• Friday, 03 May 2024
logo

المجتمع المفتوح وأبراز القدرات النقدية للأفراد

المجتمع المفتوح وأبراز القدرات النقدية للأفراد
( يعتبر المجتمع المفتوح محاولة للبحث عن تفعيل الأوجه العلمية الأنتقادية والعقلانية لمعالجة مشكلات المجتمع ويسعى دائما لتحليل مبادئ أعادة بناء المجتمع الديمقراطي، تلك المبادئ التي يطلق عليها الهندسة الأجتماعية التدريجية) وأزاء الهندسة الأجتماعية للواقع يحاول المجتمع المفتوح أزالة بعض تلك المعوقات القائمة أمام معالجة مختلف المشكلات وإعادة البناء الأجتماعي بصورة عقلانية.. إن هذه المسألة أو البحث إنما ينتقد تلك الفلسفات الأجتماعية التي تناهض بصورة واسعة البديل الديمقراطي، أن المجتمع المفتوح الذي ينبع منه القدرة الأنتقادية للأنسان هو محاولة لأظهار (مسألة التحول من مجتمع مغلق الى مجتمع مفتوح ) قد تكون أحد الأسباب الكامنة وراء ظهور الحركات التي سعت ولا تزال الى تدمير المدنية التي نعيشها اليوم وإعادتنا الى المجتمع المغلق فيما يسع المجتمع المفتوح و يساعدنا في فهم أوسع للفكر الشمولي وأستمرارنا في الأهتمام بنضالنا في مواجهة هذا الفكر.

كارل بوبر

يقول الأستاذ فؤاد زكريا في مقدمته لكتاب(العقل والثورة) لهير برت ماركوز: إن ماركوز يحاول أن يحدثنا في كتابه عن قانون تحولنا من الكمية الى الكيفية لدى(هيكل) وأن يقول لنا أن هذا القانون إنما يرفض فكرة التحول التدريجي و يؤكد على التحول المفاجئ والجذري والمباغت.. يقول زكريا: من هنا ينقلنا ماركوز بصورة مباشرة الى مجال السياسة وينوه الى أن هذا القانون (الأنتقال من الكمية(الى الكيفية) إنما هو بالضد من الفكرة البديلة و جل طموحه في التحول الراديكالي.. إن قانون( هيكل)(هذا هو دعوة لمحو القديم وتحويله الى الضد منه بصورة عامة.. غير أن ما هو جدير بالسؤال والأهمية هنا هو (ماذا يعنيه هيربرت ماركوز بالتحول الجذري والمفاجئ أو قصده في ذلك التحول للقديم الى ضده.. و يؤكد هيربرت ماركوز في جميع كتبه أنه قد أستخدم قانون(التحول الكمي الى النوعي بذات المعنى وهو:
1- حاول ماركوز إعادة قراءة الجامب الجدلي في فلسفة هيكل و إعادة تعريف الفلسفة كرفض للوضع الراهن يعني هذا الرفض لديه أن مساعي رفاقه( الجيل الأول من المدرسة الفرانكفورنية) كانت بهدف تحويل و تغيير النظام الديمقراطي والج تمع المفتوح الى الأشتراكية أي العودة الى فلسفة (ماركس) ولكن بصورة جديدة و كانت حجتهم في ذلك(أن الحكومات التي تدير شؤون المجتمع في الدول الغربية الآن لا تهتم بمصالح الأفراد وهو صراع لم يترك أي مجال للتفكير في المصلحة العامة) وأكثر من ذلك فإن الحكومات الديمقراطية قد بنت(تحت طائلة الأهتمام بالمشكلات والمسائل الخارجية و مخاوف توسع المد الشيوعي) الأنسان أحادي الأتجاه والذي يفكر فقط في العمل وحياته المعاشية ولا يشعر بالأضطهاد الذي يمارس ضده.
2- إن ماركوز و رفاقه بتأكيدهم على حتمية رفض الوضع الراهن، إنما يقصدون أن المجتمع الليبرالي الديمقراطي الغربي المؤمن بإصلاح المجتمع على الأسس الديمقراطية والعقلانية يرى أنه ليس بأمكان البديل الديمقراطي التدريجي معالجة مشكلات المجتمع ما يحتم تغيير النهج الديمقراطي الى تحول جذري مفاجئ أي بمعنى آخر هو سقوط النظام الليبرالي الديمقراطي وبناء دولة مركزية قوية على غرار دكتاتورية الطبقة العاملة وذلك من منطلق قول ماركس(إذا كانت مهمة الفلاسفة حتى الآن هي تفسير العالم فإن عليهم أن يفكروا بعد الآن في تغيير العالم) وكان يقصد بذلك تغيير العالم الليبرالي الديمقراطي الى عالم دكتاتورية البروليتاريا.

