• Thursday, 02 May 2024
logo

الدينار المتأرجح بين بغداد وكوردستان

الدينار المتأرجح بين بغداد وكوردستان

طارق كاريزي

 

يرمز الدينار في عنوان المقال الى عموم الاشكالات المالية والنزاع على توزيع الثروة ومفردات الموازنة العامة في العراق الاتحادي، وموضوعنا هنا بالتحديد يخص حيثيات هذا النزاع بين العاصمة الاتحادية بغداد واقليم كوردستان.  

العلاقة القلقة غير المستقرّة بين بغداد واقليمها الكوردستاني، تعود بالضرر على الطرفين. الاستقرار الناتج عن تفاهمات مشتركة، والذي هو نتاج مثمر لعقد سياسي يحقق العدالة وشروط المصلحة المتبادلة بين طرفي المعادلة، يصب في مصلحة العراق عموما. أكثر من قرن من عمر الدولة العراقية، يقدم سجلا حافلا بالأحداث الملتهبة بين الجانبين دفع الطرفان فاتورتها باهضا. لم تدخر الحكومات السابقة خلال العهدين الملكي والجمهورية الأولى جهدا في تجريب أساليب شتى للتعامل مع القضية الكوردية التي نسج الانكليز خيوطها بضمن طيّات خططهم الاستعمارية لرسم الخرائط السياسية بعد دحر الامبراطورية العثمانية في الربع الأول من القرن العشرين. كل هذه الاساليب خلال العهدين المنصرمين، لم تفضي الى حل نهائي وحاسم للقضية الكوردية، بل ظلت هذه القضية ملتهبة تترك ظلالا معتمة على الواقع العراقي وشكلت، اضافة الى عوامل أخرى، عوائق أمام نهضة البلد.

جاء بناء الجمهورية الثانية بأيد خارجية كما الأولى وبموجب نموذج أمريكي عنوانه الديمقراطية والحرية. مثلما جاء تأسيس المملكة العراقية وفق مشيئة المستعمر أو دولة الاحتلال البريطاني، كذلك جاء تأسيس الجمهورية الثانية وفق تصورات (المحتل) الامريكي. الاسهام العراقي في التجربة الأولى كان شبه منعدم، الا ان الاسهام العراقي في التجربة الثانية كان حاضرا وهامشيا أو مساعدا في اسقاط النظام الشمولي ومن ثم البدء بعهد عراقي جديد. هذا العهد الجديد أرسيت اسسه وفق دستور عام 2005 باعتباره العقد السياسي الذي يضمن العدالة والمساواة، ويؤطر ويضمن الحقوق والواجبات لجميع الأطياف العراقية. مع ان هذا العقد الجديد نال دعم مكونين من الثلاثية العراقية (الشيعة والكورد)، فيما أبدى المكون الثالث (السنة) اعتراضهم وعدم رضاهم ازاء الدستور، معتبرين اياه واجهة لمخطط المحتل.

لا جدل في ان الدستور الذي بني بموجبه الجمهورية الثانية هو على درجة عالية من الرقي، وكان بمثابة عقد متقدم لاعادة بناء الدولة العراقية على أساس عريض من العدالة والمساواة، الا ان تجربة (18) عاما الماضية أظهرت البون الشاسع بين أسس الدستور الذي يشكل العقد الجامع بين الأطياف العراقية بغض النظر عن ثقلها السكاني والمرجعية السياسية لهذه الأطياف، وبين السلوك السياسي والاداري للمؤسسات الاتحادية التشريعية والتنفيذية والقضائية التي تخضع لمصالح حزبية وجهوية وتضرب في كثير من الأحيان روح العقد السياسي (الدستور) الذي بني على أساسه الجمهورية الثانية، عرض الحائط.

تتعامل الحكومة الاتحادية عبر العديد من مسؤوليها بنوع من الاستعلاء والاستقواء مع اقليم كوردستان، بل تصل الأمور في أحيان ومواقف عدة الى حد اشهار السيف بوجه الاقليم ومعاداته وكأنه كيان غريب في جسد الدولة العراقية. ربما الحسد والغيرة القاتلة هي التي تحرك المشاعر العدائية لدى عدد من المسؤولين في بغداد حيال اقليم كوردستان. تصريحات وزيرة المالية في الحكومة الاتحادية ومواقفها المتشددة حيال الاستحقاقات المالية لاقليم كوردستان، ينم عن الاقصاء والنظر الى الاقليم وسكانه من منظار المواطنة في الدرجة الثانية، والا بماذا يمكن ان نفسر تصريح السيدة الوزيرة حين تقول، الأولوية بالنسبة لنا هي رواتب موظفي العراق وليس اقليم كوردستان، وأكدت "سبق وأن قلت، ما لم نقوم بتوزيع رواتب موظفي العراق، لن نرسل دينارا واحدا الى الاقليم." وجاءت تصريحات الوزيرة خلال اليومين الماضيين أكثر شدة وقسوة ضد كوردستان والشعب الكوردي.

هذه التصريحات تنم عن حالة من الاقصاء السافر والتمييز المعلن ضد اقليم كوردستان. يستقرأ من لغته الفوقية حالة من التذمر والنفور حيال الاقليم. ان الاقليم لديه ما يكفي من الثروات والكفاءات الادارية التي تؤهله لادارة شؤونه المالية، وسبق وأن نجح الاقليم في تنظيم اقتصاده وبكفاءة جديرة. الحكومة الاتحادية في بغداد تضع العراقيل أمام ممارسة الاقليم ادارة شؤونه المالية بنفسه، وفي ذات الوقت هي غير مستعدة لتزويد الاقليم بحصته من الموازنة العامة، اسوة بباقي المناطق العراقية. وهذه اشكالية كبيرة ومؤثرة تستوجب البحث عن حلول جذرية عادلة.

سعت الحكومة الاتحادية الى ايقاف تصدير النفط من كوردستان، وجاء القرار القضائي من باريس. طيب، ما الذي جنته الحكومة العراقية من ايقاف تصدير البترول الكوردستاني؟ هل ان الحرب الاقتصادية من قبل بغداد ضد أربيل أتت بثمار لصالح العراق؟ من المؤكد ان الخطوات العقابية ضد اقليم كوردستان لا تصب في صالح الطرفين. الاشكالية هي في التفكير غير الواقعي، نقل الصراع من الساحة السياسية بين الجانبين الى الساحة الاقتصادية، لن تجدي بالنفع لأي منهما. الأجدر بالطرفين الركون الى حلول واقعية. ومن المهم التفكير ببدائل مجدية، مثلا يمكن ارساء العلاقة الاقتصادية بين الاتحادية والاقليم على أساس التكامل والتكافل. ومنح الاقليم الاستقلالية الاقتصادية مع مراعاة تدقيق اجمالي ايرادات الطرفين، بالشكل الذي يحقق العدالة في توزيع الموارد. قد يكون هكذا اجراء بديلا عمليا يدعم الاقتصاد العراقي ويعطيه المزيد من المرونة، وأيضا يحلحل خيوط الأزمة بين الجانبين، وبعكسه فان ممارسة الضغط الاقتصادي والمالي على كوردستان، سيأتي بنتائج عكسية خارج توقعات ممارسي هكذا ضغوطات.

 

 

 

باسنيوز

Top