• Friday, 01 November 2024
logo

الفاسد بين المحاربة والحماية

الفاسد بين المحاربة والحماية

ماجد ع محمد

 

قد يُبادر بعضنا من باب الإفراط في احترام الخصوصيات في المجتمع فينوه إلى أن الفرد منا ليس من حقه إصدار الأحكام بحق نماذج بشرية غدت في منظور حشدٍ من الناس من الشخصيات العامة، ولكن بما أن واحدنا من أبناء ذلك المجتمع نفسه أليس من حقه أن يعبّر عما يراه من عيوب يحاول الآخرون التغاضي عنها؟ خصوصاً في حالة سورية قبل الثورة وطوال عشر سنوات من عمرها، وحيث يعرف القاصي والداني أن نظام البعث الحاكم ولعقودٍ طوال وبدلاً من أن يحاسب الفاسدين ويلاحق المجرمين كان يحميهم بل ويرقيهم في سلك الدولة، وحتى أنه لكي يتهرب من استحقاقات الإصلاح بقي على الدوام يتهم إسرائيل بأنها وراء اِنتشار العفن داخل الدولة.

والأمر المحزن حقاً هو أن بعض الجهات الثائرة على النظام الجائر نفسه هاهي الآن بعد عشر سنوات من الثورة تقتفي أثره وتحمي المجرمين والفاسدين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ومنها على سبيل الذكر وليس الحصر أن اللجنة الثلاثية التي كانت تحقق بانتهاكات "فرقة السلطان سليمان شاه" (العمشات)، بقيادة محمد الجاسم (أبو عمشة) قد أصدرت بياناً في 22/2/2022 تضمّن عدة أحكام بحق الفصيل وشخصيات قيادية فيه، ومن أبرز تلك الأحكام نفي "أبو عمشة" وشقيقيه وليد الجاسم (سيف)، ومالك الجاسم (أبو سراج)، خارج منطقة عفرين  لمدة عامين، وذلك بناءً على عشرات الشهادات عن فسادهم وإجرامهم واعتداءاتهم المتكررة على المدنيين وكذلك الأمر على عناصرهم، هذا عدا عن التطاول على أعراض نساء عناصرهم ممن لم يتجرؤوا على تقديم الشكاوى ضد أمير الحرب "أبو عمشة" بطل السلب والنهب والسطو المسلح.

ولكن مع كل ذلك الملف العفن لذلك الثلاثي الفاسد، وكما فعلت أجهزة نظام الأسد بالضبط، حيث جاءت إحدى الجهات المدعومة وقامت بحماية ذلك المغوار الفاسد وأعادته إلى نفس موقعه السابق ليتابع كما كان فساده وإجرامه؛ وهو ما يعني بأن الجهة التي أعادته إلى موقعه شرعنت كل ما يقوم به أحد أكبر رموز الفساد والتنكيل بالناس؛ وهذه العملية من كل بد هي بمثابة مكافأة له على كل ما اقترفه طوال السنوات السابقة.

بل فإذا كان في الأعوام السابقة قد فرض ذلك المتزعم الضرائب على البشر والشجر ومارس كل ما يقوم به جلاوزة الأسد، ومع ذلك تمت تبرئته من كل التهم السابقة، فلا شك بأنه سيكون أسوأ مما كان عليه، بكون الذي أعاده أقوى ممن خلعه وقام بنفيه بضعة أيام خارج المنطقة، ما يعني بأن المنفلت من العقاب على ما ارتكب قد يزيد من جوره وغطرسته ويتضخم بيدره الفاسد أكثر من ذي قبل، وهو يذكرنا بما يقوله الكاتب والصحفي المصري ياسر طلعت حافظ ثابت "مكافأة الفساد لم تكن يومـاً سوى إطعام ديناصور لا يعرف معنى الشبع"!

وبعد هذا التطابق السلوكي بين جهة تدّعي بأنها ثارت على النظام الفاسد ومن ثم تقوم كما كان يعمل النظام بحماية أعظم الفاسدين أظن بأنه يحق لبعضنا القول بأن الشعب الذي يراوح في مكانه بعد أحد عشر سنة من الثورة، لا يحق له اتهام العالم بالتآمر على ثورته، إنما عليه أن يحاسب وعيه الذاتي، وأن يقر بأن العلة في بنيته الداخلية وليست مستقدمة من الخارج، هذا إذا ما علمنا بأن إنطلاق أول مظاهرة ضد الفساد والفاسدين كانت في حي الحريقة عام 2011 أي في أول عام من الثورة السورية، وحيث انطلقت حينها مظاهرة عارمة خرج فيها أبناء العاصمة دمشق بوجه من سرق البلاد والعباد مرددين بملء الحناجر آنذاك عبارة "حرامية حرامية"، بينما بعد 11 سنة وبعد عشرات الآلاف من القتلى والشهداء والمعتقلين وملايين المهجرين، يقوم المدَّعي بأنه ثار بوجه النظام ليحارب الفساد والجور واللصوصية إلى حماية الفاسدين وإطلاق يد المجرمين واللصوص!! 

ويبقى المشترك بين الماضي والحاضر، هو الذي لم يكن ينتظره الشعب السوري قط، وحيث أنه كما اعتمد نظام البعث العربي الاشتراكي طوال حكمه على الفاسدين والخارجين عن القانون والاستغلاليين والانتهازيين والمتزلفين لتمرير كل ما لا يقبل به من يمتلك شيء من قيم الوفاء والإخلاص والضمير تجاه بلده، فالمناخ في المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد على نفس الوتيرة التي كانت لدى النظام، وذلك من خلال اعتماد المتحكمين بالوضع هناك على الأوباش والذيول والأدنياء، باعتبار أن هذه الفئات الرخيصة مستعدة لتنفيذ كل الأجندات المتعارضة مع قيم وحقوق الشعب السوري وقضيته، وذلك لقاء الاِستفادة الشخصية والفوز بالمغانم الفردية على حساب دماء آلاف الأبرياء ومصالح الناس أجمعين.

 

 

باسنيوز

Top