• Thursday, 25 April 2024
logo

الإسلام السياسي في ماليزيا

الإسلام السياسي في ماليزيا
عشت في ماليزيا سبع سنوات لأكمال دراستي(الماجستير والدكتوراه) ابتداء من سنة(1997 والى نهاية سنة 2003) لذلك رأيت وعشت بعض الأحداث المهمة التي وقعت خلال وجودي، حيث كنت شاهدا على ذلك، ومن أهم تلك الأحداث الصدام الذي وقع بين رئيس الوزراء مهاتير ونائبه أنور ابراهيم، وأحداث أخرى سنتطرق إليها حين يحين حينها.
في سنة 1511 احتلت البرتغال جزيرة مالاكا الماليزية Malacca ثم احتلها الهولنديون سنة 1641، وبعد استيلاء بريطانيا على جزيرة بينانغ الماليزية Penang سنة 1786 خضع البلد كله لسيطرة الاستعمار البريطاني، لتصبح ماليزيا إحدى المستعمرات البريطانية عرفت بمالايا البريطانية حتى تم حلها سنة 1948 لتصبح اتحاد الملايو Malayan Union في سنة 1957 نال الاتحاد الملاوي استقلاله، وفي سنة 1963 تم تغيير الاتحاد الملاوي الى ماليزيا Malaysia لتضم سنغافورة Singapore وساراواك Sarawak وصباح Sabah إلا أن سنغافورة انفصلت سنة 1965 بعد أن أصبحت تهدد التعايش السلمي في ماليزيا بين الملايو المسلمين والصينيين، مما دفع بأول رئيس الوزراء الماليزي تانكو عبد الرحمن الى طردها من الاتحاد الماليزي، وقد قاد الحزب الحاكم (أمنو) UMNO وهو اختصار لمنظمة الملايو الوطنية المتحدة United Malays National Organization البلد منذ الإستقلال وحتى فترة سقوط رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق سنة 2018 أي أكثر من ستة عقود.
في القرن الخامس عشر انتشر الإسلام بعد اعتناق السلالة الحاكمة في مالاكا الإسلام، ليكون نواة لانتشاره في جميع ولايات ماليزيا، كان ذلك عن طريق التجار المسلمين، ويرى البعض أنه كان عن طريق الهنود المسلمين، والأقوال مضطربة، يشكل الملايون المسلمون الأغلبية، يليهم الصينيون وهم مقسمون بين البوذية Buddhism والكونفوشوسية Confucianism والتاوية Taoism والمسيحية، ثم أخيرا الهنود وهم من الهنود التاميل Tamil قدموا من جنوب الهند، يعدّ تانكو عبد الرحمن بطل الاستقلال الماليزي، وقد استطاع أن يجمع مكونات ماليزيا في دولة وطنية واحدة، وأسس سنة 1946حزبا باسم (أمنو) UMNO منظمة الملايو الوطنية المتحدة United Malays National Organization ليضم جميع الأعراق والديانات، حكم تانكو عبد الرحمن من يوم الاستقلال سنة 1957 حتى سنة 1970، وقد قامت بريطانيا بحل جميع الأحزاب الإسلامية والعلمانية باستثناء حزب (أمنو) ولهذا انضم الجميع الى صفوفه من الإسلاميين والعلمانيين، لأن حزب المسلمين (حاميم) قد تشكل قبل الاستقلال سنة 1948، لكن بريطانيا ألقت القبض على قادته تحت قانون الطواريء، ولهذا انضموا للعمل في صفوف (أمنو) وبضغط من الإسلاميين، قام القسم الديني في حزب أمنو بتأسيس جمعية اتحاد علماء الملايو في ماليزيا سنة 1950، ومتى أطلقت كلمة ملايو يقصد بها المسلم الماليزي كما ورد في الدستور الماليزي المادة(160) الفقرة(2)، ليتميز عن الصيني والهندي، وفي سنة 1951 عقد اتحاد علماء الملايو مؤتمرا منفصلا عن (أمنو) ليغيروا اسم الجمعية الى الاتحاد الإسلامي، ثم في النهاية تحول الى حزب إسلامي (باس) Parti Islam SeMalaysia وعرف مختصرا PAS رأس الحزب في بداية تأسيسه سنة 1951 أحمد فؤاد حسين، ثم خمسة رؤوساء آخرون خلال خمسين عاما، ويرأس الحزب منذ 2003 وحتى الآن عبد الهادي أوانج، وهو رئيس وزراء ولاية كلنتان، أما المرشد العام فهو نيك عبد العزيز، كان هدف الحزب الحاكم