• Friday, 19 April 2024
logo

الإنتخابات ومشكلة تحويل الخيارات الفردية إلى قرارات جماعية تضامنية: مشكلة قاعدة الأغلبية

الإنتخابات ومشكلة تحويل الخيارات الفردية إلى قرارات جماعية تضامنية: مشكلة قاعدة الأغلبية
(I)
إن الترابط بين النظام السياسي والعملية السياسية ( وخصوصاً عملية التنشئة السياسية والإجتماعية للمواطن هو موضوع قابل للنقاش في الفكر السياسي والتربوي وذلك منذ أن أوضح أفلاطون (428-347 ق.م.) بأن التربية من ناحية والحفاظ على أو تغيير العلاقات السياسية من ناحية أخرى يمكن أن يكونا لبعضهما البعض الوسيلة والغاية، وكذلك منذ أن طالب أرسطو طاليس ( 384-322 ق.م.) بوجوب تربية المواطن على ضوء مبادىء الدستور القائم.
فلو تفحصنا آراء الفيلسوف الألماني الكبير أمانوئيل كانت Kant(1724-1804) سنلاحظ أنه كان من المؤيدين لوضع دستور للدولة يربط السلطة العامة بمسألة الحريات العامة للمواطنين التي ستكون مقيدة بمبدأ الحقوق المتساوية للمواطنين، بمعنى أنه كان من المؤيدين لبناء الدولة القانونية. وفي إطار هذه الدولة القانونية، فإن (التربية السياسية) يجب أن تكون منسجمة مع مبادىء الدولة القانونية. إن مسألة إنسجام التربية مع مبادىء الدولة هي مسألة مرتبطة دوما مع الأوضاع الإجتماعية والتأريخية لتلك الدولة و أنها تثير صعوبات غير عادية في التطبيق. فمن ناحية نلاحظ أن المحتويات الموضوعية للمسألة معقدة و مجردة وتجعل الدخول فيها شيئاً غير سهلاً. ففي مجتمع وصل إلى درجة عالية من التخصص سواء في مجال العلوم أو التعامل، فإن السياسة أصبحت فيه أيضا ذات طبيعة تخصصية ومعقدة. إن السياسة ولعدد كبير من المواطنين ” تعتبر حقلاً غريباً ” فالمصطلحات السياسية تعتبر بالنسبة إليهم مصطلحات متخصصة وغير مفهومة. فالمواطن يعرف أن السياسة تمارس ولكن تبقى مسائل متعددة في السياسة غير مفهومة وغير واضحة مثل:
- كيف تُسّير العمليات السياسية بصورة تفصيلية و لماذا؟
- كيف تَصدر القرارات السياسية و لماذا؟
فالمواطن يكتفي بدور " المستهلك" فقط لإنه يتصور أن السياسيين يعرفون أكثر وأحسن. والمرء الذي لا يفهم التفاصيل الموضوعية للأحداث و الإجراءات يتصور إن السياسة هي عملية " عبثية بدون معنى" أو " أن السياسة هي قدر يجب مواجهتها لا التأقلم معها " وأنه " لايمكن التعامل معها عقلانياً ". ومن ناحية أخرى، فإن هناك مهمة حساسة و ضرورية تتعلق بمواجهة التساؤلات والإتجاهات أعلاه و ذلك من خلال عملية ( التربية السياسية ). إن هذه المهمة خطيرة و لكن يجب أن تكون واضحة.
إن علماء السياسة يؤكدون أن النظام الدستوري لدولة ما سيكون فاشلا عندما يتحقق اللاتوافق بين القيم التي يؤمن بها السياسيون و بين سلوك المواطنين.
في كتابات علم السياسة غالباً ما يتم التأكيد على أن الفكر السياسي يعتبر فكراً خاسراً عندما لايؤكد على المنفعة العامة والرفاهية العامة Gonum Humanum. إن مفهوم المنفعة العامة الذي يجد شرعيته في مجتمع ( ديمقراطية الدولة القانونية) هو مفهوم محدد غير واسع يستند على فكرة الإنسانية ( بمعنى الكرامة الإنسانية) ويجب كذلك أن يستند على الخير العام Gonum Commune، وهذا بالذات يحدد الوعي الديمقراطي: فالدولة هي للإنسان وليس العكس.
