• Wednesday, 17 April 2024
logo

الإسلام السياسي في السودان

الإسلام السياسي في السودان
كان الإسلام الصوفي هو السائد في السودان، ولهذا نجد المجتمع السوداني مجتمعا مسالما هادئا بعيدا عن العنف والتطرف، وعندما ظهر الإسلام السياسي لأول مرة في السودان كان غريبا، ولهذا انحصر انتشاره بين الطلبة في الجامعات، أما بقية شرائح المجتمع فقد كانت متمسكة بالطرق الصوفية المنتشرة في البلاد، أولى الطرق الصوفية التي دخلت السودان كانت الطريقة الشاذلية سنة 1445، ثم تلتها الطريقة القادرية في القرن السادس عشر، وفي سنة 1800 دخلت الطريقة السمانية على يد أحمد الطيب البشير الذي استقر في أم درمان، وبعد أن انتشرت الطرق الصوفية في السودان انتشارا واسعا، أصبح الإسلام الصوفي هو الإسلام الشعبي مع ما يحمل من خرافات وترهات جمعت بين العادات القبلية والأعراف وبقايا المسيحية والفرعونية والديانات الأفريقية المحلية كالنوبية، وكانت العلاقة بين السلطة والصوفية في أفضل أحوالها، فالدولة كانت إسلامية بالمفهوم الشعبي لا بالمفهوم الإسلاموي، والمقصود بالمفهوم الشعبي أنها كانت دولة إسلامية في كون أغلبية سكانها من المسلمين، أي أنها ليست مسيحية، وليس بالمفهوم الإسلاموي أنها كانت تطبق الشريعة الإسلامية كما هو الحال بعض الدول الإسلامية، خذ مثلا أن بعض القبائل السودانية المسلمة كانت تطبق بعض القوانين التي تخالف الشريعة الإسلامية، فالرجل منهم إذا زنى بامرأة متزوجة يتم تغريمه بدفع سبع بقرات، وإذا زنى بغير المتزوجة يدفع بقرة واحدة، وهم يتباهون في كونهم من أبناء الدولة الإسلامية، ولا ريب أن السودان كانت تعيش في تخلف وفقر وجهل، وعندما احتلها العثمانيون بقوات مصرية بقيادة محمد علي باشا طورها وخاصة الخرطوم عاصمة السودان، وأسس وحدة سياسية سودانية، مع قسوتهم وقمعهم وبطشهم، فقد بقيت السودان تحت حكم العثمانيين والمصريين ستين عاما، في سنة 1880 قامت ثورة شعبية سودانية صوفية مهدوية ساخطة على الاحتلال العثماني المصري يقودها محمد أحمد المهدي، أحد أتباع الطريقة السمانية الصوفية، حيث أعلن المهدي على الملأ أنه المهدي المنتظر سنة 1881، وقد بايعه الناس لعله سينقذهم من الاحتلال، وقد استطاع أن ينهي الاحتلال التركي المصري سنة 1885، لكن هذه الدولة لم تعش طويلا ليقضي عليها الاستعمار البريطاني بمساندة القوات المصرية سنة 1898، وقتل الخليفة عبد الله التعايشي في كردفان، ثم قسم الاستعمار البريطاني السودان الى إقليمين ومحورين، إقليم الشرق لمحور الختمية وإقليم الغرب لمحور الأنصار، وهي سياسة بريطانية معروفة (فرق تسد)، وقد بقيت السودان تحت نير الاستعمار البريطاني حتى سنة 1955، ليعلن السودانيون استقلال بلادهم سنة 1956، وتم تشكيل أول حكومة وطنية برئاسة اسماعيل الأزهري عام 1954 الذي كان ينتمي الى حركة الأشقاء التي كانت تدعو الى الوحدة بين مصر والسودان، وبعد عامين تولى الحكومة عبد الله خليل بك من حزب الأمة الذي كان يطالب بالاستقلال الكامل للسودان، وفي سنة 1958 قام الفريق إبراهيم عبود بأول انقلاب عسكري في تاريخ السودان، ثم سقط حكم الفريق عبود سنة 1964، وقد كان للإسلاميين دور بارز في إسقاطه، وفي