• Thursday, 02 May 2024
logo

مواجهة الدكتاتور والحيلولة دون ظهور الدكتاتورية ثانية

مواجهة الدكتاتور والحيلولة دون ظهور الدكتاتورية ثانية
ترجمة/ دارا صديق نورجان

•كيف تتمكن الشعوب من منع ظهور الدكتاتورية والأنتصار على الدكتاتور؟ لقد غدت هذه المسألة و منذ سنوات عديدة، موضع أهتمامي الرئيس، وينبع أهتمامي من عدم جواز قهر الأنسانية وأخضاعها من قبل الأنظمة الدكتاتورية، أي أن أهتمامي هذا إنما هو نتاج قراءتي لأهمية الحرية والأنسانية و طبيعة الأنظمة الدكتاتورية، وهنا، و من منطلق أهتماماتي و تخصصي فقد أستقر أمل في أعماقي بوجود طريقة لمنع الظلم و طريق يمكن من خلاله، و دون اللجوء الى ممارسات مماثلة لما يقوم به الدكتاتور، النضال بنجاح ضد الدكتاتوريات والأنتصار عليها، وعدم السماح بظهور دكتاتور آخر من جديد، هنا من الأهمية بمكان أن نراعي حقيقة أنه إن أقدمت جماعة معنية، بعد سقوط النظام الدكتاتوري، على ترسيخ أقدامها و موقعها، فإن أتجاه النظام السياسي يتحول الى نظام في غاية الهمجية وأسوء من النظام السابق، وتكون النتيجة أن تقوم هذه الجماعة، التي تظهر كحكومة جديدة ويعقد الناس الآمال عليها، بممارسة ما تشاء دون مراعاة للديمقراطية و حقوق الأنسان... فكثيرا ما يتعب بعض الأشخاص من النضال الديمقراطي في مواجهة الأنظمة الدكتاتورية ، ويتوصلون الى قناعة الأتفاق مع الدكتاتوريين وكأنهم أقتنعوا بإن الأنظمة الدكتاتورية ستبقى الى الأبد.. لذا فعندما تنتفى أية فرصة لترسيخ الديمقراطية، نرى أن من يؤمنون بالحوار والمباحثات مع الدكتاتوريين يتطلعون الى التمكن من أنقاذ ما يمكن أنقاذه عن طريق الحوار والمساومة ووضع حد لممارسات الدكتاتور... وهي طريق حل يمكن الأقتناع به أو تقبله في حالة واحدة فقط و هي عدم وجود حل واقعي آخر....
صحيح أن المفاوضات أو التباحث أداة مهمة إن كانت في الوقت المناسب و دون تعرض المسائل الرئيسة الى مخاطر، ولا يمكن أهمالها في معالجة بعض المشكلات المتنوعة أو رفضها... والمثال على ذلك هو معالجة قضية أضراب العمال والمطالبة بزيادة أجورهم بالطرق القانونية و عن طريق نقابات العمال.... إلا أن هذه المسألة تختلف في الواقع عن أستمرار الدكتاتورية حيث تؤثر أختبار الصعب لبناء الحرية والسياسة، لذا فعندما نضع هذه المسائل بصورة عامة على معايير الحريات الأنسانية والتطورات المستقبلية للمجتمع فإن التفاوض أو المباحثات لن تكون أداة يمكن التوصل عن طريقها الى حل يرضى جميع الأطراف، ويعود السبب في ذلك الى أنه لا يمكن المساومة على بعض المسائل خلال تلك المفاوضات ويكون الطريق الوحيد عندها التحول في موازين القوة لصالح الحركات الديمقراطية، حماية للمسائل الرئيسة و يحدث ذلك التحول عادة بأستبعاد التفاوض مع الدكتاتور...
(جين شارب)

سقوط الدكتاتوريين و مخاوف ظهور دكتاتور جديد
هل تبدأ مرحلة البناء الديمقراطي و تنجح بسقوط الأنظمة الدكتاتورية؟....