(ظهور الفكر المضاد للنظام الديمقراطي في المجتمع)
يبين لنا(كارل بوبر) في كتابه (المجتمع المفتوح) أنتقاد ماركس لتلك الحركة بأن الأخير ينتقدها لأن الحركة ترى أن يكون الحكم ل(شعب الله المختار) إلا أن ماركس يحدد شخصيا طبقة معينة ويسلم لها مقاليد الفرق بين الطبقة العاملة ما دفعه لأن يسأل ماركس عن الفرق بين الطبقة المختارة و بين الشعب المختار.
ما يعني أن منافسة ماركس ترفض وجود أية طبقات أخرى دون الطبقة المختارة تقوم بحصر عموم المجتمع في الطبقة العاملة اي بمعنى آخر، كما يقوم ماركس بتصغير المجتمع بأكمله في طبقة واحدة ووجهة نظر واحدة، فإن الماركسيين أو من يطلقون على أنفسهم تسمية(اليسار الجديد) يرفضون بذات الطريقة مجموع مؤسسات المجتمع الديمقراطي و الأسلوب البديل أو الفكر العقلاني والديمقراطي ويطالبون بتغيير النظام السياسي برمته وأحلال نظام مختلف محله والذي يصغر أو يختصر الديمقراطية في صناديق الأقتراع فحسب لذا فأننا نرى أن الأحزاب والمجموعات المشابهة في دول الغرب (أوربا الغربية وأمريكا الشمالية) والدول النامية في أمريكا اللاتينية وأفريقيا و دول الأتحاد السوفيتي السابق الرافضة للنظام الديمقراطي وخطوات التحول الديمقراطي إنما تدعو، كعقلية مشتركة، للفساد وقمع النظم الديمقراطية، لذا فإننا نشعر، عندما نعود وفق منهاج( ليفي شتراوس) الى البنية العقلية لكل التوجهات التي تفكر في رفض النظام الديمقراطي- أي النظام المؤسساتي وأقتصادي والسوق- نشعر بأنهم يؤمنون برفض الواقع الراهن وتشويشه أكثر من أيمانهم بأستمرار عملية البناء والبديل الديمقراطي داخل الأنظمة الديمقراطية، وسيقف هؤلاء ضد الأنظمة الديمقراطية حتى وإن تمكنت من توفير الحريات على مستوى العالم أجمع وإيصال المجتمع الى مرحلة(نهاية التأريخ) ويدعون الى(التغيير الجذري) ما يعني سقوط النظام الديمقراطي.. وهي الحالة التي تسببت في فرنسا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر في ظهور الفسلفة الوضعية على يدي(أو كست كونت) والذي توصل الى قناعة مفادها حتمية معالجة الوضع السياسي والأجتماعي المضطرب الذي ساد نتيجة الثورة الفرنسية وغلق مرحلة الثورة والتخريب والعودة الى مرحلة بناء النظام وإعادة الأعمار.. ولم يكن(أوكست) مؤمنا بالتقدم فحسب، بل كان يؤكد على أهمية النظام والأستقرار أيضا وذلك من منطلق أن التقدم يعني حث الخطى من مرحلة الى أخرى أسمى وأرفع.. وهو لا يعني اطلاقا الفوضى وعدم الأستقرار. لقد غدت توجهات أو كست كونت هذه والتي أصبحت أساسا لبناء الفلسفة الوضعية، بداية لأعادة تنظيم المجتمع الحديث والنظر اليها وتعتبر كنتاج للفلسفة الوضعية التي أوجدها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.. إلا أننا عندما نمعن التفكير في المناقشات والأدلاءات الفكرية المختلفة إنما نشعر أن المؤمنين بفلسفة الرفض والأسقاط يقفون بقوة ضد مدرستي(الفلسفتين الوضعية والتحليلية الأنكليزية، ويرون أنهما تسيران بالغرب نحو التفكيك ، هذا في حين أن ما توصل اليه العقل الغربي، بإعتباره نتاجا للعقل