• Thursday, 02 May 2024
logo

إلى أين يمضي الكاظمي مع الحشد؟

إلى أين يمضي الكاظمي مع الحشد؟
ريبوار قاسم




في الأسبوع الأخير من حزيران المنصرم، تلقى قائد الفرقة 17 في الجيش العراقي رسالة سرية تشير إلى أن قوات مكافحة الإرهاب ستنفذ في وقت مبكر من صباح الخميس (26 حزيران) عملية "مباغتة وخاصة". الهدف من العملية كان شيئاً أذهل قائد الفرقة، فقد كان مقراً لكتائب حزب الله في البوعيثة ببغداد.

كان مقرراً أن تنفذ العملية في الخامسة صباحاً، لكن قبل الموعد بنصف ساعة، حاصر 120 عنصراً من مكافحة الإرهاب معززين بعشرين عربة همر عسكرية المقر المذكور. استغرقت العملية 17 دقيقة فقط حيث لم يبد مسلحو حزب الله أي مقاومة وتم اعتقال 14 منهم. العملية ورد حزب الله فيما بعد، أظهرا المهمة الصعبة التي تواجه الحكومة الحالية والمستقبلية في العراق للسيطرة على ميليشيات الحشد.

وقال عضو في قيادة قوات العمليات الخاصة العراقية اشترط عدم الكشف عن اسمه، لجريدة (واشنطن بوست) الأميركية: "في الحقيقة فرحنا كثيراً، كان يجب أن يتصدى أحدهم لهؤلاء من قبل"، وعن عدم إبداء قوات حزب الله مقاومة، أشار هذا المسؤول إلى أن: "هذه مرحلة جديدة وقد باتوا الآن يعلمون أن هجماتهم (على المواقع الدبلوماسية والعسكرية) ستكون لها تبعاتها".

بعد ساعات من العملية، دخلت مجموعة مسلحة في سيارات حمل صغيرة إلى المنطقة الخضراء وطالبت بإطلاق سراح المعتقلين. ثم تم إطلاق سراح الجميع إلا واحداً. فبادرت وسائل إعلام الحشد الشعبي إلى نشر صور المطلق سراحهم ووصفتهم بالأبطال، وأحرقوا علم أميركا وداسوا على صورة الكاظمي بالأقدام.

في تصريح لجريدة (بوست)، قال الخبير في الشؤون الأمنية العراقية بمعهد واشنطن، مايكل نايتس: "السؤال هو هل يمكن استذكار هذه اللحظة على أنها إذلال للميليشيات، حيث أصبح عند الحكومة الجرأة على إلقاء القبض على عدد من الجناة من تلك الميليشيات، أم أنه سيكون يوماً كانت فيه الميليشيات تسرح وتمرح في المنطقة الخضراء وتحرر المعتقلين من عناصرها؟".

كان للحشد الشعبي دور كبير خلال ثلاث سنوات من الحرب على داعش في العراق، التي بدأت في صيف 2014 وانتهت في بدايات خريف 2017 باستعادة السيطرة على الموصل. لكن بعد انتهاء حرب داعش بات مصير هذه القوات مصدر أرق لرؤساء الوزراء الثلاثة في العراق في السنوات الثلاث الأخيرات.

يعمل قسم كبير من فصائل الحشد الشعبي التي تعرف بقوات المرجعية وتتبع النجف، تحت إمرة القوات الأمنية الحكومية وتزودها الحكومة بالسلاح وتؤمن لها الرواتب. لكن القسم الآخر من الحشد، الذي يعرف بمحور المقاومة وهو مقرب إلى إيران، فليس مستعداً للتخلي عن استقلاليته من حيث القيادة. اتهمت ميليشيات محور المقاومة في الأشهر الأخيرة باستهداف المؤسسات الدبلوماسية والعسكرية الأميركية في العراق.

وأعلن مسؤول في جهاز مكافحة الإرهاب العراقي لموقع (ميدل إيست آي) القطري أنه تم خلال العملية المذكورة الاستيلاء على 23 قذيفة كاتيوشا، وثلاث قناصات روسية الصنع وثلاث بندقيات AKM روسية وقاعدة لإطلاق الصواريخ، وأعلنت قيادة العمليات المشتركة العراقية في بيان لها أنها كانت تمتلك معلومات دقيقة عن الأشخاص الذين استهدفوا المنطقة الخضراء في أوقات سابقة وعن قيامهم بالتخطيط لهجوم جديد على تلك المنطقة.

من المقرر أن تبدأ في الشهر الحالي الجولة الثانية من الحوار الستراتيجي بين أميركا والعراق، حيث سيكون موقع ومهام القوات الأميركية في العراق وضمان أمنهم نقطة رئيسة على جدول أعمال الاجتماعات، في وقت يدرك رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي أن بلده بحاجة إلى مساعدة أميركية للصمود في وجه الأزمة المالية الحالية وفي محاربة بقايا داعش.