أم أن مخاطر ظهور دكتاتور جديد تبدأ بعد سقوط الدكتاتوريين؟
هذه التساؤلات هي قضايا مهمة و تظهر في كل المراحل الأنتقالية وبعد سقوط الأنظمة الدكتاتورية، وبالأخص بعد أجراء الأنتخابات ويظهر دكتاتور جديد عن طريقها.. عن صعوبة مرحلة إعادة بناء النظام والدولة بعد سقوط الدكتاتور توجهنا بالسؤال الى البروفيسور (سمت كانكولي) أستاذ العلوم السياسية في جامعة أنديا(الهند) وهو مختص وخبير في مسائل الثقافة والحضارات فأبدى رأيه لمجلة كولان بالقول: إن بناء الديمقراطية بعد سقوط الأنظمة الدكتاتورية هو عملية صعبة و ذلك بسبب عدم وجود ثقافة السياسة الديمقراطية كما أن بناء مثل هذه الثقافة وترسيخها يحتاج الى وقت ما يبرر أن الدكتاتورية تخلف وراءها إرثا ثقيلا لايمكن تجاوزه بسهولة كما أن الثقافة السياسية التي ظهرت وتولدت في ظل الأنظمة الدكتاتورية ستختصر الديمقراطية وتحصرها في أطار صناديق الأقتراع فقط في حين أن صناديق الأقتراع هي أحد مكونات الديمقراطية فقط والتي تضم العديد من المكونات الأخرى مثل الأعلام الحر وأحترام حقوق الأقليات و حماية حرية الرأي والأعتراف بالحقوق المدنية مع ضرورة وجود بعض القيود والمحدوديات على السلطة التنفيذية ..الخ وهي مسائل لا يمكن ضمانها فقط عن طريق أنتخابات حرة لأنها أحد مكونات النظام الديمقراطي.. ما يعني و مع الأسف، أستمرار المخاوف من أن يتصور من يصلون الى السلطة عن طريق صناديق الأقتراع، أن الأصوات التي فازوا بها هي لمرة واحدة ما يعني أن يعي الناخبون لمن يدلون بأصواتهم ومن يرفعون الى سدة السلطة و ذلك لأنه في حال أدلائهم بأصواتهم فقط لصالح من يسعون للوصول الى السلطة عن طريق الأنتخابات و يقومون فيما بعد بأهمال حقوق الآخرين فإن ذلك يتكون مأساة حقيقية وهذا مالا أتمنى حدوثه في العراق والشرق الأوسط عموماً.. وإذا ما حدث في العراق فإن ذلك يؤدي الى نتائج عكسية على المنطقة لأنه لو انتكست أو فشلت الديمقراطية في العراق فإن ذلك يكون عائقا أمام حركات و مساع أخرى لترسيخ الديمقراطية في الشرق الاوسط .
لذا فإن ما يؤكد عليه البروفيسور كانكولي يتطلب مساعي جدية لمحو الأرث الدكتاتوري، ذلك الأرث الذي يحول الضحية الى جلاد ثانية و ظهور ذات المثول الدكتاتورية لدى طرف سياسي معارض كان قد ناضل في السابق ضد الدكتاتورية، ووصل الآن الى السلطة.. أو يحاول أن يفرض نفسه كدكتاتور... ما يعني أهمية أن تنصب مساعي الحركات والأطراف الديمقراطية وكما يقول جين شارب، لصالح جماعية المسائل الرئيسة ذات العلاقة بأسس الديمقراطية والدور المناط في الدستور الى تلك الأطراف و عدم الكلل أو التعب من النضال الديمقراطي لمنع أنحراف العملية الديمقراطية أو بصورة أوضح عدم أقدام القوى وألأطراف الديمقراطية على المساومة على المبادئ التي تكون محكا للحريات والحقوق السياسية والمدنية أو أن تتعرض تلك المبادئ الرئيسة الى مخاوف او مخاطر على أمل معالجة المشكلات عن طريق الحوار... و لو لاحظنا الوضع العراقي الراهن في هذا الأطار وتوقفنا عند الأزمة القائمة بين رئيس الوزراء العراقي وبين أكثرية مكونات البلاد، إنما نشعر أن موقف السيد مسعود بارزاني رئيس أقليم كوردستان و مساعيه لتصحيح العملية السياسية في العراق ومنع أنحراف العملية الديمقراطية فيه، إنما هو، من بين جميع الأطراف، موقف ذلك القائد الديمقراطي الذي لا يكل ولا يتعب في النضال من أجل حماية العملية السياسية، وله الأرادة الواقعية التي تمكنه وبأسلوب ديمقراطي بعيد عن العنف، من مواجهة المساعي الهادفة الى الأنحراف عن مسار العملية الديمقراطية، لذا فعندما نذكر مسألة التفاوض والتباحث بين رئيس الوزراء وبين المكونات العراقية الأخرى، وبمن فيها رئيس الوزراء وبين المكونات العراقية الأخرى، وبما فيها التحالف الكوردستاني إنما تواجهنا مسألتان مهمتان هما:
1- ترى على أي من المسائل تتمكن تلك المكونات من المساومة عليها للتتفق مع رئيس الوزراء؟
2- وما هي أهداف رئيس الوزراء لتتمكن تلك الأطراف من قبولها؟ ولو توقفنا عند هذه المسألة وأمعنا النظر فيها بروية وتابعنا موقف الحزب الديمقراطي الكوردستاني والذي أشار اليه السيد فاضل ميراني سكرتير المكتب السياسي للحزب وأوضحه في لقاء مع فضائية كوردستان(k T.v) ويقول: كان قصدنا الأستدعاء وليس سحب الثقة.. كذلك تنفيذ تلك الأتفاقات التي عقدناها فأمامنا أتفاقية أربيل التي أصبح بموجبها المالكي رئيساً للوزراء والسيد جلال الطالباني رئيسا للجمهورية والسيد أسامة النجيفي رئيسا لمجلس النواب وقد شكلنا بموجبها، والتي تمت بمبادرة الرئيس البارزاني ، ثاني دولة في العراق كما أن أتفاقية أربيل لم تنحصر فقط في تحديد الرئاسات الثلاث تلك و توصل الكل الى مواقعهم وثبتوا رئاستهم لذا فإن أي جهة لم تتابع أو تهتم بالجوانب الأخرى ذات العلاقة بالكوردستانيين أو العراقيين بأستثناء البارتي والرئيس البارزاني، هذا أولا وثانيا أكدنا أن هناك أتفاقا ثنائيا بيننا و بين حزب الدعوة والذي وقعه المالكي بأعتباره رئيسا لحزب الدعوة مع الرئيس البارزاني وكنا قد دعونا و طالبنا بالعودة الى التحالف الوطني الى أتفاقية أربيل والأتفاق الثنايئ إلا أن عدم أهتمام التحالف الوطني العراقي وبالأتفاقات و جهله مسألة التعامل مع هذه المطاليب و كذلك عدم وجود المساواة و العدالة كان مسألة وقع فيها المالكي ولم يستجب لا هو ولا التحالف الوطني و ممثلهم رئيس الوزراء مع مطاليب التحالف الكوردستاني و مطاليب حلفائهم هم أيضا.. بل جاءوا بدلاً عن ذلك و نظروا من جبل عال الى موقع ادنى وكانت تلك في الواقع خطاً ستراتيجيا).
إن ما أشار اليه سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني في تلك المقابلة يثير عدة أسئلة نستنتج ردودها من خلال أجاباته والسؤال يتعلق باعتماد التحالف الكوردستاني أو الأطراف الأخرى و بما فيها التحالف الوطني العراقي ببرنامج بديل ونية إرسال وفدمنهم في زيارة أقليم كوردستان ما يعني أن ممارسات رئيس الوزراء العراقي، و كما أبلغه رئيس ديوان رئاسة الأقليم الى أجهزة الأعلام، قد وصلت حدا لا يقبله حتى التحالف الوطني العراقي (الأئتلاف الشيعي) ما يحتم على عموم المكونات العراقية، وبما فيها قائمة التحالف الوطني، أن تنتظر أو تعتبر المسائل الرئيسة التي أشار اليها سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني مثل( الألتزام بالدستور العراقي و بعموم نقاط و بنود أتفاق أربيل والأتفاقات الثنائية بين التحالف الكوردستاني و بين التحالف الوطني) محكا أو معيارا لحماية الديمقراطية والحرية في العراق وأن يعلن نوري المالكي رئيس الوزراء إلتزامه بتلك المبادئ ليتمكن الجميع من إعادة العملية السياسية في البلاد الى مساره الصحيح، و ستكون عودة المالكي الى الدستور الدائم الذي هو أمل و هدف عموم المكونات و في مقدمتها التحالف الكوردستاني، و يجعل العراق الجديد دولة ديمقراطية فدرالية، ستكون مثار أيجاد مفتاح حل جميع القضايا من جديد إلا أنه في حال كون الهدف من المباحثات المساومة أو أبداء المرونة على المسائل الرئيسة و بالأخص تنفيذ الأتفاقات و تنفيذ الدستور العراقي، فأننا نؤكد من جديد، وكا اشار اليه المفكر العالمي(جين شارب) أنه لا يمكن التفاوض أو التحاور بشأن المسائل الرئيسة و معايير الحريات الأنسانية والسياسية والمدنية والمبادئ الديمقراطية، وأن الطريق الوحيد الذي يمكن القوى والأطراف العراقية من حماية العراق الجديد يجب أن يكون الأبتعاد عن المباحثات التي تخضع المسائل الرئيسة لصالح شخص واحد أو طرف معين، و هنا فأن القوى العراقية التي لا تستطيع إبداء أية مساومة أو مرونة أزاء تلك المسائل، إنما تواجه سؤالا مفاده: ترى ما هي حقيقة أهداف رئيس الوزراء العراقي الحالي حتى تتمكن الأطراف العراقية الأخرى من قبولها؟ والأهم إذا كان ينوي الأستمرار على التفرد وأحتكار السلطة فهل هناك يا ترى أي مكون عراقي وبما فيه التحالف الوطني والذي تشكل قائمة رئيس الوزراء جزءا منه، بأستطاعته قبول ذلك..؟
وإذا ما قبلتها تلك المكونات الا يعود العراق ثانية الى عصر الدكتاتورية والتسلط؟
ما يودي بنا الى أن يسيرا لقبول بالتفاوض والحوار دون الألتزام العملي لرئيس الوزراء والتحالف الوطني بالدستور العراق نحو مستقبل مظلم و تحريف الديمقراطية، و في خضم الحديث عن البرنامج الأصلاحي للتحالف الوطني العراقي فقد تحدث د. شاكر كتاب رئيس حزب العمل الوطني العراقي و مستشار وزير الدفاع العراقي لمجلة كولان قائلا: ( إن المظهر السياسي اليوم إنما يعيش نوعاً من التخدير أي بمعنى نحن الآن بين مرحلتين من أزمة معينة وكانت الأولى بوجود مطالب بأسترداد الثقة من المالكي والثانية هي ورقة الأصلاحات التي طرحها التحالف الوطني مع وجود دعوات للحوار و تجاوب معها لأجراء التحاور على ورقة الأصلاحات هذه مرتبط بشروط معينة من قبل أكثرية الأطراف. و نسير اليوم بل نقف بين مرحلة سابقة وأخرى جديدة.. غير أنني لا أعتقد أن بأمكانها معالجة الخلافات بسهولة في المرحلة الجديدة بسبب أن جذور أزمات المرحلة السابقة سوف تبقى وتستمر، وأن العلاقات والأجواء السائدة ستعيش مرة أخرى التوتر وبالأخص بسبب وجود أجواء من عدم الثقة إزاء ذلك الحوار وورقة الأصلاحات تلك.. الخ لقد طلبت في الواقع إعداد ورقة الأصلاحات من قبل لجنة وطنية شاملة لا أن تنحصر فقط في التحالف الوطني فقط الذي قام بأصدار ورقة أصلاحات تتعلق بمعالجة الوضع السياسي والذي هو المسؤول عن أيصاله الى هذا المنحى فضلا عن الملاحظات والأعتراضات أزاء سياسات التحالف الوطني و سبل أدارة شؤون الدولة ما اراه عملاً غير صحيح بأن يقوم التحالف الوطني بأصدار ورقة الأصلاحات بل هو الذي يحتاج الى ورقة أصلاحات عن طريق مؤتمر وطني يماثل المؤتمر الذي دعا فخامة رئيس الجمهورية الى أنعقاده و برنامج مؤلف من(8) نقاط و يحتمل أن يصدر عن هذا المؤتمر الوطني ورقة أصلاحات متكاملة تتحمل مسؤوليتها جميع الأطراف السياسية التي تحضر المؤتمر، وبالنسبة لكيفية ممارسة الديمقراطية في العراق فإن السبب الرئيسي، بقناعتي نابع من عدم وجود ثقافة ديمقراطية و عرف حقيقي للديمقراطية في البلاد... فنحن نعيش في بلد قد خرج لتوه من الحقبة الدكتاتورية و ما تزال روح المعارضة والسيطرة سائدة فينا.. و ما زلنا نعيش تحت هوس الأمتيازات و وأهس السلطة كما أن الصراع ما زال قائما على السلطة و ليس على برنامج وطني وهو ليس قائما بين برنامج و طني وآخر غير وطني بل هو بمجمله متعلق بالسلطة وأمتيازاتها... ما يدفع بالديمقراطية في النهاية نحو الوراء والتراجع، ويدعو أكثرية الناس و قادة العملية السياسية للديمقراطية و يظهرون أنفسهم مؤمنين بها إلا أن الحقيقة هي أنهم لا يؤمنون بها ولا ديمقراطيون أصلا. بل أصبحت كلمة الديمقراطية شعارا يدعون وانا واثق، و ترون ذلك بانفسكم، أن بعض الأحزاب السياسية تدعى، ومنذ عهد صدام، أنها ديمقراطية وهم الذين نجدهم اليوم في السلطة و جزء فعال في المظهر السياسي في العراق و ما زالوا يدعون أنهم ديمقراطيون إلا أنهم ليسوا ديمقراطيين بل ولا علاقة لهم بها.

