الإسلام السياسي في الصومال

أرض الصومال
لا يمكن المرور دون الحديث بإيجاز شديد عن هذه الدولة المستقلة التي لا يعترف بها أحد، حيث أعلنت استقلالها بعد حربها الطويل ضد نظام محمد سياد بري، وقد أسست حركة تحرير أرض الصومال سنة 1981، وفي سنة 1991 عقدوا مؤتمرا حول تقرير المصير، وأعلنوا جمهورية أرض الصومال Somaliland وانتخبت رئيس الحركة عبد الرحمن أحمد علي أول رئيس للجمهورية، وعاصمتها هرجيساHargeisa ، وهو أحد أقاليم الصومال الستة، وهي (بونت لاند، جوبا لاند، غلمدغ، هيران شبيلي، أرض الصومال، إقليم جنوب غرب الصومال) وتحاول الحكومة الصومالية الفيدرالية توحيدها خوفا من انفصالها، وإعطاءها الحكم الذاتي بصورة كاملة.
فكرة المحاكم الإسلامية
لا يمكن لمن يتحدث عن النظام السياسي في الصومال أن لا يكتب صفحات مهمة عن فكرة المحاكم الإسلامية، فبعد سقوط النظام الاستبدادي للرئيس محمد سياد بري سنة 1991، انتشرت الفوضى وعم الفساد والقتل والاغتيالات والسرقة والنهب والاختطاف، مما دفع بعلماء الصومال الى البحث عن حل لفرض الأمن، وقد طرحوا فكرة المحاكم الإسلامية، وكانت فكرة رائعة جدا للأثرياء ورؤوساء العشائر والقبائل، فصاحب الفكرة هو الشيخ محمد معلم أبو الإسلام السياسي الصومالي، المتأثر بالإخوان المسلمين، فأسس أول محكمة إسلامية عرفت باسم (هرسيد) يعني (الطليعة) في جنوب مقديشو سنة 1991، لكن الجنرال عيديد أحبط هذه المحاولة لأنه رأها منافسة لها في النفوذ، في سنة 1994 تم تأسيس محكمة إسلامية في شمال مقديشو برئاسة الشيخ علي محمود طيري، وفي سنة 1997 ظهرت المحاكم الإسلامية في قلب العاصمة، وهذا ما أقلق أثيوبيا، ودفع ذلك الرئيس الصومالي علي مهدي محمد لكي يقلص من دورها، لأن المحاكم الإسلامية كانت بمثابة وزارة الداخلية والعدل، وفي النهاية وبدعم أثيوبي قام الرئيس الصومالي بحلها سنة 1997، فخرجت المحاكم من العاصمة، وبحلها تصاعد العنف والفوضى والفساد من جديد، في الجنوب بدأوا سنة 1999 بتشكيل محاكم إسلامية من جديد لفرض الأمن، بعد أن حققت أهدافها، ولكن بإدارة واحدة وبرئاسة الشيخ حسن محمد عدي، وفي شمال مقديشو أسسوا محاكم إسلامية لفرض الأمن حيث كان الوضع أسوأ أمنيا، واختير الشيخ شريف أحمد حسن رئيسا لها، وبعد هزيمتهم لأمراء الحروب، وفي سنة 2005 تم تشكيل المجلس الأعلى لاتحاد المحاكم الإسلامية لتضم (11) محكمة شرعية، يتكون هذا المجلس من مجلسين أحدهما مجلس للشورى برئاسة الشيخ حسن طاهر أويس من جماعة الاتحاد الإسلامي ذات التوجه السلفي الجهادي، وهو في قائمة الإرهاب الأمريكية، ومجلس تنفيذي برئاسة الشيخ شريف أحمد حسن ذات التوجه الإخواني الصوفي من جماعة آل الشيخ(محمد معلم)، جمع هذا المجلس الإسلاميين على اختلاف توجهاتهم، فكان حسن طاهر أويس يدعو الى تحرير الأراضي الصومالية من الاحتلال الأثيوبي، بينما يدعو شريف حسن الى التهدئة وحفظ السلام مع دول الجوار، وبعد أن قوي نفوذ المحاكم الإسلامية، وأصبح لها جيش قوامه(خمسة آلاف مقاتل مدرب) أسقطوا الحكومة، وسيطروا على كل شيء سنة 2006، وقد توصلت الحكومة الانتقالية الى اتفاق مع المحاكم الإسلامية لإنهاء العنف، لكن الحكومة طلبت من أثيوبيا التدخل للقضاء عليها، فتدخلت أثيوبيا بضوء أخضر أمريكي، لتبدأ المواجهة من جديد بين المحاكم الإسلامية والقوات الحكومية