وكشفت شخصية شيعية عراقية بارزة، اشترطت عدم الإفصاح عن اسمها، للموقع القطري: "زادت كتائب حزب الله مؤخراً من هجماتها الصاروخية على القواعد الأميركية وذلك بهدف إحراج الكاظمي، لأنهم يعلمون أن على الكاظمي أن يحمي تلك القواعد قبل البدء بالجولة الثانية من الحوار مع الأميركيين".

في بداية هذا العام قتل كل من قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، بالقرب من مطار بغداد في ضربة جوية أميركية نفذتها طائرات مسيرة. أدى مقتل هذين القياديين إلى خلق فراغ كبير في صفوف الحشد والنفوذ الإيراني في العراق، إضافة إلى أن إيران وبسبب وضعها الاقتصادي الصعب وتفشي وباء كوفيد-19 لم تعد قادرة على التركيز على الميليشيات كما كانت تفعل في السابق.

وأبلغ ثلاثة قياديين في الحشد ومسؤول شرق أوسطي مطلع على النشاط الإيراني في العراق، وكالة رويترز البريطانية للأنباء بأن تفشي فيروس كورونا وغلق الحدود أديا إلى تقليص المساعدات المالية الإيرانية المقدمة لميليشيات الحشد.

اجتماع الشيعة

في مساء 26 حزيران، نظم زعيم منظمة بدر، هادي العامري، اجتماعاً طارئاً في بيته للقيادات السياسية والعسكرية الشيعية، وكانت هذه الأسماء بين الحاضرين: رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض وعدد من قيادات كتائب حزب الله.

وقال قيادي في الحشد مطلع على تفاصيل الاجتماع لموقع (ميدل إيست آي) إن الهدف من الاجتماع كان "التباحث حول التطورات الأخيرة وكبح جماح الوضع"، وطلب قياديو حزب الله المشاركون في الاجتماع من الفياض إبلاغ الكاظمي رسالة مفادها أنه "في حال لم يطلق سراح المعتقلين، فإنهم سيحرجونه إقليمياً"، وقد رفض الكاظمي طلبهم قبل أن ينتهي اجتماعهم.

الأوضاع التي تلت رد الكاظمي تبين مدى حراجة الوضع الأمني في بغداد. فبعد "لا" التي قالها الكاظمي مباشرة، انطلقت عشرات السيارات الحكومية المحملة بمسلحي الحشد باتجاه مقر لقوات مكافحة الإرهاب في المنطقة الخضراء. في نفس الوقت، انطلقت قوة أخرى للحشد من منطقة أخرى من بغداد صوب المنطقة الخضراء، لكن تم قطع الطريق عليها.

يقول قيادي في الحشد: "كان الهدف هو مداهمة مقر مكافحة الإرهاب وأخذ العديد من عناصر المقر كرهائن"، لكن محاولات المالكي والعامري والفياض مع الكاظمي منعت حدوث هذا. فقد اتفق الثلاثة مع الكاظمي على تسليم معتقلي حزب الله إلى مديرية أمن الحشد لتتخذ هي قرار استمرار اعتقالهم أو إطلاق سراحهم. في الأيام الثلاثة التالية تم إطلاق سراح 13 مسلحاً على مراحل، وبقي عند الحكومة واحد فقط كان الهدف الرئيس من العملية.

السيطرة على الميليشيات التابعة لمحور المقاومة أو الحشد الولائي ليست صعبة من الناحية العسكرية فقط، بل أن المواجهة المباشرة مع هذه القوات يمكن أن تخلق مشاكل سياسية كبيرة للكاظمي وأي حكومة عراقية مستقبلية، لأن لتلك القوات قاعدة برلمانية قوية ولها قاعدة جماهيرية في بعض مناطق العراق ولديها قوات موزعة من شمال العراق وحتى البصرة، وتحتاج إليهم الحكومة العراقية على أقل تقدير لسد الفراغ الأمني في محيط مدن شمال ووسط العراق.

تظهر ردود أفعال الميليشيات الشيعية المقربة من إيران على عملية قوات مكافحة الإرهاب في الشهر الماضي، أن غياب المهندس وسليماني ترك فجوة كبيرة في مجال التعاون ووحدة مواقف مختلف فصائل الحشد. السؤال هو: ماذا سيكون تأثير ردود الأفعال السياسية للقيادات الشيعية على وحدة صف هذه الفصائل على المدى الطويل، بينما كانت خلافاتهم في الماضي تقتصر على التنافس على المناصب الحكومية وتقاسم الموارد المالية والمشاريع.

وقال دبلوماسي غربي لـ(بوست): "باتت الكرة في ساحة الميليشيات، فإن قررت إطلاق المزيد من الصواريخ، سيضطر الكاظمي للتحرك، وإن أحجموا عن ذلك سيكونون هم المنتصرين. المستقبل سيبين إن كان الكاظمي قد راهن على أمر يفوق قدراته أم لا".








روداو
Top