المعاصر، هو نادر و مثالي في تأريخ الأنسانية، وبصدد توقعات تفكك المجتمع الليبرالي الديمقراطي الغربي، فإن(بوبر) يشير في كتاب(البحث عن عالم أفضل) الى مسألة وقوفه أمام فكرة تفكك الغرب ويقول: أعتذر في بدء عنوان بحثي هذا بالسؤال(بماذا يؤمن الغرب) إلا أنني عندما أفكر في التأريخ السردي للغرب إنما أجد أن هذه الفكرة قد أنتشرت في أعقاب ترجمة كتاب(شبنلجر) العنون- المغرب) والذي تحول في طبعته الأنكليزية الى(تفكك أو أنحلال الغرب) و رغم أنني لست راغبا في ربط نفسي به لأن شبنجلر لم يكن في رأيي مراسلا مجولاً بدعوته وتوقعه بإنحلال الغرب فحسب بل أنه عرض التفكك الحقيقي والذي هو بالتأكيد ليس تفكك الغرب بل أنه قد كشف توقعات تدمير و هزيمة الضمير الفكري للعديد من مفكري الغرب والذين يحاولن بكلماتهم الرنانة والبراقة تشويش تصورات الأناس العطاشي والتواقيت الى المعرفة، أي أنهم بأختصار من وصفهم(شوبنهاور) وقبل قرن من الآن(كارثة الفكر الألماني). هنا قد يظهر لنا من خلال قراءة مذكرة(بوبر) هذه و تساؤله عن(بماذا يؤمن الغرب) والذي يعتبر نفسه عنوانا(مسروقا) لكاتب(المجتمع المفتوح) أنه يود الربط بين عصرين أو حقبتين:
الأولى / حقبة كتابة(المجتمع المفتوح) الذي ألفه في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي وأعتبر فيه النظام الفاشي عدوا للمجتمع المفتوح.
الثانية / الحقبة ما بعد النازية وأنتصار الغرب على الفاشية و قيام ثورة التكنولوجيا لأنه قد قدم هذا البحث في عام 1958 وحينها اعتبر من نادوا أو دعوا الفلسفة الرفض ومناهضة الفلسفة الوضعية والفلسفة الرمزية الأنكليزية في أطار المدرسة الفرانكفورتية وكانوا يعتقدون بإن الغرب سوف يتفكك ، إلا أننا قد رأينا، وبعد مرور(31) عاماً على هذا التصور(البوبر) وكما أثبت التأريخ سقوط جدار برلين والمعسكر الأشتراكي بصورة عامة بدل تفكك الغرب، هنا وإذا ما أثرنا مسألة: أسباب ظهور الأفكار المضادة للنظام الديمقراطي في المجتمع الديمقراطي فإننا سنتوصل الى نتيجة مفادها: لأن المجتمع المفتوح هو نتاج النظام الليبرالي الديمقراطي وهو خير بيئة لأبراز القدرات الأنتقادية للأفراد فإن ذلك يبين سهولة إنتعاش الأفكار المضادة للنظام الديمقراطي في المجتمع الغربي وبكل حرية وتفشيها بسهولة أيضا فمعظم أو جميع النتاجات الفكرية لهربرت ماركوز على سبيل المثال، قد تحققت في الجوانب السلبية للمجتمع الأمريكي الحر والديمقراطي، وأنه قد تم طبع كتبه بكل حرية في ظل الحكومة الديمقراطية الأمريكية وأنتشرت في سائر بقاع العالم، وهي ذات التوجس حين يعجز قادة الجماعات الأسلامية المتطرفة في يومنا هذا عن البقاء في بلدانهم إنما يتوجهون مضطرين الى بئة الغرب الحرة إلا أنهم ينتهجون في تلك البيئة فكرة هدفها الأسمى والأوحد هو أسقاط الحرية التي لجأوا اليها مضطرين كما أستفاد بن لادن من البيئة الحرة في الغرب ونجح في أحداث أفظع كارثة أنسانية وهي كارثة(11) سبتمبر وتفجير مركز التجارة العالمية في نيويورك.
(فكرة الرفض والتحول الجذري في ظل التجربة الديمقراطية في كوردستان).