والأثيبوية، والحقيقة أن إقصاء المحاكم الإسلامية من الساحة السياسية الصومالية يساوي الفوضى والاضطراب والعنف، فلا يمكن إقصاءها، في سنة 2007 عقد مؤتمر في أسمرة عاصمة أريتيريا، شارك فيه جميع المعارضين للحكومة المؤقتة والوجود الأثيوبي، وقد توسعت المحاكم الإسلامية لتضم قوميين وعلمانيين ومدنيين وشكلت تحالفا باسم تحالف إعادة تحرير الصومال، إلا أن مجموعة من القادة الشباب قاطعوا المؤتمر بحجة أن هذا التحالف ليس إسلاميا لأنه ضم إليه قادة علمانيين وقوميين، وهؤلاء الشباب الذين انشقوا كانوا أعضاء في الاتحاد الإسلامي بزعامة الشيخ حسن طاهر أويس، فشكلوا حركة المجاهدين الشباب لتصبح أخطر حركة مسلحة تقاتل الحكومات الصومالية، في سنة 2008 انشق تحالف إعادة تحرير الصومال الى قسمين، جناح جيبوتي بقيادة الشيخ شريف أحمد حسن، وجناح أسمرة بقيادة الشيخ حسن طاهر أويس، بدأ جناح الشيخ شريف أحمد بالتفاوض مع الحكومة المؤقتة وبإشراف الأمم المتحدة، وقد توصل الطرفان الى اتفاق يقضي بخروج القوات الأثيوبية وتشكيل حكومة وطنية وزيادة أعضاء البرلمان الى (275)، وهذه كانت خطة ناجحة للتمييز بين الجناح المعتدل بقيادة شريف أحمد، والجناح المتشدد لحسن طاهر أويس، وقد اتهم الأخير شريف بالعمالة والتنازل عن المباديء مجانا مقابل وعود دولية مزيفة، في سنة 2009 انتخب البرلمان الصومالي في جيبوتي الشيخ شريف أحمد حسن رئيسا للبلاد، وفي سنة 2010 حل الرئيس المحاكم الإسلامية، لكنه واجه جبهة إسلامية جديدة تم تشكيلها ضد حكومته سنة 2009 حيث أعلنت أربع جماعات إسلامية وهي (المحاكم الإسلامية جناح أسمرة، الجبهة الإسلامية، معسكر رأس كمبوني، ومعسكر الفاروق عانولي) عن تشكيل تحالف باسم الحزب الإسلامي بقيادة عمران إيمان، وفي السنة نفسها عاد طاهر حسن أويس من أسمرة ليصبح رئيسا للتحالف بعد أن تنازل له عمر إيمان، لخبرة أويس في المجال العسكري، وبدأوا بالتخطيط لإسقاط حكومة حليفهم الإسلامي السابق شريف أحمد حسن، ومواجهة قوات حفظ السلام الأفريقية (أميصوم) بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال AMISOM African Union Mission in Somalia وقد سيطروا على مواقع مهمة بالقرب من العاصمة، وأصبحت الحكومة في وضع حرج، في سنة 2010 أعلن محمد عثمان أروس المتحدث باسم تحالف الحزب الإسلامي اندماج حركة المجاهدين الشباب معه، إلا أن نهج حركة المجاهدين الشباب المتشدد والعنيف والإرهابي التكفيري دفع معسكر رأس كمبوني الى الانشقاق عن هذا التحالف وأسسوا حزبا مستقلا باسم حركة رأس كمبوني الإسلامية، لتطلق دعوة الى علماء الصومال التقليديين الى الوقوف ضد هذا النهج التكفيري الذي تسير عليه حركة المجاهدين، وقد استجاب علماء الصومال لهذه الدعوة واتهموا حركة المجاهدين الشباب بالإنحراف مما دفع بتحالف الحزب الإسلامي الى الانشقاق عن تلك الحركة سنة 2012، وأبدى زعميها طاهر حسن أويس استعداده للحوار مع الحكومة، إلا أن الحكومة اعتقلته سنة 2013، ثم أطلقت سراحه بعد مفاوضات عشائرية سنة 2014، أدرج مجلس الأمن اسمه في لائحة الإرهاب بضغط أمريكي لصلته بتنظيم القاعدة، وقد أدرك تحالف الحزب الإسلامي خطئه الجسيم عندما لجأ الى العنف بدل الحوار مع الحكومة كما فعل شريف أحمد، وأكبر من هذا الخطأ تحالفه مع حركة المجاهدين التابعة لتنظيم القاعدة.