الآليات الديمقراطية لتوزيع السلطات

لايبدو أن المكونات والأطراف السياسية الساعية الى إعادة العملية السياسية و توزيع السلطات في العراق الى مسارها الصحيح من جديد قد فقدوا الأمل جدا يقبلون معه بكل توجهات و ممارسات رئيس الوزراء أو بالتفاوض والمباحثات دون أية شروط لمعالجة المشكلات فيه.. و السبب في ذلك هو أنه يمكن حل جميع مشكلات الأقليم والعراق بالعودة الى الدستور الذي ينظم آلية توزيع السلطات في البلاد.. و تحدد صلاحيات رئيس الوزراء و تمنح الأقاليم والمحافظات حق ممارسة لك السلطات التي حددها لهم الدستور.. والأمر هكذا ولأن العودة الى الدستور ستكون مرجعا رئيسا لجميع المكونات، فإن هذا الدستور ذاته صنع آلية يتمكن معها مجلس النواب من أستدعاء رئيس الوزراء أمامه لغرض المساءلة أو حتى طلب سحب الثقة منه أو أعادتها اليه لذا فإن وضع العراقيل أمام تلك الآلية الديمقراطية والدعوة لأجراء المباحثات لحل المشكلات إنما يعني أن رئيس الوزراء ينوي أخفاء أحابيله أو مصائده داخل عملية التفاوض والتي من شأنها إيمان القوى والأطراف العراقية الأخرى بشرعية سلطته التفردية، ووجهنا سؤالنا الى(د. آمي فورستير) أستاذة العلوم السياسية في جامعة نيويورك عن مسار أستخدام تلك السلطة التفردية في الدول النامية أو في المراحل الأنتقالية فأجابت مجلة كولان بقولها: إن الدكتاتورية تشغل جميع مساعيها ومن أجل نيل أكبر السلطات داخل جماعة محددة أو النخبة التي تريدها هي.... ما يتسبب في أضعاف دور المجموعات الأخرى في المجتمع ويتم لاحقا تحديد صلاحيات الحكومات المحلية لصالح الحكومة المركزية وبالتالي منعها من ممارسة صلاحياتها... إلا أن الديمقراطية ترتبط بقدرات و أمكانيات الأفراد لتنظيم أنفسها بهدف تحقيق تطلعاتها وتوجيه مطاليبهم الى الحكومة و تحميلها المسؤولية في ذلك، كما أن الأنتخابات تعتبر هي الأخرى جانبا مهماً من الديمقراطية وأن روعة هذا النظام تكمن في أستخدام العملية لصالح مساءلة رئيس الحكومة أمام المواطنين و هذا يعني أن بأمكانك عزل الرئيس من منصبه في حال عدم ممارسته لمهماته وواجباته، إلا أن الديمقراطية لا تحتاج الى الأنتخابات فحسب بل الى أكثر من ذلك و منها حاجتها بتأمين الحقوق السياسية والحريات المدنية و فسح المجال أمام المواطنين للتعبير عن آرائهم و تنظيم أنفسهم لغرض تكوين رأي عام و تبادل الآراء والتوجهات ، و لو نظرنا الى العملية السياسية في العراق من هذا المنطلق، لتبين أن من كانوا يتوقعون أن يشهد العراق الديمقراطية بسرعة إنما كانوا يفكرون على أسس من الأمل والتفاؤل فالديمقراطية تحتاج الى وقت مناسب و كاف من أجل ترسيخها و تتعلق بالمساعي والمحاولات الداخلية لهذا الغرض، صحيح أن بأمكان التدخل الدولي أسقاط الدكتاتور، إلا أنه لا يتمكن من بناء ديمقراطية طبيعية ذات معنى.. و بقناعة أن أبناء المنطقة يعترفون اليوم بالديمقراطية الأصطناعية المفروضة من قبل التدخل الخارجي، و بملاحظة ما حدث في العراق و مصر والدول الأخرى التي ظهرت فيها حركات التحول نرى أن لا يمكن تثبيت الديمقراطية بسرعة بل أن العملية ترى العديد من التراجعات لحين تثبيت التحولات الديمقراطية بالمعنى الصحيح. )
