• Tuesday, 30 April 2024
logo

العراق .. ثالثاً في مقياس البطالة، ثامناً في العدوان

العراق .. ثالثاً في مقياس البطالة، ثامناً في العدوان

محمد زنكنة

من الواضح بأن العام 2024 وهو يقترب من ثلثه الأول، لم يحمل بشائر التفاؤل التي تمناها العراقيون للخروج بحلول من المشاكل والأزمات التي واجهت البلد خلال الأعوام الأربعة الماضية، وتحديداً بعد فترة تشرين وما أعقبها من أحداث منذ انتشار جائحة كورونا وعمليتين انتخابيتين وانسدادات سياسية والعديد من الأزمات المفتعلة التي مازالت تتجدد يوماً بعد يوم.

اقتصادياً أشارت الاحصائيات المتعلقة بآخر المستجدات المتعلقة بالوضع الاقتصادي إلى أن العراق يحتل المرتبة الأولى عربياً والثالثة عالمياً في معدل البطالة بوجود ما لا يقل عن ثمانية ملايين مواطن تحت خط الفقر، ولم تخف وزارة التخطيط العراقية أن النسب التي تتحدث عنها الاستبيانات الدولية والعالمية والمتعلقة بالكشف عن نسبة البطالة والفقر في العالم لم تتحدث عن الأرقام الحقيقية التي يسجلها العراق يوميا حول هذا الملف.

ولا يتوقف الخطر هنا، ليأتي الخبر السيء الثاني والذي يضع العراق سياسياً ومجتمعياً في مراكز متقدمة في قائمة الأكثر عدوانية آسيوياً وعالمياً، حيث بينت هذه المصادر وبالاعتماد على تقارير تخص السفر والسياحة في العام 2019 وتصنيفات الدول الترحيبية للعام 2024 بالاعتماد على قوة ونوعية جواز السفر، وفي هذا المجال أيضاً لم يسلم العراق من تصنيفات ياهو فينانس وإنسايدر مونكي والتي بينت بأن العراق ضمن الدول الأقل ودية على مستوى العالم، وهذا ما يؤشر وبحد ذاته إلى وجود كوارث كثيرة وكبيرة تنتظر العراق بسبب العنف الناتج عن المشاكل والأزمات الاقتصادية والتي تتسبب بها الخلافات والأزمات السياسية، ويدق ناقوس الخطر لاستقبال جيل من أكثر الأجيال شراسة وعدائية.

وعلى الرغم من المعاناة التي يعيشها المواطن العراقي والذي يطالب بأية فرصة للعمل مهما كانت بسيطة، إلا ان الثروات الطبيعية والتي من الممكن أن توفر استثماراتها آلافاً من فرص العمل، باتت هي المشكلة الأكبر في العراق، حيث تبلغ الخسائر الناجمة عن ثانية واحدة من الغاز المتدفق من حقول كركوك دون استثمار حوالي عشرة آلاف دولار في الثانية ناهيكم عن الأضرار البيئية الناجمة عن دخان الغاز المتدفق من هذه الحقول، في وقت تشير فيه أيضاً دراسات تتعلق بالبيئة إلى أن العراق من البلدان المهددة بمزيد من التلوث وهي على لائحة أكثر الدول خطراً من حيث تلوث البيئة.

وفي ذات الاطار، تسجل المنظمات الدولية التي تحارب الفساد بأن المحسوبيات والتدخلات السياسية للأحزاب المتنفذة في جنوب العراق تحول دون تنفيذ الآلاف من المشاريع المقترحة من قبل الجهات المسؤولة بل الأدهى أن نسبة كبيرة من المشاريع المقترحة ليست إلا مشاريع وهمية، هذا بالإضافة إلى النفوق الخطير في الثروة السمكية ومشاكل تتعلق بملوحة التربة وعدم صلاحيتها للزراعة واستمرار التلوث في مصادر المياه ولا نتحدث هنا عن الآلاف من الموظفين الوهميين ورواتب بملايين الدولارات تذهب هدراً وتسجل على ميزانية الدولة، أوليست هذه حججا كافية لتوقع المزيد من العنف في العراق؟

ولا تخفي الأطراف الدولية مخافتها من فساد شركات الاتصالات والإنترنيت والمدعومة من قبل أطراف ميليشاوية من المتنفذين في الدولة وخصوصاً المتورطة في تسهيل أمور تهريب الأموال والسلاح بحجة مقاومة الولايات المتحدة الامريكية والتحدي هنا واضح لكل المؤسسات والجهات ذات العلاقة بهذا الموضوع والتي تسكت إما مرغمة أو شريكة في هذه التجاوزات.