الوطني (أمنو) استقلال ماليزيا من أجل بناء دولة ديمقراطية مدنية وطنية، ولهذا استطاع تانكو عبد الرحمن إقناع الصينيين والهنود بالعمل سوية من أجل الاستقلال، وكان حزب(باس) الإسلامي يعمل أيضا من أجل الاستقلال، ولكن من أجل بناء دولة إسلامية تطبق الشريعة الإسلامية، وقد استطاع كتبة الدستور الماليزي الوصول الى صيغة توافقية ترضي الجميع، فقد ورد في الدستور في المادة (3) الفقرة(1) :" الإسلام دين الاتحاد مع ضمان ممارسة الأديان الأخرى بسلام وتآلف في أي جزء من الاتحاد"، أول انتخابات جرت بعد الإستقلال كانت في سنة 1959 وقد شارك الحزب الإسلامي(باس) لينافس تحالفا قويا بين أمنو UMNO وحزب التجمع الصيني الماليزي MCA وحزب المؤتمر الماليزي الهندي MIC فاز الحزب الإسلامي في ولايتي كلنتان Kelantan وترنغانو Terengganu، واستمر الحزب في التقدم في انتخابات 1963، وفي انتخابات 1969 حقق حزب العمل الديمقراطي الصيني فوزا كبيرا بحصولهم على (13) مقعدا، وقد احتفلوا بذلك، مما دفع الملاويين الى المظاهرات ضدهم، وقد وقعت اضطرابات وصدامات لكنها أخمدت، وفي انتخابات سنة 1974 انحسر دور الإسلاميين، وفي انتخابات 1978 لم يفز الحزب الإسلامي، وكان الفوز دائما حليف الحزب الحاكم (أمنو)، وفي انتخابات 1987 حدث انشقاق داخل الحزب الحاكم، لذلك انشق الى حزبين: أحدهما تزعمه مهاتير عرف باسم أمنو بارو UMNO BARU وحزب روح 46 Semangat46 وقد تحالف الحزب الإسلامي(باس) مع حزب (روح 46) وحزبين آخرين باسم إئتلاف تضامن الأمة في انتخابات 1990، وتمكن من استرجاع ولاية كلنتان التي كان مركزا لها عبر تاريخ طويل، وقد ساعد الحزب الإسلامي حزبان صغيران آخران وهما برجاسا Berjasa وحزب حميم Hamim في سنة 1996 انسحب حزب(روح46) من تحالف الحزب الإسلامي لينضم الى الحزب الحاكم(أمنو)، وفي انتخابات 1999 تقدم الحزب الإسلامي قليلا، لكنه في انتخابات 2004 مني بخسارة مدوية مؤلمة، لأنه خسر ولاية ترنغانو، مشكلة الحزب الإسلامي أنه غير واقعي، ولا يحاول فهم التعددية الدينية والسياسية، فهو يركز على تطبيق الشريعة فقط، ولا يدرك أن الشريعة التي يدعو الى تطبيقها ليست شريعة الله، بل هي فقه مذهبي اجتهادي شخصي قد يكون خطأ وقد يكون صوابا، يعود الى إمام فقهي وهو الشافعي، ولهذا حاول سنة 1990 أن يخضع غير المسلمين للشريعة، وقد تدخل مهاتير فمنع ذلك، ففي سنة 1993 شرع البرلمان في ولاية كلنتان قانون (هدهد) لتطبيق الشريعة والعقوبات على المخالفين، ومثال آخر أن محكمة في سيلانكور طلبت بتطبيق الحد على ثلاث فتيات شاركن في مسابقة جمال ماليزيا سنة 1997، لكن مهاتير تدخل مرة أخرى فمنع ذلك، وقد اتهمه مفتي الولاية بالكفر والردة، ثم قاد مهاتير حملة قوية لتوحيد القوانين في البلاد بما يتفق مع قانون الدولة الفيدرالية، وقد تخلى الحزب الإسلامي عن أهم شعاراته التي كان ينادي بها طوال عقود من الزمن وهو تطبيق الشريعة وإقامة دولة إسلامية، وخاصة بعد ظهور الجماعات المتطرفة كالقاعدة وداعش، فهو يدعو الآن الى إقامة دولة الرفاهية، لأنه أصبح على قناعة أن هذا الشعار لا يمكن تطبيقه في بلد مثل ماليزيا حيث التعددية الدينية والمذهبية، وخاصة أن مذهبا فقهيا كمذهب الشافعي أو غيره من المذاهب كتب قبل قرون بناء على اجتهاد بشري لا يمكن أن يكون دين الله الذي نزل على رسوله، لأن ثمة مذاهب فقهية كثيرة، فهل جميع هذه المذاهب الفقهية تمثل دين الله؟ كلا هي مجرد اجتهادات وتفسيرات لنصوص الدين، قد تكون صحيحة وقد تكون غير صحيحة.
