأخوان المسلمين، وهل يستطيع أنْ يُثبت بأنه رئيس لكل المصريين ولايحاول نشر افكار جماعته أو حمايتها؟مع الأحتفاظ بمبادئه و عقيدته الخاصة وهل أنّ الأخوان موافقون على انجاح تجربة حكم مرسي من غير الأعتبار لأنتمائه اليهم؟ ومن جانب آخر يواجه مرسي القوى الثورية التي ساندته في الأنتخابات،وهذا يعني أنّه يضطر الى تقديم تنازلات الى تلك القوى حتى لاتملأ الشوارع و الساحات مرة أخرى وعدم اللجوء الى الأخوان للمحافظة على مشاريعه،تُرى بمن يضحي الرئيس و هل سينجح في جمع الفرقاء ؟ و هويواجه عدة أزمات في مقدمتها مسألة اعضاء ومؤيدي النظام السابق الذين دخلوا كل المؤسسات ولهم مصالح و شبكات خاصة و لايثقون بالأخوان و ببيعة الرئيس الجديد ويدافعون عن أنفسهم، ولايمكن مواجهتهم بالعنف لكثرة عددهم الذي لايحصى،وهذا يتطلب توفير فرص للتغيير وارساء دعائم التجديد،وهل يستطيع الرئيس الجديد لم شمل كل أبناء الشعب بعيداً عن الأفكار ودفع الثمن غالياً للأطراف التي ساندته للوصول الى الحكم من اجل نجاح تجربة مرسي و ليست تجربة الأخوان، الأسئلة كثيرة، ولكن الأجوبة في الوقت الحاضر شبه مستحيلة.
Top