هذه الفترة سطع نجم القيادي الإسلامي المعروف حسن الترابي، وتولى رئاسة الحكم -بعد سقوط الفريق عبود- سر الختم الخليفة للمرحلة الانتقالية الأولى والثانية(1964-1965)، وفي سنة 1966 تسلم رئاسة الوزراء محمد أحمد محجوب من حزب الأمة، ثم انتقلت الرئاسة في السنة نفسها لرئيس حزب الأمة الصادق المهدي، وفي سنة 1968 عاد أحمد محمد محجوب ليتولى رئاسة الوزراء، حيث حدثت توافقات سياسية، وفي سنة 1969 حدث انقلاب ثان يقوده جعفر النميري، وكلف بابكر عوض بتشكيل الحكومة (1969-1970) حيث كان محسوبا على حركة القوميين العرب، ثم علق النميري هذا المنصب لست سنوات، حتى كلف الرشيد الطاهر بكر برئاسة الوزراء بين (1976-1979)، ثم ألغى النميري هذا المنصب، في سنة 1985 قامت انتفاضة شعبية عارمة أطاحت بالنميري، ليتولى الدكتور الجزولي رئاسة الوزراء لمدة سنة واحدة، وفي سنة 1986 جرت انتخابات برلمانية ليفوز حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، وقد شكل الحكومة، وفي سنة 1989 حدث انقلاب ثالث، يقوده هذه المرة الإسلاميون، وهو حدث غير متوقع لم يصدقه العالم، قاد الإنقلاب العسكري جناح عسكري يقوده البشير وجناح إسلامي مدني يقوده حسن الترابي، فنجح الإنقلاب العسكري على الحكومة الشرعية المنتخبة، وقد استمد الترابي هذه الفكرة من منظّر الإسلام السياسي أبو الأعلى المودوي عندما قال في تعريف الجهاد:" كفاح ثوري للإستيلاء على السلطة من أجل خير البشرية جمعاء".
حاول الإخوان المسلمون فتح فرع لهم في السودان عن طريق الطلبة الذين كانوا يدرسون في مصر، وحاول حسن البنا زيارة السودان، لكن بريطانيا منعته، وفي سنة 1945 زارت وفود للإخوان المسلمين السودان، وفي سنة 1946 أرسل المركز العام للإخوان المسلمين اثنين من قادته وهما(عبد الحكيم عابدين السكرتير العام للإخوان المسلمين، وجمال الدين السنهوري) بغية تأسيس فرع لهم في السودان، وفي سنة 1948 أرسل حسن البنا رسالة الى علي طالب الله لتعيينه مراقبا عاما للإخوان المسلمين، وليصبح عضوا في الهيئة التأسيسية العامة للإخوان المسلمين في القاهرة، كل ذلك بصورة علنية ولكن بريطانيا لا تسمح لهم بالعمل التنظيمي الرسمي، ولهذا منعت الإسلاميين والشيوعيين من العمل ورفضت الاعتراف بهما، ثم اعترفت بهما بعد استقلال السودان، وفي سنة 1949 ظهرت حركة إسلامية في جامعة الخرطوم سمت نفسها بحركة التحرير الإسلامي ومن أبرز قادته بابكر كرار ومحمد يوسف ومحمد الخير عبد القادر، كانت تواجه الحركة الشيوعية القوية في العاصمة التي تأسست سنة 1945، ولهذا كانت تدعو الى الإشتراكية الإسلامية، وكان لبعض أعضاء الحركة علاقات طيبة مع الإخوان المسلمين، وكانت تنفي اتهمامات الشيوعين في كونها لها صلة بالإخوان المسلمين، وأكدت في بياناتها أنها حركة سودانية مستقلة، وقد حاول الإخوان المسلمون في مصر سنة 1952 اقناعهم بالانضمام اليهم، لكن دون جدوى، ولكن بقيت العلاقات قوية بين التحرير والإخوان الى درجة لم يستطع الناس التمييز بين أعضاء الحركتين، وقد استقال بابكر كرار زعيم حركة التحرير الإسلامي سنة 1952 احتجاجا على تقارب جماعته من الإخوان المسلمين، وفي سنة 1954 عقد مؤتمر مهم لجمع التيارات