• Friday, 19 April 2024
logo

سانت ليغو .. محنة الصغار وسفينة نجاة الكبار

سانت ليغو .. محنة الصغار وسفينة نجاة الكبار

علي البيدر

 

حتى مطلع الفجر، استمرت جلسة البرلمان الخاصة بالتصويت على قانون الانتخابات العامة في البلاد ومجالس المحافظات، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على اهتمام المنظومة السياسية بشكل عام والنيابية على وجه الخصوص بالشعب، والسهر على تحقيق تطلعاته حتى لو تطلب الأمر المبيت في المؤسسات الحكومية خدمة للمواطنين.

سهرة البرلمان الأخيرة اختتمت بفوز وخسارة وكأننا في إحدى مباريات مراحل الإقصاء لبطولة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، الفائزون مع جماهيرهم انتشوا بما حققوا من نصر مؤزر على فريق عنيد كان يريد أن يسحب المباراة إلى الأشواط الإضافية وضربات الجزاء التي لا يمكن توقع نتيجتها وغالباً ما تؤول لصالح الفرق الضعيفة. 

الجلسة شهدت صافرة نائب أراد تعطيلها بعد فشله ورفاقه في كسر نصابها، مما جعلهم يقدمون على سلوكيات حسبت بالضد منهم، كانت الأسخن في العام الجديد والأكثر أهمية للكتل النيابية الكبيرة التي تريد تعزيز مكانتها في السلطة عبر تمرير قانون الانتخابات بنظام سانت ليغو المعدل الذي يضمن لها التواجد ثانية على حساب حضور صغار الأحزاب والفتية منها والشخصيات المستقلة، وهذا ما حصل لها. 

فما بين نصر وهزيمة سيتحققان في الانتخابات المقبلة للكتل المشاركة فيها، اعتمدت تلك التوقعات على نتائج المسابقات الانتخابية السابقة دون أن تنظر للمعطيات والمتغيرات التي طرأت على المشهد، فمن يرى أحقية الكتل والأحزاب الكبيرة بالفوز المرتقب، قد يكون "واهم" إلى حد كبير ، فلكل انتخابات حساباتها وظروفها المرحلية التي تؤهل الفائزين وتبعد منافسيهم عن المشهد. 

مخاوف المعترضين على القانون ونظام الانتخابات أوصلت رسالة إلى الشارع العراقي توحي باحتكار السلطة أو ابتلاعها من قبل الأحزاب الكبيرة عبر هذا القانون، وأن الانتخابات ستكون محسومة لصالح الكبار حتى لو خرج العراقيون عن بكرة أبيهم وصوتوا بالضد منهم . 

خطأ سائد يردده المحبطون دائماً، بدليل أن الاستنفارات الحزبية والسياسية مالياً وجماهيرياً تكون على أوجها قبيل الانتخابات، فلو كانت النتيجة محسومة مسبقاً مثلما يروج بعضهم، لما رأينا سياسياً يتجول بين أزقة وحواري المناطق الشعبية، يطوف على رؤوس الفقراء مقبلاً وماسحاً لها، آملاً في الحصول على رضاهم واستعطاف أصواتهم .

المخاوف السياسية للمعترضين على هذا القانون والمتمثلة بتصريحات بعض الكتل السياسية والشخصيات النيابية "خصوصاً" جاءت من خلال استشعارها بخطر عدم ضمانها للفوز نتيجة الأخطاء السياسية التي اقترفتها عبر سلوكيات رصدها الجمهور خلال المراحل السابقة، ولم يكن راضِ عنها، هذا من جانب من جانب آخر، فأن درجة الخذلان الذي تعرض له جمهور النواب المستقلين مَثّل نكسة سياسية لهم. 

فالابتعاد الواضح عن الجماهير والتخبط في اتخاذ القرارات جعل تلك الجماهير تضمر العداء لممثليها في البرلمان من النواب المستقلين الذين لم يعد أمامهم سوى الانصهار في كتلة انتخابية واحدة لمواجهة مد الأحزاب الكبيرة، هذه النقطة يصعب تحقيقها لغياب التوافق والانسجام بين تلك الأطراف لأسباب عديدة في مقدمتها غياب النضج السياسي وعدم رغبة البعض منها في تقديم تنازلات. 

إن القانون الجديد لا يعتمد على إقصاء التيارات الصغيرة والناشئة والعناوين المستقلة مثلما يتم الترويج لذلك من قبلهم، فسانت ليغو بطبيعته يمنح الغلبة لمن يمتلك الحضور الجماهيري، مبقياً على فائض الأصوات المتحققة بعد الفوز داخل القائمة، وهنا سيستفيد مرشحون آخرون من ذلك، يكونون في مصاف الفائزين عبر الاستفادة من هذه الخدمة. 

التجارب السابقة لهذا القانون مكنت بعض المرشحين من تحقيق الفوز بأقل الإمكانيات مستفيدة من أصوات القائمة، وهذه النقطة قد تجبر الزعامات السياسية، خصوصاً تلك التي حاولت أن تعتكف أو تكتفي بدور إشرافي، للعودة مجدداً للساحة الانتخابية، بل ستعمل بعض الكتل على استقطاب بعض الشخصيات لقوائمها من أجل الحصول على الأصوات، مما يجعل الكتل السياسية تعمل على الحصول على أعلى فائض للأصوات من أجل ضمان تحقيق أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات المقبلة خصوصاً أن نظام سانت ليغو لا يبدّد الأصوات، فالفائز بالانتخابات سوف يمنح أصواته المتبقية للمرشح الآخر ضمن قائمته، ولهذا فأن الزعامات ستعود للمشهد الانتخابي حتى تعطي أصواتها للمرشحين الآخرين ضمن القائمة. 

كما أن الانتخابات المقبلة سوف تشهد صراعاً جديداً تحت عنوان (عودة الزعامات)، وهذه الزعامات سوف تُجبَر على التواجد قرب المواطنين في الشارع، كونها خلال الفترات الماضية كانت في أبراج عاجية، ولهذا هي ستكون مجبرة لتكون قريبة من الشارع العراقي من أجل ضمان حصولها على الأصوات. 

من هنا نستطيع القول إن سانت ليغو المعدل لا يخدم الكتل الكبيرة ولن يعاقب الكتل الصغيرة، فهو لعبة أرقام تعطي من يعطيها، بدليل أن انتخابات العام 2009 لمجالس المحافظات حصل أحد المرشحين المستقلين الذي لم يرفع أي ملصق قبل الانتخابات على 13 % من مجموع أصوات محافظته متغلباً على الكتل الكبيرة، وهذا ما يؤكد إمكانية فوز المستقلين والكتل الصغيرة في أي قانون ونظام انتخابي بغض النظر عن الحسابات الرياضية التي يحتويها. 

ختاماً.. من يمتلك قاعدة جماهرية عريضة يمكنه الاتكاء عليها وآليات حقيقة للفوز، فهو قادر على انتزاعه  تحت أي قانون، ومن دخل الانتخابات مكتفياً بشرف المشاركة، فلن يحصل على أكثر من ذلك.

 

 

روداو

Top