• Friday, 29 March 2024
logo

فلسفة الصراع بين المسلمين والإسلاميين

فلسفة الصراع بين المسلمين والإسلاميين
قد يكون هذا العنوان غريبا للبعض، ولكن سيتجلى الفرق بين ذينك المصطلحين عندما يأتي القاريء معي لتصفح صفحات هذا المقال، لست أقصد من مقالي هذا إلا أن أبين للقاريء الكريم أن ثمة فرقا واسعا بين المصطلحين، وبين العالمين، أولا: نبدأ بمفهوم المصطلحين، فالأول وأعني بذلك(المسلمون) مصطلح صحيح استعمله القرآن الكريم {هو سماكم المسلمين من قبل) أي أن الله سمانا مسلمين، فلا يمكن القبول بمصطلح آخر يحل محله، فاختيار الله أقدس من اختيار غيره كائنا من كان، أما مصطلح (الإسلاميون) فهو مصطلح استعمل قديما ليقصد به معنى معين، واستعمل الآن ليقصد به معنى آخر مختلف تماما، أما الإستعمال القديم فأول من استعمله هو أبو الحسن الأشعري (توفي 324 الهجرية) في كتابه (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين)، وحتى عنوان كتابه يؤكد ذلك، ثم استعمله كل من أبي الحسن العامري (ت381هـ) والجويني(ت478هـ) ثم الشهرستاني(548هـ) حتى غدا هذا المصطلح معروفا بين أوساط العلماء، ولكن المعنى المقصود من استعماله، أو نقول يقصد بهذا المصطلح (الإسلامي) هو ذلك العالم الذي يدافع عن العقائد الإسلامية ضد تشويهات المخالفين، فهو مصطلح علمي فلسفي فكري ابستمولوجي، يختلف اختلافا جذريا عن الإستعمال الذي يستعمله الإسلاميون في العصر الحديث، فالإسلامي في العصر الحديث يقصد به ذلك الرجل الذي ينتمي الى جماعة إسلامية سياسية، إذن ثمة فرق واسع وبون شاسع بين المصطلحين قديما وحديثا، فالإستعمال المعاصر خطأ وسوء فهم لحقيقة المصطلح، لأن الإسلاميين في السابق كانوا علماء وفلاسفة ومتكلمة يكتبون كتبا فكرية عميقة وأصيلة للدفاع عن العقائد الإسلامية، بينما الإسلاميون المعاصرون ليسوا علماء ولا مفكرين ولا فلاسفة، - قد تجد بعضهم كذلك ولكنهم قليلون وكثير منهم في نهاية الأمر تخلى عن إسلاميته(كتنظيم ديني سياسي) وليس عن إسلامه (كدين إلهي معصوم)- وليس همهم تأليف كتب للدفاع عن العقائد الإسلامية، بل غايتهم تأليف كتب للدفاع عن الجماعة التي ينتمون إليها، وعن أفكارها وفلسفتها وأهدافها واستراتيجتها، والوقوف بحزم ضد من يخالف أفكار جماعتهم التي يصورونها أنها هي الجماعة الأم، وأنها تملك الحقيقة وحدها، وهي الفرقة الناجية من النار، وعلى جميع المسلمين أن يتشرفوا بالعمل تحت رايتها وزعميهما حتى يلقوا الله وهو عنهم راض.
فكما أن ثمة فرقا واسعا بين المصطلحين فهناك اختلاف شديد بين العالمين، أي عالم المسلمين وعالم الإسلاميين، فعالم المسلمين عالم طبيعي، لا تكلف فيه ولا تصنع ولا رياء ولا تشدد ولا تطرف ولا تزمت، لأن المسلم يعتقد أن الدين علاقة بينه وبين ربه لا يعلم تفاصيلها وحقيقتها إلا الله، فلا يتدخل في شؤون غيره، بل يركز على شؤون نفسه، وفي الحديث الشريف (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، بينما عالم الإسلاميين عالم مصطنع فيه التشدد والتطرف والغلو والرياء، حيث يعتقد الإسلامي أن الدين علاقة بينه وبين الناس، لأنه خليفة الله في الأرض فهو يمثل الله في محاسبة غيره، فيعطي لنفسه الحق في التدخل في شؤون الآخرين، فيتحول المجتمع وقتئذ الى مجتمع مختل، حيث سينتشر النفاق، والنفاق داء عضال، يولد الكراهية لكل ما له صلة بالدين، وهذه حقيقة رأيناها بأم أعيننا عندما سيطر الإسلاميون على مقاليد السلطة في بعض البلدان المسلمة.
