• Tuesday, 30 April 2024
logo

قراءة لقرار المحكمة الاتحادية العليا بالغاء كوتا المكونات لانتخابات برلمان اقليم كوردستان

قراءة لقرار المحكمة الاتحادية العليا بالغاء كوتا المكونات لانتخابات برلمان اقليم كوردستان

بتاريخ 21-2-2024 قضت المحكمة الإتحادية العليا إلغاء (11) مقعداً من مقاعد الكوتا في برلمان أقليم كوردستان والخاصة بأبناء الأقليات القومية من (الكلدان السريان الاشوريين والتركمان والأرمن،  كما جاء بالقانون رقم (1) لسنة 1992 لبرلمان اقليم كوردستان) لتسلب منهم حقوقهم وحرياتهم السياسية من الترشيح والتصويت وإنتخاب ممثليهم، إذ يعد هذا القرار مخالفة دستورية واضحة وصريحة ويعتبر قرارا سياسيا بحتا خارج السياقات القانونية ومخالف للمادة (5) من الدستور كونه السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية.

إنّ قرار الإلغاء هذا كمخالفة دستورية واضحة لا ينسجم مع مواد وفقرات الدستور في عدد من مواده الخاصة بالحقوق والحريات السياسية والمدنية، فالمادة (14) جاءت لتحقيق المساواة بين جميع ابناء الشعب العراقي بدون التمييز وبهذا القرار فان التمييز بالضد من الاقليات بات واضحاً وصريحاً، والمادة (16) الخاصة بمبدأ تكافؤ الفرص لجميع العراقيين فأين تكافؤ الفرص بعد حرمان ابناء الاقليات من حقوقهم المدنية والسياسية، والمادة (49/اولا) الخاصة بضمانة حق تمثيل كافة العراقيين في الانتخابات ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب العراقي، وهنا تم حرمان الاقليات العراقية من التمتع بحقهم في التمثيل التشريعي والسياسي، والمادة (125) الخاصة بالحقوق الادارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة كالتركمان والكلدان والاشوريين، وهنا همشت حقوقهم السياسية ويؤثر سلباً على حقوقهم الادارية والثقافية والتعليمية.                      إنّ حق الكوتا الذي منح للمكونات من قبل برلمان اقليم كوردستان كان من اجل تمثيلهم في  السلطة التشريعية والعملية السياسية بصورة عامة، وقد كان مبنياً لترسيخ مبدأ التعايش السلمي وقبول الاخر واحترام خصوصيات المكونات القومية والدينية ولم يقف عند هذا الحد بل تعداه بتشريع قانون رقم (5) لسنة 2015 (قانون حماية حقوق المكونات في كوردستان - العراق) النافذ حالياً لهذا الاساس فأن حق منح الكوتا للمكونات القومية في البرلمان الكوردستاني لا يتعارض مع المادة (۲۰) من الدستور العراقي والمادة (121/ اولاً) الخاصة بسلطات الأقاليم بالحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، لذا كان الاجدر بالمحكمة الإتحادية العليا لما يتمتع اعضاؤها من الخبرة والحكمة وانطلاقاً من مفهوم تشكيل هذه المحكمة التي تتمتع بالاستقلالية بشكل كامل عن القضاء العادي، ولا يوجد اي ارتباط بينهما والتي تضمن حماية الحقوق والحريات العامة وفق الدستور، اصدار قرار بتصحيح آلية منح الكوتا ان كان منقوصاً في القانون الذي جاءت منه، وليس الغاءها ابتداءً من مرحلة الترشيح مرورا الى التصويت وحساب الاصوات ومعالجتها، بدلاً من اختيار أسوء الاختيارات، وهو الغاء الكوتا وحرمان هذه الأقليات القومية من حقوقها، كما اننا طالبنا بوقتها وبمشروع قانوني لتنظيم الكوتا وتمثيل الاقليات في السلطة التشريعية، وبذات الوقت كانت المطالبات من قبل الاكثرية من الاحزاب والشخصيات السياسية بابعاد الاقليات عن الصراعات السياسية والحزبية من خلال الاستحواذ عليها وتوظيفها في قضايا بعيدة عن تمثيل الأقليات وحقوقها، وان يبدأ بتحديث سجل ناخبي المشمولين بالكوتا بسجل خاص لابناء هذه الاقليات حصرا، ولها الحق بالترشح والتصويت لمرشحيها، وكذلك بان تكون قائمة مرشحي الكوتا للاقتراع مستقلة بذاتها ولا تدرج اسماء مرشحي الكوتا ضمن القوائم العامة، وتخصيص يوم خاص وصناديق خاصة بالكوتا ليوم الاقتراع، وان هذا الاجراء يعد الطريقة الامثل لعدم تدخل احزاب السلطة والاحزاب الكبيرة والجهات الامنية والعسكرية، واستخدام المال السياسي لرفد الاصوات لاتباعهم واخراج الكوتا من محتواها كما جرى في الانتخابات النيابية العراقية الاخيرة ليوم 10 تشرين الاول سنة 2021 .

