• Friday, 29 March 2024
logo

الإسلام السياسي في سريلانكا

الإسلام السياسي في سريلانكا
تقع سريلانكا Sri Lanka في جنوب آسيا، عاصمتها كولومبو Colombo عرفها التجار المسلمون بجزيرة سرنديب، حيث دخل الإسلام تلك الجزيرة عن طريقهم، وعن طريق التاميل الهنود، والملايو من أندنوسيا في بدايات القرن السابع الميلادي، أما أهلها فيطلقون عليها سيلان، وتعرف بلؤلوة المحيط الهندي، حيث تعود هذه الجزيرة الى 3000 آلاف سنة قبل الميلاد، ويعتقد أهلها أن آدم طرد من الجنة واستقر فيها، وعرفت بجزيرة الياقوت لوفرة الأحجار الكريمة في أرضها، وهي جزيرة الشاي، حيث نجد أرقى أنواعه فيها، وكذلك جزيرة التوابل والأرز وأشجار المطاط، وقد زارها الرحالة ابن بطوطة سنة 1344، فرأى مدينة كولومبو وبوتالام وميناء مندل، وشاهد مسجدا في بلدة كنكار ونسبه الى الشيخ عثمان الشيرازي، في سنة 1505 احتلها البرتغاليون، وبدأوا بنشر المسيحية الكاثوليكية، ثم احتلها الهولنديون سنة 1655، وفي النهاية احتلها البريطانيون سنة 1706، هزم البريطانيون الملك كاندي ونالوا السيطرة الرسمية للجزيرة سنة 1815، وأسسوا مستعمرة تاج سيلان Ceylon Crown Colony، وفي سنة 1931 أعطت بريطانيا حكما ذاتيا لجزيرة سيلان ضمن حكم الكومنولث Commonwealth 0f Nations- رابطة الكومنولث تضم 53 دولة كانت سابقا مستعمرات بريطانية- بقيت بريطانيا محتلة لها لمدة أربعة قرون، أي حتى يوم استقلالها سنة 1948، وعرفت بمملكة سيلان Kingdom of Ceylonكدولة مستقلة، في سنة 1952 أصبح (سولومون باندرانايكا) Solomon Bandaranaike رئيسا للوزراء لكنه اغتيل سنة 1959، لتصبح زوجته أول سيدة تتبوأ منصب رئاسة الوزراء في تاريخ البلاد وهي(سيريمافو باندرانايكا) Bandaranaike Sirimavo ، وقد تقلدت المنصب لثلاث مرات، سنة 1960-1965، ثم سنة 1970-1975- وأخيرا 1994-2000، في سنة 1972 تم تغيير اسم مملكة سيلان الى سريلانكا نسبة الى الحزب الحاكم، ومعني الكلمة البلد الجميل، وهو كذلك حيث نجد سريلانكا مغطاة بثوب أخضر من جمال الطبيعة الخلاب، وفي سنة 1978 أصبح نظام الحكم رئاسيا ليصبح اسم الدولة جمهورية سريلانكا الديمقراطية الاشتراكية Democratic Socialist republic of Sri Lanka ، سريلانكا دولة متعددة الأعراق والأديان، فالأغلبية من القومية السنهالية وهم البوذيون يشلكون نسة %70، وأهم مذهب لهم هو تيرفادا Theravadaويعني عقيدة الشيوخ وينتشر هذا المذهب في كمبودياCambodia ولاوس Laos وميانمار Myanmar وتايلاند Thailand الى جانب مذهب ماهايانا Mahayana يليهم التاميل الهندوس وهم يشكلون %13، ثم المسلمون يشكلون %10، والبقية مسيحيون من المذهب الكاثوليكي الذي جاء به الاستعمار البرتغالي عندما احتلها مع وجود أقلية بروتستانتية، يعيش المسلمون في شرق ووسط سريلانكا وخاصة في مدينة كاندي Kandy، وينقسم المسلمون الى قوميات، فمنهم مسلمون مور Moor وهم الأغلبية وهي تسمية استعملها البرتغاليون عندما احتلوا هذه الجزيرة، ثم مسلمون ملايو وهم أندنوسيون جاءت بهم بريطانيا ويمثلون أقلية، والصنف الثالث والأخير هم هنود مسلمون وهم تجار الهند، بعد الاستقلال بدأ الصراع بين السنهال البوذيين والتاميل الهندوس، حيث أعلن نمور تحرير