• Friday, 19 April 2024
logo

الإسلام السياسي في الصومال

الإسلام السياسي في الصومال
تعد القارة الأفريقية من أغنى القارات في العالم، ولكن الأنظمة الفاسدة والاستبداد السياسي والإنقلابات العسكرية والنظام القبلي والمليشيات المسلحة والجماعات الدينية المتطرفة والاستعمار الأوربي، هذه العوامل وغيرها جملة جعلتها في تخلف وتقهقر وبطالة وفقر وجوع وانتشار للأمراض والمخدرات وما شاكل من ذلك من الآفات التي تفتك بالأمم والشعوب، وما ذكرته ينطبق على جمهورية الصومال التي لم تجد استقرارا سياسيا ولا اجتماعيا ولا اقتصاديا منذ قرن، طمع الاستعمار الأوربي (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا) كدأبه عبر التاريخ لاحتلال القرن الأفريقي Horn of Africa - وهو مصطلح يشمل ثمانية دول هي (أثيوبيا، أريتيريا، أوغندا، جيبوتي، السودان، جنوب السودان، كينيا، الصومال)- وذلك للسيطرة على الثروات الطبعية وخيرات تلك البلاد، ففي سنة 1839 بنت بريطانيا قاعدة عسكرية في شمال الصومال لتأمين الطريق الى اليمن، سميت بالصومال البريطاني، ثم جاءت فرنسا سنة 1860 فاحتلت جزءا من الصومال ليعرف بالصومال الفرنسي (وهي دولة جيبوتي الآن حيث استقلت سن 1977)، وبقيت إيطاليا فجاءت وهي متلهفة لتحتل جنوب الصومال ليعرف بالصومال الإيطالي سنة 1889، في الحرب العالمية الثانية فشلت إيطاليا فاحتلت بريطانيا ما احتله ايطاليا، وقد جعلت إيطاليا إقليم أوغادين الصومالي جزءا من أثيوبيا، مع كونه إقليما صوماليا يعيش فيه صوماليون مسلمون ويتحدثون بلغتهم، وقد ضمت أثيوبيا هذا الإقليم الى أراضيها رسميا سنة 1954، ليصبح هذا الإقليم فيما بعد نقطة الصراع الصومالي الأثيوبي، لذلك أصبح الصومال مقسما الى خمسة أجزاء، الصومال البريطاني، الصومال الفرنسي، الصومال الإيطالي، الصومال الكيني، الصومال الأثيوبي، ولهذا نجد على العلم الصومالي نجما خماسيا للإشارة الى هذا التقسيم التاريخي الجائر، في سنة 1960 نال الصومال استقلاله من الاستعمارين البريطاني والإيطالي، إلا أن إقليم أوغادين بقي محتلا من قبل أثيوبيا، وأصبح (آدم عبد الله عثمان) أول رئيس لجمهورية الصومال مؤقتا، ثم انتخب لست سنوات، وفي سنة 1964 أعلن الصومال قرار تحرير إقليم أوغادين من الاحتلال الأثيوبي، لكنهم لم يستطعوا استعادته، حيث دعمت أمريكا أثيوبيا في حربها ضد الصومال، في سنة 1967 فاز عبد الرشيد شرماكي برئاسة الجمهورية بعد إجراء انتخابات نزيهة، لكه اغتيل من قبل أحد حراسه سنة 1969، خلفه مختار محمد حسين لستة أيام، حيث قام محمد سياد بري بإنقلاب عسكري ليحكم البلد لثلاثين عاما بيد من حديد بعد أن عطل الدستور وحل البرلمان والحكومة وألغى الأحزاب، وفي سنة 1975 فرض الاشتراكية العلمية(النظام الشيوعي على نهج ماوتسي تونغ الصيني)، وأعلن عن قانون الأحوال الشخصية المخالفة للشريعة الإسلامية، مما دفع علماء الصومال الى