حركة المجاهدين الشباب
في عهد نظام محمد سياد بري الذي كان يحارب الإسلاميين بقسوة ظهرت جماعات إسلامية كثيرة كرد فعل، خذا مثلا حركة الإصلاح التابعة لجماعة الإخوان المسلمين المصرية سنة 1978 إلا أنها انشقت الى قسمين، في سنة 1980 توحدت رابطة الشباب الصومالي في الجنوب وحركة الشباب الإسلامي في الشمال ليكونا الاتحاد الإسلامي، ليصبح أكثر الحركات الإسلامية انتشارا في الصومال، وهي حركة ذات توجه سلفي جهادي، وقد بدأت حركة الاتحاد الإسلامي بفتح معسكرات للتدريب لمقاتلة نظام سياد بري، وبعد سقوط نظام سياد بري قوي نفوذهم، فعندما سيطروا على مدينة (لوق) في منطقة (غدو) سنة 1992 أسسوا إمارة إسلامية، وفتحوا معسكرات للقاعدة والأفغان العرب الذين عادوا من أفغاسنتان ولم يستطعوا العودة الى بلدانهم خوفا من الأنظمة الحاكمة، ومنها انطلقت هجمات استهدفت دول الجوار وأمريكا، حيث تم تفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي عاصمة كينيا ودار السلام عاصمة تانزانيا سنة 1998، وقد قامت أثيوبيا بتدمير معسكر مدينة (لوق) سنة 1996، في سنة 1996 قام الاتحاد الإسلامي بحل نفسه، ولكن بعض الشباب واصلوا النضال، وتم تغيير اسم الحركة الى حركة الإعتصام لتركز على الجانب الدعوي التربوي الإصلاحي، لكن مجموعة من الشباب المتحمس للسلفية الجهادية رفضت هذه الفكرة واختارت النضال المسلح، فأسسوا حركة المجاهدين الشباب، في سنة 2007 اجتمع أعضاءها في مدينة براوة، وأختاروا أحمد غودوني رئيسا لها وإبراهيم الأفغاني نائبا، وآدن هاشي آرو مسؤولا عسكريا، كانت هذه الحركة العمود الفقري للمحاكم الإسلامية سنة 2005، فقد كان أمير الحركة (مختار أبو الزبير) المعروف باسم(أحمد عبدي جودان) يشغل الأمين العام للمكتب التنفيذي لاتحاد المحاكم الإسلامية سنة 2006، وبعد سيطرة المحاكم الإسلامية على مقديشو كان يقود هذه الحركة (عبد الله سودي أرال) والذي اعتقلته امريكا وأرسلته الى جزيرة غوانتانامو، وبعد دخول القوات الأثيوبية وطرد المحاكم الإسلامية من العاصمة انشقت الحركة عن المحاكم الإسلامية لتعلن الجهاد ضد الوجود الأثيوبي سنة 2007 بقيادة (أحمد عبدي جودان) فأسس ولايات إسلامية في وسط الصومال وجنوبه، وسيطر على ثلثي أحياء مقديشو سنة 2009 وحتى نهاية 2011، وبعد أن أدرجت أمريكا هذه الحركة في قائمة الإرهاب سنة 2008، زادها ذلك تطرفا وتشددا وعنفا، حيث أعلنت سنة 2009 مبايعتها لتنظيم القاعدة وأميرها أسامة بن لادن، وفي سنة 2010 أصدرت الحركة بيانا قالت فيه:" إن الجهاد في القرن الأفريقي يجب أن يكون جزءا من الجهاد الذي يخوضه مجاهدو تنظيم القاعدة على المستوى العالمي"، وبعد مقتل أسامة بن لادن، رفعت شعار(كلنا أسامة) ووعدت بالانتقام لمقتله، ثم بايعت الحركة أيمن الظواهري سنة 2011 للاستمرار على هذا النهج، وقد ركزت القاعدة على الصومال لأنه قريب من المنطقة العربية، ويمثل نقطة إنطلاق الى القرن