إيلام تاميل Liberation Tigers of Tamil Eelam الحرب ضد الحكومة التي يرأسها السنهاليون من أجل استقلال إقليم إيلام Eelam في شمال شرق البلاد حيث الأغلبية التاميلية، تم تصنيف حركة نمور التاميل من قبل (32) دولة في قائمة الحركات الإرهابية وفي مقدمة تلك الدول أمريكا والهند، وقد بدأت الحرب الأهلية سنة 1983 وانتهت سنة 2009، أي دامت الحرب بينهما (26) سنة، حيث قتل (100) ألف شخص، وقد فشلت محاولات إنهاء الحرب، ففي سنة 2002 عقد اتفاق للسلام في تايلاند برعاية نرويجية ولكن الحكومة قضت على قادة التاميل، واغتيل رئيس وزراء الهندي راجيف غاندي Rajiv Gandhi بقنبلة انتحارية لمتطوعة تاميلية تدعى (لثينموزي راجاراتنام) سنة 1991 عندما أرسل قوات حفظ السلام الى سريلانكا، حيث رأى التاميل أن ذلك إعلان حرب ضدهم، واستمرت الحرب بين الطرفين حتى قضت الحكومة على الحركة نهائيا في سنة 2009 في عهد الرئيس ماهندا راجاباكسا Mahinda Rajapaksa، أثناء هذه الحرب الطويلة كان المسلمون ضحيتها، حيث كان التاميل ينظرون إليهم أنهم عيون الحكومة، وقد تعرضوا مرات عديدة لاضطهاد الهندوس، ففي سنة 1990 حدثت مأساة بحقهم من قبل الهندوس، ثم في سنة 2006 تم تشريد(7) آلاف مسلم من مناطقهم، وبانتهاء الحرب توقفت المعاناة، والحقيقة أن المسلمين في سريلانكا راضون عن البوذيين، وقد قال الشيخ رشيد حج أكبر – وهو أحمد علماء سريلانكا المسلمين وأمير الجماعة الإسلامية:" البوذيون معتدلون جدا، وعندهم من التسامح ما ليس عند الهندوس، البوذيون طبيعتهم هادئة، إذ من الممكن التعامل معهم بسهولة عدا حزب واحد متشدد يثير الفتن والكراهية": وهو بكل تأكيد يشير الى حركة القوى البوذية (بودو بالا سينا) Bodu Bala Sena أسسها غالاغودا غناناسارا Galagoda Aththe Gnanasara سنة 2012، وهي حركة متطرفة تنتمي الى مذهب تيرفادا الموجود في ميانمار والذي يعاني من تعصبهم الروهينغا، وقد تحدثنا عن ذلك في مقال لي سبق نشره، والحقيقة أن الحكومة السريلانكية تعامل المسلمين معاملة عادلة وخاصة أن المسلمين لا يفكرون في الانفصال كما هو ديدن التاميل، بل يريدون حرية وعدالة ومواطنة، وقد حققوا ذلك، فلهم مشاركة سياسية ولهم نواب ووزراء ونفوذ في الدولة، حيث ثمة ثلاثة أحزاب سياسية مستقلة باسم المسلمين، ولهم مدارس ومعاهد وجامعات ومساجد وجوامع وهيئات وجمعيات وصحف ومجلات وجرائد وأحزاب ومحاكم شرعية خاصة بهم، وبرامج دينية على الإذاعة والتلفزيون الرسمي للدولة، وعطل رسمية كل ذلك بموافقة الحكومة وإشرافها، فالمسلمون يشكلون نسيجا وطنيا متكاملا في المجتمع السريلانكي، وللمسلمين تاريخ عريق في هذا البلد، ما بين سنة 1881 الى سنة 1901 بدأ المسلمون يرون ضرورة تأسيس المعاهد والجامعات شريطة جمعها بين العلوم المختلفة، بمعنى ليس التركيز على العلوم الدينية فقط، بل لا بد من دراسة العلوم الأخرى لخدمة البلد والشعب، ومن رواد هذه الفكرة (الشيخ محمد قاسم سدّي لبيّ) حيث أصدر صحيفة (صديق المسلم) باللغة التاميلية، لأن أغلبية المسلمين في سيلان(سريلانكا الآن) يتكلمونها، وعندما نفت بريطانيا الزعيم المصري أحمد عرابي قائد الثورة المصرية ضد الاحتلال البريطاني من مصر الى سيلان بقي هناك من سنة 