الإسلامية، وقد غاب عن المؤتمر كل من بابكر كرار وعلي طالب الله، حيث تم إبعاد علي طالب الله، وحل محله محمد الخير عبد القادر ليصبح الأمين العام للجماعة، وقد اتفقوا في المؤتمر على إبقاء اسم الإخوان المسلمين مع استقلال الجماعة، الاهتمام بالدستور الإسلامي، عدم استقلالية الجماعة المطلقة حتى لا تكون في عزلة، إلا أن حركة التحرير الإسلامي رفضت قرارات المؤتمر، وأسسوا جماعة مستقلة باسم الجماعة الإسلامية ثم تحول الى الحزب الاشتراكي الإسلامي، وقد اتهمهم الإسلاميون بأنهم شيوعو الإسلام، كل ذلك من أجل تشويه سمعتهم، وقد زارت وفود من جماعة الإخوان المسلمين المصرية سنة 1955 لحل خلافاتهم، وتم تشكيل قيادة جديدة واختاروا الرشيد الطاهر بكر مراقبا عاما للجماعة، وبين سنة (1955 وحتى 1958) قادت جماعة الإخوان حملة قوية باسم الجبهة الإسلامية للدستور، ولكن الفريق ابراهيم عبود أفشل حملتهم بإنقلابه العسكري سنة 1958، وفي سنة 1959 قام قائد الجماعة الرشيد الطاهر بانقلاب فاشل ضد الفريق عبود، وقد قام الفريق عبود بإعدام خمسة من القادة العسكريين الذين شاركوا في الانقلاب، بينما حكم على الرشيد الطاهر خمس سنوات بالسجن لأنه تم القبض عليه في سيارته وبيده بيان الإنقلاب، في سنة 1964 قامت الجماعة باقتراح من حسن الترابي بإقالة زعيم الجماعة وهو في السجن، وفي سنة 1965 غيرت الجماعة اسمها الى جبهة الميثاق الإسلامي، واختارت حسن الترابي رئيسا لها، حيث كان الأخير مسؤول المكتب السياسي، وقد جمعت الجبهة في صفوفها السلفيين والصوفيين من أجل دستور إسلامي لتطبيق الشريعة، وقد شاركت الجماعة في انتخابات 1965 لكنها فشلت في نيل مقاعد كافية، لكنها استطاعت بتحالفاتها مع السلفيين والصوفيين وأتباع الطريقة التيجانية هزيمة الشيوعيين، حيث عدلوا الدستور وطردوا النواب الشيوعيين من البرلمان، تمهيدا للمشاركة في انتخابات 1967، تحالف الترابي مع حزب (سانو) الاتحاد الوطني الأفريقي وحزب الأمة القومي بقيادة الصادق المهدي من أجل نقض الائتلاف التقليدي بين حزب الامة بقيادة الهادي المهدي والاتحاد الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني، ولكن هذا المشروع فشل بسبب انقلاب جعفر النميري سنة 1969 بدعم من اليساريين بقياد الحزب الشيوعي الذي تم طرده من البرلمان، بقيت جماعة الترابي معارضة لحكم النميري، وفي السنة نفسها قام الإسلاميون بتشكيل تحالف مع حزب الأمة القومي بقيادة الصادق المهدي والحزب الوطني الاتحادي بزعامة الشريف زين العابدين الهندي ضد النميري، وقاموا بمهاجمة العاصمة الخرطوم بقيادة المقدم حسن حسين، لكنها فشلت وتم إخمادها، وقد تصالح الإسلاميون مع النميري سنة 1977 لفتح صفحة جديدة، وقد انشق عن جماعة الترابي بعض القادة احتجاجا على المصالحة مع النميري، فأسسوا جماعة منفصلة باسم الإخوان المسلمين، واختاروا الحبر يوسف نور الدائم أميرا لها، ثم انضم اليها صادق عبد الله عبد الماجد، حيث انتقدوا نهج الترابي، ودعوا الى اقتفاء النموذج الإخواني المصري، وفي سنة 1980 قام الترابي بحل جماعته كخطة تكتيكية، وانضم الأعضاء الى الاتحاد الاشتراكي السوداني من أجل التغلغل في مؤسسات الدولة تمهيدا