وفي المقابل، تأتي هيئة الإعلام والاتصالات وتضع كل التجاوزات في هذه المنظومة المهمة جانباً لتلتفت لشركة كورك والتي تأسست بأيد وسواعد محلية وطنية وقدمت كل خدماتها للصالح العام وتعمل على فصلها عن الشبكة الدولية وإبقائها في حدود ضيقة ومساحة محدودة وهذا ما لا يتواءم مع القوانين والإجراءات المعمول بها.

وهنا أيضاً يجب ان نذكر، بأن هذا الاجراء سيتسبب بمزيد من البطالة في العراق، لأن كل في فرع من شركة كورك يعمل ما لا يقل عن 200 موظف ولهؤلاء الموظفين عوائل يعتمدون على الرواتب والحوافز المقدمة من قبل الشركة، ناهيكم عن المئات من المهندسين والفنيين وخبراء الأبراج والعمال الذين قدموا للشركة وللمشتركين العديد من الخدمات بكل إخلاص.

ان المحاولة لخلق فرص الاحتكار لدى شركات الاتصالات في العراق ستكون له العديد من التبعات السيئة التي ستؤثر على بقية القطاعات وستكون تمهيدا لتكرار هذه التجربة في كل ما يتعلق بالاقتصاد العراقي، وبذلك ستكون فرص العمل وتوفيرها من اختصاص المتحكمين بهذا الموضوع ليتحول الملف الاقتصادي بالكامل إلى شلة معينة تتحكم بخيرات العراق وهذا ما سيفتح جروحا لم تلتئم منذ اكثر من عشرين عاماً، حيث كان المقربون من نظام البعث السابق هم من يحق لهم تحديد كل ما يتعلق بخيرات هذا البلد الذي لم يكن يوماً لمواطنيه.

ما نراه اليوم ، يناقض تماماً القانون رقم 14 (قانون المنافسة ومنع الاحتكار) والصادر من مجلس النواب العراقي في الأول من آذار لعام 2010 حيث ينص في مادته الثانية على ان هذا التشريع يهدف الى تنظيم المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الضارة بالمجتمع التي يقوم بها المستثمرون أو المنتجون أو المسوقون أو غيرهم في جميع النشاطات الاقتصادية، وعلى مجلس شؤون المنافسة ومنـع الاحتكـار ان يعي خطورة هذه الخطوات التي نراها من قبل المتنفذين في الدولة والتي ستضاعف من نسبة البطالة في العراق بوجود اجراءات الاحتكار والغش والتلاعب بمقدرات البلد لأن التقارير الصادرة عن الجهات الدولية المختصة بدراسة الاوضاع الاقتصادية في العراق غير مطمئنة ولا تشير ابدا إلى نتائج ايجابية لطالما استمرت هذه التصرفات والإجراءات التعسفية.

ومن الواضح جدا بأن الحكومة العراقية لا تمتلك اية حلول لهذه الظاهرة التي باتت تهدد الاقتصاد العراقي والذي يعتبر احد اغلى بلدان العالم من حيث الثروات الطبيعية والبشرية بل ان الاجراءات التي تتحذها الحكومة تساهم يومياً في ارتفاع نسب البطالة والتي ستتحول في اية لحظة إلى قنبلة موقوتة تهدد وجود الدولة، حيث مازلنا نتذكر ما الذي حصل في عام 2014 وماهي الأسباب التي أدت بالكثير من الشباب إلى الانجراف نحو المغريات المادية التي اجبرتهم على الانضمام لصفوف الارهابيين.

لقد استغلت التنظيمات الارهابية ومنذ تمهيد تواجدها في العراق قبل سقوط النظام السابق البطالة والوضع الاقتصادي الغير مستقر لجذب اكبر عدد من الشباب إلى صفوفها والعمل على اعدادهم بكافة مراحل غسل الدماغ والإغراءات المختلفة، ليضعوا اساسا دمر ثلث العراق في عام 2014 وتسبب في ازمات اقتصادية محلية واقليمية وعالمية ومازالت آثارها موجودة إلى يومنا هذا ومازال الشعب العراقي يعاني من تبعات هذا التسيب، حيث الآلاف من المعتقلين وآلاف أخرى محتجزون في المخيمات وخلايا نائمة لم تصل اليها السلطات الامنية إلى الآن، وهي الآن تتربص لأي تغيير سلبي يصيب العراق ليكون بمثابة الطريق المعبد الذي ستدخل منه إلى عمق المجتمع لتكرر ما فعلته قبل عشرة اعوام ودون ان يكون لها رادع، لذلك من الواجب ان نضع الحكومة الاتحادية تحت مجهر المساءلة، والأهم من ذلك: هل للحكومة خطط للرد أو الردع أو حتى لتدارك هذه الأزمات؟

 

 

 

روداو

Top