بعد تانكو عبد الرحمن جاء تون عبد الرزاق الذي حكم ما بين سنة (1970-1976) وقد وقعت اضطرابات عنيفة بين الملاوين المسلمين وبين الصينيين في عهده هزت ماليزيا هزاّ، فشكل الجبهة الوطنية Barisan National للسيطرة على الوضع، وقد استطاع تجاوز هذه المرحلة الصعبة، وأطلق رؤية اقتصادية لعشرين سنة من سنة (1971-1990) ولهذا يعد رائد التنمية الاقتصادية في تاريخ ماليزيا، ثم جاء تون حسين أون ليستمر على خطى عبد الرزاق ونهجه، حكم من سنة (1976-1981) استقال بسبب مرضه، ليأتي مؤسس ماليزيا الحديثة، مهاتير محمد الشخصية المثيرة للجدل، انضم مهاتير الى (أمنو) الحزب الحاكم وعمره(22) سنة، وبقي يمارس الطب لسبع سنوات، تم ترشيحه في انتخابات 1959 لكنه تراجع بعد خلاف مع تانكو عبد الرحمن، وفي سنة 1964 أصبح نائبا في البرلمان لكنه في سنة 1969 فقد مقعده وتم طرده من الحزب بعد أن كتب رسالة الى رئيس الحزب الحاكم(أمنو) ورئيس الوزراء تانكو عبد الرحمن ينتقده بسبب ميله الى الصينيين وتهميشه بني قومه من الملايو، وبعد أن تم إبعاده من الساحة السياسية ألف مهاتير سنة 1970 كتابا باسم معضلة الملايو The Malay Dilemma وهو ينتقد وضع الملاويين المزري، لتركيزهم على الزراعة بدل الصناعة، وبيع الأطعمة والأقمشة بدل بيع الذهب والمجوهرات وأدوات التكنولوجيا والسيارات، وكذلك انتقد كسلهم وخمولهم بشدة، مما أعطى له شهرة كبيرة، وقد تم حظر كتابه، ولم يرفع الحظر إلا في عهده عندما أصبح رئيسا للوزراء، في سنة 1973 أعاده رئيس الوزراء عبد الرزاق حسين الى الحزب وعينه نائبا ثم وزيرا للتعليم سنة 1974، وخلال أربع سنوات أصبح نائبا لرئيس الحزب، ثم نائبا لرئيس الوزراء، وفي سنة 1981 أصبح رئيسا للوزراء، وفي عهده بدأت التنمية والإزدهار والتطور والعمران، وقد أطلق رؤية اقتصادية الى سنة 2020 لتصبح ماليزيا من الدول المتطورة التي تنافس اليابان، في سنة 1982 طلب مهاتير من أنور إبراهيم رئيس حركة الشباب الإسلامي الانضمام الى الحزب الحاكم (أمنو) فاستقال أنور ابراهيم من حزبه ليعمل مع مهاتير ليصبح نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للمالية، وفي سنة 1983 تأسست الجامعة الإسلامية العالمية ليكون أنور ابراهيم رئيسا فخريا لها، لنعد الى حزب أنور إبراهيم الإسلامي وكذلك بعض الجماعات الإسلامية التي ظهرت في تاريخ ماليزيا السياسي، في سنة 1971 تأسست حركة الشباب الإسلامي (أبيم) ABIM وسجل رسميا سنة 1972، وهي حركة إسلامية متأثرة بفكر الإخوان المسلمين في مصر، والجماعة الإسلامية الباكستانية لأبي الأعلى المودودي، قادها في البداية أنور ابراهيم وسيد محمد نقيب العطاس، واختير أنور إبراهيم رئيسا لها، يرأس الحركة الآن يسري محمد، وقد اختير رئيسا لها سنة 2006، ومن الأحزاب والجماعات الإسلامية التي ظهرت في الساحة السياسية الماليزية: جماعة التبليغ، والرحمانية ودار الأرقم وجماعة الإصلاح وجمعية صباح الإسلامية والحركة الإسلامية في ساراواك، ولكنها صغيرة إما اختفت أو منعت أو انضمت الى الجماعات الكبيرة سواء كانت وطنية أو إسلامية أو