الإسلام السياسي في الشيشان

وقد سبق أن أعلن الشيشانيون عن دولتهم المستقلة جمهورية شمال القوقاز برئاسة تابه تشيرموييف سنة 1918، وقد اعترف بها البلاشفة والألمان والدولة العثمانية، وكان اعتراف البلاشفة بها مؤقتا لأنهم كانوا في بداية الثورة، ففي سنة 1922 أطلق البلاشفة الولاية الشيشانية على تلك المنطقة، وفي سنة 1925 قضوا على جمهورية القوقاز الشمالي لتصبح جزءا من الاتحاد السوفيتي، تحولت قيادة المقاومة الشيشانية الى سيت إسلامبوف، حيث دفعت مقاومته الشرسة الجيش الأحمر الى عقد اتفاقية لاحترام حقوق الشيشان والأنغوش سنة 1930، لكن البلاشفة خرقوا المعاهدة وقتلوا اسلامبوف ورفاقه رميا بالرصاص سنة 1931، حل محله أخوه حسان اسلامبوف، واستمرت المقاومة حتى سنة 1935، وفي سنة 1936 أطلق البلاشفة اسم الجمهورية الشيشانية الأنغوشية السوفيتية الاشتراكية ذات الحكم الذاتي على الولاية الشيشانية، استمرت المقاومة الشيشانية، وفي سنة 1942 أعلن في الشيشان عن إعادة تشكيل الحكومة الشيشانية التي كان يرأسها حسان اسرائيلوف، وفي سنة 1944 اتهم البلاشفة الشيشانيين بالتواطؤ مع الألمان، مما دفع ستالين بتهجير الشعب الشيشاني الى سيبيريا وبعض أصقاع داغستان، وبدأت المجازر والقتل والإبادة بحقهم، حتى جاء الرئيس خروتشوف ليعترف بحقوقهم بعد موت ستالين والسماح لهم بالعودة، واستمر الشيشانيون يقاتلون من أجل الإستقلال حتى سنة 1988 فشكلوا جبهة لتضم الشعب الشيشاني والأنغوشي وتم اختيار الحاج أحمد بيسولتانوف رئيسا لها، في سنة 1990 عقد مؤتمر وطني في غروزني Grozny عاصمة الشيشان، وأعلنوا الإستقلال عن الاتحاد السوفيتي، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي سنة 1991، جرت انتخابات برلمانية في ظل دولة مستقلة وهي جمهورية الشيشان – انغوش فاز الجنرال دوداييف Dzhokhar Dudayev رئيس مجلس الشعب الشيشاني برئاسة الجمهورية، لم يعترف الروس بالدولة الجديدة، وأعلنوا الحرب عليها، وقد عرض بورس يلتسين على دوداييف معاهدة الاتحاد السوفيتي سنة 1992 لكنه رفض، وقد قام يلتسين بتشكيل معارضة لدوداييف داخل الشيشان، للقيام بالإنقلاب عليه، لكنهم فشلوا، فقرر يلتسين إرسال (30) ألف جندي للقضاء على الدولة الجديدة، فاحتلت غروزني سنة 1995، بعد قصف وتدمير ومعركة عنيفة ونزوح جماعي للشعب الشيشاني، بخصوص إقليم أنغوشيا فقد انفصل عن الشيشان ليصبح جزءا من روسيا الاتحادية، فأصبح اسم الدولة جمهورية الشيشان – اتشكيريا، Chechen Republic of Ichkeria، وهي التسمية التي يستعملها المقاتلون الشيشان، في السنة نفسها قام الشيشانيون بقيادة شامل باساييف بالسيطرة على مستشفى بودينوفسك واعتقلوا رهائن لكي يجبر القوات الروسية من الإنسحاب من غروزني، فتدخلت القوات الروسية وقتل(150) شخصا، ثم قاموا بعمليات كبيرة وخطيرة في وسط موسكو العاصمة، منها احتجاز رهائن في كيزليار أدى الى نشوب معركة قتل فيها أكثر من مائة شخص، وفي سنة 1996 قتلت الطائرات الروسية دوداييف، كان دوداييف قائدا في الجيش الأحمر الشيوعي، وشارك في قتل الأفغان، ولم يكن رجلا متدينا، بل وصل الأمر به الى عدم معرفته بعدد الصلوات في اليوم والليلة، ولهذا قال دوداييف لمجلة التايم الأمريكية سنة 1996:" إن روسيا هي التي أجبرتنا على السير في طريق الإسلام مع أننا لم نكن مستعدين تماما لتقبل القيم الإسلامية"، فصراع دوداييف كان صراعا اقتصاديا