وفي هذا الصدد يكتب البروفيسور( شنايدر) مايأتي: " إن التنشئة السياسية عملية تربوية – سياسية يجب أن تأخذ بنظر الإعتبار أن المسؤولية السياسية للمواطنين في الديمقراطية مرتبطة بوثوق بدور المواطن في الدولة "، وعليه فإن التنشئة السياسية يجب أن تهتم كثيراً بحقوق المواطنين وخصوصاً توفير فرص الفعاليات الإجتماعية والسياسية وفرص ممارسة النفوذ أو كما يقول البروفيسور الألماني ( توماس إيل فاينThomas Ellwein ) فإنه على عملية التنشئة السياسية توفير ( دروس في التعامل السياسي). وكما يكتب البروفيسور(شنايدر) فإن " على عملية التنشئة السياسية أن لا تُمون الوعي السياسي فقط بالأفكار المثالية، بل كذلك تُمونه بمعرفة حول الحقائق الإجتماعية والسياسية، وهذه هي مسؤولية وواجب وفي نفس الوقت هدف وهو: وضع المواطن في حالة يستطيع فيها من إعطاء تقييم واقعي وعقلاني للواقع السياسي و الإجتماعي"
إن عملية التنشئة السياسية تلعب دوراً مهماً وحساساً في العملية السياسية وعلى الأخص في العملية الإنتخابية وذلك على مستويين هما:
• مشكلة الإنتقال من الخيارات أو الأفضليات الفردية إلى القرارات الجماعية التضامنية؛
• مشكلة طبيعة الإجراءات المتعلقة ببناء الإرادة والقرار الديمقراطي.
(2)

مشكلة الانتقال من الخيارات أو الافضليات الفردية الى القرارات الجماعية (القرارات التضامنية)

من بين المسائل المهمة التي أثيرت في الفكر السياسي كانت المشكلة التالية: هل (وكذلك كيف) يمكن تغيير الخيارات الفردية (مثلاً: خيارات الناخبين) وبدون أي تزييف الى قرارات جماعية أي الى قرارات جماعية تضامنية (مثلاً: نتائج انتخابات البرلمان وانتخابات رئيس الجمهورية)؟
معظم المفكرين والفلاسفة المؤيدين للنظريات الديمقراطية الكلاسيكية والحديثة أيدوا إمكانية حدوث هذا التحول والتغيير وذلك على الرغم من تأكيدهم على عدم استقرار هذه الحالة نتيجة لزيادة حجم المصوتين.
وقد أكد الفيلسوف ارسطوطاليس في كتابه الشهير (السياسة) على هذه الحالة عندما تكلم عن الديمقراطية (دولة المدينة) وكذلك تحدث عن هذه المسألة المفكر (توماس هوبر Hobbes) في كتابه (الليفيثان Levviathan) عندما أكد وجود سلطة للأغلبية، بمعنى أن الخيارات الفردية قد تحولت الى قرارات جماعية تمثلت في صدور قرارات للأغلبية، والتي، كما يقول هوبز، ستزيد من حالة عدم الاستقرار الطبيعي. وعليه فإن هذه هذه العملية التحويلية (من الخيارات الفردية الى القرارات الجماعية) تتميز، وفق منظور بعض الإتجاهات الفكرية في علم السياسة، بكونها " متشائمة ". فالنظرية الاقتصادية للديمقراطية بينت ان الهدف المتمثل في تحويل الارادات والخيارات الفردية إلى خيارات وقرارات جماعية هو من الصعب تحقيقه. وهذه الصعوبة تكمن في الفرضية القائلة بوجود فرص قليلة في عالم السياسة لبناء أغلبية مستقرة ومستمرة وتطوير وتنفيذ برنامج سياسي ثابت ومتماسك، طالما أن الاختلافات الاجتماعية كبيرة وواسعة، وطالما أن الذين لديهم الحق في التصويت هم غير موحدين في الاتجاه الذي يجب عليهم ان يعطوا أصواتهم. أصحاب تلك النظرية يؤكدون أن الديمقراطية تفهم في الغالب بكونها تعبر عن ارادة