1884 وحتى 1901، تعاون أحمد عرابي مع الشيخ قاسم في تأسيس المدرسة الزاهرة سنة 1892، والتي تعد أول المعاهد التعليم الإسلامية في سيلان، ولعل اسم المعهد مقتبس من جامعة الأزهر الشريف في القاهرة، وفي سنة 1973 تم تأسيس الجامعة النظيمية الإسلامية في مدينة بيرويلا في جنوب العاصمة، واسم الجامعة نسبة الى الحاج محمد نظيم اسماعيل السريلانكي حيث كان ذلك حلما حققه لشعبه، وفي سنة 1987 تم تأسيس اتحاد المسلمين في سريلانكا إلا أن بعض الجماعات المتطرفة تغلغلت في صفوفه وأثارت الفتن والمشاكل مما دفع المعتدلين منهم الى حله، وتأسيس اتحاد آخر باسم اتحاد مسلمي كونسلي اوف سريلانكا، ليضم أكثر من (60) جمعية في البلاد، وقد حاول الإخوان المسلمون تأسيس قاعدة لهم كما هو دأبهم في جميع أنحاء العالم، لكنهم فشلوا لأن مسلمي سريلانكا يرفضون أي فكرة وعقيدة وأيدولوجية تهدد التعايش السلمي في بلدهم مع البوذيين والهندوس والمسيحيين، فهذا الشيخ منصور أبو صالح مؤسس كلية القرآن الكريم في سريلانكا تأثر بأفكار حسن البنا وسيد قطب والغزالي والقرضاوي وعمل مع الجماعة الإسلامية لخمس سنوات، ثم أسس فرع حركة الإخوان المسلمين وعمل في هذه الحركة لخمس عشرة سنة، ثم استقال لما رأى أن العمل الدعوي خلال نظام الحركة ليس مناسبا للأقلية المسلمة، وفي سنة 1981 تأسس حزب إسلامي باسم المؤتمر الإسلامي السريلانكي في مدينة كولومبو، ومن الجماعات الموجودة جمعية أنصار السنة، وجماعة التبليغ، وجمعية الشباب المسلمين، وجمعية ندوة البخاري، والجماعة الإسلامية وجمعية الأمين، وفي سنة 1981 عقد مسلمو سريلانكا باسم تلك الهيئات والجمعيات المؤتمر العالمي الإسلامي لبحث مشكلات المسلمين، ومنها مشكلة تطبيق الشريعة الإسلامية، وقد شاركت وفود عديدة من العالم الإسلامي، ولكن أكثر هذه الجماعات والهيئات والجمعيات لا تخرج عن قوانين الدولة، فهي وطنية بامتياز، ولا تسمح بنشر أي فكر يهدد السلم المجتمعي في البلاد، فهي مؤسسات تربوية تعليمية فكرية دعوية، وليست تنظيمية سياسية كما هو الحال في بعض البلدان المسلمة، ولهذا لا ترى الحكومة أي ضير في وجودها وانتشارها، بل هي تشجعها لأنها تخدم التعايش السلمي، بالرغم مما تعرضوه من اعتداءات وهجمات من قبل التاميل والبوذيين لكنهم تحملوا ذلك خوفا من الفتنة، ففي سنة 2006 ألقى مجهولون قنابل على مسجد في مدينة أكاراباتو حيث قتلوا أربعة مصلين، وفي سنة 2013 شن بوذيون متطرفون من حركة BBS هجوما على مسجد تم غلقه خوفا منهم، وبعد هذه الحادثة وفي السنة نفسها حملت (المنظمة الألمانية للدفاع عن الشعوب المهددة) حركة BBS مسؤولية التحريض ضد المسلمين لإنهاء وجودهم في البلاد، وفي سنة 2014 استهدف بوذيون منطقتين للمسلمين وقتلوا أربعة مسلمين، ودمروا المنازل والمحلات، وفي سنة 2017 تم تنفيذ عشرين هجوما على المسلمين في منطقة جينتوتا جنوب العاصمة، وقد أعلنت الحكومة حالة الطواريء في منطقة كاندي لإنهاء العنف، ويعتقد هؤلاء البوذيون المتطرفون أن وجود المسلمين تهديد للبوذية لأنهم غزاة، وخاصة سيطرة المسلمين على التجارة في البلد، ففي سنة 2018 أعلنت الحكومة أنها ألقت القبض على بوذيين من جماعة BBS نشرت تسجيلات مصورة تحرض على كراهية