حول النفط في البداية، حيث لم يسمح للروس بالسيطرة عل نفط الشيشان، فالشيشان تنتج %90 من البنزين الممتاز، لذلك أسبغ دوداييف على صراعه مع الروس بعدا دينيا، ليحول الصراع الاقتصادي الى حرب دينية بين الإسلام والكفر، حل محله سليم خان يندرباييف Yandarbiyev رئيسا مؤقتا، توصل الطرفان الى اتفاق تاريخي يقضي بانسحاب القوات الروسية بعد أن منيت بهزيمة سنة 1997، قامت انتخابات رئاسية فاز فيها أصلان مسخادف Maskhadov الذي كان وزيرا للدفاع على منافسيه رئيس الجمهورية سليم خان يندرباييف، والجنرال شامل باساييف، لكن يندرباييف لم يتحمل الهزيمة، تعرض مسخادوف سنة 1998 لمحاولة الإغتيال، أشار مسخادوف بأصابع الإتهام الى يندرباييف، واتهمه بأنه يريد هدم عملية السلام مع الروس بالتنسيق مع الجماعات الإسلامية المتطرفة، مما دفعه الى إصدار مذكرة إلقاء القبض عليه، لكنه فر الى قطر، وقد رفضت دولة قطر تسليمه لروسيا، حتى اغتالته المخابرات الروسية سنة 2004، ودخلت الشيشان في فوضى وخاصة أنها امتلئت بالمقاتلين العرب، وبالجماعات الإسلامية التي لا تؤمن بالحدود ولها صلة بالقاعدة، ولهذا تعتقد تلك الجماعات الإسلامية أنه ينبغي مواصلة الجهاد حتى السيطرة على جميع الجمهوريات وإسقاط الحكومات الكافرة التي لا تطبق الشريعة، قام مسخادف بحل البرلمان، وإعلان تطبيق الشريعة الإسلامية سنة 1999، لم يستطع مسخادف السيطرة على المقاتلين، وكانت السلطة الفعلية بيد شامل باسايف، ففي سنة 1998 جرد مسخادوف الجنرال عربي براييف من رتبته بعد أن قام بخطف أربعة مهندسين وقتلهم من شركة روسية، وقد رفض الخضوع لأوامره حتى وقع اشتباك بين أتباعه والحرس الوطني الشيشاني، وفي سنة 1999 اجتمع شامل باساييف والأمير خطاب وأسسا الجيش الإسلامي لتحرير داغستان، كما حرروا الشيشان، وإعلان الجهاد ضد روسيا، لم يكن مسخادوف راضيا بذلك، واعلن براءته من تلك العمليات التي تهدد دولته الفتية، والحقيقة أن المقاتلين العرب مع نضالهم الكبير وقتالهم العنيف لكنهم كانوا أحد الأسباب في سقوط الدولة الشيشانية، فالأمير خطاب واسمه ثامر صالح السويلم الذي جاء من السعودية وشارك في حرب أفغانستان، ثم انتقل الى الشيشان، وهو يقود المقاتلين العرب الى الجهاد أينما كان، وهكذا الأمير أنور شعبان المصري الذي قتل سنة 2001، فهم ماضون في القتال حتى يستشهدوا، ولهذا بعد استقلال الشيشان بدأوا بالتنسيق مع الجماعة الإسلامية الداغستانية لإسقاط الحكومة، لكن بوتين يختلف عن يلتسين، فقد بدأ بقصف المقاتلين حتى أخرجهم من داغستان، وبعد داغستان لم يقف بوتين بل هاجم الشيشان، بذريعة محاربة الإرهاب، وأعلن بطلان شرعية سلطة مسخادوف ليصبح مطلوب رقم(2) وخصصت(10) مليون دولار للقبض عليه، كما جعلت شامل باساييف مطلوب رقم(1)، في سنة 2000 دخل الروس الشيشان ليعلنها جزءا من روسيا الاتحادية، وتم رفع العلم الروسي، وأعلنوا النصر، كان ذلك بعد يوم من تسلم بوتين رئاسة البلاد بعد أن قدم يلتسين استقالته، وقد رحب المفتي أحمد قاديروف بهذا النصر، وتم تعيينه رئيسا لجمهورية الشيشان الروسية، بخصوص الأمير خطاب فقد قتله ابراهيم داغستاني عميل المخابرات الروسية بعد أن سلمه رسالة مسمومة، وقد أمر شامل باساييف بتصفية ابراهيم انتقاما لصديق دربه، فقتل ابراهيم في باكو Baku عاصمة آذربيجان، عين مسخادوف مكانه أبا الوليد الغامدي قائدا للقوات الشيشانية، لكنه قتل