• Tuesday, 14 May 2024
logo

الحزب الديمقراطي الكوردستاني..75 عاماً من النضال والبناء

الحزب الديمقراطي الكوردستاني..75 عاماً من النضال والبناء

معد فياض

من بين كل سحب دخان الحرائق التي ترتفع في سماء العراق من بغداد حتى البصرة. وصراع الأحزاب وانشقاقاتهم وثرثرة وصراخ تصريحات زعمائها التي وصلت حتى السليمانية، ولعلعة الرصاص ورائحة البارود والاغتيالات، نرصد الأجواء الهادئة في فضاء أربيل، ووضوح الرؤية لدى قادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني من خلال تصرفاتهم الحكيمة بالرغم من الفوضى التي تعم العراق والدول الإقليمية المجاورة، تلك الفوضى التي تحولت إلى بحر عاصف لم تستطع أمواجه أن تؤثر على سفينة إقليم كوردستان عامة وعاصمته أربيل خاصة، ذلك أن ربان السفينة يتمتع برؤية واضحة للحاضر والمستقبل، مستفيداً من أخطاء الأمس وتداعياته، ومن الثقة المتبادلة بين القيادة والشعب.

لقد برهن الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي تصادف هذه الأيام الذكرى الـ 75 لتأسيسه على يد الزعيم الخالد ملا مصطفى بارزاني، في 16 آب 1946، ومن ثم استلام راية القيادة من قبل نجله مسعود بارزاني، عام 1979، بأن الأحزاب هي ليست مجرد عناوين لمقرات أو مؤسسات ودكاكين تجارية يتصارع عليها الورثة ليخربوا كل ما بناه المناضلون والمقاتلون الأوائل، وأن الحرس القديم، المقاتلون الشجعان، هم ليسوا أعضاء في مجلس إدارة شركة قابضة مثلما فعلت وتفعل بقية الأحزاب السياسية في العراق، بل أن ما أكدته مسيرة الحزب الديمقراطي الكردستاني بأنه ماض في مسيرته متقدماً إلى الأمام، محافظاً على تقاليده وعقيدته ومبادئه، ومجدداً في تنظيمه وفي اعتماده على قيادات وقواعد شابه مع الحفاظ والاعتزاز بالقيادات السابقة التي شيدت البناء وارتفعت به وقوته.

مع مرور 75 عاماً على تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، (في البداية كان اسم الحزب هو، الحزب الديمقراطي الكردي، ولكن في المؤتمر الثالث بتاريخ 26/1/1953 المنعقدة في مدينة كركوك، تقرر تغيير الاسم إلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني ليسمح بعضويته كل من يقيم في كوردستان، وليكون ممثلاً عنهم)، يكون هذا الحزب من أقدم الأحزاب السياسية العراقية الذي بقي قوياً وصامداً بالرغم من كل المؤامرات والحروب التي واجهها، وبالرغم من كل التضحيات التي قدمها، ويكفي أنه صمد بوجه جيوش منظمة ومسلحة جبارة، وخيانة قيادات وانشقاقات وأشخاص باعوا أنفسهم للسلطات والحكومات لإفشال مسيرة الثورة الكوردية، وغدر دول إقليمية كبرى كانت، وما زالت، تعد نفسها امبراطوريات قوية، بينما لم يكن الحزب الديمقراطي الكوردستاني يمتلك سوى مبادئه وعقيدته القائمة على العقيدة البارزانية، وشجاعة رجاله وقدرتهم على الصمود والتحديات من أجل تحقيق المطالب المشروعة للشعب الكوردي الذي ضحى وصابر وكابر ودعم حزبه فاستحق أن يعيش في إقليم كوردستان شبه المستقل، آمناً وكريماً وسعيداً.

ان أهم ما يميز الحزب االديمقراطي الكوردستاني، تنظيمياً، هو عدم اعتماد آيدولوجية مستوردة، أو تحديد عمله وفق آيدولوجية ثابتة تحنط نشاط الحزب وتقدمه، بالرغم من وجود دستور أو نظام داخلي للحزب، وفي أحد الأحاديث الصحفية لنيجيرفان بارزاني، رئيس إقليم كوردستان، ونائب رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، قال لي "نعم نحن نعتمد النظام الداخلي لعملنا في الحزب، لكن هذا النظام لم يمنعنا من الاجتهاد والعمل بروح الفريق والابتكار والنقاش من أجل قوة الحزب من جهة ومصلحة شعبنا واستقرار الاقليم وبنائه من جهة ثانية". كما أن الحزب لم يعتمد أساليب التنظيمات السائدة في الأحزاب السياسية العراقية سابقاً ولاحقاً، والأهم من كل هذا التواضع الذي يتمتع به قادة الحزب من أعلى الهرم، الزعيم مسعود بارزاني، رئيس الحزب الذي يناديه الكورد عامة وأعضاء الحزب خاصة بالأخ (كاك) مسعود، مروراً بنائبه (كاك) نيجيرفان، ثم بقية أعضاء المكتب السياسي والكوادر المتقدمة في الحزب، واعتمد سياسة الانفتاح والشفافية مع اعضائه، سواء كانوا في الكادر القيادي والمتقدم والقاعدة، ولم يخف أية حقائق أو معلومات عنهم، وهذا ما أسس لعلاقات من الثقة العميقة بين القيادة والقاعدة وأبعد شبح الدكتاتورية في العمل الحزبي.

واذا ما تأملنا تاريخ نشوء الأحزاب السياسية في العراق منذ العهد االملكي، مروراً بالجمهوريات المتلاحقة، وحتى سقوط حزب البعث الذي يعد أطول من حكم العراق من حيث المدة الزمنية، سوف نتأكد بأن الحزب الديمقراطي الكوردستاني هو الحزب السياسي العراقي الوحيد الذي صمد بوجه الأعاصير وبقي محافظاً على كيانه وحقق أهدافه التي وعد بها جماهيره على مدى 75 عاماً، بينما انتهت أحزاب واختفت، وأخرى ضعفت، وأحزاب حادت عن أهدافها وشعاراتها التي لم تتحقق أبداً، بل وانحرفت أحزاب، التي اعتمدت الإسلام السياسي والأحزاب الشوفينية خاصة، عن مسيرتها وتحولت إلى بؤر للفساد والخراب وتدمير العراق.

ان خير ما نستدل عليه عملياً من نجاح وتقدم الحزب الديمقراطي الكوردستاني على مدى 75 عاماً هو قيام اقليم كوردستان شبه المستقل، وهو بادرة متطورة نحو قيام دولة كوردية مستقلة، فهذا الإقليم هو الشجرة التي أنبتها الحزب مبكراً فشقت جذورها العنيدة طريقها بين صخور الجبال الصلبة، بينما أطلقت أغصانها وفروعها عالياً نحو الفضاء لتثمر كل هذا المنجزات المهمة وتصمد أمام أعتى الأعاصير. ولولا ولادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني على أيدي الزعيم الخالد ملا مصطفى بارزاني وقيادة البارزانيين له، لما قام إقليم كوردستان، وتحول إلى واجهة حضارية يفتخر بها كل العراقيين عامة والكورد في جميع أنحاء العالم خاصة. 

 
شارك على

Top