استنكار ذلك، فقام سياد بري بالقبض عليهم وإعدام بعضهم، واستبدل الأحرف العربية بالأحرف اللاتينية، في سنة 1977 قاد حرب تحرير إقليم أوغادين من الاحتلال الأثيوبي، لكن القوات الأثيوبية بقيادة منغستو هيلا ماريام Mengistu Haile Mariam سحقت القوات الصومالية سنة 1978 بدعم كوبي وسوفيتي وصيني عندما انقلب الاتحاد السوفيتي على حليفه محمد سياد بري، ومع صمت غربي واضح تجاه هذه الحرب، لأنه من حق الصومال استعادة هذا الجزء المستقطع منه ظلما، وبعد نهاية الحرب الأثيوبية الصومالية التي كانت صدمة للشعب وانتكاسة سياسية مؤلمة خرجت الجماهير لتنتفض غضبا على ما آل إليه البلد، وقد فقد الشعب ثقته بالساسة العلمانيين والمدنيين والقوميين، وكانت هذه فرصة ذهبية للإسلاميين ليستغلوا الفرصة لسد هذا الفراغ وكسب ثقة الشعب الساخط على النظام العسكري، في سنة 1978 قام ضباط بمحاولة إنقلاب فاشلة ضد سياد بري، بلغ الاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي مرحلة الإنفجار، فخرجت انتفاضة شعبية قوية، وحركات تمرد مسلحة للقضاء على هذا النظام الذي جثم على صدور الصوماليين لثلاثين عاما، فسقط نظام محمد سياد بري سنة 1991، لتبدأ الحرب الأهلية مجددا، ثم عقدوا مؤتمر المصالحة الوطنية في جيبوتي واختير علي مهدي محمد رئيسا للبلاد، لكن الحرب الأهلية بدأت مرة أخرى، وكان طرفها الرئيس الجنرال محمد فرح عيديد قائد المؤتمر الصومالي الموحد، وكان له دور بارز في مقاتلة قوات سياد بري سابقا في جنوب البلاد، في سنة 1992 قرر مجلس الأمن قراره رقم(794) بإرسال قوات المساعدة الإنسانية والإغاثة بقيادة أمريكا، وقد أرسل الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب سنة 1993 (30) ألف جندي في عملية سماها إعادة الأمل، وكانت تهدف الى القضاء على المليشيات المتناحرة، وخاصة الجنرال العنيد محمد فرح عيديد، لكنها فشلت ووقعت في مستنقع شبيه بما حصل لأمريكا في فيتنام، فقرر الرئيس الأمريكي بيل كلنتون سحب القوات الأمريكية سنة 1994، وقد أنتجت شركة كولومبيا بيكتشر الأمريكية فلما حول حقيقة ما حصل في الصومال للقوات الأمريكية بعنوان سقوط الصقر الأسود Black Hawk Dawn، بدأت أمريكا بعد انسحاب قواتها باستهداف قادة المليشيات وخاصة الإسلامية بالإغراء المالي، حيث كانت تدفع الأموال لأمراء الحرب لاغتيال قادة الجماعات الإسلامية، وخاصة حركة المجاهدين الشباب، أما الجنرال محمد فرح عيديد فقد قتله أحد أتباعه في سنة 1996، ليخلفه ابنه حسين عيديد، ولا أستبعد ضلوع أمريكا في تصفيته - بعد فشلها سنة 1993 - بعد الإغراء المالي الذي تقدمه لكل من يحقق لها هدفا مهما مثل اغتيال الجنرال (عيديد) الذي أذاق القوات الأمريكية سوء العذاب في سنة 1993، والإغراء المالي يؤتي ثماره في بلد مثل الصومال الذي يعاني من الفقر المدقع والجوع الموجع والفساد المفجع واليأس المفزع، في سنة 2000 عقد