الشعب وتحققها، ولكن عند التمعن في هذا الرأي يلاحظ أن إرادة الشعب ليست هي المقصودة فعلاً بالديمقراطية، بل إنها (أي إرادة الشعب) تتعلق عادة بالأغلبية والأقلية – التي هي ليست ثابتة – المستندة على دوافع مختلفة، وحتى في حالة وصف الديمقراطية بأنها عبارة عن المقدرة للتعبير عن إرادة الأغلبية الحقيقية وبدون أي تزييف، فان هذا الوصف هو غير ملائم حيث ان الأغلبية او ارادة الأغلبية – كما أكد على ذلك ارسطو وهوبر – " تخطئ وقابلة للتضليل"، وكما يشير الى ذلك البروفسور (أوفه Offe) فإن " الانتخاب العقلاني" يبين أن الاجراءات الديمقراطية وعملية التصويت تَخرق أسس مبادئ إرادة الأغلبية التي هي واضحة ومستمرة وغير مزيفة. البروفسور (ريكر Riker) أوضح هذه المسألة كالاتي: إن القرارات المرتبطة بالمجتمع والمتخذة على أساس الأغلبية لا يمكن أن تكون متماسكة منطقياً أو تستوعب كنتيجة لـ" شيء كبير" كالمجتمع أو الشعب. ان المشكلة الكبرى للديمقراطية هي وجود إمكانية للتلاعب في نتائج قرارات الأغلبية وعلى شكل أن الاختلافات القليلة في هيكل وسير ومضمون إجراءات إتخاذ القرار ستُنتج نتائج مختلفة.
ومع ذلك فان هذا لا يعني ان الديمقراطية هي بدون قيمة بل ان هذه القيمة تظهر في حماية الحقوق من خلال التصويت. (38) بالاضافة الى ذلك، فان نتائج التصويت تبين ان الأغلبية هي غالباً أغلبية غير مستقرة وبالتالي ستشكل لدينا ما يسمى بـ(أغلبية متحركة).
ان الأغلبية وعلى العموم تخلق مشكلة اخرى وهي تلك المشكلة التي تكلم عنها (الكسي دي توكفيل A.de Toquville)(39) في كتابه الشهير الصادر في 1856 بعنوان (الديمقراطية في امريكا) وسماها بـ(طغيان الأغلبية) والتي شغلت افكار المؤيدين للديمقراطية منذ الزمن القديم.
وفي ظل ظروف معينة يمكن للديمقراطية ان تتحول الى نظام يسيطر فيه الأقلية على الأغلبية،
ولأجل توضيح أكثر نورد هنا نموذجاً أطلق عليه ((نموذج أوستروغورسكي)).(41) هذا النموذج يبين أن نظام التصويت حول (اتخاذ القرار) و (قواعد اتخاذ القرار) يلحق أجحافاً بنتيجة التصويت ويُمَّكِنْ النظام من تحديد الفائز أو الخاسر في الانتخابات. وهذا التناقض يمكن ان يظهر في عملية الانتخابات التي فيها عدد الاحزاب اقل من عدد المشاكل السياسية القائمة وعندما لا تكون لدى هذه الاحزاب النظرة الشمولية Weltanschaung للمجتمع بل أنها (أي الأحزاب) تكون عبارة عن مجموعات براجماتية مع قدر ضئيل من التوجه الايديولوجي السياسي وان الناخبين يعطون اصواتهم استناداً الى القضايا المتنازع عليها وليس على أساس الولاء للحزب أو المجموعة المرتبطة بالحزب.
ان نموذج (اوستروغورسكي) يبين بأنه حتى تلك العمليات الديمقراطية النزيهة لا تسلم من المشاكل وانها ستخلق نزاعات حول الاعتراف بالنتائج، ان النموذج ومرة اخرى يبين ارادة الناخبين – استناداً الى نتائج التصويت – وعلى الرغم من ثبات الخيارات والافضليات، هي مختلفة، ولتنساءل هنا: ماذا يريد الناخبون: فوز Y أو X؟ إن السؤال أساساً قد وضع بصورة خاطئة حيث أن إرادة الناخبين هي أيضاً نتاج نظام التصويت، وعليه فانه على ضوء طريقة التصويت ستتبلور إرادة الناخبين.
