معد فياض

 

من سمع أو قرأ خطاب نيجيرفان بارزاني، رئيس إقليم كوردستان، الأحد، 22 أيار 2022، بمناسبة تخرج ضابطات وضباط قوات البيشمركة في الكلية العسكرية الثالثة في منطقة قلاجولان، يزداد يقيناً بوطنية وعراقية هذا السياسي الشاب الذي عبر عن حرصه الكبير على حماية العراق وإقليم كورستان والحفاظ على سيادته، فهو يستهل خطابه مهنئاً جميع العراقيين "يا شعب كوردستان والعراق".. معتبراً أن "حماية العراق تهمنا كثيراً. كذلك يجب أن تكون حماية إقليم كوردستان كجزء من الدولة العراقية، موضع اهتمام عند كل عراقي وعند كل مؤسسات الدولة العراقية، ويُنظر إليها كواجب مشترك". وإن "قوة العراق وكون مصالح شعب العراق محمية، تساهم في تقوية كل مناطق العراق، بما فيها إقليم كوردستان."

ومن يعرف الرئيس نيجيرفان بارزاني، سليل العائلة الثورية الوطنية التي قاتلت لأكثر من قرن لتحقيق أهداف الكورد وكل العراقيين، يدرك جيداً العمق السياسي لهذا الرجل الذي حرص على مصالح العراقيين كحرصه على مصالح الكورد وكل أبناء إقليم كوردستان.. ففي حوار صحفي سابق معه، وكان قد استقبلني بترحاب، كعادته، وبلغة عربية سليمة، قلت له "لغتك العربية جيدة"، قال "أتعتقد ذلك؟" أجبت "بل متأكد من ذلك"، ثم سألته "هل تتعلم العربية لتكون رئيساً لوزراء العراق؟" أجاب على الفور "أنا مواطن كوردي عراقي ومن حقي، حسب الدستور أن أرشح لأي منصب يخدم االعراق كله وبكل مكوناته القومية والدينية، وهذا من حقي"، قلت، ولم أكن أجامله "بالتأكيد.. العراقيون يتمنون أن تكون رئيساً لوزراء العراق وتساهم ببنائه وإعماره مثلما فعلت وتفعل في إقليم كوردستان.. وسنكون محظوظين بذلك".

الرئيس نيجيرفان بارزاني الذي تربى على مبادئ العقيدة البارزانية السمحاء، وتأسس فهمه سياسياً ومنذ وقت مبكر من حياته وفق أهداف الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي رفع منذ بواكير تأسيسه شعار "الحرية لكوردستان والديمقراطية للعراق"، عبر وفي مواقف ومحافل محلية وعراقية وعربية ودولية، وخلال لقاءاته بالقادة العرب والغربيين عن حرصه العميق على العراق واالعراقيين وأن الحفاظ على سيادة العراق هو الحفاظ على مصالح إقليم كوردستان وشعبه ووقف ضد أي تدخل خارجي في الشأن العراقي، وهذا ما قاله بصريح العبارة في خطابه أمس: "عندما تكون حدود وسلطات وقرارات العراق محصنة ضد التدخل الخارجي، يصب ذلك في مصلحة كل العراق. وعندما تكون أقاليم ومحافظات ومناطق العراق كلها محفوظة، فإن ذلك يخدم مصلحة جميع العراقيين. هذه هي رؤيتنا نحن في إقليم كوردستان، وتجري تربية البيشمركة على هذا الشعور والاعتقاد". مذكراً ببطولات وتضحيات قوات البيشمركة، حيث قال: "ولهذا نقول بفخر: بعد إسقاط النظام في العام 2003، ظل أمن عدد من المناطق ببغداد وبرلمان العراق محفوظاً بفضل كون مهمة حماية هذه المواقع مسندة إلى قوات بيشمركة كوردستان. وبشهادة الجميع، أدى البيشمركة مهمتهم بصورة غاية في المهنية ولا زالوا يتولون مهامهم في بعض تلك المناطق".

الرئيس نيجيرفان بارزاني الذي عرف بدبلوماسيته وذكائه في حل الإشكالات السياسية من أجل مصلحة الإقليم والبلد، ذهب إلى محافظة السليمانية، أمس، وهي جزء مهم من بيته الكوردستاني الذي يحكمه بالعدل والحكمة. وقال "من أجل تقليل الخلافات السياسية وتأثيراتها على أوضاع كوردستان، فإننا بدافع واجبنا القانوني في رئاسة إقليم كوردستان، سعينا من أجل الحل وما زلنا نسعى. وقد تحاورنا باستمرار مع الأطراف كافة ونتحاور. وأقولها بسرور إن أرضيةً قد تشكّلت الآن لإبداء المرونة والتحاور وقد تراجعت الحملات الإعلامية بعض الشي". وبصراحته الشجاعة المعهودة، أوضح: "في الحقيقة، ليست عندنا خلافات كبيرة غير قابلة للحل، لكننا أحياناً نختلق موانع نفسية تحول دون الجلوس مع بعضنا البعض. هذه الحالة تظهر في مرات كثيرات بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني، وهي حقاً موضع انزعاج كل أبناء كوردستان. في الماضي فعلنا هذا، والآن علينا أن نفعل هذا، وهو أن من الضروري عدم تحويل الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية ورئاسة إقليم كوردستان إلى ساحات للصراعات الحزبية".

