• Thursday, 25 April 2024
logo

الإسلام السياسي في أندنوسيا

الإسلام السياسي في أندنوسيا
أندنوسيا وعاصمتها جاكارتا التي تقع في جنوب شرق آسيا، أكبر دولة مسلمة، عدد سكانها أكثر من (260) مليون، فيها أكثر من 17 ألف جزيرة، و300 أثنية عرقية ودينية، يشكل المسلمون الأغلبية الساحقة، وهم يتبعون المذهب السني الشافعي، وهناك شيعة يقدر عددهم بمليون، والطائفة الأحمدية يقدرون بنصف مليون، دخل الإسلام فيها عن طريق التجار المسلمين في القرن الثاني عشر وبدايات القرن الثالث عشر، ثم انتشر سريعا في القرن الخامس عشر، كانت اندنوسيا مقسمة بين الهندوسية والبوذية، لكنهما انقرضتا تدريجيا بظهور الإسلام، وقد تمركزت الهندوسية في جزيرة بالى بعد فرار حكام الهندوسية وذلك بعد سقوط امبراطوريتهم التي عرفت ب(ماجاباهيت) Majapahit Empire والتي كانت تتمركز في شرق جاوا Java تأسست سنة 1293 وسقطت سنة 1500 بأيدي سلطنة ديمان الإسلامية في القرن الخامس عشر، ومن الممالك التي أسسها مسلمو أندنوسيا مملكة بنتما في جاوا أسسها الملك حسن الدين، وممكلة متارام أسسها سنافاني، ومملكة أتشيه في سومطرة كلها في منطقة جاوا، أول من احتل اندنوسيا هم البرتغاليون طمعا في ثرواتها الطبيعية وبقوا فيها ل(150) سنة، لكن الشعب الاندنوسي طردوهم سنة 1570، وتمركزوا في تيمور الشرقية، ثم في القرن السابع عشر دخلها الهولنديون كل ذلك للسيطرة على ثرواتها الطبيعة وخاصة التوابل والفلفل والقرنفل، وفي الوقت نفسه نشر المسيحية بين المسلمين، وبدأ الشعب الأندنوسي يكتشف مخططات الاستعمار الخطيرة، فبدأت المقاومة لطرده، وقد اشتدت المقاومة في القرن العشرين، حتى جاء اليابانيون فانتزعوا أندنوسيا من الهولنديين سنة 1942، لكن الهولنديين عادوا مرة أخرى بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية سنة 1945، وقد بدأ علماء أندنوسيا بتوعية شعبهم بدينهم والإنتماء الى وطنهم، ففي مينانغكاباو نشر طاهر بن جلال الدين صحيفة الإيمان سنة 1906، تلاها صحيفة المنبر، ثم ظهرت المدارس في سومطرة مثل مدرسة ادابياه سنة 1909 ودينيا بوتري سنة 1911، وسومطرة ثواليب سنة 1915، لتتحول هذه المدارس الى حركة اسلامية سياسية عرفت باسم حركة السلامة في جاوا، وفي سنة 1912 تأسست الجمعية المحمدية بقيادة محمد رايس، وهو زعيم حزب الأمانة الوطني، ثم أصبح رئيسا لمجلس الشعب، هذه الجمعية تعد أقدم حركة إسلامية في تاريخ أندنوسيا، يقدر عدد أعضاءها بخمسة وعشرين مليونا، بينما تأسست نهضة العلماء سنة 1926 بيد هاشم أشعري، وهي أكبر جمعية إسلامية في العالم وليس في أندونوسيا فحسب، يقدر عدد أعضاءها بأربعين مليونا، وهي ليست حركة سياسية بل تجمع لعلماء الدين تتمركز في جاوا، يتولى رئاستها عبد الرحمن وحيد وهو حفيد المؤسس الأول، ثم أصبح عبد الرحمن وحيد رئيسا لأندنوسيا بين عامي(1999-2001)، وفي السنة التي تأسست الجمعية المحمدية أي سنة 1912 ظهرت الرابطة الإسلامية بزعامة تيرتو أضحي سوريو، وهو حزب جمع بين الإسلام والوطنية