مؤتمر للمصالحة الوطنية مرة أخرى في جيبوتي ولم يرسلوا دعوة الى أمراء الحرب، واختير عبدي القاسم رئيسا مؤقتا للبلاد للمرحلة الانتقالية بدعم المحاكم الإسلامية وحركة الإصلاح التابعة لجماعة الإخوان المسلمين مما أثار قلق أثيوبيا وأمريكا، وبعد عودة حكومة القاسم الى الصومال وقعت حادثة 9 سبتمبر في أمريكا، وأشارت التقارير أن قادة القاعدة الفارين من أفغانستان استقروا في الصومال، وصار مأوى الإرهابيين، ولهذا وقع عبدي القاسم بين خيارين، فإما أن يرضي من كان وراء فوزه بالرئاسة من جماعة المحاكم الإسلامية فيخسر أمريكا القوية، وإما أن يرضي أمريكا فيخسر من في الداخل، لذلك طلب تجميد عمل المحاكم الإسلامية لثلاث سنوات حتى تهدأ العاصفة، وفي النهاية خسر الرجل الطرفين، وتوحدت المحاكم الإسلامية لتكون أقوى من ذي قبل، ولتصبح واجهة سياسية قوية في المرحلة القادمة، قامت أثيوبيا بالانتقام من الإسلاميين الذين تحالف معهم الرئيس عبدي القاسم، حيث دعت الى مؤتمر مضاد لمؤتمر جيبوتي في نيروبي عاصمة كينيا سنة 2004 ولم تسمح بمشاركة الإسلاميين، وبغطاء شرعي وقانوني ليجعله تحت رعاية منظمة إيغاد IGAD الهيئة الحكومية للإنماء Intergovernmental Authority on Development – وهي منظمة تأسست سنة 1985 تشمل (الصومال، جيبوتي، كينيا، أوغندا، أثيوبيا، أريتيريا) وانتخب المجتمعون عبد الله يوسف أحمد رئيسا – الخصم اللدود للإسلاميين- بدأت فترته من (2004- 2008) عادت حكومة عبد الله يوسف من المنفى لتستقر في مدينة جوهر، وقد اجتمع رؤوساء القبائل وقادة المحاكم الإسلامية برئاسة الشيخ حسن طاهر أويس لمواجهة حكومة عبد الله يوسف، قدم عبد الله يوسف استقالته معلنا فشله في تحقيق السلام، وقد قال كلمات تعبر عن يأسه من المشهد السياسي الصومالي:" الصومال لا يحتاج شيوخا قبضتهم ناعمة، بل يحتاج شخصا ملعونا وأنا هذا الملعون"، فخلفه عدن محمد نور مادوبي لمدة ثلاثة وثلاثين يوما، ليتم اختيار الشيخ شريف أحمد حسن رئيسا للبلاد من فترة(2008- 2012)، ثم جرت انتخابات سنة 2012 ليفوز حسن شيخ محمود لتبدأ فترة رئاسته من 2012 وحتى 2017 فاز بعدها محمد عبد الله محمد فرمانجو وتنتهي فترة رئاسته سنة 2021.
أرض الصومال
لا يمكن المرور دون الحديث بإيجاز شديد عن هذه الدولة المستقلة التي لا يعترف بها أحد، حيث أعلنت استقلالها بعد حربها الطويل ضد نظام محمد سياد بري، وقد أسست حركة تحرير أرض الصومال سنة 1981، وفي سنة 1991 عقدوا مؤتمرا حول تقرير المصير، وأعلنوا جمهورية أرض الصومال Somaliland وانتخبت رئيس الحركة عبد الرحمن أحمد علي أول رئيس للجمهورية، وعاصمتها هرجيساHargeisa ، وهو أحد أقاليم الصومال الستة، وهي (بونت لاند، جوبا لاند، غلمدغ، هيران شبيلي، أرض الصومال، إقليم جنوب غرب الصومال) وتحاول الحكومة الصومالية الفيدرالية توحيدها خوفا من انفصالها، وإعطاءها الحكم الذاتي بصورة كاملة.
