• Thursday, 28 March 2024
logo

جبل من نار

جبل من نار

معد فياض

 

قبل أكثر من 1400 عام قدم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب(رض) قراءة مستقبلية صحيحة عن طبيعة العلاقة بين العرب والفرس عندما قال متمنيا:"ليت بيننا وبين فارس جبلا من نار لا ينفذون إلينا ولا ننفذ اليهم". هذه المقولة ليست طائفية أو عنصرية، فلم يكن الخطاب سنيا ولا بلاد فارس، التي هي ايران اليوم، شيعية، كما لم يكن الاسلام عنصريا ولا يفرق بين عربي واعجمي الا بالتقوى، حسب حديث نبوي شريف:"لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى".

بعيدا عن قراءة الخطاب، وهي سياسية قبل وبعد كل شيء، فعلى مدى التاريخ، وقبل مجيء الاسلام، ومنذ قيام بابل كاعظم امبراطورية حضارية في التاريخ، والفرس يشنون حروبهم على وادي الرافدين(العراق اليوم) لعقد الشعور بالنقص حضاريا، بالرغم من تغيير العصور والحضارات والممالك والاديان والطوائف، وكل ما سنحت لهم الفرصة او تصوروا ان العراق بلد ضعيف عاودوا الهجوم عليه بشتى الطرق، ربما انتقاما لهزائمهم التاريخية، وكان آخرها الحرب العراقية الايرانية(1980-1988).

واذا فتحنا سجل الاعتداءات الايرانية الراهنة ضد العراق فلن تتسع لها صفحات وكتب لكثرتها، بدءا بحرمان العراق من حقوقه المشروعة بحصصه من المياه وتغيير مجاري اكثر من 43 نهرا ورافدا كانت تصب في الانهار وتجري بالاراضي العراقية وصولا الى التدخل السافر والفج بالسياسة الداخلية للعراق مرورا بقصف اراضيه ومدنه بالصواريخ والمدفعية والطائرات المسيرة ذاتيا.

اليوم عاودت ايران قصفها للاراضي والمدن والقرى العراقية في اقليم كوردستان، ووصلت نيران صواريخهم ومدفعيتهم وطائراتهم المسيرة الملغومة الى حدود محافظة كركوك في منطقة بردي في آلتون كوبري الخاضعة لسيطرة البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكوردستاني، بينما الميلشيات الايرانية تقصف بالصواريخ المنطقة الخضراء ومناطق متفرقة وسط العاصمة بغداد، وهذه في مجملها رسائل شيطانية اجرامية تؤكد طهران من خلالها سطوتها وسيطرتها على العراق سياسيا وامنيا وعسكريا دون اي رادع عراقي او دولي.

ان طهران تتصور واهمة ان اقليم كوردستان، وبالذات عاصمته اربيل، ومناطق الحزب الديمقراطي الكوردستاني، هدفا سهل المنال، وان تهديده بالصواريخ والطائرات المسيرة سوف تغير من سياسة الحزب الديمقراطي الذي بقي وما يزال وسيبقى عصيا على اي تدخل خارجي ينال من حقوق الكورد واستقلال قرارات القيادة الكوردية، البارزانية بالذات، وتؤثر على تطوره الحضاري والاقتصادي واستثماراته، وانه سيكون طوع الاوامر الايرانية، وهذا يؤكد ان قادة ايران لا يقرأون ولا يستوعبون الدروس التاريخية للكورد وخاصة الحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة مسعود بارزاني، وانهم ينسون او يتناسون صمود البيشمركة وحروبهم على مدى قرن من الزمان ضد حكومات وجيوش العراق على مدى التاريخ وتضحياتهم الجبارة من اجل استقلال قراراتهم وكرامة وحرية الشعب الكوردي. وتوهمت طهران بان مجرد ارسال صواريخهم لقتل الابرياء وتهديم قراهم سوف يُخضع قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني للارادة الايرانية المتغطرسة.

لقد جربت ايران سياسة الصواريخ الفاشلة وقصفها لمدن اقليم كوردستان، خاصة اربيل، لمرات عدة وتحت اعذار واهية وكاذبة، ولم تفلح هذه السياسة عن نتائج تتناسب وتفكير عقلية السياسيين الايرانيين، بل زادت من صمود وشجاعة وقوة القرار الكوردي، البارزاني بصورة خاصة.

لقد عُرف عن اسلوب القادة السياسيين الايرانيين بتصدير ازماتهم الداخلية الى الخارج، ففي الوقت الذي تفجر فيه الشعوب الايرانية الحرة ثورتها ضد النظام الايراني على خلفية مقتل الشابة الكوردية مهيسا أميني على يد الشرطة الايرانية، واتساع هذه الثورة وتأييدها اقليميا وعالميا، فانها تلجأ الى قصف مدن اقليم كوردستان لتغيير اتجاه الاعلام والرأي العام المحلي والاقليمي والعالمي من ميادين ثورة الشعوب الايرانية الى خارجها، وهذا اسلوب عفا عليه الزمن وتم فضحه لمرات كثيرة ولن يؤثر سواء على الثورة داخل ايران ولا على ردود الافعال العالمية الغاضبة على سياسة طهران.

يحدث هذا في الوقت الذي تتباهى فيه الحكومة العراقية بان مساعيها لتقريب وجهات النظر بين السعودية وايران في طريقها الى النجاح، وهذا يعني ان بغداد تبذل جهودها لتبييض صفحة طهران واعادتها الى واجهة دول المنطقة، وكان على بغداد ان تسعى اولا للحد وبقوة من الاعتداءات الايرانية على الاراضي العراقية مستخدمة كافة الاساليب والقوانين الدولية وفي مقدمتها اللجوء الى مجلس الامن لردع طهران عن سياساتها العدوانية في العراق خاصة وعموم المنطقة عامة.

ونستغرب ان البرلمان العراقي وفي اول جلساته بعد الانقطاع الطويل اليوم الاربعاء، 28 ايلول 2022، لم يلتفت للاعتداءات الايرانية السافرة على السيادة العراقية ولم يناقش هذا الموضوع او في الاقل اعلان الحداد على ارواح المواطنين الكورد العراقيين الذين استشهدوا نتيجة هذا العدوان. غير هذا فان موقف الحكومة العراقية كشف عن ضعفها حيث اكتفت باستدعاء السفير الايراني ببغداد وتسليمه مذكرة احتجاج من قبل وزارة الخارجية، بينما كان الاجدر بابعاده او طرده، لكن سيادة البلد وارواح مواطنيه لا تستحق مثل هذه الاجراءات حسب تفكير حكومة بغداد وكأن اراضي اقليم كوردستان ليست عراقية ولا المواطنين الكورد عراقيين.

 

 

روداو

Top