لمواجهة التمدد الصيني في أندنوسيا، وبعد عقد من الزمن انتهجت الرابطة الإسلامية العنف والتطرف ضد الصينيين، وخاصة في مدينتي كودوس وسولو، وقد كان سوكارنو وكارتوسويرجو عضوين في هذه الرابطة، إلا أن سوكارنو انشق عنها سنة 1927 لأن سوكارنو كان يميل الى التيار الوطني أكثر من ميله الى التيار الإسلامي، ولم يكن راضيا بانتهاج العنف ضد الصينيين لكونهم مواطنين من أندنوسيا، فأسس الحزب الوطني الإسلامي، الذي قاد حركة التحرير ضد الاستعمار الهولندي من أجل الاستقلال، وقد أعلن سوكارنو Sukarno ومحمد حتّاHatta استقلال اندنوسيا سنة 1945، ثم اعترفت هولاند بها سنة 1949، وصنع لهما تمثالان في العاصمة تخليدا لذكراهما، أسس سوكارنو في سنة 1945 المباديء الخمسة لتكون عقيدة الدولة عرفت ب(بانكاسيلا) Pancasila وهي: أولا: الإيمان بإله واحد، ثانيا: الإنسانية العادلة، ثالثا: وحدة أندنوسيا، رابعا: الديمقراطية الموجهة Guided Democracy لأن الديمقراطية الغربية لا تلائم شعوب العالم الثالث، خامسا: العدالة الاجتماعية). وقد صادق البرلمان الأندنوسي بأغلبية الأصوات عليها، ويعدّ سوكارنو من مؤسسي منظمة عدم الإنحياز، وقد عقدت أول اجتماع لها في مدينة باندونج الأندنوسية سنة 1955، حاول الإسلاميون إدخال مبدأ آخر وهو تطبيق الشريعة الإسلامية لكنهم أخفقوا في ذلك، لأن البرلمان رفض ذلك لكونه تمييزا ضد غير المسلمين، وهذا مما أغضب الإسلاميين قاطبة باستثناء الجماعات الإسلامية غير السياسية كنهضة العلماء والجمعية المحمدية لأنهما كانتا ترفضان تأسيس دولة إسلامية في أندنوسيا، وكرد فعل لهذا القرار أسس الدكتور محمد ناصر حزب(ماسومي) Masyumi Party مجلس شوري مسلمي أندنوسيا لتوحيد المسلمين، وجعل الإسلام دين الدولة الرسمي، وفي عام 1950 أصبح رئيسا للوزراء، لكنه استقال بعد سبعة أشهر بعد صدامه مع سوكارنو ليسجنه سبع سنوات.
أما كارتوسويرجو فقد بقي عضوا فعالا في الرابطة الإسلامية وذلك من أجل إقامة دولة إسلامية في أندنوسيا لتطبيق الشريعة الإسلامية حتى سنة 1936، وقد سمح له اليابانيون سنة 1942 بإقامة معسكرات للتدريب ليؤسس حزب الله بزعامته، وهو الذراع العسكري لمجلس شورى مسلمي أندونسيا(ماسومي) وفي سنة 1948 أي بعد الاستقلال بثلاث سنوات أعلن الدولة الإسلامية في أندنوسيا لتطبيق الشريعة الإسلامية، وقد كان طيلة حياته يقاتل الاستعمار، وفي سنة 1949 تمرد على سوكارنو لثلاثة عشر عاما، وكان يسمي المناطق التي يسيطر عليها بدار الإسلام، وعرفت حركته فيما بعد بهذا الاسم، فبين عامي (1950-1966) خاضت حركته حركة دار الإسلام قتالا ضاريا في آتشيه جزيرة سومطرة لتأسيس دولة إسلامية، لكنها سحقت، حتى تم القبض عليه سنة 1962 ليعدم بالرصاص، ولتنتهي صفحة الرابطة الإسلامية بعد أن لقي عشرون ألف شخص مصرعهم، ولتظهر في المستقبل من جديد بنسخة جديدة، في سنة 1964 تمت الإطاحة بسوكارنو من قبل أحد جنرالاته وهو سوهارتو، ليضعه تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته سنة 1970.