عالم الإسلاميين أو بالمصطلح الأدق عالم الإسلام السياسي Political Islam عالم أيدلوجي حيث يفرض هذا العالم صبغة معينة على المجتمع، ولا يقبل أي صبغة أخرى، بل ترى أن كل صبغة تخالف صبغته فهي هرطقة ومرفوض، ولهذا نجد لجوء متطرفي الإسلام السياسي الى العنف والإرهاب لفرض أيدلوجيتهم على بقية الجماعات والأديان والمذاهب والأيدلوجيات، فهم يعتقدون أن الإسلامي خليفة الله في أرضه، فهو ينوب عن الله في مهام إبلاغ الرسالة وإيصالها، ويعتقد في الوقت نفسه أن الرسول(ص) قد فارق الحياة تاركا رسالته لمن يبلغها، وهم يرون أنفسهم أنهم أولى الناس بإبلاغها، لأنهم يمثلون الجماعة الأم، أي جماعة جميع المسلمين كافة، فمن لم يكن معهم فهو لا يستحق أن يبلغ هذه الرسالة، بل إنهم ينظرون بعين الريبة الى من يبلغ هذه الرسالة خارج نطاق جماعتهم، وأنه من الذين يغردون خارج السرب، ويصل الأمر أحيانا الى تضليله وتبديعه وتكفيره لكونه لا يعمل ضمن الإطار الأيدلوجي الذي أسسوه، وما أكثر الأمثلة على ذلك، ولعل اغتيال وزير الأوقاف المصري الدكتور محمد حسين الذهبي يبين هذه الحقيقة المرة، فقد كان الرجل عالما كبيرا ومفكرا عظيما صاحب أشهر كتاب اسمه(التفسير والمفسرون) فقد اغتيل من قبل متطرفي الإسلام السياسي في مصر، لكونه كان يبلغ الرسالة خارج إطار تلك الجماعات الإسلامية السياسية، وخاصة جماعة التكفير والهجرة لشكري مصطفى.
عالم الإسلام السياسي يتكون من أفراد ذوي اختصاصات متعددة، فليس التدين وحده هو الذي جمع بينهم، بل السياسية والمصالح هي التي ألفت بينهم، نعم هناك نقطة مشتركة تجمع الجميع وهي قضية التدين، فهم أفراد متدينون، لكن هناك أمور أكبر من هذه النقطة جمعت هذه الأفراد في هذه الزاوية الأيدولجية الضيقة، فقد تجد في هذا العالم أطباء ومهندسين ومحامين وضباط وعمال وفلاحين أي عالم متنوع يعملون في إطار أيدلوجي ديني سياسي معين، والملاحظ أنه حتى قادة الإسلام السياسي ليسوا من خريجي الشريعة وليس لديهم خلفيات شرعية أصيلة، ومن أبرز هؤلاء:
1) حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر فهو خريج كلية العلوم.
2) أسامة بن لادن مؤسس القاعدة في أفغانستان خريج كلية الإدارة والاقتصاد.
3) أيمن الظواهري زعيم القاعدة حاليا خريج كلية الطب.
4) قلب الدين حكمتيار رئيس الحزب الإسلامي في أفغانستان، خريج كلية الهندسة.
5) أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في بلاد النهرين، لا شهادة له.
6) نجم الدين أربكان خريج كلية الهندسة.
7) شكري مصطفى زعيم جماعة الهجرة والتكفير في مصر خريج كلية الزراعة.
8) عبد السلام فرج كلية الهندسة.
9) عبد القادر عبد العزيز كلية الطب.
10) عنتر الزوابري رجل إسكافي.
11) أبو الأعلى المودودي صحفي من باكستان.
12) د.صالح سرية خريج كلية العلوم.
13) عبد القادر حشاني خريج كلية البتروكيماويات.