فكرة المحاكم الإسلامية
لا يمكن لمن يتحدث عن النظام السياسي في الصومال أن لا يكتب صفحات مهمة عن فكرة المحاكم الإسلامية، فبعد سقوط النظام الاستبدادي للرئيس محمد سياد بري سنة 1991، انتشرت الفوضى وعم الفساد والقتل والاغتيالات والسرقة والنهب والاختطاف، مما دفع بعلماء الصومال الى البحث عن حل لفرض الأمن، وقد طرحوا فكرة المحاكم الإسلامية، وكانت فكرة رائعة جدا للأثرياء ورؤوساء العشائر والقبائل، فصاحب الفكرة هو الشيخ محمد معلم أبو الإسلام السياسي الصومالي، المتأثر بالإخوان المسلمين، فأسس أول محكمة إسلامية عرفت باسم (هرسيد) يعني (الطليعة) في جنوب مقديشو سنة 1991، لكن الجنرال عيديد أحبط هذه المحاولة لأنه رأها منافسة لها في النفوذ، في سنة 1994 تم تأسيس محكمة إسلامية في شمال مقديشو برئاسة الشيخ علي محمود طيري، وفي سنة 1997 ظهرت المحاكم الإسلامية في قلب العاصمة، وهذا ما أقلق أثيوبيا، ودفع ذلك الرئيس الصومالي علي مهدي محمد لكي يقلص من دورها، لأن المحاكم الإسلامية كانت بمثابة وزارة الداخلية والعدل، وفي النهاية وبدعم أثيوبي قام الرئيس الصومالي بحلها سنة 1997، فخرجت المحاكم من العاصمة، وبحلها تصاعد العنف والفوضى والفساد من جديد، في الجنوب بدأوا سنة 1999 بتشكيل محاكم إسلامية من جديد لفرض الأمن، بعد أن حققت أهدافها، ولكن بإدارة واحدة وبرئاسة الشيخ حسن محمد عدي، وفي شمال مقديشو أسسوا محاكم إسلامية لفرض الأمن حيث كان الوضع أسوأ أمنيا، واختير الشيخ شريف أحمد حسن رئيسا لها، وبعد هزيمتهم لأمراء الحروب، وفي سنة 2005 تم تشكيل المجلس الأعلى لاتحاد المحاكم الإسلامية لتضم (11) محكمة شرعية، يتكون هذا المجلس من مجلسين أحدهما مجلس للشورى برئاسة الشيخ حسن طاهر أويس من جماعة الاتحاد الإسلامي ذات التوجه السلفي الجهادي، وهو في قائمة الإرهاب الأمريكية، ومجلس تنفيذي برئاسة الشيخ شريف أحمد حسن ذات التوجه الإخواني الصوفي من جماعة آل الشيخ(محمد معلم)، جمع هذا المجلس الإسلاميين على اختلاف توجهاتهم، فكان حسن طاهر أويس يدعو الى تحرير الأراضي الصومالية من الاحتلال الأثيوبي، بينما يدعو شريف حسن الى التهدئة وحفظ السلام مع دول الجوار، وبعد أن قوي نفوذ المحاكم الإسلامية، وأصبح لها جيش قوامه(خمسة آلاف مقاتل مدرب) أسقطوا الحكومة، وسيطروا على كل شيء سنة 2006، وقد توصلت الحكومة الانتقالية الى اتفاق مع المحاكم الإسلامية لإنهاء العنف، لكن الحكومة طلبت من أثيوبيا التدخل للقضاء عليها، فتدخلت أثيوبيا بضوء أخضر أمريكي، لتبدأ المواجهة من جديد بين المحاكم الإسلامية والقوات الحكومية والأثيبوية، والحقيقة أن إقصاء المحاكم الإسلامية من الساحة السياسية الصومالية يساوي الفوضى والاضطراب والعنف، فلا يمكن إقصاءها، في سنة 2007 عقد مؤتمر في أسمرة عاصمة أريتيريا، شارك فيه جميع المعارضين للحكومة المؤقتة والوجود الأثيوبي، وقد توسعت المحاكم الإسلامية لتضم قوميين وعلمانيين ومدنيين وشكلت تحالفا