سنة 2004، لقد كان يلتسين على حق عندما قام بإقالة رئيس الوزراء سيرغي ستيباشين Sergei Stepashin ورشح فلاديمير بوتين لرئاسة الحكومة سنة 1999، جاء ذلك بعد خيبة أمله، طرح مسخادف مقترحا للسلام، لكن روسيا رفضت، وواصل بوتين الحرب رافعا شعار محاربة الإرهاب لكسب الدعم الغربي وخاصة الأمريكي في إطار الحرب على الإرهاب، وفي سنة 2000 أعلن بوتين أن الشيشان تحت سلطة روسيا الاتحادية، وعين مفتي الشيشان أحمد قاديروف Kadyrov المقرب من موسكو رئيسا لإدارة الشيشان التابعة لموسكو، كان قاديروف في البداية مع الاستقلال وشارك في الحرب ضد الروس سنة 1994- 1996 وأصبح مفتيا للشيشان، لكنه بسبب خلافات مع مسخادوف قرر الانفصال عنه لينضم الى الروس، وقد دعا الى عدم مواجهة الروس، وقد وصفه مسخادوف بالعدو رقم واحد، وأبعده عن الإفتاء، ولا ننسى أن قاديروف ينتمي الى الطريقة القادرية التي رفضت مقاومة الروس القياصرة حتى في عهد كونت حجي كيشي، بينما مسخادوف ودوداييف وشامل باساييف من أتباع الطريقة النقشبندية التي قاومت الروس القياصرة وحتى الآن، فاز قاديروف في الانتخابات سنة 2003 ليصبح رئيسا لجمهورية الشيشان، لكنه قتل سنة 2004 في انفجار في ملعب في العاصمة بمناسبة الاحتفال بيوم النصر، وأعلن مسخادوف مسؤليته عن الإنفجار، في سنة 2005 قتلت موسكو مسخادف ليحل محله عبد الحليم سعيدولايف Sadulayev واختير شامل باساييف Basayev رئيسا للوزراء، قتل سعيدولايف سنة 2006، وخلفه نائبه دوكو عمروف لأنه كان نائبا له، ثم قتل شامل باساييف سنة 2006.
الإمارة الإسلامية في القوقاز
عندما أصبح دوكو عمروف Dokka Umarov رئيسا لجمهورية أشكيريا الشيشانية، ترأس مجلس الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة للجمهورية، ومجلس الشورى في القوقاز وأمير المجاهدين في القوقاز، وتعهد بمحاربة الحكومة الشيشانية برئاسة رمضان قاديروف – وهو نجل الرئيس الشيشاني السابق أحمد قاديروف الذي قتله مسخادوف سنة 2004- التابعة لروسيا الاتحادية، وبعد مقتل أحمد قادروف رشح نجله رمضان قاديروف (آلو ألخانوف) Alu Alkhanov ليحل محل والده، في سنة 2006 عين بويتن رمضان قاديروف رئيسا للوزراء، وفي سنة 2007 رشحه بوتين لرئاسة الجمهورية، ووافق البرلمان الشيشاني بالإجماع على ترشيحه سنة 2007، لا جرم أن هذه العائلة أعني عائلة قاديروف تنتمي الى الطريقة القادرية التي وقفت عبر التاريخ وتقف حتى الآن مع الروس، ولهذا قام الرئيس الشيشاني الحالي رمضان قاديروف بتأسيس جامعة سماها (كونت) نسبة الى كونت حجي كيشي الذي وقف مع الروس القياصرة ضد أبناء قومه وقت النضال المسلح، وقد أقام حفلا كبيرا وتخرج مجموعة من الطلاب وحضره الحفل لفيف من علماء الصوفية في العالم الإسلامي، وهي رسالة لأتباع الطريقة النقشبندية التي اختارت المقاومة ابتداء في عهد القياصرة وحتى الآن أمثال مسخادوف وباساييف ودوكو عمروف، ولقد تحول رمضان قاديروف الى بطل في روسيا، لأنه وقف ضد الإنفصاليين، وقضى على خصومه، وجعل الشيشان جزءا لا يتجزأ من روسيا الاتحادية، وقد وهبه بوتين أرفع وسام عسكري روسي سنة 2002، ليتحول الى بطل روسيا، ويسميه البعض بولد بوتين المدلل، ولقد قال رمضان قاديروف:" إن الشيشان لا تستطيع الإستغناء عن روسيا، وأنها مدينة لبوتين، وأنه شخصيا مدين له بحياته، وهو مجرد جندي مشاة يأتمر بأمر بوتين"، ولهذا تركه بوتين حرا في الشيشان، وأعطاه