الأفريقي، ولهذا أعلنت عن طريق بياناتها بأن حكومة شريف أحمد حسن كافرة مرتدة عميلة، وعلى مجاهدي الصومال محاربتها، فقد قال أسامة بن لادن مخاطبا أهل الصومال: النزال النزال يا أبطال الصومال) وكان الظواهري يرسل تسجيلاته الصوتية عبر قناة الجزيرة القطرية بعنوان: من كابل الى مقديشو، حتى أصبح الصومال مأوى لأعضاء القاعدة وجميع الجماعات التابعة لها في العالم، أما أمريكا بعد فشلها الميداني بدأ بتصفية قادتهم جوا، بعد تصنيفها الحركة في قائمة الإرهاب لصلتها بالقاعدة، حيث قتلت سنة 2008 آدن هاشي آرو المعروف بأبي أيوب الأنصاري، ويطلق عليه في القرن الأفريقي بزرقاوي الصومال، المتهم بتفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام سنة 1998، وكذلك متهم بقتل راهبة إيطالية سنة 2006، أرسله حسن طاهر أويس الى أفغانستان للتدريب، وبعد سقوط طالبان سنة 2001 عاد مع مقاتلين صوماليين الى مقديشو، وقد خلفه أبو منصور الأمريكي، لكنه اغتيل من قبل مختار روبو لأنه كان ينافس جودان، لقد كان مختار روبو قياديا بارزا في الحركة، لكنه تخلى عنها وسلم نفسه للحكومة ليرشح نفسه لانتخابات رئاسية في جنوب الصومال، حتى اعتقلته الحكومة بتهمة الإرهاب، وقد رصدت أمريكا مبلغ(5) مليون دولار للقبض عليه، وفي سنة 2009 قتلت أمريكا القيادي العسكري صالح النبهان، قاد هذه الحركة أحمد عبدي جودان ويعرف بمختار علي الزبير من سنة 2008 حتى قتل في غارة أمريكية سنة 2014، وقد رصدت أمريكا(7) مليون دولار للقبض عليه، ويطلق عليه ابن لادن أفريقيا، عرف الرجل بقسوته وشدته، حيث قام بتصفية كل من ينافسه في قيادة الحركة، ابتداء من أبو منصور الأمريكي، ثم تصفية أحمد جذني وإبراهيم الأفغاني، وقامت حركته بعملية انتحارية اغتالت وزير الداخلية الصومالي السابق (عمر حاشي آدن) و(30) شخصا معه، لأن الوزير كافر مرتد في عقيدتهم، وقامت أيضا بتفجير كمبالا في أوغندا سنة 2010 وقتلت (74) شخصا كانوا يشاهدون كرة القدم، ثم أصدر جودان بيانا قال فيه:" ما حصل في أوغندا ليس سوى البداية"، وقام بتفجير المركز التجاري في كينيا سنة 2013، وبعد مقتله اختارت الحركة عمر أبو عبيدة أميرا لها، وقد قامت الحركة في عهده باستهداف فندق مقديشو سنة 2015 حيث قتل وزير صومالي ونائبان صوماليان، وفي السنة نفسها اقتحمت جامعة مدينة غارسيا في كينيا، واحتجزت رهائن مسيحيين ومسلمين، حيث قتل (140) شخصا، ولا تزال الحركة مستمرة على نهجها.
لم نتطرق الى الجماعات الإسلامية الاخرى كجماعة التبليغ التي تعود الى المؤسس الأول محمد إلياس الكاندهلوي الهندي التي تأسست سنة 1876، ولا الى جماعة آل الشيخ التي تأسست سنة 1983، ولا الى حركة الإصلاح التابعة لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، ولا الى جماعة أهل السنة والجماعة الصوفية، ولا الى جماعة الهجرة والتكفير، لأن هذه الحركة سيطرت على مشهد الإسلام السياسي في الصومال.