وهنا لابد ان نسأل من المحكمة الاتحادية العليا العراقية لماذا تمثيل الكوتا في مجلس النواب العراقي للمسيحين معمول به ومنحت الكوتا لمحافظات العراق (بغداد ونينوى وكركوك واربيل ودهوك) لكل محافظة مقعد واحد، وايضا منح الكوتا في مجالس المحافظات في كل من (بغداد ونينوى وكركوك والبصرة) مقعد واحد لكل محافظة واعتبر حق مكفول دستورياً ولا يتعارض مع المواد الدستورية وانما الكوتا الممنوحة لهم في  برلمان أقليم كوردستان غير دستورية، وتتعارض مع المادة (16) من الدستور الخاصة بمبدأ تكافؤ الفرص لجميع العراقيين؟؟؟.                                    ان قرار الغاء الكوتا يقوض الأسس الديمقراطية والتعددية والتنوع والتعايش القومي والديني السلمي للمجتمع العراقي، التي بنيت عليها التجربة السياسية في اقليم كوردستان منذ سنة 1992في الدورة الانتخابية الاولى، وفي العراق بعد سنة 2003 ومن الدورة البرلمانية الاولى في انتخابات سنة 2005، ولهذا فأنه يعتبر مؤشر خطير جدا لتراجع الديمقراطية وحقوق الإنسان والشراكة الوطنية والحقوق والحريات التي تعتبر من المبادئ الأساسية التي قامت عليها العملية السياسية في العراق الجديد بعد عام 2003، والمضي بهذا الطريق فأن نتائجه لا محال ستؤدي للمزيد من التضييق على الحريات والحقوق الأساسية، ومبدأ المواطنة والديمقراطية التي تحققت بدماء وتضحيات كافة ابناء الشعب العراقي ومن ضمنها ابناء الاقليات القومية والدينية والمذهبية العراقية، التي قدمت تضحيات جسيمة خلال العقود الماضية في سبيل دحض الانظمة الدكتاتورية الاستبدادية والنظام السياسي المركزي من اجل نيل حقوقها العادلة والمشروعة.

لقد اصبح واضحا جدا لدى الغالبية العظمى من أبناء هذه الأقليات بأن قرار المحكمة الاتحادية بإلغاء حقهم في الكوتا للتمثيل في برلمان اقليم كوردستان، إنما هو رسالة سياسية تحمل معاني خطيرة وأولها التراجع عن الاعتراف بوجودهم القومي ضمن النسيج الوطني حالياً في اقليم كوردستان ولاحقاً في عموم مناطق العراق، وهذا الأمر يسهل ويشرع الطريق للعودة إلى سياسة إلغاء الآخر المختلف مع الاغلبية قومياً ودينياً ومذهبياً وعرقياً ولغوياً، بدأت اليوم بهذا القرار بالأقليات القومية والدينية الصغيرة، ثم إلى المكونات الأكبر المشتركين حالياً في العملية السياسية العراقية ، وصولاً إلى عودة مفاهيم التسلط السياسي المركزي ودكتاتورية الأغلبية التي تخلص منها الشعب العراقي بعد عقود طويلة من النضال والتضحيات.