المسلمين، ولكن المسلمين يدركون أن هذه المواقف المتطرفة لا تمثل البوذية كدين، بل هي مواقف مجموعة متطرفة بوذية، ولهذا لما طالبوا بإزالة كلمة (حلال) على الأطعمة استجاب المسلمون لذلك درءا للفتنة وحفظا للوئام الديني، لأنهم يعتقدون أن ذلك إهانة لهم، ففي سنة 2018 خرجت مظاهرات قام بها رهبان بوذيون معتدلون في العاصمة وهم ينددون بأعمال العنف ضد المسلمين، وقالت جبهة بيكو القومية إنها دعت الى المظاهرات خوفا من الاشتباكات الطائفية التي تدمر وحدة البلد، ثم قام طائفة من الرهبان بزيارة مساجد المسلمين في يوم الجمعة تضامنا مع معاناتاهم، ولا يتصورن أحد أن هذا الاضطهاد ضد المسلمين فقط، ففي سنة 2018 تعرض المسيحيون الكاثوليك لاضطهاد ممنهج من قبل متطرفي البوذية، وعليه أقول إن التعايش السلمي بين الأديان في أفضل حالاته، وهي تجربة ناجحة مع وجود حالات نادرة مقلقة بين الفينة والأخرى، وهي حالات يرفضها أغلبية أتباع الديانات الثاوية في سريلانكا، ولا يخفى أن في كل دين متطرفين ومعتدلين، فالمتطرفون لا يمثلون الدين بل يمثلون أنفسهم وفهمهم السقيم للدين، الذين يمثلون الدين الصحيح هم المعتدلون الذين يشعرون بالمسؤولية الأخلاقية تجاه الوطن والشعب والإنسانية، فما قام به بعض متطرفي التاميل من الهندوس والبوذيين تم رفضه من قبل أغلبية الشعب السريلانكي، ولا يعني أنه لم يكن ثمة أي رد فعل من متطرفي المسلمين، ففي سنة 2013 نشر عبدول رزاق وهو أحد قيادي الإسلام السياسي في سريلانكا تسجيلات مصورة يهين البوذا ويجرح مشاعر البوذيين، وقد اعتذروا بعد ذلك مما صدر منهم بعد برفع دعوى ضد عبدول رزاق وجماعته سنة 2017 ، وقد شارك عبدول رزاق وجماعته في مظاهرة ضد قانون الزواج الحكومي الذي رفع العمر الى أكثر من 12 سنة للفتاة، وقد قامت الحكومة باعتقاله بعد تهديدات زعيم الحركة البوذية BBS حيث خير الحكومة بين اعتقاله أو وقوع حمام دم، وقد قامت جمعيات إسلامية بالتدخل في شؤون المحكمة من أجل معاقبة عبدول رزاق بأقصى العقوبات حرصا على التعايش السلمي في البلد، وفي سنة 2016 تم تدمير أربعة تماثيل تاريخية للبوذية من قبل متطرفي المسلمين واتهم عبدول رازق بذلك واعتقل، لكن الحكومة السريلانكية لا تريد مواجهة المسلمين، فقد أخذت دروسا قاسية في حربها الطويلة مع نمور التاميل التي استغرقت (26) عاما، ثم إن المسلمين ليسوا انفصاليين، وهم مواطنون صالحون يعتزون بوطنهم وتاريخهم، بل لقد أسهموا في بناء البلد وإثراءه وتطويره وتنميته في كثير من مجالات الحياة العامة، ولكن يبقى أفراد من المؤمنين بأيدولوجية الإسلام السياسي ليقوموا بنشر أفكارهم وتطبيقها في مجتمع متعدد الأعراق والأديان، فيحالون نقل تجارب الإسلام السياسي في بلدان أخرى الى بلدهم، مع اختلاف الأحوال والظروف، ففي سنة 2001 خرج أتباع الإسلام السياسي في العاصمة كولومبو ضد تعيين أول سفير إسرائيلي في سريلانكا، ودعت الى مقاطعة إسرائيل، والحقيقة أن هذا مجرد تقليد وترديد لما يحصل في بلدان مسلمة أخرى، وإلا ما شأنكم بدولة بوذية أنتهم فيها أقلية، وهل الأقلية تحدد سياسية الدولة أم المباديء الديمقراطية لتلك الدولة ومصالحها العامة، لكن بكل تأكيد هذه مخططات الإسلام السياسي في جميع العالم.