وهكذا فإن الانتخابات تعتمد على نظام التصويت ( أو النظام الإنتحابي) على الرغم من أن الخيارات والافضليات الاساسية للناخبين لم تتغير وبهذا فإن وحدة الخيارات الفردية المثالية غير المزيفة وكذلك وحدة مساواة وتوازن الرغبات الفردية لا يمكن ان تتحقق.
وهناك مشكلة اخرى تظهر في هذا الاطار وتتعلق بـ: (كلفة القرار). ان التهيئة للقرار واصداره تتطلب وقتاً وتنازلاً عن توجيه النشاطات الى مجالات اخرى غير هذا المجال المحدد. ان تكاليف القرار تكون عالياً كلما ارتفع عدد الافراد المشاركين في اتخاذ قرار جماعي. وتزداد هذه التكاليف في حالة تطبيق مبدأ (الإجماع). وهناك تكلفة اخرى تضاف الى كلفة القرار وتتعلق بـ(الكلفة المتبادلة). وهذه الكلفة عبارة عن مجموع التكاليف الخارجية وتنظيم إجراءات القرار.
وفي هذا المجال فإنه من الضروري معرفة ماهي القاعدة المثالية للقرار وأين سيكون الانحراف السيستمي (النظمي) عن أقل كلفة لـ(الكلفة المتبادلة). ان القاعدة اعلاه اذا طبقت باستمرار ستؤدي الى زيادة الكلفة وانها في الغالب ستؤدي الى محاصرة (اجراءات اتخاذ القرار).
ونرجع مرة اخرى الى قاعدة الأغلبية حيث يلاحظ ان الأغلبية (الكلاسيكية) وعلى الأخص الأغلبية البسيطة تعتبر أيضاً قاعدة لاتخاذ القرار والتي تكون بعيدة عن الحالة المثالية.
ان تطبيق هذه القاعدة (قاعدة الأغلبية البسيطة) ستؤدي الى خلق حالة تسمى بـ(الأغلبية الدورية) وبالتالي الى سلطة الأقلية.
ان هذا الوضع له أهمية سياسية كبيرة تظهر من خلال فرز الأصوات، نظام الانتخاب وتوزيع المقاعد. عندما ندقق في هذه الانظمة الانتخابية سنلاحظ اننا سنحصل على نتائج مختلفة حسب اسس كل نظام بحيث انه وفق نظام انتخابي معين سيكون حزب متنافس فائزاً ويشكل الحكومة بينما نفس الحزب سيصبح حزباً معارضاً وفقاً لنظام انتخابي آخر.
وفي الواقع، ان كل نظام انتخابي من هذه الانظمة له مبرراته وأسسه. ان الاختلافات الصغيرة مابين هذه الانظمة الانتخابية والتي بواسطتها يتم تحويل الخيارات الفردية الى قرارات جماعية يمكن لها ان تؤدي الى نتائج مختلفة الى حد كبير.
وهكذا وكما يقول البروفيسور (وليام ريكر Riker) فإن نتائج العملية الديمقراطية هي ليست بعادلة ولا هي مزج حقيقي واقعي لاتجاهات وتصويت الناخبين، ان هذه العملية لا يمكن ان تفسر دائماً بأنها مهمة وذو معنى.
ومن خلال مجمل هذه العمليات ستنبثق (الأغلبية الدورية) ومعها تأتي سيطرة هذه الأغلبية وهنا يبرز تساءل مهم وهو: ماذا يمكن فعله تجاه هذه الواقعة؟
البروفيسور (شمدت) يقول بأنه لا يمكن الوقوف بلا عمل لأن هذا بحد ذاته يشكل مغامرة، وحيث انه لا يمكن التنازل عن المبدأ الديمقراطي (عملية التصويت الديمقراطي) لذلك فإنه هناك حل وسط لهذه المسألة ويتجلى ذلك في (التوسع في مبدأ الأغلبية) من خلال حل المنازعات عن طريق التفاوض الديمقراطي أو المنافسة الديمقراطية أو باستخدام طريقة جديدة لعملية التصويت مثل تنظيم مجاميع المراتب التي يسمح للناخبين ان يعبروا عن متانة خياراتهم وينجيهم من الخيارات عن طريق الصدفة والتصويت عن طريق الفيتو أو التصويت المشروط بدفع الضرائب.