جاء سوهارتو Suharto ولم يسمح إلا لثلاثة أحزاب بالعمل في الساحة السياسية، أدمج حزبه مع أحزاب إسلامية باسم حزب التنمية المتحد، والحزب الديمقراطي الوطني وهو حزب علماني جمع اليساريين والعلمانيين لمواجهة الإسلاميين، ويعرف سوهارتو بدكتاتور أندنوسيا، ولهذا حكم ثلاثين عاما بقبضة من حديد، كان هناك تياران في عهد سوهارتو أولهما التيار التقليدي(بيسانترن) والثاني تيار روحاني صوفي عرف ب(كباتينان) جامع بين الأديان الموجودة في أندنوسيا، وقد عدّ سوهاتور نفسه من أتباع(كباتينان) أو(كيبركابان) سنة 1973، حيث استغل سوهارتو الإيمان الديني والتدين لمواجهة الزحف الشيوعي، وقد ارتكب مذبحة بحق الشيوعيين، ثم ظهرت فصائل إسلامية مسلحة خرجت من رحم حركة دار الإسلام، مثل كوماندو الجهاد ونشطت بقوة سنة 1976، وقامت بسلسلة هجمات ضد المساجد والكنائس والمناطق الحيوية، وظهر فصيل آخر باسم المجلس الثوري الإسلامي الأندنوسي، وهوفصيل متأثر بالثورة الإيرانية لسنة 1979، وقد تجمعت هذه الفصائل في الجماعة الإسلامية وهي الجهادية السلفية، للدعوة الى الجهاد ضد حكومة سوهارتو لكونها حكومة كافرة، وإقامة دولة إسلامية تطبق الشريعة الإسلامية، ومن قيادات الجماعة غوث توفيق الذي اجتمع مع رفاقه في منزلة لمناقشة انتهاكات سوهارتو للشريعة اعتقل سنة 1977، ثم أعدم سنة 1989 لإنتماءه الى مجموعة نغروكي لباعشير Baasyir وسونغكار Sungkar، وفي سنة 1981 قاموا باختطاف طائرة أندنوسية الى تايلاند، مطالبين الحكومة باطلاق القيادي الجهادي عبد الله سونغكار في السجن، أسس الجماعة الإسلامية أبو بكر باعشير وعبد الله سونغكار سنة 1993، لتأسيس دولة (نوسانتارا الإسلامية) Nusantara وهي كلمة جاوية كلاسيكية تعني الجزر لتضم (ماليزيا، أندنوسيا، سنغافورة، بروناي، تايلاند، الفلبين) وقد كان المؤسسان عضوين في حركة الشباب المسلم الأندنوسي، وهي حركة طلابية تابعة لمجلس شورى مسلمي أندنوسيا، في سنة 1963 التقى باعشير وسونغكار ببعضهما البعض لأول مرة، وفي سنة 1967 أسسا إذاعة سوراكرتا للدعوة الإسلامية في صولو، وفي سنة 1972 أسسا مدرسة المؤمن، وانتقلت المدرسة الى قرية(نغروكي) ثم عرفت المدرسة بهذا الاسم فيما بعد، وعرفت المدرسة وطلابها بمجموعة باعشير وسونغكار، وفي سنة 1976 التقى الرجلان بالحاج اسماعيل برانوتو الملقب ب(هسبران) للإنضمام الى كوماندو الجهاد، ثم تطور الى تشكيل الجماعة الإسلامية، اعتقل باعشير وسونغكار، وفي سنة 1983 خرجا من السجن وباشرا عملهما في الدعوة على طريقة جماعة الإخوان المسلمين