إن الأيمان بالديمقراطية هو ليس فقط المشاركة في عملية الأنتخابات والفوز ببعض المقاعد ، بل هو إيمان بأسس اللعبة الديمقراطية وأحترام القوانين والمؤسسات التي أنتجها هذا النظام، لذا نرى أن أي حزب أو حركة قد تظهر في مثل هذه البيئة ويدعو بحرية الى تغيير جذري للنظام السياسي في حين أنه جزء من مجمل العملية السياسية في البلاد، فإن المسألة تحتم أن يحسم ذلك الحزب أمره في أحضان أو مسار الحيل الديمقراطية و التحايل عليها، وهو حسم يحكم عليه التأريخ وليس الدعوة لمعاداة طرف سياسي ضد آخر ما يوجب التوقف أمام طرفي معادلة الحيلة الديمقراطية و التحايل عليها..

(الحيل الديمقراطية والتحايل عليها)
وقد وقف المفكر العربي المغربي الكبير البروفيسور(محمد سبيلا) في رده على سؤال لمجلة(كولان) حول تقدم التيارات الأسلامية في عملية الأنتخابات في الدول العربية، وقف أمام مصطلح (الحيلة) في مجالين:
الأول هو(حيلة التأريخ) والذي أفادنا بإنه لا يستخدمها بمعناها ال(هيكلي) والثاني هو(الحيلة الديمقراطية) وكان يقصد في الأول أن ما يسمى اليوم ب(الربيع العربي) هو يختلف في مظهره عما هو في جوهره وسمى ذلك الأختلاف ب(حيلة التأريخ) أي أن التأريخ يبلغنا في هذه المرحلة عكس ما يضمره في جوهره ، وبصدد صعود التيارات الأسلامية الى السلطة عبر مسار صناديق الأقتراع فقد أشار الى أن هذا هو(حيلة الديمقراطية) فصحيح أن الديمقراطية ستوصل عن طريق صناديق الأقتراع فكرة مفاده الأنتخابات فحسب، بل هي عملية متكاملة لذا فإن نجاح أحدهم في الوصول الى السلطة عن طريق صناديق الأقتراع وعدم التزامه الكامل بالعملية الديمقراطية لاحقا يعني نجاح (الحيلة الديمقراطية) و حولت قوة غير ديمقراطية الى أخرى ديمقراطية ثم إذا ما حاولت تلك القوة غير الديمقراطية التحايل على الديمقراطية وهي غير مؤمنة بها وتنوي إظهار نفسها وكأنها ديمقراطية فقط لأنها قد شاركت في عملية الأنتخابات، فإن الواقع يقول لها: لا يمكن التحايل على الديمقراطية، كما عجز هتلر عن ذلك ويقصد محمد سبيلا في رده على سؤال كولان الآنف ذكره أنه إذا ما كانت التحولات التي طرأت على الدول العربية تعني(الربيع) بمعنى الكلمة، وبداية لمرحلة تحكم العقل والثقافة في تلك الدول، فأن ذلك يتطلب تكامل وتماثل المظهر مع الجوهر وبالعكس من ذلك فإن ما يدعون اليه في هذا التأريخ إنما ينقلب الى الضد منه غدا.. أي أن تجربتي (الحيلة الديمقراطية والتحايل عليها) كانتا منذ بدايات القرن العشرين وحتى سقوط جدار برلين، أمرين متضادين وكان لهما وجودهما في المجتمع الديمقراطي، وتبين بسقوط الجدار أن التوجهات التي أرادت التحايل على الديمقراطية قد أنتكست أمام(الحيلة الديمقراطية) وأن حاملي الفكر الشمولي وأعداد الديمقراطية قد(تفكروا) بدل تفكك الديمقراطية ذاتها.