14) خالد المشعل كلية العلوم(الفيزياء).
فقل أن تجد في هذا العالم مفكرا أو فيسلوفا أو عالما بمعنى الكلمة، وذلك لأن المفكر والفيسلوف والعالم لا يستطيعون العيش في عالم ضحل مقيد بقيود أيدلوجية معينة، ولا الاستمرار في العمل في زاوية أيدلوجية ضيقة، تمنع عنهم التفكير والتعمق والنقد والحرية، فالمفكر المسلم والفيسلوف المسلم والعالم المسلم لا يتحكم فيه أحد بل هو المتحكم في نفسه، بينما المفكر الإسلامي والفيسلوف الإسلامي والعالم الإسلامي – إن وجد وهو قليل بعدد الأصابع- لا يملك حرية التعبير ولا حرية النقد، بل أنا شخصيا أشبهه بعبد ذليل، كتبه التي يقرأها محدودة ومحددة، ونقده يجب أن يكون لمن يعمل خارج جماعته، فمتى تجاوز الخطوط التي رسمت له، فهو بين أمرين: إما أن يتهم بالخروج عن جماعة المسلمين ويقصدون بذلك جماعة الإسلاميين، ووقتئذ كل الخيارات تبقى مفتوحة، وأقساها هدر دمه، وقد حصل ذلك للأسف، وما أكثر الأمثلة لا مجال لذكرها، وإما أن يعلن براءته من تلك الجماعة لكي يعيش بسلام وحرية وأمان، كما فعل ذلك المحامي ثروت الخرباوي حيث كان عضوا بارزا في جماعة الإخوان المسلمين، لكنه تبرأ منها وبدأ بفضحها في كتبه وخاصة كتابه الشهير(سر المعبد، الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين)، والحقيقية أن كل من تجاوز الأطر الحزبية والأيدلوجية في طلب الحقيقة والتفكير والتعلم والبحث لن يستطيع البقاء في سجن عالم الإسلام السياسي، ولهذا نجد عدد كبيرا من العلماء والفلاسفة والمفكرين كانوا يعملون في ذلك العالم، لكنهم وجدوا أن هذا العالم ضيق لا يتسع لهم، ولا يمكن لهم أن يعيشوا بين جدران هذا العالم، فقرروا الخروج الى عالم أوسع رحيب، فصاروا عمالقة في الفكر والعلم والفلسفة، وإني على يقين لو سمح لهم بالحرية المطلقة في عالم الفكر والفلسفة والعلم لما بقي فرد معهم، إلا بقايا من ذوي المصالح المادية، أو من الذين أحرقتهم الطائفية الحزبية والأيدلوجية الدينية السياسية، ولهذا نجد هذا العالم يوما بعد يوما في اضمحلال وذوبان وانصهار، لأنه كلما اتسعت رقعة العالم الفكري والفلسفي والابتسمولجي والعقلي والفقهي والتاريخي كلما انحسر عالم الإسلام السياسي، لأنه عالم مصطنع تم تخصيصه لفئات معينة وطبقة معينة، ولهذا تجد أشد الإنشقاقات في هذا العالم أعني عالم الإسلام السياسي، ودعنا ندقق النظر كم هي عدد تلك الجماعات الإسلامية التي انشقت عن جماعة الإخوان المسلمين، والتي تعرف بالجماعة الأم، إنها كثيرة جدا، (ولولا الإخوان المسلمون لكان المسلمون إخوانا)، وهذا إن دل على شي فهو يدل على أن هذا العالم غير متماسك وقابل للتمزق والإنشطار والتشظي، لكونه عالما صنعه أناس معينون لمآرب سياسية، وليس لإصلاحات دينية وفكرية، بل إن الإسلام السياسي لا يريد إصلاحا دينيا ولا فكريا، بل يريد إصلاحا دينيا وفكريا وفق منظومته الأيدلوجية، بحيث يدور هذا الإصلاح حيث ما دارت منظومته الأيدلوجية، لأن الإصلاح الفكري والعقدي والفلسفي الديني العام لا يحقق للإسلام السياسي أهدافه ومآربه، بل إنه سيهدد وجوده، لأن الإصلاح الفكري على سبيل المثال يهدف الى القضاء على التقليد الديني