المصرية، وقد ألف باعشير رسالة بعنوان(الأسرة) تشبه رسائل الإخوان التربوية التنظيمية، وفي سنة 1985 فر الرجلان الى ماليزيا خوفا من بطش سوهارتو، وقد شبه هروبه بالهجرة من مكة الى المدينة، في سنة 1987 شكلوا حكومة الظل برئاسة مصدوقي، ليصبح باعشير وزيرا للعدل، وسونغكار وزيرا للخارجية، وقد التقى مصدوقي وباعشير وسونغكار باسامة بن لادن وعبد الله عزام في باكستان سنة 1988، ولهم علاقات مع جماعة أبي سياف الفلبينية، وكان باعشير يشبه نفسه بأسامة بن لادن، وأنه ابن لادن أندنوسيا، ولهذا قال في المحكمة: محاكمتي تجعلني رمزا في أندنوسيا، وكأنني أسامة بن لادن، وقد شارك في حرب أفغانستان(3000) ثلاثة آلاف أندنوسي بعد مبايعتهم أسامة بن لادن، وفي سنة 1993 تم الإعلان الرسمي عن ولادة الجماعة الإسلامية وأصبح سونغكار أميرا لها حتى وفاته سنة 1999، ثم تولى قيادة الجماعة باعشير، في سنة 1998 تمت الإطاحة بسوهارتو من قبل أمين رايس رئيس مجلس الشعب، وأصبح رئيس جمعية المثقفين المسلمين يوسف حبيبي رئيسا للبلاد للمرحلة الإنتقالية حتى عام 1999، وقد فاز عبد الرحمن وحيد برئاسة البلاد - وهو رئيس جمعية نهضة العلماء منذ خمسة عشر عاما- بعد انسحاب يوسف حبيبي بيوم واحد من موعد الاقتراع، لكن البرلمان الأندنوسي أقاله بعد اتهامه بالفساد، وقد حدثت مشاكل عديدة في فترة رئاسته كالحرب الأهلية بين المسلمين والمسيحيين في جزيرة أمبون بين عامي(1999-2000) قدر عدد الضحايا بالآلاف، فقد كان عسكر الجهاد يرسل أتباعه للقتال ضد المسيحيين في أمبون، وفي المقابل كان عسكر المسيح يرسل أتباعه الى أمبون لقتال المسلمين، كان الرئيس عبد الرحمن وحيد في هذه المرحلة الحرجة يدعو الى الحوار ويتهم عسكر الجهاد بتصعيد الأزمة، وهذا مما أغضب الإسلاميين الذين صوتوا له ليكون رئيسا للبلاد بدل ميغاواتي عندما كانت تنافسه، وكرد فعل لموقف الرئيس عبد الرحمن وحيد أرسل جعفر عمر طالب زعيم أهل السنة والجماعة أتباعه للقتال ضد المسيحيين، وقد كان هدف المسيحيين الانفصال كتيمور الشرقية التي انفصلت في السنة نفسها أي سنة 1999 في عهد الرئيس يوسف حبيبي بعد استفتاء تقرير المصير وبإشراف الأمم المتحدة، وهم أيضا مسيحيون، وقد توفي الرئيس عبد اللحمن وحيد سنة 2009 بعد صراع مع المرض، تولت رئاسة البلاد ميغاواتي Megawati Sukarnoputri ابنة مؤسس أندنوسيا سوكارنو، وهي أول امرأة تصبح رئيسة دولة مسلمة، حكمت ما بين عامي(2001-2004)، وقد اعترض الإسلاميون على رئاستها لأن الشريعة الإسلامية وفق تفسيرهم لا تجيز ذلك إطلاقا.