هنا من السهولة بمكان ظهور توجه سياسي في التجربة الديمقراطية لأقليم كوردستان يحاول التحايل على الديمقراطية أو أن يطالب بسقوط النظام الديمقراطي في العملية السياسية الديمقراطية ويتطلب الأمر أن يواجه من يحاول التحايل على الديمقراطية، الحيلة الديمقراطية أي لجوء مريدي الفكر الشمولي ومؤيدي التغيير الجذري والمفاجئ الى جميع الأساليب والآليات التي سمح لها الديمقراطية بالأستتباب ويجب السماح لهم بأختبارها داخل النظام السياسي والتكيف معها... وكمثال على ذلك أن التوجهات هذه سارية في كوردستان اليوم وتطالب علنا بسقوط النظام الديمقراطي في أقليم كوردستان و يدعون أنه نظام تسلطي وعسكري ما يبرر سقوطه أو بالأحرى أسقاطه.. أن التوصيفات التي يثيرها طرف مثل حركة التغيير(كوران) للمؤسسات الشرعية في الأقليم وحكومته هي ذات التوصيفات التي يماثل بها(ماركوز) النظام الليبرالي الديمقراطي مع النظام الفاشي ويقول:
تبين لنا بعد أنتهاء الحرب العالمية الثانية أن القوة التي تمكنت من دحر الفاشية بسبب تفوقها التكنولوجي والأقتصادي هي التي تساند أقتصادا قد أنتج الفاشية.. فالقمع الفكري الشمولي هو الباعث والمشجع على بناء المجتمع على أسس من القمع الليبرالي ما يحتم على الفكر الأنتقادي والناقدين في المجتمع توحيد توجهاتها، وربط الليبرالية بالقمع والشمولية.. أي أن ماركوز، بأعتباره معلماً لحاملي توجهات رفض النظام الديمقراطي الليبرالي، يدعو خلاصة الى توحيد أفكارهم الأنتقادية لضمان ربط الليبرالية بالقمع والشمولية، لذا فإننا نرى اليوم ونشعر عندما نشهد على المساعي التي تبذل لتشويه صورة حكومة الأقليم والتجربة الديمقراطية فيه، بنوع من الغربة والأستغراب إلا أن عودة سريعة الى مصادر تشويه الليبرالية في القرن العشرين تبين لنا أن حاملي فكرة التغيير الجذري وتغيير النظام يعتمدون بالكامل على نقل التوجهات ذاتها التي كانت تحظى خلال ال(60-80) سنة الماضية بسوق عامرة في أوربا والولايات المتحدة.. ثم أعلنت أفلاسها وفشلها بعد سقوط جدار برلين ، وكان حريا بها أن تعتمد العقلانية بدل النقل و قراءة مجتمعنا بصورة عقلانية علمية وليس الأعتماد على النقل فحسب.
وهنا لا بد من ذكر أن الشاعر والمفكر العربي الكبير(أدونيس) يشير في كتابه(الثابت والمتحول) الى أكبر معضلة تواجه أو تسبب في تأخر العقل العربي، بأعتماده على النقل وأهمال العقل.. وهنا تتمخض حقيقة أن العرب يعتمدون على النقل أكثر من أعتمادهم على العقل ما جعل منهم ألا يمتلكوا شيئا في عالم اليوم ولم يتركوا أي أثر على أي من حضارات العالم و مدنياته، ولا بد لنا في هذا المحفل من عرض بعض الأمثلة على محاولات طرف سياسي كوردستاني مثل حركة التغيير( كوران) في تصويرها لتجربة الحكم في أقليم كوردستان والحزبين الكوردستانيين الرئيسين (البارتي والأتحاد) أمام الرأي العام وكالاتي:
1- بأستثناء سوريا، فإنه ليس هناك في أي مكان آخر من العالم هذا التوافق أو التمازج بين الحزب والحكومة ما يعني أن حكومة أقليم كوردستان تشبه النظام البعثي في سوريا، كما أن(ماركوز) يقول هو الآخر أنه ليس هناك أي فرق بين الفاشية وبين الليبرالية!
2- ليس هناك أي فرق بين المكاتب السياسية للأحزاب الكوردية وبين(مجلس قيادة الثورة)المنحل لحزب البعث في العراق، وأن ماركوز يقول أن الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة متفاهمان في سياسيتهم الخارجية بسبب من وتخوفهمها من المد الشيوعي، فيماهما يتشابهان الى أبعد الحدود ولايمكن التفريق بينهما على المستوى الداخلي ما يعني أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري الأمريكيين هما يشبهان حزبا واحداً و يتشابهان كحزب توتاليتاري وهو ذات التعبير الذي تستخدمه حركة التغيير في وصفها للبارتي والأتحاد.
3- بعد ظهور تحولات الربيع العربي الذي بدأ من تونس كانت الدعوات تقام بعدم وجود أي فرق بين حكومتي أقليم كوردستان وتونس ثم تحول الى المقارنة بين مصر وبين الأقليم فيما كانوا يدعون – بعد الثورة الليبية أن حكومة أقليم كوردستان تكرر ثانية تجربة القذافي!