والتبعية الدينية العمياء، والأيدلوجية الدينية الضيقة والفكر المتشدد والتدين المتنطع، والغلو والإرهاب والتزمت، وتجد جل هذه الصفات في عالم الإسلام السياسي، وإن كنت اعتقد أن الجماعات الإسلامية ليست سواء، فبعضا متشددة، وأخرى معتدلة، ولكن الجامع بين جميعها أن جميعها أيدلوجية، وعندما تجد أن جماعة إسلامية معينة هي أيدلوجية فهي لا تصلح للمجتمع، لأنها جماعة تمييزية أسست على صبغة دينية معينة، ولعل هذه الجماعة تصلح لمجتمع ذي صبغة دينية واحدة، أما المجتمعات المتعددة، حيث تعدد الأديان والقوميات والمذاهب والطوائف فوجود مثل هذه الجماعات كارثة حقيقية تهدد السلم المجتمعي، فينبغي أن يسن قانون في برلمان هذا البلد وخاصة في العراق وكوردستان بمنع تأسيس أي جماعة أو حزب سياسي على أسس دينية، حتى لا يكون ثمة تمييز في المجتمع، وحتى لا يتمزق المجتمع بسبب هذه الجماعات الدينية الأيدلوجية.
عالم الإسلام السياسي يعرف الإسلام بأنه دين ودولة، وأول من ابتدع هذه البدعة هو حسن البنا، فهو تعريف سياسي للإسلام، لا أصل له ولا فصل، بل هو تعريف مرفوض بالإستناد الى أدلة القرآن والحديث وكذلك أقوال علماء المسلمين القدامى، وخاصة ابن عقيل الحنبلي وابن قيم الجوزية والطوفي والشاطبي، بينما عالم المسلمين يرى أن الإسلام دين ودنيا، ومعنى ذلك أن الإنسان يبني علاقة متينة مع ربه، هذا هو الدين، وعلاقة طيبة مع الناس هذه هي الدنيا، فمتانة العلاقة مع الله تعني الإخلاص والصدق، وطيب العلاقة مع الناس يعني التعامل الحسن والخلق الرضي بعيدا عن النفاق القاتل، وبهذه الصورة يكتمل عالم الدين وعالم الدنيا، ولهذا سمى الماوردي كتابه القيم باسم أدب الدنيا والدين، فكلاهما مكملان لبعضهما البعض، أما الحديث عن الدولة فهو جزء بسيط من الدنيا، أو نقول مفردة من مفردات الدنيا العديدة، لا يمكن تضخيمها كما فعل الإسلاميون، وبعد انهيار الدولة العثمانية سنة 1924 حاول البعض في مصر نقل تجربة الخلافة العثمانية من تركيا الى مصر، حيث امتلأت كتبهم ومؤلفاتهم ورسالئهم وخطبهم ومحاضراتهم بالحديث عن الدولة الإسلامية والخلافة الراشدة والحاكمية المطلقة. ولقد ظهرت ثلاثة اتجاهات تجاه سقوط الدولة العثمانية:
الإتجاه الأول وهو رفض هذه التجربة أي الخلافة العثمانية، لكونها تجربة فاشلة، ولا يصلح نقلها الى مصر، وقد أيد هذا الإتجاه بقوة القاضي علي عبد الرازق صاحب كتاب(الإسلام وأصول الحكم) المثير للجدل- حيث تم فصله من مشيخة الأزهر بسبب هذا الكتاب- ومن المؤيدين لطفي السيد ومحمد حسن هيكل وطه حسين.
الإتجاه الثاني: التأييد المطلق، ومن هؤلاء شيخ الإسلام في الدولة العثمانية مصطفى صبري حيث فر من تركيا الى مصر، وقد ألف كتابا يؤيد نقل هذه التجربة الى مصر واسم كتابه( النكير على من أنكر النعمة من الدين والخلافة والأمة) ومحمد رشيد رضا وتلميذه محمد عبده وقد ألف كتابا حول الخلافة، ومن المؤيدين بقوة حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين، وظهرت جماعات إسلامية كثيرة تدعو إلى إعادة الخلافة الإسلامية، حتى أعلنها رسميا زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي في الموصل.