لنعد الى مرحلة ما بعد سقوط سوهارتو لكونها مهمة جدا، فبعد سقوط سوهارتو ظهرت الأحزاب الوطنية والإسلامية وانتشرت بسرعة لأنها كانت محصورة في تيارين إما وطني إسلامي وإما وطني علماني، وكان ظهور الجماعات الإسلامية المتشددة أكثر وأسرع، فقد عاد باعشير وسونغكار من ماليزيا الى أندنوسيا بعد (13) عاما في المنفى، في سنة 2000 اجتمع 1800 من مجاهدي أندنوسيا أوما يعرف بمجموعة (نغروكي) لعقد مؤتمر مهم في مدينة جوغجاكارتا لجمع الإسلاميين في الشتات من باكستان والسعودية وماليزيا، وسمي المؤتمر بكونغرس المجاهدين، ثم عرف في العلن بمجلس مجاهدي أندنوسيا، اختير باعشير أميرا للمجاهدين، ورئيسا لأهل الحل والعقد، لبناء دولة إسلامية تطبيق الشريعة في أندنوسيا، في سنة 2008 وقع خلاف بين مجلس مجاهدي أندنوسيا، فخرج باعشير وأسس جماعة أنصار التوحيد، تم اعتقال باعشير سنة 2011، وقد تشتت جماعته وتفتتت، وخاصة بعد أن بايع باعشير تنظيم داعش سنة 2014، وبسبب هذه المبايعة انشقت جماعة عنه وسمت نفسها أنصار الشريعة، وقد انضم اثنان من أولاد باعشير إليها، وقد استغربوا كيف يمكن لباعشير أن يبايع داعش الذي يسرف في قتل المسلمين، ونلاحظ أن مسلسل التفجيرات في أندنوسيا بدأ بعد عودة أبو بكر باعشير من ماليزيا وتشكيله مجلس مجاهدي أندنوسيا، فقد بدأت التفجيرات ابتداءا من سنة 2000 وحتى 2016، فقد تم تفجير السفارة الاسترالية وجزيرة بالي وفندق العاصمة، ومحاولة اغتيال الرئيس الأندنوسي سوسيلو بامباغ يودويونو Susilo Bambang Yudhoyono الذي حكم ما بين عامي(2004-2014)، ولهذا حكمت المحكمة على باعشير بالسجن (15) عاما بتهمة محاولته قتل الرئيس، وقد وعد الرئيس الأندنوسي جوكو ويدودو Kojo Widodo بالإفراج عنه لسنه ولتدهور صحته، ويأتي ذلك في رغبة الرئيس الحالى كسب عطف الإسلاميين للإنتخابات القادمة.
وقد ظهرت جماعات إسلامية مسلحة متطرفة عديدة يمكن ذكرها بإيجاز:
1) حركة المجاهدين في شرق أندنوسيا أسسها أبو وردة سانتوسو سنة 2012، أسس معكسرا لتدريب مقاتليه، في سنة 2014 بايع داعش، ومن فتاويه الغريبة أن الذهاب الى سوريا للجهاد أفضل من الحج والعمرة.
2) جماعة أنصار الدولة أسسها أمان عبد الرحمن، حكم عليه بالسجن سبع سنوات سنة 2004 لقيامه بأعمال تفجيرية، ثم أطلق سراحه، ليقوم بإعداد معسكر في جبال أتشيه سنة 2010، فحكم عليه بالسجن خمس سنوات، في سنة 2014 بايع داعش في سجنه.
3) الجبهة الدفاعية الإسلامية أسسها الحبيب محمد رزق شهاب سنة 1999.
4) منتدى علماء أندنوسيا بزعامة محمد غاتوت ساتبونو المعروف بمحمد الكثاث، كان يعمل في حزب التحرير لإعادة الخلافة الإسلامية، ثم انشق عنه وأسس المنتدى، ثم تحالف مع جبهة الدفاع عن الإسلام لإقامة دولة إسلامية لتطبيق الشريعة الإسلامية، وهو الآن في السجن بتهمة الإطاحة بالرئيس الحالي كوجو ويدودو Kojo Widodo.