النظرية الاقتصادية للديمقراطية توصي في الانتخابات العقلانية بالفضائل الليبرالية والمؤسسات والتي تتمثل في النقاط التالية:
1. -تقييد حجم ومدى القرارات الجماعية (مثلاً: التقييد الشديد لحجم ومدى صلاحيات الحكومة ووضع الضمانات والقوى المواجهة للقرار البديل المنتخب وبالتحديد السلطة المنتخبة).
2. تقييد نشاطات الدولة.
3. حق المواطن بالمطالبة بالتعويض عن الخسائر الملحقة به والناشئة عن أعمال وتصرفات المنتخبين ديمقراطياً.
4. ضمان عدم تغيير الحقوق الاساسية للمواطن
5. التنظيم اللامركزي للدولة.
6. اعطاء المواطنين الحق في المبادرة لاقتراح سن القوانين.
7. اعطاء المواطنين الحق في الاستفتاء الشعبي على كل القوانين أو بعضها.
8. عدم منع هجرة المواطنين.

(3)

مشكلة طبيعة الإجراءات المتعلقة ببناء الإرادة والقرار الديمقراطي.

ان الديمقراطية تلغي ربط الحقوق السياسية بالمركز الاجتماعي للفرد الذي يعطي امتيازات خاصة له ( ونذكر هنا حق الانتخاب المرتبط بالمركز الطبقي للفرد وتقلد الوظائف السياسية وراثياً أو عن طريق الشراء).
في عملية البناء الديمقراطي للارادة فإن آلية الضبط والتمييز لها الفعالية (مثلاً: تكوين التكتلات في داخل الاحزاب السياسية وتوجيه سياستهم نحو وسط الناخبين وعلى الاخص بالنسبة للقضايا الواقعية المطروحة). وفي اطار هذه العملية لبناء الارادة هناك (نظام التصفية Filtersystem) والذي يظهر حسب رأي البروفيسور (أوفه) في النظام التعددي للمصالح وخصوصاً في مسألة (تعبئة الاحتياجات) والتي يجب ان تكون عامة وغير محصورة بفئة معينة.
إن المؤسسات المتعلقة ببناء الارادة السياسية في دولة دستورية ديمقراطية لا تتمكن من تحمّل التحول المبدئي غير المقيد للدافع السياسي وان (تعبئة بعض الاحتياجات) في تلك المؤسسات لا تشمل (التعبئة السياسية) حيث ان هذه التعبئة تكون محصورة فقط بتلك المؤسسات التي تظهر فيها مسائل بناء الارادة التضامنية التي لها صدى جماعي.ان نوع عملية بناء الارادة والتي تضغط على الاحتياجات يتعلق، كما يقول البروفيسور (أوفه) بتلك القيم العالية التي تكون صياغتها جديدة بالنسبة للتفاعلات الاجتماعية ولتلبية الاحتياجات، أنه يؤدي الى إحداث تطور تأريخي وذلك لكونها غير مرتبطة بالابعاد التقليدية لعدالة الانتاج والتبادل والمطالب التقليدية المرتبطة بالمركز الاجتماعي.
ان الديمقراطية لا تقاس فقط عن طريق فرصة المشاركة للمواطنين ونوعية تعبئة وتجميع المصالح، بل كذلك في مسك العنان الحازم لسلطة غير شرعية بصورة عامة وكذلك في الاستعداد لضمان اجتماعي وصحي بمستوى عال عن طريق موارد الدولة الاجتماعية والاستثمارية.وهذه تمثل مهمة وواجب النظام السياسي والتي ستتحقق من خلال خلق توازن ما بين مدخلات النظام و مخرجاته، وأن أي خلل في حالة التوازن ( بمعنى الخلل في نظام وأساس المؤسسات) سيؤدي الى خلل في فعالية النظام السياسي وبالتالي فعالية الدولة، ولمعالجة هذه الحالة يجب على النظام أن يأخذ بنظر الاعتبار أسبقية المصالح والمطالب المقدمة للنظام.
اضافة الى ذلك فإن فعالية النظام السياسي مرتبطة اساساً بإستقرارها، ولذا فإنها تركز نفسها على المناطق الخطيرة الواقعية وغير المتوقعة والتي لها الأهمية القصوى في مسألة الاستقرار وعلى الاخص تلك لها المساس مع مصالح مؤسسات الدولة.