باسم تحالف إعادة تحرير الصومال، إلا أن مجموعة من القادة الشباب قاطعوا المؤتمر بحجة أن هذا التحالف ليس إسلاميا لأنه ضم إليه قادة علمانيين وقوميين، وهؤلاء الشباب الذين انشقوا كانوا أعضاء في الاتحاد الإسلامي بزعامة الشيخ حسن طاهر أويس، فشكلوا حركة المجاهدين الشباب لتصبح أخطر حركة مسلحة تقاتل الحكومات الصومالية، في سنة 2008 انشق تحالف إعادة تحرير الصومال الى قسمين، جناح جيبوتي بقيادة الشيخ شريف أحمد حسن، وجناح أسمرة بقيادة الشيخ حسن طاهر أويس، بدأ جناح الشيخ شريف أحمد بالتفاوض مع الحكومة المؤقتة وبإشراف الأمم المتحدة، وقد توصل الطرفان الى اتفاق يقضي بخروج القوات الأثيوبية وتشكيل حكومة وطنية وزيادة أعضاء البرلمان الى (275)، وهذه كانت خطة ناجحة للتمييز بين الجناح المعتدل بقيادة شريف أحمد، والجناح المتشدد لحسن طاهر أويس، وقد اتهم الأخير شريف بالعمالة والتنازل عن المباديء مجانا مقابل وعود دولية مزيفة، في سنة 2009 انتخب البرلمان الصومالي في جيبوتي الشيخ شريف أحمد حسن رئيسا للبلاد، وفي سنة 2010 حل الرئيس المحاكم الإسلامية، لكنه واجه جبهة إسلامية جديدة تم تشكيلها ضد حكومته سنة 2009 حيث أعلنت أربع جماعات إسلامية وهي (المحاكم الإسلامية جناح أسمرة، الجبهة الإسلامية، معسكر رأس كمبوني، ومعسكر الفاروق عانولي) عن تشكيل تحالف باسم الحزب الإسلامي بقيادة عمران إيمان، وفي السنة نفسها عاد طاهر حسن أويس من أسمرة ليصبح رئيسا للتحالف بعد أن تنازل له عمر إيمان، لخبرة أويس في المجال العسكري، وبدأوا بالتخطيط لإسقاط حكومة حليفهم الإسلامي السابق شريف أحمد حسن، ومواجهة قوات حفظ السلام الأفريقية (أميصوم) بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال AMISOM African Union Mission in Somalia وقد سيطروا على مواقع مهمة بالقرب من العاصمة، وأصبحت الحكومة في وضع حرج، في سنة 2010 أعلن محمد عثمان أروس المتحدث باسم تحالف الحزب الإسلامي اندماج حركة المجاهدين الشباب معه، إلا أن نهج حركة المجاهدين الشباب المتشدد والعنيف والإرهابي التكفيري دفع معسكر رأس كمبوني الى الانشقاق عن هذا التحالف وأسسوا حزبا مستقلا باسم حركة رأس كمبوني الإسلامية، لتطلق دعوة الى علماء الصومال التقليديين الى الوقوف ضد هذا النهج التكفيري الذي تسير عليه حركة المجاهدين، وقد استجاب علماء الصومال لهذه الدعوة واتهموا حركة المجاهدين الشباب بالإنحراف مما دفع بتحالف الحزب الإسلامي الى الانشقاق عن تلك الحركة سنة 2012، وأبدى زعميها طاهر حسن أويس استعداده للحوار مع الحكومة، إلا أن الحكومة اعتقلته سنة 2013، ثم أطلقت سراحه بعد مفاوضات عشائرية سنة 2014، أدرج مجلس الأمن اسمه في لائحة الإرهاب بضغط أمريكي لصلته بتنظيم القاعدة، وقد أدرك تحالف الحزب الإسلامي خطئه الجسيم عندما لجأ الى العنف بدل الحوار مع الحكومة كما فعل شريف أحمد، وأكبر من هذا الخطأ تحالفه مع حركة المجاهدين التابعة لتنظيم القاعدة.