ليكونوا بديلا لنظام النميري، وقد أصبحت جماعة الترابي قوية، ولهذا أصبح الترابي مستشارا لرئيس الجمهورية جعفر النميري، لا جرم أن من يتحدث عن تاريخ السودان السياسي ينبغي أن يتحدث عن المفكر السوداني الشهير محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري، بدأ محمود طه بنقد الطائفية ومناهضة الاستعمار البريطاني، ونقد الإسلام السياسي ومشروعه الدستور الإسلامي، حيث وصفه محمود طه بالدستور الإسلامي المزيف، وانتقد بشدة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من قبل الإسلاميين، مبينا أن ذلك دليل على خوف الإسلام السياسي من المواجهة مع الشيوعيين، وعد ذلك مخالفة لتعاليم الإسلام السمحة، وقد قدم اثنان من الفقهاء برفع شكوى ضد محمود طه لأنه أصبح مرتدا، ويجب تنفيذ حد الردة بحقه وهو القتل، صدر الحكم سنة 1968، وقد أقنع الترابي جعفر النميري بتشكيل محكمة خاصة وعين قضاة من الإسلاميين، وقد تم تنفيذ حكم الإعدام بحق المفكر محمود محمد طه سنة 1983، ومما لا شك أن قرار المحكمة كان تصفية سياسية لا غير، لأن بقاء محمود محمد طه شكل خطرا على مستقبل الإسلام السياسي في السودان، ولو كان الأمر متعلقا بالفكر والعقيدة، لحكموا بالإعدام على مواطن سوداني أعلن اعتناقه الديانة البوذية، وقد قال الفقهاء في حق ذلك المواطن الذي اعتنق البوذية: إن الإسلام لا يزيد ولا ينقص، ولهذا لما سقط النميري أصبح الترابي ينافس الحزبين الرئيسين المعروفين(حزب الأمة، وحزب الاتحادي)، في سنة 1983 أعلن النميري مبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية، وفي السنة نفسها قامت الحرب الأهلية في الجنوب بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان (أنيانيا)بقيادة جون قرنق، بعد تقسيم النميري الجنوب الى ثلاثة أقاليم مخالفا بذلك قانون الحكم الذاتي للجنوب بموجب اتفاقية أديس أبابا لسنة 1972، في سنة 1985 اختار الترابي اسم الحركة الإسلامية القومية، وفي السنة نفسها 1985 قامت انتفاضة شعبية ساخطة بإسقاط النميري، وانحاز الجيش السوداني الى الشعب، وتم تأسيس مجلس عسكري بقايدة عبد الرحمن سوار الذهب، وتم تكليف الدكتور الجزولي برئاسة الوزراء لمدة سنة، حتى إجراء الانتخابات البرلمانية، في سنة 1986 قامت الانتخابات البرلمانية وفاز حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، وشكل حكومة برئاسته، وفي سنة 1989 قام حسن الترابي وعمر البشير بإنقلاب عسكري ضد الحكومة المنتخبة، وهو أول إنقلاب عسكري يقوم به إسلاميون في تاريخ الحركات الإسلامية، اتفق الترابي مع البشير على أن يقوموا بانقلاب عسكري شريطة عدم الكشف عن دور الإسلامين بقيادته في هذا العمل، ولهذا عندما نجح الإنقلاب، قال الترابي للبشير:( إذهب أنت للقصر رئيسا، وسأذهب أنا للسجن حبيسا) وذلك حتى لا يتصور الشعب أن للإسلامين دورا في هذا العمل المنافي للديمقراطية والشريعة، وعندما دخل الترابي سجن (كوبر) قال له زعيم الحزب الشيوعي محمد ابراهيم وهم جميعا في السجن: كفاك سجنا، فقد جاملتنا أكثر مما يجب، حدث جماعتك ليطلقوا سراحك) حيث علم الشيوعيون أن هذه خطة دبر بليل بين الترابي والبشير، ولا ريب أن الترابي كان