ومن الامثلة على هذا الوضع: تعقيد النمو الاقتصادي، السياسة الخارجية، التجارة الخارجية، القوات المسلحة، خلق وضمان الولاء الجماهيري.
عليه فإن فعالية الدولة لها الاسبقية وهي تتعلق بمشكلة الاستقرار ومخاطرها والعمل على انسجامها مع مصالح الدولة. ويعتقد البروفيسور (أوفه) بان هذا الاطار للاسبقية في فعالية الدولة سيخلق نظاماً واسعاً من عدم المساواة والتناقض في نواحٍ مختلفة من الحياة وهذا يعني خلق هوة واسعة ما بين نواحي الحياة المختلفة التي لها المساس مع مشاكل الاستقرار المهمة (وهكذا فإنها تعامل في فعالية الدولة بأفضلية وهي تمثل المجموعات التي لها تأثير مهم في اصوات الناخبين في الاسواق والمنظمات) وتلك النواحي الاخرى في الحياة التي ليست لها إلا وزن ضئيل فيما يتعلق بمشاكل الاستقرار السياسي والاقتصادي ولهذا فإنها تكون مهمة في سياسة الدولة. (مثلاً المجموعات التي لها أهمية قليلة أو قوة قليلة في الاسواق والمنظمات والناخبين).
إن فعالية النظام السياسي مرتبطة جوهرياً بكيفية بناء الإرادة الديمقراطية للناخبين، لذا يثار التساؤل الآتي: على أية قاعدة تبنى مثل هذه الإرادة؟
ان الديمقراطية كمفهوم لا يمكن ان تحدد بصورة مطلقة كسلطة الأغلبية، حيث أن مفهوم الأغلبية له معان متعددة من ناحية ومن ناحية اخرى فإن إتخاذ القرار بصورة ديمقراطية يمكن ان يتخذ إما عن طريق الاجماع أو عن طريق حل الوسط وكذلك فإن ديمقراطية الأغلبية يمكن ان تصبح "ديمقراطية حرة" بالتفاعل مع مبادئ اخرى مثل: حقوق الاقليات أي حقوق المعارضة، الحقوق الاساسية الثابتة، محاكم دستورية التي تتمكن ان توقف السلطة التشريعية المستندة الى مبدأ الأغلبية الديمقراطية عند حدها، فصل السلطات كتوازن بين السلطات.
ومع ذلك فإن مبدأ الأغلبية أصبح شرطاً ضرورياً لتطبيق الديمقراطية و وسيلة فنية للاجراءات المؤدية الى بناء الرأي الموحد في اطار مجتمع فيه مصالح متناقضة ومتضاربة.
البروفيسور (غوغنبيرغر Guggenberger) يلاحظ انه في ظل الظروف الحالية فلا توجد وسيلة اخرى مقبولة وفعالة لبناء واتخاذ القرار أحسن من قرار الأغلبية.
وعليه، فإن مبدأ الأغلبية هو القاعدة الاساسية لبناء قرارات جماعية ولهذا فقد اتجه بعض المفكرين الى اعتبار ان الديمقراطية تعرف من خلال قاعدة الأغلبية ومن هؤلاء المفكرين (جوزيف شومبيتر J.Schumpeter)، (وبرايس Bryce) ، وطرحت هذه الفكرة مجدداً من قبل يونيس Jones.
إان قرار الأغلبية – سواءً كانت أغلبية مطلقة أم نسبية – وحسب رأي أغلبية المفكرين هو عبارة عن قابلية وقدرة خاصة لمبدأ القرار بصورة عامة. ان هذا التقييم البارز لقاعدة الأغلبية يرجع الى اسباب مختلفة. فإستناداً الى مسألة المساواة بين المواطنين فإن قاعدة الأغلبية لها مكانة بارزة مقارنة بالاختيارات الاخرى الموجودة في عملية اتخاذ القرار (الاوامر، الحظ، التنبؤ، الأقلية النوعية، رأي الخبراء) وكذلك فإن قرار الأغلبية هو قرار سهل الاستيعاب والفهم.