تفجيرات سريلانكا الدموية
منذ انتهاء الحرب بين الحكومة السريلانكية وحركة نمور التاميل سنة 2009 تعد هذه التفجيرات الأعنف في تاريخ البلاد، وقد استهدفت المسيحيين في بلد يشكلون فيه أقلية صغيرة مقارنة بالبوذيين والهندوس والمسلمين، ويبدو أنها انتقام لما حدث في نيوزلندا عندما قام برينتون تارنت المتطرف المسيحي الاسترالي بقتل خمسين مصليا في أحد مساجد نيوزلندا، وهذا ما صرحت به وزارة الدفاع السريلانكية باسم وزيرها روان ويجواردين Ruwan Wijewardene وهو يشغل وزير الإعلام أيضا، ولو ركزنا على الأماكن المستهدفة لرأينا أن المسيحيين وأمكان عبادتهم وتواجدهم كانت مستهدفة، وهي كالآتي:
1) كنيسة القديس سباستيان في مدينة نيجومبو.
2) كنيسة القديس أنتوني في مدينة كوتشيكادي.
3) فندق سينامون غراند في العاصمة.
4) فندق شانغري في العاصمة.
5) فندق كينغسبيري في العاصمة.
6) حديقة حيوان دهيوالا جبل لا فينيا.
7) منزل في حدائق ماهاويلا في مدينة ديماتاجودا.
حيث كان الأجانب يقيمون في هذه الفنادق والأماكن التي ذكرتها، وقد قتل في هذه العملية الإرهابية أكثر من (330) شخص بينهم (45) طفلا وأكثر من (500) جريح، كان يوما داميا في حياة السريلانكيين، وقد كان الضحايا من جنسيات مختلفة فالبلد قبلة السواح، وقد خسر الملياردير الدانماركي أندريس هولك Andres Holch Povlesn صاحب موقع Asos البريطاني، ثلاثة من أولاده حيث أرسلهم الى سريلانكا لقضاء عطلة الفصيح هناك، ومن بينهم 8 بريطاني و10 هندي وتركي واسترالي وياباني وبرتغالي وأمريكيون، وقد قامت السلطات باعتقال أكثر من (6) شخصا، وعدد المفجرين تسعة ومن بينهم امرأة، وتم تحديد هوياتهم وأنهم سريلانكيون، لا ريب أن الإستخبارات الهندية أبلغت السلطات السريلانكية بوقوع هجوم وشيك، ولكن يبدو أن خلافات سياسية بين الرئيس السريلانكي مايثريبالا سيريسينا Maithripala Sirisena
ورئيس الوزراء رانيل ويكريميسنغي Ranil Wickeremesinghe أدت الى وقوع هذه الكارثة، فقد سبق أن أقال الرئيس السريلانكي رئيس الوزراء سنة 2018 ثم أعاده، وقد ذكر وزير الصحة راجيثا سيناراتني Rajtha Senaratne وهو الناطق باسم الحكومة أن رئيس الوزراء لم يطلع على التقارير الإستخباراتية بخصوص الهجمات، وأنها كانت بيد رئيس الجمهورية، وقد صرح رئيس برلمان سريلانكا كارو جاياسوريا Karu Jayasuriya بأن رئيس الجمهورية ترأس اجتماع مجلس الأمن السريلانكي في (7) من نيسان، ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد الى تلك المعلومات التي جاءته من الإستخبارات السريلانكية في (4) نيسان، ولعل رئيس الجمهورية أراد بذلك الإطاحة بخصمه رئيس الوزراء، وذكر قائد شرطة سريلانكا أنه كانت بيده وثيقة في (11) من نيسان الجاري أن جماعة التوحيد تخطط لهجوم انتحاري وفق معلومات استخبارتية أجنبية، وقد أعلنت الحكومة أن هذه الهجمات صناعة محلية قامت بها جماعة التوحيد الوطنية السريلانكية NTJ، ولكن بدعم خارجي لأن ذلك فوق قدرتها، والحقيقة أن المعلومات عن هذه الجماعة شحيحة، ولكنها جمعت بين فئام من الشباب المتطرف السريلانكي في حركة إسلامية على نهج داعش، فهي جماعة