• Friday, 29 March 2024
logo

العراق، الديمقراطية القلقة

العراق، الديمقراطية القلقة

طارق كاريزي

 

الديمقراطية بنسختها العراقية بدأت مشوارها الحقيقي بعد زوال النظام الشمولي وبدء الجمهورية الثانية. هذه الديمقراطية هي عملية قيد التجريب، وهي كالسيل فيه الغث والسمين، وهو بموازاة ذلك عهد جديد بكل ما تعني كلمة الجديد من أبعاد ومواقف وحقوق والتزامات. انه انقلاب حقيقي في نظام الحكم وطبيعة الحياة، وقد انعكس ذلك على مختلف مجالات الحياة بأبعادها الاقتصادية والاعلامية والثقافية في البلد. انها تجربة تنتج مرتكزاتها ذاتيا، مع ان العامل الخارجي (اعصار التغيير الذي جاء بفعل تحالف دولي قادته دولة عظمى) هو الذي حسم التغيير وفتح صفحة جديدة في التاريخ السياسي والاداري للدولة العراقية، الا ان الديمقراطية العراقية تجربة عراقية خالصة بمفرداتها وتحركها وانزياحها وتبلورها أيضا، تمتلك مساحة واسعة للمناورة بموجب الفاعلين الداخليين والرموز المؤثرة للقوى والشخصيات السياسية، وللعاملين الاقليمي والدولي دورهما المعروف والضروري، فهذه الديمقراطية الفتية في طريقها للتبلور والاختمار بالاستناد الى كل هذه القوى الفاعلة ان كانت داخلية أو خارجية.

تبقى اللعبة الديمقراطية العراقية رهن الممارسة والفهم السياسيين للنخب والقوى والقادة السياسيين العراقيين وخلفياتهم الأيديولوجية الى أجل غير معلوم. مع ان الأساس النظري لهذه الديمقراطية الشرق أوسطية يعتمد على المنتج الثقافي الغربي، علاوة على ان قوة غربية عظمى هي التي رعت الديمقراطية العراقية وزرعت بذرتها، الا ان المخاض العراقي شهد تفعيل العديد من المراجع الفكرية والنظرية ومارست القوى السياسية وقادة التنظيمات فعل وعملية التغيير من النظام الشمولي بكل جزئياته وتركاته نحو المختبر السياسي الذي كان لصوت الناخبين والشارع دورهما المشهود في توجيه البوصلة نحو بلورة مخرجات العملية.

احدى مميزات الديمقراطية العراقية تجسدت من خلال المؤسسة التشريعية التي تصدت للمشاريع التشريعية للقوى السياسية المسنودة من الشارع، ولعل قلة الخبرة السياسية لهذه القوى جعلتها تتعامل من منطلق المصلحة الآنية مع المؤسسة التشريعية والقوانين والقرارات التي تصدر عنها، بشكل جعل حالة من الانفعالية التشريعية والقلق القانوني سيدة الموقف في التجربة العراقية، وقد منح هذه الحالة المزيد من الزخم للتشريعيات التي أصدرها مجلس النواب العراقي. وخير نموذج يمكن أن نستشهد به حول ديمقراطية القلق بعنوانها العراقي هو التعديلات المستمرّة التي تطال قانون الانتخابات العراقية على المستويين المحلي والوطني.

مهما كان رأينا والخبراء حيال القوانين المعدلة وتوالي وتكرار التعديلات، فهي بالنتيجة تعبر عن حالة التجريب والقلق الديمقراطي الذي هو سيد الموقف بالنسبة للنسخة العراقية. ومن سلبيات هذه الحالة هو الهدر الكبير للوقت والجهود، وهي في ذات الوقت تعبر عن حالة الشك والقلق ازاء اسس الديمقراطية ومرتكزاتها على المستويين النظري والعملي الممارس. وحال عدم تعرض التجربة للنكوص، فان البلد ماض على سكة الحكم الرشيد والنظام الديمقراطي.

 

 

باسنيوز

Top