علمانية، ولكن يعد الحزب الإسلامي من أقوى الجماعات الإسلامية في ماليزيا، فيما يخص جماعة دار الأرقم فقد أسسها أشعري بن محمد وهي جماعة صوفية تأسست في الثمانينات، وكان لها ارتباط بالحزب الإسلامي لمدة عشر سنوات بين عام(1956-1968) وبعد ثلاث سنوات تحولت الجماعة الى حركة دار الأرقم، وقد وقعت الحركة في خرافات وانحرافات كتقديس شيخهم، وادعاء مؤسسه أشعري المهدوية، وفي سنة 1994 أصدر مجلس الفتوى الوطني الماليزي فتوى تنص على انحراف الجماعة، ومنع نشر تعالميها، وتم سحب الرخصة من الجماعة، ووضعه رئيس الوزراء مهاتير تحت الإقامة الجبرية سنة 1994 وفي سنة 2004 أطلق سراحه رئيس الوزراء عبد الله بدوي، بعد تعهده بالتعاون مع الحكومة، ومن الجمعيات التي تأسست جمعية إصلاح ماليزيا، شكلها الطلبة الذين كانوا يدرسون في الخارج وخاصة في بريطانيا، وعندما عادوا لم يستطعوا العمل مع حركة الشباب الإسلامي ولا مع الحزب الإسلامي، فأعلنوا عن جمعيتهم سنة 1989، وبعد ثلاث سنوات اختارت الجمعية رئيسا لها، وفي سنة 1997 تم تسجيلها كمنظمة غير حكومية تهتم بنشر التعاليم الإسلامية، في سنة 2003 أصبح المهندس زيد قمر الدين رئيسا لها.
لنعد الى العلاقة بين مهاتير رئيس الوزراء ونائبه أنور إبراهيم، في سنة 1998 ضربت هزة اقتصادية ماليزيا كلفتها خسارة (140) مليار دولار، فوقع خلاف شديد بين مهاتير ونائبه أنور ابراهيم، حيث رفض مهاتير التعامل مع صندوق النقد الدولي لإنقاذ بلده، معتقدا كما يعتقد الأرجنتينيون أنه صندوق الشيطان، بينما نائبه وهو يشغل في الوقت نفسه وزيرا للمالية طرح فكرة على خلاف ما يراه مهاتير، وقد اتهمه مهاتير بأنه يتعامل مع الوضع كرئيس للوزراء، وأنه استغل غيابه عندما كان في إجازة في اتخاذ قرارات تخالف رؤيته الاقتصادية التي تعرف برؤية 2020، والحقيقة أقولها لله وللتاريخ أن أنور إبراهيم كان عقلا اقتصاديا عظيما، وكان محبوبا لدى الشعب الماليزي، اكتسب خبرة إدارية قوية خلال توليه وزارة التعليم والشباب والزراعة وأخيرا المالية ثم نائبا لرئيس الوزراء سنة 1993، وكان يحارب الفساد والفاسدين بقسوة، حيث كان يملك ملفات الفساد لكثير من المسؤولين، ومن ضمنهم أقرباء لمهاتير، وكان الأخير يخشى أن يصبح رئيسا للوزراء في الانتخابات القادمة، وكانت لديه علاقات مهمة مع قادة العالم الغربي والعربي والإسلامي، ولهذا اتهمه بتهم فساد، وتهم أخلاقية كالمثلية، وهي تهم باطلة كان الغرض من ذلك تسقيطه سياسيا واجتماعيا، لذلك قام بطرده سنة 1998، وفي سنة 1999 حكمت عليه المحكمة بالسجن لست سنوات، وفي هذه الفترة قامت زوجته وان عزيزة وان إسماعيل بتأسيس حزب عدالة الشعب Parti Keadilan Rakyat، لكي تستمر على نهج زوجها في محاربة الفاسدين، وعندما أطلق سراح زوجها سنة 2004 ذهب الى ألمانيا للمعالجة لأنه تعرض للتعذيب الشديد في سجنه، وعاد سنة 2009 أي نهاية دورة رئيس الوزراء عبد الله بدوي وبداية مجيء نجيب عبد الرزاق لرئاسة الوزراء، وقد حاول أنور ابراهيم إسقاط التهم الأخلاقية عن نفسه أمام المحكمة لكن المحكمة رفضت طلبه بضغط من رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق، وعندما علم نجيب عبد الرزاق أن شعبيته تزداد يوما بعد يوم، وهو يشكل خطرا على مستقبل الحزب الحاكم (أمنو) وعلى مستقبله هو شخصيا في الانتخابات القادمة، حوكم مرة أخرى سنة 2010 بالتهم الأخلاقية السابقة لتسقيطه سياسيا واجتماعيا ودينيا، كان ذلك بإيعاز من رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق، لكن المحكمة برأته من تلك التهم كلها سنة 2012، في سنة 2013 خاض أنور أبراهيم معركة الانتخابات بالتحالف مع ثلاثة أحزاب للإطاحة بنجيب عبد الرزاق لكنه لم يستطع وخسر، وبعد عام ألغت المحكمة قرار إعلان براءته ليعود الى السجن مرة أخرى حتى لا يشارك في الانتخابات القادمة، وهذا القرار تجلى للناس أنه سياسي مائة بالمائة، وخاصة بعد أن عرف الشعب الماليزي أن نجيب عبد الرزاق غارق في الفساد بعد أن أثقل كاهل الشعب بالضرائب، في سنة 2003 استقال مهاتير من رئاسة الوزراء لنائبه عبد الله بدوي، الذي حكم البلد من سنة(2003 حتى سنة 2009) سار بدوي على نهج مهاتير، وطرح الرجل مشروعا باسم الإسلام الحضاري Civilizational Islam ليكون بديلا للإسلام السياسي والأصولي والصوفي والجهادي وما شاكل ذلك، وقد بنى بدوي مشروعه الموسوم بالإسلام الحضاري على خمسة مبادي رئيسة:
1) الإيمان بالله.
2) الحكومة العادلة.
3) الحرية واستقلال الشعوب.
4) التمكن من العلوم والمعارف.
5) التنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة.
6) الأخلاق الحميدة.
7) القيم الثقافية الفاضلة.
8) حفظ حقوق الأقليات والمرأة.
9) حماية البيئة.
10) تقوية القدرات الفاعلة للأمة.
كان بدوي يركز على ضرورة التعايش السلمي بين الأعراق والديانات وخاصة لماليزيا لأنها تقع بين الهند والصين، وجنوب شرق آسيا تتكون من ثلاث حضارات وهي الحضارة الإسلامية والهندية والصينية، ومع جهود بدوي الجهيدة في الإصلاح وتطبيق هذا المشروع الذي طرحه إلا أن مهاتير كان ينتقده لعدم كفاءته، حتى جاء نجيب عبد الرزاق سنة 2009 ليخلفه، وبدأ مهاتير بمساندته، لأنه يعرفه جيدا، وقد عملا معا، وعندما انتشر الفساد في عهده، وازدات البطالة، وأرهقت الضرائب كاهل الشعب، انقلب عليه، وحاربه، وشكل معارضة من أجل الإطاحة به في الانتخابات القادمة، وقد ترك مهاتير حزب (أمنو) سنة 2006 وانضم الكثيرون الى جبهته المعارضة، وقال قولته الشهيرة: من المخجل أن يرتبط بحزب يدعم مظاهر الفساد في البلاد، ثم قال: إنه شعر أن من واجبه أن يتصدى للفساد الذي انتشر في ماليزيا، وخاصة أن استمرار نجيب عبد الرزاق في السلطة سيهدد مصير رؤيته الاقتصادية 2020 التي أطلقها في عهده، لهذا عاد بعد انقطاع عن السياسة لمدة (15) عاما، لأنه استقال سنة 2003، وقد عدَّ مهاتير استقالته أكبر خطأ ارتكبه في حياته، إضافة إلى خطأ ثانٍ وهو إبعاده أنور إبراهيم عن الحزب والحكومة، شكل مهاتير معارضة قوية بالتنسيق مع خصمه القديم أنور إبراهيم الذي سجنه في التسعينات لست سنوات، عندما اتهمه آنذاك بتهم فساد إداري وأخلاقية مقززة، وقد اعترف مهاتير بأنه أساء