والرئيس نيجيرفان بارزاني يتصدى بجهد وإخلاص كبيرين لكل المشاكل من أجل أن يزيح الغبار عن الركود السياسي الذي أوصل العراق إلى ما يسميه البعض بـ"الانسداد السياسي"، فهو يحمل مفاتيح هذا الانغلاق، بل وأشعل قنديلاً متوهجاً، مضيئاً في نهاية النفق السياسي ليؤسس سكة يسير فوقها قطار الحل السياسي عراقياً بعد أن توقف لأكثر من تسعة أشهر، منذ انتخابات العاشر من تشرين الأول 2021، وبعد أن عجزت القوى والأحزاب السياسية العراقية، عن إيجاد الحل، سواء بتعمد أو بحسن نية، وبعد أن بدأ اليأس يعم نفوس العراقيين بكل قومياتهم وأديانهم وطوائفهم، وليفتح الأبواب واسعة وينادي، هيا إذن لنمض في طريق الأمل من أجل العراق وإقليم كوردستان، ولم يكن لأحد غيره أن يفعل ذلك.

لكن المهم في الأمر هو أن تستجيب الأحزاب والقوى السياسية العراقية والكوردستانية، شيعية وسنية لمبادرات الرئيس نيجيرفان بارزاني التي تنطلق بمباركة ودعم من لدن الزعيم مسعود بارزاني، الرمز الوطني عراقياً وكوردياً، وأن تسارع هذه القوى إلى المضي بإصرار للخروج من النفق السياسي دون أن يتشتت القرار العراقي شيعياً وسنياً وكوردياً.

ودعا رئيس إقليم كوردستان "السادة القائد العام للقوات المسلحة العراقية، ووزير الدفاع، ورئيس أركان الجيش العراقي، إلى التعامل مع البيشمركة كجزء من المنظومة الدفاعية للعراق مثلما ورد في الدستور، ويؤمّنوا احتياجات البيشمركة".

مذكراً جميع العراقيين بأنه "في حرب داعش أيضاً، كان البيشمركة شريكاً وسنداً قوياً للجيش وكل القوات المسلحة العراقية. في حماية محافظتي كركوك وديالى، وفي تحرير بشير والموصل ومناطق أخرى كثيرة من العراق. لهذا فإنني أدعو من هنا كل عراقي إلى أن يقف ضد الهجمات التي تشنها الفصائل المنتهكة للقانون من داخل العراق على إقليم كوردستان وعلى العاصمة أربيل".

مشيراً إلى أن "هذه الفصائل، بتصرفاتها تلك، تمهد السبيل لاستمرار التعقيدات والتوترات في العراق. هؤلاء يريدون الإبقاء على أرضية تتيح انتهاك سيادة العراق. الأمن في كل مدن ومناطق إقليم كوردستان والعراق عموماً، أمن أربيل والنجف، السليمانية والبصرة، دهوك والأنبار هو واحد ومترابط بعضه ببعض. سيادتنا جميعاً في العراق مشتركة، وكذلك مصالحنا وانتصاراتنا وهزائمنا أيضاً مشتركة".

داعياً "الحكومة الاتحادية العراقية أيضاً إلى دعم هذه العملية بجدية بالغة، لأنها مكسب وطني عراقي ولأن البيشمركة، وبفخر، جزء من المنظومة الدفاعية العراقية. ففي حرب داعش أثبت البيشمركة بدمائهم أنهم حماة كل شعب العراق وسند للجيش العراقي".

منبهاً إلى أن "النظام الفدرالي، إنما هو لتسهيل إدارة الشؤون الداخلية للبلد وتحقيق المساواة بين مكونات ومناطق العراق. الفدرالية لا تُضعف سيادة العراق، بل تقوي شراكتنا في دولة العراق. وقد كُتب الدستور العراقي في حينه من منطلق هذا الشعور والفهم، ولهذا فإننا نطالب دائماً بالتعامل مع بعضنا البعض وفقاً لنصوص وروح الدستور. فنحن نعتقد أن الأمور إذا جرت على هذا النحو فسنكون جميعاً منتصرين في العملية السياسية بالعراق".

 

 

روداو