إن ما تنوه اليه السيدة (آمي) هو أن الديمقراطية التي ينوي رئيس الوزراء، في إطار مساعيه للبقاء في موقعه، تعريفها بشرعية الأغلبية إنما لها وجه آخر يحتم وضع رئيس الوزراء تحت طائلة المسؤولية و حتى أسترداد الثقة منه.. إلأا أننا عندما نتناول جانبا واحدا من العملية وأهمال من يحمل الشخص الحاكم المسؤولية، إنما نعني أن ذلك الشخص، أو رئيس الوزراء ليس مستعدا لتنفيذ مبادئ الديمقراطية هنا يكون من واجب الأطراف والمكونات السياسية الأخرى في العراق أستخدام الآلية تلك لتبرهن أنها قادرة على مساءلة رئيس الوزراء.. عن الأوضاع الراهنة في العراق و مساعي أعادة تنظيم المسألة السياسية توجهنا بالسؤال الى السيد مفيد الجزائري عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي فرد على مجلة كولان قائلا:
(أن أحد الأسباب الرئيسة التي أوصلت الوضع السياسي اليوم الى هذه الأزمة هو أننا لسنا ملتزمين بالدستور من ناحية مبدأ المواطنة ولا يجري تعاملنا مع العراقيين على أسس القدرة والكفاءة والأخلاص للبلد بل على أسس أخلاصهم الى الطائفة أو الحزب و دون مراعاة المصالح العامة والعليا للدولة في وهذا هو مصدر البلاء، وما دمنا لا نتبع مبدأ المواطنة ولا يتحقق لنا المساواة بين العراقيين من حيث الحقوق والألتزامات الواردة في الدستور فلا يمكننا أبدا بناء الديمقراطية بل يجب أن يكون أسلوب التعامل مع العراقيين، كما ذكرت سابقا، على أسس الكفاءة والمقدرة والخبرة والأخلاص والنزاهة وهي مسائل لا تحقق إلا في ظل الديمقراطية ثم ان هناك أنعدام ثقة أزلية و قديمة بين عدد من الأطراف والقوى السياسية غير أنه كان بالأمكان أن نتخلص من ذلك العائق لوكان هدف الجميع تحقيق المصالحة العامة.
لو كنا قد وضعناها فوق المصالح الخاصة لكانت الثقة قد تعمقت بعيدا عن الشكوك والمخاوف و يعود السبب في كل ذلك .
- وهي وجهة نظر شخصية- أن الطرف المقابل ينوي السيطرة على للجميع الأطراف و تهميشي أنا و تكون النتيجة أن يخاف أحدنا الآخر... و ترون بأنفسكم كيف يعجزون عن الجلوس معا، و حتى لو حصل ذلك فأنهم لا يتفقون على شئ و يكمن سبب عدم الأتفاق هذا في أن كلا منهم يفكر في نفسه و حزبه فقط وأن لاأحد يضع مصالح البلاد فوق مصالحه الشخصية و لو أتبعنا هذه المعادلة و تفهمنا هذه الحقيقة لكنا قد توصلنا الى تفاهم مشترك و بودي القول هنا أن بوابة الخلاص هي عبارة عن العودة الى مبادئ المواطنة و ممارستها مع إعادة تنظيم و بناء كل شئ على هذه المبادئ والتي تؤمن الأحترام للشخصية العراقية و شخصية المواطن و دون مراعاة لجنسيته و عنصره و سواء كان شيعيا أم سنيا، كورديا أم عربيا أو تركمانيا.. أسلاميا أم علمانيا، عندها فقط سيشاوى الجميع لأن الأساس الرئيس يكون الكفاءة والنزاهة والأخلاص .
Top