الى أنور ابراهيم واعتذر له وطلب من العفو، وقد قبل أنور ابراهيم ذلك، وقد حضر مهاتير جلسة محاكمة أنور ابراهيم سنة 2016 وجلس معه بعد عداء دام (18) عاما، وقد رأى الحزب الحاكم هذه الجلسة تهديدا خطيرا لمستقبله السياسي، شكل مهاتير تحالفا من أربعة أحزاب باسم تحالف الأمل Pakatan Harapan لخوض الانتخابات، وهذه الأحزاب هي (عدالة الشعب بقيادة أنور إبراهيم، العمل الديمقراطي الصيني، الأمانة الوطنية المنشق عن الحزب الإسلامي، وحدة أبناء الأرض بقيادة مهاتير) وقد اتفق مهاتير مع السيدة وان اسماعيل وان زوجة أنور إبراهيم على أن يتم الإفراج عن أنور ابراهيم في حال فوزهم بعفو ملكي، وقد اتهم الحزب الحاكم (أمنو) مهاتير بأنه يريد أن يصبح نجله مقريز رئيسا للوزراء، والذي يشغل الآن رئيس وزراء ولاية قدح، وقد فاز تحالف مهاتير في انتخابات 2018 فوزا ساحقا بحصوله على(113) مقعدا، بينما خسر الحزب الحاكم خسارة مدوية حيث نال(79) مقعدا، وهنا استطاع مهاتير أن يسقط الحزب الحاكم الذي حكم البلد لستين عاما، وقد أقر نجيب عبد الرزاق بالهزيمة، والتقى قادة تحالف الأمل مع ملك ماليزيا، ورشحوا مهاتير البالع(92) سنة بتشكيل الحكومة وأصبحت زوجة أنور إبراهيم نائبة له، وبعد عامين يسلم رئاسة الوزراء لأنور إبراهيم، وقد أصدر ملك ماليزيا السلطان محمد الخامس عفوا عن أنور إبراهيم وأدى اليمين الدستورية في البرلمان الماليزي كنائب، ويتوقع في سنة 2020 أن يتنحى مهاتير عن رئاسة الوزراء لأنور إبراهيم، وهي نهاية المدة لرؤية مهاتير الاقتصادية التي أطلقها في الثمانينات، يعدَّ مهاتير مؤسس ماليزيا الحديثة، وقد أنقذ بلاده من الانهيار الاقتصادي سنة 1998، وأنقذه مرة أخرى من فساد نجيب عبد الرزاق، واستطاع أن يتصالح مع خصمه أنور إبراهيم، فهو بحق سياسي بارع ومفكر ألمعي تولى وزارة التعليم والاقتصاد والداخلية والدفاع والتجارة، ألف (16) كتابا، دون مذكراته في كتابه (طبيب في رئاسة الوزراء) A Doctor in the House .
وبعد أن تولى مهاتير رئاسة الوزراء بدأ بالإصلاح من جديد، وطلب تحقيقا عاجلا ونزيها بحق رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق، حيث اتهم باختلاس(4) مليار دولار ونصف من صندوق التنيمة الوطني الماليزي، منها(700) مليون دولار وجد على حسابه الخاص، واتهم أنور إبراهيم الإمارات العربية المتحدة بالوقوف وراء ذلك، وطلبت منها توضيحا، ووجدت السلطات الماليزية كميات هائلة من المجوهرات والهدايا الثمينة في بيته تقدر ب(270) مليون دولار، واتهت السلطات الماليزية المملكة العربية السعودية بتحويلها مبلغ قدره(681) مليون دولار قبل انتخابات 2013 لكي يفوز ويمنع عودة الإسلاميين وخاصة أنور إبراهيم الذي يمثل الإسلام السياسي الإخواني، ولهذا خسر أنور إبراهيم في انتخابات 2013، وردت السعودية أنها هدية تعطى لأي زائر مهم يحل ضيفا على خادم الحرمين الشريفين، وبعد توتر العلاقات بين البلدين وجهت المملكة العربية السعودية دعوة رسمية الى مهاتير لزيارتها، وقد قبل مهاتير الدعوة، وهي من أجل تحسين العلاقة بين البلدين.
Top