ان لهذه القاعدة (قاعدة الأغلبية) ميزة مهمة تتعلق بكونها وفي كل لحظة وبفترة قصيرة، تعمل على اصدار قرارات معتمدة وزهيدة الكلفة. والى جانب هذه الصفة فإن هناك خاصية أخرى لمبدأ الأغلبية تتعلق بقدرتها على الأخذ بنظر الاعتبار لمعايير جيدة التي تكون غير منظمة هرمياً. ولكن تبقى لقاعدة الأغلبية خاصية وميزة مهمة هي ان لها قوة الشرعية حيث انها وعن طريق حق الانتخاب المتساوي والسري تقلل من التأثير غير المباشر لعلاقات التبعية المؤثرة وتحويل مجموع الذين يتخذون القرار وبطريقة غير مزورة الى مشتركين في القرار. وبالاضافة الى كل ما ذكرناه اعلاه فإنه في قاعدة الأغلبية تبقى للأقلية فرصتها في احراز الفوز مستقبلاً.
ومع ذلك فإن المشكلة الدائمية لقاعدة الأغلبية الديمقراطية ناجمة عن درجة ومستوى تدخل الدولة في المجتمع والاقتصاد ونجاح " مجتمع المخاطرة Riskogesellschaft".
ان قرارات الأغلبية هي قرارات ملزمة التطبيق (لها صفة الطاعة الالزامية) عنما يكون غرضها هو معالجة الشؤون العامة.
ان قاعدة الأغلبية اثبتت نفسها بكونها عملية اتخاذ قرار فعال ذو قابلية لاكتساب صفة الشرعية ولكن التحليل الدقيق اوضح القابلية المحدودة والمحصورة لقاعدة الأغلبية. ان قاعدة الأغلبية تكون نسبياً ملائمة للفترات التي يكون فيها مستوى عال من الاجماع الاساسي وللقرارات حول (المادة Materiell) التي تقاد وتوجه بواسطة المال، القوة، النفوذ والامتيازات. وعندما يكون الموضوع ذو اهمية تاريخية ومتعلقا بالنزاع القيمي العميق وبالقرارات المتعلقة باتجاهات استقطاب الرأي، فان الاحزاب والحكومات المعتمدة على مبدأ الأغلبية تكون مثقلة بمشاكلها. ولكن ومن خلال إيجاد طريقة بديلة لاتخاذ القرار فانه يمكن تقييد المبدأ (على سبيل المثال: عملية اتخاذ القرار الفيدرالي، اللامركزية، تقوية حق الانتخاب التمثيل النسبي، تقوية مركز الأقلية، توسيع الحقوق الاساسية للمواطن، تقوية وضمان الاستقلالية وصلاحية القرار الناخبين والنواب والتقليل من قدرة التهديد الخاص للسياسة).
وبالمقابل فانه جدير بالاخذ بنظر الاعتبار مسألة توسيع هادف لمبدأ الأغلبية (مثلاً تطبيق الأغلبية على المبدأ نفسه بحيث ان المصوتين يتمكنون من التصويت حول ما اذا كان وكيف ومتى يمكن التصويت حسب الأغلبية).ولكن ستظهر مشكلة تتعلق بـ " حالة عدم إتخاذ القرار وبناء الإرادة"، لإنها تتعلق بـ (انتهاك المصالح المستقبلية وخصوصاً في المشاريع ذو خطورة عالية )، وأن (عدم اتخاذ القرار) هو بحد ذاته( قرار) حيث انه قرار بعدم اتخاذ القرار لصالح الوضع الراهن. إن هذا الوضع يتعلق بـ " هيكل وديناميكية صنف مثالي لمبدأ الأغلبية وكذلك نوع مثالي لديمقراطية الأغلبية ".
لاجل ان يكون تطبيق مبدأ الأغلبية معبرا عن رأي المواطنين بدقة فانه يجب العمل على توسيع تطبيقات هذا المبدأ بحيث يؤدي الى اضفاء الشرعية على النظام السياسي (بشكل بعيد عن التزوير او التحريف).
وهذا الوضع يؤدي إلى تحليل الانظمة السياسية القائمة و سيؤدي الى مقارنة الاختلاف والتماثل للانظمة الديمقراطية. وهنا يجب ان يكون التحليل متعلقاً بحجم يتضمنه النظام السياسي من عمليات اتخاذ القرارات البديلة (مثلاً: مبدأ الاجماع وهيكلية مبدأ الأغلبية للتعايش).
Top