حديثة تأسست سنة 2014، انشقت عن جماعة التوحيد السريلانكية SLT بزعامة عبدول رزاق الذي سبق أن تحدثنا عنه، فعبدول رزاق سبق أن بين موقفه من داعش عندما قال:" داعش لا علاقة له بالإسلام، وعلى الحكومة أن لا تتردد في حظر هذا التنظيم في البلاد، ونحن مستعدون للمساعدة إذا رغبت في ذلك، وقد نشرت جماعته بيانا في موقعها يندد بهذه الهجمات الانتحارية وعبرت عن تعاطفها العميق مع من فقدوا حياتهم، وقد جاء في بيانها:" تفكيرنا وصلواتنا من أجل العائلات التي فقدت أحبائها في هذه التراجيديا، وطالبت الحكومة بتقديم مرتكبي هذه الجريمة الشنيعة الى العدالة، ووعدت بالتبرع بالدم للجرحى، ثم بينت أنها جماعة خيرية دعوية لمساعدة الإنسانية"، وكذلك أصدر المجلس الإسلامي في سريلانكا بيانا يدين فيه هذه الأعمال الإرهابية التي تهدف الى خلق انقسامات بين الجماعات الدينية والعرقية لتحقيق أجندتها، وقد ذكر نائب رئيس المجلس الإسلامي أحمد حلمي:" أنه حذر السلطات من جماعة التوحيد الوطنية قبل ثلاث سنوات، وأضاف أن هذه الجماعة تدعو أنصارها الى استهداف غير المسلمين باسم الدين"، وكذلك أصدر مجلس علماء المسلمين بيانا يدينون فيه هذه الأعمال الإجرامية، حيث جاء فيه:" نقدم تعازينا الى أتباع الديانة المسيحية، ونمد أيادي الصداقة تضامنا"، لا جرم أن جماعة التوحيد الوطنية التي ارتكبت هذه الجريمة الشنعاء تابعة لداعش، والعقل المدبر لها هو محمد قاسم زهران هاشمي الذي كان يحث الشباب على مبايعة أمير داعش أبي بكر البغدادي، وقد رأينا تسجيله الصوتي كيف يقرأ المبايعة للبغدادي مع مجموعة من أتباعه، فزهران هاشمي هو الذي قام يعملية الهجوم الانتحاري على فندق شانغري، وسبق أن خطط للهجوم على المفوضية العليا الهندية في العاصمة، لكنها أحبطت، وسبق في سنة 2017 أن نشروا تسجيلات مصورة تحرض على التمييز الديني والتحريض على قتل غير المسلمين، ولقد سبق لزهران لقاءات مع قادة الإسلام السياسي في العالم العربي والإسلامي، وآخرها مع القرضاوي في الدوحة، وهناك جماعة أخرى إسلامية سريلانكية لكنها ليست معروفة، وهي ربما نشأت في الآونة الأخيرة، تعرف بجماعة ملة إبراهيم، وهي متورطة في التفجيرات الأخيرة، وبخصوص علاقات جماعة التوحيد الوطنية السريلانكية فلها علاقات متينة مع جماعة إسلامية متشددة هندية تعمل في باكستان، أسسها عبد الرحمن الندوي الهندي، ويعرف بسلمان الندوي، وقد نشر تسجيلا مصورا قال فيه:" إذا كنت في موضع يسمح لك بقتل أمريكي أو أوربي سواء كان فرنسيا أو استراليا أو كنديا أو هندوسيا فافعل، فهؤلاء أعلنوا الحرب ضد الدولة الإسلامية، ثم خصص حديثه للهندوس قائلا: اقتلوا عبدة الأوثان حيث وجدتموهم"، وقد سبق أن أسس جمعية شباب الإسلام، وعندما أعلن البغدادي نفسه خليفة هنئه، مما دفع بسلطنة عمان الى طرده عندما كان فيها يلقي بعض المحاضرات الدينية، فاستقبلته دولة قطر لكي يجتمع مع يوسف القرضاوي، الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في الدوحة، ثم بدأ بمهاجمة السعودية والإمارات لأنهما تعاديان الدوحة بسبب إيواءها أعضاء حركة حماس والإخوان المسلمين والقرضاوي.
Top