حركة المجاهدين الشباب
في عهد نظام محمد سياد بري الذي كان يحارب الإسلاميين بقسوة ظهرت جماعات إسلامية كثيرة كرد فعل، خذا مثلا حركة الإصلاح التابعة لجماعة الإخوان المسلمين المصرية سنة 1978 إلا أنها انشقت الى قسمين، في سنة 1980 توحدت رابطة الشباب الصومالي في الجنوب وحركة الشباب الإسلامي في الشمال ليكونا الاتحاد الإسلامي، ليصبح أكثر الحركات الإسلامية انتشارا في الصومال، وهي حركة ذات توجه سلفي جهادي، وقد بدأت حركة الاتحاد الإسلامي بفتح معسكرات للتدريب لمقاتلة نظام سياد بري، وبعد سقوط نظام سياد بري قوي نفوذهم، فعندما سيطروا على مدينة (لوق) في منطقة (غدو) سنة 1992 أسسوا إمارة إسلامية، وفتحوا معسكرات للقاعدة والأفغان العرب الذين عادوا من أفغاسنتان ولم يستطعوا العودة الى بلدانهم خوفا من الأنظمة الحاكمة، ومنها انطلقت هجمات استهدفت دول الجوار وأمريكا، حيث تم تفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي عاصمة كينيا ودار السلام عاصمة تانزانيا سنة 1998، وقد قامت أثيوبيا بتدمير معسكر مدينة (لوق) سنة 1996، في سنة 1996 قام الاتحاد الإسلامي بحل نفسه، ولكن بعض الشباب واصلوا النضال، وتم تغيير اسم الحركة الى حركة الإعتصام لتركز على الجانب الدعوي التربوي الإصلاحي، لكن مجموعة من الشباب المتحمس للسلفية الجهادية رفضت هذه الفكرة واختارت النضال المسلح، فأسسوا حركة المجاهدين الشباب، في سنة 2007 اجتمع أعضاءها في مدينة براوة، وأختاروا أحمد غودوني رئيسا لها وإبراهيم الأفغاني نائبا، وآدن هاشي آرو مسؤولا عسكريا، كانت هذه الحركة العمود الفقري للمحاكم الإسلامية سنة 2005، فقد كان أمير الحركة (مختار أبو الزبير) المعروف باسم(أحمد عبدي جودان) يشغل الأمين العام للمكتب التنفيذي لاتحاد المحاكم الإسلامية سنة 2006، وبعد سيطرة المحاكم الإسلامية على مقديشو كان يقود هذه الحركة (عبد الله سودي أرال) والذي اعتقلته امريكا وأرسلته الى جزيرة غوانتانامو، وبعد دخول القوات الأثيوبية وطرد المحاكم الإسلامية من العاصمة انشقت الحركة عن المحاكم الإسلامية لتعلن الجهاد ضد الوجود الأثيوبي سنة 2007 بقيادة (أحمد عبدي جودان) فأسس ولايات إسلامية في وسط الصومال وجنوبه، وسيطر على ثلثي أحياء مقديشو سنة 2009 وحتى نهاية 2011، وبعد أن أدرجت أمريكا هذه الحركة في قائمة الإرهاب سنة 2008، زادها ذلك تطرفا وتشددا وعنفا، حيث أعلنت سنة 2009 مبايعتها لتنظيم القاعدة وأميرها أسامة بن لادن، وفي سنة 2010 أصدرت الحركة بيانا قالت فيه:" إن الجهاد في القرن الأفريقي يجب أن يكون جزءا من الجهاد الذي يخوضه مجاهدو تنظيم القاعدة على المستوى العالمي"، وبعد مقتل أسامة بن لادن، رفعت شعار(كلنا أسامة) ووعدت بالانتقام لمقتله، ثم بايعت الحركة أيمن الظواهري سنة 2011 للاستمرار على هذا النهج، وقد ركزت القاعدة على الصومال لأنه قريب من المنطقة العربية، ويمثل نقطة إنطلاق الى القرن