الصلاحيات المطلقة، فقد اتهمته المنظمة الألمانية للدفاع عن الشعوب المهددة سنة 2007 بأن له سجنا سريا يودع فيه الإنفصاليين ويعذبهم، واتهم بقتل الصحفية الروسية أنا بوليتوفيكليا 2006، وتصفية خصمه البارز سليم بامادييف سنة 2008، وقتل منافسه عمر إسرائيلوف في النمسا سنة 2009، واغتيال المعارض الروسي بوريس نيمتسوف في وسط العاصمة موسكو سنة 2015، وفي سنة 2016 أقام مؤتمرا حول تحديد مفهوم أهل السنة، ليخرج البيان الختامي في أن مصطلح أهل السنة يشمل الأشاعرة والماتردية والصوفية، وقد أثار سخطا في العالم الإسلامي، لأن هذا المصطلح أعم، وقد أخرج جماعات إسلامية كثيرة من دائرة أهل السنة، وكان المؤتمر رسالة الى الدول التي تدعم الجماعات الإسلامية الشيشانية التي تقاتل روسيا، لنعد الى دوكو عمروف، كان عمروف وزير الأمن في الحكومة الشيشانية(1996-1999) وقد شارك في جميع الحروب الشيشانية ضد الروس، حيث أصبح قائدا لمجموعة مسلحة سنة 2004 بعد مقتل الجنرال رويسلان غولاييف، وبعد أن أصبح رئيسا للجمهورية انضم إليه المقاتلون من شتى البقاع ليقاتلوا ضد روسيا، وقد عين شامل باساييف نائبا لرئيس الوزراء لكنه قتل في سنة 2006، في سنة 2007 عين دوكو عمروف سفيان عبد اللهيف نائبا له في رئاسة الجمهورية، وفي السنة نفسها أعاد رتبة الجنرال عربي براييف الذي جرده مسخادوف من رتبته عندما خطف أربعة مهندسين وقتلهم سنة 1998، وفي سنة 2007 أعلن دوكو عمروف تأسيس الإمارة الإسلامية، ليتحول من ضيق القطرية الى العالمية، حيث ألغى البرلمان والحكومة، وحول النظام الجمهوري الى نظام إسلامي على غرار الولايات، هذه الإمارة التي أعلنها دوكو ستضم جميع الجمهوريات الإسلامية في القوقاز، فأعلن الحرب ضد أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وروسيا، وقد رفض كثير من قادة الشيشان ونواب البرلمان هذه الإمارة، منهم وزير خارجية الشيشان أحمد زكاييف Zakayev المقيم في لندن، وهو أمير المجاهدين الشيشان في أوربا، وقد دعا زكاييف القادة الميدانيين الى رفض أوامر دوكو، لأن ذلك سيسيء الى سمعة القضية الشيشانية نحو الاستقلال، وقد شكل معارضة قوية ضد الإمارة، واتهم زكاييف أمير الإمارة بأنه عميل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي Federal Security Service ، قامت أمريكا وكندا وروسيا والأمم المتحدة بتصنيف هذه الجماعة في قائمة الإرهاب، وخصصت أمريكا(10) مليون للقبض عليه، لأنه لها صلات بالقاعدة، أعلن دوكو مسؤوليته عن تفجيرات قطار بين موسكو وبطرسبرغ سنة 2006، وتفجير مطار دوموديدوفو Airport Domodedovo هدد سنة 2013 باستهداف الألعاب الأولبية الشتوية في منتجع سوتشي Sochi على البحر الأسود Black Sea التي ستقام سنة 2014، أعلن عن مقتل ووفاة دوكو ثماني مرات، وذلك بسبب كثرة إصاباته، لكنه يبدو أن مات متأثرا بإصاباته سنة 2013، انتصر رمضان قاديروف، وقويت سلطته، وازدادت شعبيته في روسيا والغرب، لأنه يواجه الجماعات التابعة للقاعدة، فهو رجل المرحلة، وخسر الشيشانيون قضيتهم بعد أن أعلن دوكو عن الإمارة الإسلامية، ولقد كان زكاييف على حق عندما حذر من عواقب إعلان هذه الإمارة، ولهذا يفكر زكاييف والقادة الشيشان المدنيون والمعتدلون بالعودة الى الشيشان، وقد رحب رمضان قاديروف بعودته، وعودة كل قيادي شيشاني شريطة إيمانه بأن الشيشان جزء من روسيا الاتحادية، ولا يفكر في الاستقلال.