لم تكن الحكومة وحدها تواجه هذه الجماعات، بل كان للعلماء المعتدلين والشباب المثقفين دور بارز وفعال في تعرية أفكارها، وكشف تصوراتها الخاطئة، فقد كان لجمعية نهضة العلماء برئاسة عبد الرحمن وحيد – الرئيس الأندنوسي الرابع- الذي درس في الأزهر والعراق دور كبير، حيث رفضت الجمعية الفكر التكفيري والداعشي والقاعدة، ودعمت الدولة المدنية الديمقراطية بدل الدولة الإسلامية التي نادى بها الإسلاميون الأندنوسيون، وكذلك لعبت الجمعية المحمدية برئاسة أمين رايس دورا فعالا في مواجهة الإسلاميين، ومن الجماعات المعتدلة الاتحاد الاسلامي بزعامة حسن باندوج، وجمعية الإرشاد الإسلامية العربية التي أسسها أحمد السوركتي، وحركة تجديد الفكر الإسلامي التي أسسها نور خالق مجيد، أما الشباب فقد أسسوا شبكة الإسلام التحرري سنة 2001 لمواجهة الإسلاميين، وطالبوا بإعادة تفسير النصوص الدينية، ومن المؤسسات المهمة التي عملت في هذا الاتجاه، حركة التحرر الإسلامي(بارا مدينة) ومعهد الدراسات الإسلامية والاجتماعية، والجمعية الأندنوسية لتنمية المجتمع، معهد الموارد البشرية والدراسات، والشبكة المحمدية للمفكرين الشباب، والمركز الدولي للإسلام والتعددية، كل ذلك لمواجهة الجماعات الإسلامية التي تحاول فرض نموذج معين على مجتمع متعدد الأديان والطوائف والعرقيات، فإذا كان الدستور التركي لا يقبل مخالفة الدولة العلمانية التي أسسها أتاتورك، فإن المجتمع الأندنوسي بطبيعته المسالمة لا يقبل مخالفة المباديء الخمسة (بانكاسيلا) Pancasila التي أسسها مؤسس أندونسيا سوكارنو، وفي مقابل هذا التيار التحرري التجديدي التحديثي الديمقراطي المسلم، حاول الإسلاميون مواجهته، حيث قاموا بنشر مجلة (سبيلي) لنشر أفكارهم، ونقد أفكار التيار التحرري، وتعد مجلتهم (سبيلي) ثاني أكبر مجلة بعد مجلة النساء في البلاد، ثم أصدروا كتبا ورسائل بأسعار زهيدة، ولكي ينافسوا مجلة النساء الشهيرة الأولى في أندوسيا، أصدروا مجلة النساء الإسلامية، ومن دأب الإسلاميين عدم تقبلهم بآراء الآخرين ونقدهم، ولهذا أصدروا فتوى الموت ضد منسق شبكة الإسلام التحرري(أوليل أبشار عبد الله) لكن المعتدلين من علماء المسلمين رفضوا هذه الفتوى الغريبة في المجتمع الأندنوسي المتعدد، ومن الذين وقفوا ضدها علماء الجمعية المحمدية، ولهذا قال رئيس الجمعية المحمدية:" كمسلم لا أجد أي تناقض حقيقي بين الإسلام من ناحية وبين الديمقراطية من ناحية ثانية".
لا جرم أن تجربة أندنوسيا رائدة في العالم الإسلامي، ويجب أن تكون نموذجا يحتذى به، فقد استطاعت بناء دولة ديمقراطية مدنية متطورة متقدمة مع أن أغلبية سكانها مسلمون، وتمكنت من ترسيخ ثقاقة التعايش السلمي بين الأديان والطوائف والقوميات، ويعود الفضل الى مؤسس أندنوسيا سوكارنو الذي قاد بلاده نحو الاستقلال، وأسس دولته على مباديء خمسة لتصبح عقيدة الدولة حتى لحظة كتابتي هذه الأسطر، ولولا هذا الفهم السليم لأسس بناء الدولة وفهم فلسفة الإسلام لتحولت أندنوسيا الى أفغانستان، حيث الدمار والصراع والفساد، فقد رفض المجتمع الأندنوسي الأفكار الدينية المتطرفة، ولم تقبل لداعش والقاعدة أن تتخذ لها موطن قدم في أن أندنوسيا.
Top