4- وكانوا يدعون، مع بدايات الربيع العربي وتحولاته، أن مساعي حكومة أقليم كوردستان لتلبية مطاليب المواطنين وأنهاء المظاهرات، تكرر تجربة الدولة البوليسية وتطبقها في كوردستان.
5- إن آخر الأدعاءات وقبح الكلام المختار لتجربة الحكم في أقليم كوردستان هي أنه يصار الى بناء(جمهورية وراثية) في الأقليم واليقين أن أحراز المزيد من التطور في الأدارة الديمقراطية للأقليم تصاحبه جملة توصيفات شنيعة أخرى من لدنهم إلا أن التساؤل العقلاني هو : الى أي مدى تدخل تلك المحاولات في أطار عملية النقد والأنتقاد للمجتمع الديمقراطي ؟ وهي بمجملها تدخل في هذا الأطار لأن المجتمع المذكور هو نتاج الأخطاء والتعثر والتصحيح وليس فيها أي جانب سلبي أوأيجابي فقط وحتى في الجوانب العلمية التي تطبق عليها قوانين الفيزياء والطبيعة و ليس نظام تنظيم المجتمع الذي يكون عادة أقل دقة من تلك القوانين لذا فإن تأريخ الدول الليبرالية الديمقراطية إنما هو تأريخ المسعى والأختبار والتصحيح و بما فيها الأبداعات العلمية التي وصلت اليوم في مجال الأحياء حد أستنساخ الأحياء والذي يهدد عموم الحريات وأن العالم، بأوساطه العلمانية والدينية يسعى اليوم الى وضع حد للأبداعات العلمية تلك بل ومنها أسوة بأنشغال العالم على مدى ما يقارب(70) عاماً بالسيطرة على الجانب السلبي للطاقة النووية ، لضمان عدم تكرار مأساة أو كارثة أنسانية شيهة بتلك التي حدثت في مدينتي هيروشيما و ناكازاكي اليابانيتين ثم أن الهدف من وراء الأنتقاد في بيئة كالمجتمع المفتوح إنما هو لتصحيح الأخطاء ما يعني بقاء مثل هذا المجتمع محرك أدارة و تحريك الفرد والمجتمع إلا أن محاولة التحايل على النقد وجعله أداة أو سلاحاً لأسقاط النظام الديمقراطي فإنهم يلقون بذلك ذات المصير الذي لقيه(هيربرت ماركوز) والذي أشار اليه(جورج طرابيشي) في مقدمة كتاب (الأنسان وحيد التوجه) بقوله: لقد آن الآوان لتكذيب توجهات(ماركوز) والذي كان يعتقد بوجود قوة كلاسيكية للثورة(ويقصد البروليتاريات) في المجتمع الغربي منذ ما يقارب(100) عام فالثورة لن تتكون في ذلك المجتمع وكان السبب الكامن وراء خيبة الأمل التي أصابت(ماركوز) هو تلك الحرية التي أنتجها المجتمع الليبرالي الديمقراطي، نعم هناك العديد من المشتاقين للمعرفة في مثل هذه المجتمعات وغيرها! إلا أنه عندما يصار الى أستخدامها لتشويه مديات تصور الناس فإنهم يردون أمام صناديق الأقتراع على مثل هذه التوجهات السياسية في أن غايتها هي هدم النظام الديمقراطي من جذوره وأن الطريق الواضح والوحيد أمام أقليم كوردستان هو إيلاء المزيد من الأهتمام بالحريات العامة والشخصية أو حرية التعبير وتأمين حياة هانئة لمواطنيه، على طريق رد الناخبين، وأمام صناديق الأقتراع على أدعاءات من يشبهون التجربة الديمقراطية في الأقليم وبكل حرية، بأنظمة الدول العربية والفاشية فالمجتمع المفتوح، وكما يقول(بوبر) هو من القوة بمكان بحيث أنه، في مواجهته لمناوئيه إنما لا يبحث عن نقاط الضعف فيه بل يواجههم من أقوى نقاطه وهي أن الأنسانية لن تبدل الحرية بأي شئ آخر ..؟

ترجمة / دارا صديق نورجان
Top