العقل المدبر للإنقلاب العسكري، لأنهم فشلوا في انتخابات 1986 التي فاز فيها حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي، وقد سمى الإنقلابيون الإسلاميون انقلابهم بثورة الإنقاذ الوطني، ثم سموا حزبهم بالمؤتمر الوطني، في سنة 1990 قام (28) ضابطا من الضباط الموالين لحزب البعث العربي الإشتراكي بانقلاب فاشل، ثم قام عمر البشير بإعدامهم جميعا، وقد اتفق الترابي مع البشير على أن تكون رئاسة الدولة بيديه حتى تتم السيطرة على الوضع السوداني، ثم يختار الحزب في مؤتمره رئيسا مدنيا ليحكم السودان، ولكن البشير قد أحكم قبضته، واستطاع خلال ثلاث سنوات أن يكتسب موالين له في الحزب، ففي سنة 1992 اجتمعت الحركة الإسلامية الجناح الفكري للمؤتر الوطني لاختيار رئيس لجمهورية السودان، فقال الترابي للمجتمعين من أعضاء الحزب: من هو مرشحنا؟ فقال علي عثمان نائب الترابي في الحزب: مرشحنا هو البشير، وأيد أغلبية الأعضاء هذا المقترح، وقد استشاط الترابي غضبا، لأنه كان يتصور أن يكون هو المرشح الأقوى، لأنه هو الشيخ والمفتي والعقل المدبر للإنقلاب، وما البشير إلا شخصية عسكرية يصلح لمنصب عسكري، فقام الترابي بإبعاد علي عثمان عن منصبه انتقاما، وفي سنة 1993 تم حل مجلس قيادة الثورة وتعيين عمر البشير رئيسا للجمهورية، يوما بعد يوم اشتد الصراع بين الصديقين اللذين قاما بالإنقلاب معا أعني عمر البشير وحسن الترابي، في سنة 1998 انتخب حسن الترابي رئيسا للمؤتمر الوطني الحاكم، وأصبح رئيسا للبرلمان، وبعد ثلاثة أيام قتل نائب رئيس الجمهورية وهو الفريق الزبير محمد صالح في سقوط طائرته في جنوب البلاد، ونشأ فراغ، فقرر الحزب ترشيح ثلاثة أشخاص لتولي المنصب من قبل البشير، فاختار البشير علي عثمان خصم الترابي نائبا له، ففهم الترابي الرسالة جيدا بأن هناك مؤامرة حقيقية لإقصاءه عن الحزب والدولة، وقد حالوا سنة 1999، لكنهم فشلوا، وبدأ الترابي كرئيس للبرلمان بمواجهة البشير، في استجواب وزراء حكومته، وفتح ملفات الفساد ضدهم، إلا أن البشير حل البرلمان لكي يقصي الترابي، وجمد موادا دستورية، وأعلن حالة الطواريء لثلاثة أشهر، وقد طعن الترابي بتلك القرارات لكن المحكمة الدستورية كانت مع البشير، اجتمع البشير مع أنصار حزب المؤتمر الوطني، وهاجم الترابي في كونه ينوي انقلابا عسكريا لأنه نسق مع ضباط في الجيش والشرطة، لذلك قرر البشير حل الهيئة العامة للحزب التي يرأسها الترابي، وتم تعيين ابراهيم أحمد عمر رئيسا لمجس شورى الحزب مؤقتا، وقد أعلن الترابي انفصاله عن الحزب ليؤسس حزب المؤتمر الوطني الشعبي، ذكر الترابي في كتابه الحركة الإسلامية في السودان تحقيب الإسلام السياسي، حيث قام بذكر مراحل هذا التطور:
1) مرحلة التكوين(1949-1955) في عهد الاستعمار البريطاني.
2) مرحلة الظهور الأول(1956-1959) أي بعد استقلال السودان.
3) مرحلة الكمون الأول(1959-1964) لوقوع انقلاب الفريق ابراهيم عبود العسكري.
4) مرحلة الخروج العام(1964-1969) حيث وقع انقلاب جعفر النميري العسكري.
5) مرحلة المجاهدة والنمو(1969-1977) حيث تشكيل تحالفات ليكون بديلا للنميري.
6) مرحلة المصالحة والنمو(1977-1984) حيث المصالحة التامة مع النميري.