الأفريقي، ولهذا أعلنت عن طريق بياناتها بأن حكومة شريف أحمد حسن كافرة مرتدة عميلة، وعلى مجاهدي الصومال محاربتها، فقد قال أسامة بن لادن مخاطبا أهل الصومال: النزال النزال يا أبطال الصومال) وكان الظواهري يرسل تسجيلاته الصوتية عبر قناة الجزيرة القطرية بعنوان: من كابل الى مقديشو، حتى أصبح الصومال مأوى لأعضاء القاعدة وجميع الجماعات التابعة لها في العالم، أما أمريكا بعد فشلها الميداني بدأ بتصفية قادتهم جوا، بعد تصنيفها الحركة في قائمة الإرهاب لصلتها بالقاعدة، حيث قتلت سنة 2008 آدن هاشي آرو المعروف بأبي أيوب الأنصاري، ويطلق عليه في القرن الأفريقي بزرقاوي الصومال، المتهم بتفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام سنة 1998، وكذلك متهم بقتل راهبة إيطالية سنة 2006، أرسله حسن طاهر أويس الى أفغانستان للتدريب، وبعد سقوط طالبان سنة 2001 عاد مع مقاتلين صوماليين الى مقديشو، وقد خلفه أبو منصور الأمريكي، لكنه اغتيل من قبل مختار روبو لأنه كان ينافس جودان، لقد كان مختار روبو قياديا بارزا في الحركة، لكنه تخلى عنها وسلم نفسه للحكومة ليرشح نفسه لانتخابات رئاسية في جنوب الصومال، حتى اعتقلته الحكومة بتهمة الإرهاب، وقد رصدت أمريكا مبلغ(5) مليون دولار للقبض عليه، وفي سنة 2009 قتلت أمريكا القيادي العسكري صالح النبهان، قاد هذه الحركة أحمد عبدي جودان ويعرف بمختار علي الزبير من سنة 2008 حتى قتل في غارة أمريكية سنة 2014، وقد رصدت أمريكا(7) مليون دولار للقبض عليه، ويطلق عليه ابن لادن أفريقيا، عرف الرجل بقسوته وشدته، حيث قام بتصفية كل من ينافسه في قيادة الحركة، ابتداء من أبو منصور الأمريكي، ثم تصفية أحمد جذني وإبراهيم الأفغاني، وقامت حركته بعملية انتحارية اغتالت وزير الداخلية الصومالي السابق (عمر حاشي آدن) و(30) شخصا معه، لأن الوزير كافر مرتد في عقيدتهم، وقامت أيضا بتفجير كمبالا في أوغندا سنة 2010 وقتلت (74) شخصا كانوا يشاهدون كرة القدم، ثم أصدر جودان بيانا قال فيه:" ما حصل في أوغندا ليس سوى البداية"، وقام بتفجير المركز التجاري في كينيا سنة 2013، وبعد مقتله اختارت الحركة عمر أبو عبيدة أميرا لها، وقد قامت الحركة في عهده باستهداف فندق مقديشو سنة 2015 حيث قتل وزير صومالي ونائبان صوماليان، وفي السنة نفسها اقتحمت جامعة مدينة غارسيا في كينيا، واحتجزت رهائن مسيحيين ومسلمين، حيث قتل (140) شخصا، ولا تزال الحركة مستمرة على نهجها.
لم نتطرق الى الجماعات الإسلامية الاخرى كجماعة التبليغ التي تعود الى المؤسس الأول محمد إلياس الكاندهلوي الهندي التي تأسست سنة 1876، ولا الى جماعة آل الشيخ التي تأسست سنة 1983، ولا الى حركة الإصلاح التابعة لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، ولا الى جماعة أهل السنة والجماعة الصوفية، ولا الى جماعة الهجرة والتكفير، لأن هذه الحركة سيطرت على مشهد الإسلام السياسي في الصومال.
Top