• Friday, 03 May 2024
logo

هوشيار زيباري.. من السياسة إلى الرئاسة

هوشيار زيباري.. من السياسة إلى الرئاسة

معد فياض

عرفت هوشيار زيباري كصوت كوردي مؤثر ومدافع عن قضية شعبه وعن قضية العراق والعراقيين في لندن عندما كان ممثلاً عن الحزب االديمقراطي الكوردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، في أوروبا ومسؤولاً عن إدارة مكتب الحزب للعلاقات الدولية (من 1988 حتى 2003)، إذ لم يخلُ أي مؤتمر أو ندوة أو اجتماع أو تظاهرة في العاصمة البريطانية من نشاطه الفاعل والمؤثر المطالب بالحقوق الشرعية للكورد وبتخليص الشعب العراقي بكل قومياته وأديانه ومذاهبه وأطيافه من ظلم نظام صدام حسين وحكمه الشمولي الدكتاتوري وتحقيق الديمقراطية، تنفيذاً لشعار الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وكان يتحرك هنا وهناك، مرة في لندن ومرات في دبلن وأخرى في باريس وواشنطن وروما، دون خوف من أجهزة النظام السابق المخابراتية وفرق الاغتيالات التي نفذت عمليات قتل وخطف حتى في أوروبا، وهذا ما دفعني ذات يوم لأسأله: "كاكا.. هل أنت شخص واحد أم مؤسسة أم أن هناك نسخاً منك تتوزع على خريطة أوروبا والولايات المتحدة؟"، فابتسم كعادته ورد قائلاً: "قضيتنا، والعراق بحاجة إلى عمل مستمر كاكا".

السياسي الكوردي العراقي، هوشيار زيباري، ينحدر من واحدة من أكبر وأبرز العشائر الكوردية العراقية، والمولود عام 1953 في إحدى أجمل مدن إقليم كوردستان، مدينة عقرة، التي تقع بين مدينتي أربيل ودهوك الكورديتين.

حيث نشأ في أسرة كوردية سياسية بامتياز، فوالده، محمود آغا الزيباري، كان رئيس عشيرة "الزيبارية" الكوردية الكبيرة، ونائباً مرات عديدة في البرلمان العراقي خلال العهد الملكي، وهو خال الزعيم مسعود بارزاني، وصديق ورفيق صباه وفتوته وشبابه وحتى اليوم.

زيباري حاصل على شهادة الماجستير في علم الاجتماع والتنمية عام 1979 من واحدة من أرقى الجامعات في انجلترا، جامعة إسكس، وعرف مناضلاً في صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني، أول الأحزاب السياسية الكوردية التي قاتلت بشجاعة من أجل نيل الحقوق المشروعة للكورد وتحقيق الديمقراطية لجميع العراقيين، الذي أسسه وقاده الزعيم ملا مصطفى بارزاني عام 1946، وأصبح عضواً في اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني في 1979، ولأنه عمل من أجل قضية العراق ككل فقد انتخب في المجلس التنفيذي للمؤتمر العراقي عام 1992 ثم للمجلس الرئاسي للمؤتمر عام 1999.

كتبت الإيجاز أعلاه لتاريخ زيباري تنبيهاً لبعض الأدعياء الذين يختصرون إنجازات الرجل باعتباره "وزيراً سابقاً فقط". ففي مؤتمر المعارضة العراقية الذي عقد في أواخر شهر كانون الثاني عام 2002 في فندق المتروبوليتان بشارع الأدجور روود وسط العاصمة البريطانية، كان للحضور الفاعل والصوت المسموع لزيباري أثره الواضح في الدفاع عن قضية الكورد والشعب العراقي، وكان كذلك في كل المؤتمرات والاجتماعات والندوات التي عقدت عن قضية العراق في البرلمان البريطاني، والبرلمانات الأوروبية، لا سيما وأن لغته الانجليزية فتحت أمامه الأبواب لإيصال صوته وآرائه التي تمثل صوت ورأي الحزب الديمقراطي الكوردستاني.

لم يُعرف زيباري، سواء في أوروبا أو في العراق أو لدى العرب أو الاوروبيين باعتباره كوردياً فحسب، بل عُرف كونه مواطناً عراقياً كوردي القومية، وانتماؤه للعراق ولقوميته ولشعبه وبلده، وهذا ما رشحه ليكون أول سياسي كوردي يمثل الدبلوماسية العراقية رسمياً من خلال تكليفه بحقيبة وزارة الخارجية بعد تغيير النظام في 2003، حيث شغل منصب وزير خارجية العراق للفترة من 2004 وحتى 2014، وحسب شهادات واعتراف دبلوماسيين ووزراء خارجية عرب وغربيين، فأنه أفضل وزير خارجية عراقي منذ 2003 حتى اليوم، إذ مثل العراق خير تمثيل وحقق بواسطة علاقاته وأسلوبه ودماثة خلقه ولغته العربية الممتازة، علاقات طيبة بوزراء الخارجية والسفراء العرب والغربيين، ومثل البلد في اجتماعات جامعة الدول العربية والأمم المتحدة باخلاص عميق.

لي ان اذكر هنا لقائي، في مناسبة سياسية في لندن، بوزير خارجية المملكة العربية السعودية، الأمير سعود الفيصل (رحل عام 2015) والذي كان يعتبر عميد وزراء الخارجية العرب، إذ خدم بلده بهذا المنصب لأكثر من أربعين عاماً، ما بين 1975 وحتى 2015، ويعتبر من اكثر وزراء الخارجية العرب حكمة ودبلوماسية، فعندما عرف بأني مواطن عراقي الاصل، قال "عندكم وزير خارجية هو افضل من يمثل العراق، وهو عراقي وطني مخلص جدا لبلده، وصديقي"، والذي يعرف الفيصل يدرك أهمية مثل هذه الشهادة التي تطوع للإدلاء بها بمحض إرادته. ومن الصعب هنا ذكر الشهادات التي قيلت بحق زيباري كوزير لخارجية العراق وكصديق من قبل وزراء الخارجية أو الدبلوماسيين، وفي مقدمتهم عمرو موسى، وزير خارجية مصر الأسبق والأمين العام لجامعة الدول العربية.

بعد تغيير نظام صدام حسين، كان زيباري، مع زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني، مسعود بارزاني، من أوائل من حضروا بفاعلية في الساحة العراقية لضبط موازين العملية السياسية، وكان المتحدث باسم حزبه وزعيمه وممثلاً عنه في مجلس الحكم الذي تشكل عام 2004، كما رافق عدنان الباجه جي في زيارته إلى نيويورك لحضور اجتماعات الأمم المتحدة كعضو في الوفد العراقي.

اليوم إذ يُرشح هوشيار زيباري نفسه لرئاسة جمهورية العراق، فانه بذلك يمارس أحد حقوقه الدستورية المشروعة كمواطن عراقي خدم البلد والشعب العراقي على مدى عقود وضحى بجهوده ووقته، وكان سيضحي بحياته، من أجل تحقيق الديمقراطية للعراقيين، ونجده، ليس كصديق أعرفه عن قرب، بل كسياسي محترف وبحكم علاقاته الطيبة والواسعة عراقياً وعربياً ودولياً، سيخدم العراق ويحافظ على الدستور كونه ينبذ الطائفية، وينتمي لأرض العراق، ويخدم مصالح البلد والعراقيين بجميع مكوناتهم القومية والدينية، لا مصالحه الشخصية.

Top