الثالث: تطوير الخلافة وتحديثها، أي تحويلها الى المؤتمر الإسلامي وهو مقترح قدمه عبد الرزاق السنهوري، بينما دعا جمال الدين الأفغاني الى تأسيس الجامعة الإسلامية.
لا تزال هذه الإتجاهات موجودة في الساحة الى الآن، ولها مؤيدوها وأشياعها، وعلى هذا الأساس أسس حسن البنا جماعته لإحياء الخلافة الإسلامية، ولكنه لم يستطع لأن نقل التجارب الخارجية التي لها خصوصياتها أمر في غاية التعقيد، ولهذا فشلت هذه المحاولات جميعها، وتحولت الى شعارات فارغة، قل لي في أي بقعة من العالم الإسلامي استطاع الإسلاميون قيادة بلد معين، وعندما فازوا تاهوا ليس لقلة تجربتهم وخبرتهم، لأن فيهم مختصين كبار في شتى المجالات، ولكن لأن المنهج الذي تبنوه لا يصلح للحكم، إنه منهج أيدلوجي ضيق، فمن السهل لهم أن يفوزوا في أي إنتخابات لأن شعاراتهم الدينية تجارة رابحة يمكن للسذج من الناس والبسطاء والمتديين أن يغتر بها، ولكن من الصعب أن يديروا مدرسة ابتدائية، ليس الخلل في الأشخاص وإنما الخلل في المنهج الذي انتهجوه في مسيرتهم، فالإسلاميون همهم قبل السلطة وبعدها أيدلوجيتهم، ولهذا وجدنا في مصر عندما فاز الإخوان المسلمون، ماذا فعل محمد مرسي عندما أصبح رئيسا لجمهورية مصر العربية؟ وكيف كانت الأوامر الأيدولوجية تأتيه من مكتب الدعوة والإرشاد لكي يطبقها حرفيا تحقيقا لمصلحة الحزب وليس لمصلحة الشعب، لقد فشل الإسلام السياسي السني، وفشل في الوقت نفسه الإسلام السياسي الشيعي، ودعنا نركز على العراق، قدم الإسلام السياسي الشيعي تضحيات كبيرة، وخاصة حزب الدعوة، ولكنه عندما تسلم السلطة في العراق بعد سقوط نظام البعث سنة 2003 بدأوا وانطلقوا بصورة صحيحة، واحترموا الدستور الدائم، والعملية الديمقراطية وتبادل السلطة، ولكن لأن الأيدولوجيا الدينية لا تقبل من أشياعها حكم البلاد بهذه الصورة، فبدأوا يخرقون الدستور، وبدأوا بأدلجة المؤسسات الحكومية، وظهرت مليشيات طائفية وقحة حاقدة على كل ما لا يتفق مع أيدلوجيتها، وبرزت شعارات طائفية مقززة تفوح منها رائحة الحرب الداخلية، حتى انتهى الأمر الى مرحلة يتمنى المواطن العراقي (الشيعي) وليس السني عودة صدام حسين ليحكم البلاد، وفي هذه اللحظة وأنا أكتب هذه السطور فشل الإسلام السياسي الشيعي في الحصول على أصوات كافية لتشكل الكتلة الأكبر في الإنتخابات النيابية الأخيرة لسنة 2018، خمس عشرة سنة من حكم الإسلام السياسي الشيعي الدعوي(حزب الدعوة) يعطينا قناعة أن زمن الأيدلوجيات الدينية انتهى، وقد حان رحيلها عنا حتى ننعم بالحرية والسلام والتعايش والأمان والاستقرار والرفاهية والعيش الرغيد.