في سنة 2000 اجتمع البشير مع قادة المعارضة في عاصمة أريتيريا أسمرة، فقد عاد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي، وقبله بسنة عاد النميري، لكن البشير فاز في الانتخابات بعد مقاطعة قادة المعارضة، في سنة 2001 تم اعتقال الترابي لأنه وقع مذكرة تفاهم مع جون قرنق رئيس الجيش الشعبي لتحرير السودان، أطلق سراحه سنة 2003، ثم اعتقل سنة 2004 بعد توجيه اتهام له بتدبير انقلاب، ثم افرج عنه سنة 2005، لكن من جهة أخرى تحركت قوات البشير لإخماد ثورة دارفور سنة 2003، وقد ذكرت التقارير الدولية أن مليشيات البشير(الجنجويد) ارتكبت جرائم حرب، ولهذا أصدر المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو سنة 2008 مذكرة توقيف بحق البشير، وفي سنة 2009 أصدر مذكرة توقيف ثانية لاستمراره في ارتكاب الجرائم في دارفور، فقد وصل عدد القتلى الى 300 ألف شخص، وتم تشريد مليونين ونصف من مواطني إقليم دارفور، وقد كان إقليم دارفور مستقلا سنة 1900 بقيادة السلطان علي دينار، تم إخضاعه لسيطرة السودان أثناء الاحتلال العثماني، ومرة أخرى في عهد الثورة المهدية سنة 1884، ثم تم اعتقال الترابي بعد إصدار المذكرة التوقيفية لأنه قال لا بد للبشير أن يسلم نفسه للمحكمة الدولية، وكان البشير قد أعلن الحرب على جنوب السودان لكنه في سنة 2005 توصل الى اتفاقية نيفاشا للسلام مع جون قرنق ليصبح نائبا لرئيس الجمهورية، وفي السنة نفسها لقي جون قرنق مصرعه في تحطم مروحية رئاسيته الأوغندية، وقد اتهم البشير بتدبير ذلك، وبموجب الاتفاقية أصبح جنوب السودان دولة مستقلة سنة 2011، وقد حاول البشير المصالحة مع الترابي ولكن بعد فوات الأوان، وبقي البشير يتخبط في إدارة البلد بعد تكالب المشكلات والتحديات عليه، حيث مشكلة جنوب السودان وإقليم دارفور وإيواء القاعدة فقد دخل أسامة بن لادن السودان سنة 1992، وتورطه في اغتيال حسني مبارك في أديس أبابا عاصمة أثيوبيا سنة 1995، وخلافه مع الترابي، وحل البرلمان وتجميد مواد الدستور، وتدمير مصنع اليرموك الحربي للسلاح من قبل إسرائيل سنة 2012، واندلاع الحرب في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وهو المعروف بالجنوب الجديد سنة 2011، هذه التحديات كلها نتيجة تفرد البشير بالسلطة، وإقصاءه رفاق نضاله وبالأخص حسن الترابي، وكذلك فشله في تطوير البلد من الناحية الاقتصادية، مع أن السودان من الدول المصدرة للنفط، في سنة 2016 توفي حسن الترابي ولم يحقق حلمه بل دفنه مع نفسه، ليخلفه في قيادة حزبه علي الحاج محمد، وفي سنة 2017 قام البشير بإعادة منصب رئيس الوزراء الذي ألغاه عقب انقلابه العسكري، فعين بكري حسن صالح رئيسا للوزراء، وبعد سنة قام البشير بحل الحكومة وكلف معتز موسى رئيسا للوزراء، وأعلن حزب المؤتمر الوطني ترشيح عمر البشير لولاية ثالثة لانتخابات 2020 إلا أن الانتفاضة الشعبية أطاحت به كما أطاحت بمن سبقه، بعد أن وقف الجيش السوداني مع الشعب، وقد شكل الفريق أول ركن عوض بن عوف مجلسا عسكريا انتقاليا، لكنه بعد ساعات تخلى عن رئاسته للمجلس للفريق أول ركن عبد الفتاح برهان، وقد دعا الأخير الى ترشيح شخصية مدنية مستقلة لرئاسة الحكومة للمرحلة الانتقالية لسنتين، وقد اعترفت بهذا التغيير أمريكا والجامعة العربية ودول الخليج، لأن نظام البشير سبب الويلات للسودان والمنطقة، وهو أي عمر البشير مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية منذ 2008، والتغيير رغبة شعبية ملحة، وبهذه الإنتفاضة الشعبية تنتهي دولة الإسلام السياسي السني التي جاءت عن طريق إنقلاب عسكري على حكومة شرعية برئاسة الصادق المهدي سنة 1986.
Top