وماذا عن إسلامي كوردستان من الحركة الإسلامية والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية؟ هل لا يزالون مصرين أن مشروعم سيخدم شعب كوردستان، وسيخدم استقلال كوردستان، أعتقد أن الإسلام السياسي لم ينجح في مصر ولا في الخليج ولا في أفغانستان ولا في تركيا ولا في ايران ولا في ماليزيا ولا في أندنوسيا ولا في كوسوفو ولا في نيجيريا ولا في السودان ولا في الصومال ولا في العراق وفي الجزائر ولا في فلسطين ولا في أي دولة مسلمة، فهل يعقل أن ينجح في كوردستان؟ لا يمكن لأنه مشروع أيدلوجي لا يناسب بيئة متعددة الأديان والمذاهب كبيئة كوردستان، وخلال هذه الفترات نجد الإسلام السياسي في كوردستان في انهيار واضمحلال، فإذا كانوا لا يستطيون أن يتوحدوا فيما بينهم فكيف يمكن لهم أن يوحدوا شعب كوردستان لهدف قومي ووطني كالإستقلال مثلا، وإن كنت أعتقد أن الإسلام السياسي واستقلال كوردستان ضدان لا يلتقيان، لا لأنهم لا يؤمنون به، بل لأن الأيدلوجية التي يحملونها ويؤمنون بها ترفض فكرة الإستقلال لكونها تمزيقا للأمة الإسلامية أو العالم الإسلامي كما يقعقون دائما في خطاباتهم وخطبهم ومحاضراتهم وكتبهم وشعاراتهم، وكلنا نتذكر ماذا قال خطيب طهران حول إستفتاء كوردستان، فكيف لو كان إعلان إستقلال كوردستان، لربما أعلنوا الجهاد ضدنا والنفير العام، هذه الأيدلوجيات الدينية تهدد السلم المجتمعي والتعايش الأخوي في أي مجتمع، وخاصة في كوردستان، لا يقولن أحد أن إسلامي كوردستان لا يحملون مثل هذه الأفكار المتطرفة، نعم ربما هذا صحيح، ولكن الذي يعيش ويعمل في إطار الإسلام السياسي معرض للتطرف والتشدد والتزمت، فكم رأينا من شباب ينتمون الى جماعة إسلامية معينة في كوردستان التحقوا بتنظيمات داعش الإرهابية، وعليه يجب أن ندرك خطورة هذه الأيدلوجيات الدينية التي جاءت إلينا من الخارج، وهي غريبة على مجتمعنا الكوردستاني الحضاري، أشبهها دائما بالأفكار المعلبة، أعتقد قد حان للإسلام السياسي أن يعلن حله وفشله، إما العمل كحزب مدني ديمقراطي بعيد عن الأطر الدينية، أو ينضم الى أحد الأحزاب الرئيسة والمهمة في الساحة وخاصة تلك التي لها خطط استراتيجية لإستقلال كوردستان في المستقبل، ولكن هذا الخيار صعب لأنهم يرون أن العمل في هذا الإطار الأيدلوجي الذي أسسوه يحقق لهم ربحا كبيرا، فاللجوء الى الخيارات التي طرحتها انتحار بالنسبة لقياداتهم وليس لأفرادهم البسطاء، ولهذا سيبقون على شاكلتهم الأيدلوجية الدينية السياسية ما دامت تدر لهم حياة رغيدة، والذي أريد أن أصل إليه أننا لسنا دولة مستقلة، ولو كنا دولة مستقلة لكان وجود الإسلام السياسي هينا، ولكننا الآن في مرحلة العمل للدولة الوطنية المستقلة، وقد خطونا خطوة مهمة نحو الإستقلال عن طريق الإستفتاء، فالأولى لنا أن نوحد خطابنا السياسي، ونحوله الى خطاب وطني موحد, ونقصي جميع الخطابات الأخرى سواء كانت إسلامية أو شيوعية أو علمانية شاملة أو ما شابه ذلك، من أجل العمل الجاد للإستقلال، فعندما نعلن استقلالنا ونشكل دولتنا الوطنية المدنية الديمقراطية يمكن وقتذ أن تتنوع الخطابات وتتشعب، لأننا وصلنا الى مرحلة الأمان والاستقرار، فهما تنوعت الخطابات فهي لن تؤثر في استقرار البلد، ولكن شريطة التزام هذه الخطابات بالمدنية والديمقراطية والاعتدال، وعدم تهديد مصحلة الأمن الوطني، ولكن في هذه المرحلة أعتقد أن تنوع الخطابات تعرقل تقدمنا نحو الإستقلال، فإنتماء من يناضل في سبيل الإستقلال أقوى من إنتماء من حققه.
Top