وفق المعاهدات والاتفاقات الدولية وبالاخص تلك التي وقع عليها العراق، واصبح ملزماً بتنفيذها وكونه عضو مؤسس في عصبة الامم وحالياً عضواً في الامم المتحدة ومنذ سنة 2006 عضواً مشاركاً في مجلس حقوق الانسان في جنيف في الاستعراض الدوري الشامل ( UPR) لتحسين اوضاع حقوق الانسان العراقي، وكذلك الاعلان العالمي لحقوق الانسان (كإعلان وليس الزاما) والعهد الدولي الاول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاعلان العالمي بشان حقوق الاشخاص المنتمين الى اقليات قومية واثنية ودينية ولغوية، وكذلك مجموعة من البروتوكولات والصكوك والمواثيق الدولية التي تحمي حقوق الاقليات التي وافقت عليها دولة العراق ووقعتها.

نستخلص من كل ماجاء اعلاه بان :

1- ان المحكمة الاتحادية العليا لم تلتزم باختصاصاتها التي رسمها الدستور العراقي الدائم لسنة 2005  وفق المادة (92) منه، حيث لم تعد مستقلة ووضعت نفسها بديلا عن السلطة التشريعية وهذا يخالف مبدأ الفصل بين السلطات وفق المادة (47) من الدستور.

2- المحكمة الاتحادية العليا لها صلاحيات محددة ضمن المادة (93) من الدستور ولا يجوز ان تتعداها وتتجاوز على اختصاصاتها.

3- ان المادة (115) من الدستور تنص: (كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم في حالة الخلاف بينهما).

4- كما ان المادة (141) من الدستور تعطي حق الالزام باستمرار العمل بالقوانين التي تم تشريعها في إقليم كوردستان منذ العام ١٩٩٢ ٬ وتعد القوانين المشرعة من قبل برلمان اقليم كوردستان والقرارات المتخذة من قبل حكومة الإقليم بما فيها قرارات المحاكم والعقود نافذة المفعول مالم يتم تعديلها او الغاؤها حسب قوانين الإقليم من قبل جهة مختصة فيها ومالم تكن مخالفة للدستور .

5- وفقاً للقانون رقم (1) لسنة 1992 الصادر من برلمان اقليم كوردستان والذي حدد اعضاء برلمان اقليم كوردستان (111) مقعد والملحق الذي الحق به بتخصيص (5) مقاعد للمسيحيين، فانه قد صدر قبل كتابة الدستور العراقي واعتماده دستوراً دائمياً والمادة (141) منه تعترف بيه رسمياً وتعتبره نافذا وليس مخالفا له.

6- ان المحكمة الاتحادية بدلا من ان تلتزم باختصاصاتها التي رسمها الدستور فانها وضعت نفسها بديلا عن السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس النواب العراقي وبرلمان اقليم كوردستان، وتجاوزت اختصاصاتها، وأصدرت قرارات تتجاوز النص التشريعي.

7- ان إلغاء (11) مقعد التي تمثل كوتا المكونات القومية في اقليم كوردستان من الكلدان السريان الاشوريين والتركمان والارمن  وان لم يرد بها نص في الدستور العراقي، الا ان جرى العمل بها في انتخابات مجلس النواب الاتحادي ومجالس المحافظات، دون أي اعتراض او احتجاج، وبذلك عدت المحكمة بسكوتها عن انتخابات مجلس النواب الاتحادي ومجالس المحافظات، تجاوزا على معيار النظر بالمساواة التي ينبغي ان يتوفر في قراراتها على الجميع .

             

                                                                             ضياء بطرس صليوا

                                                                الرئيس السابق للهيئة المستقلة لحقوق الانسان

                                                                          اقليم كوردستان / العراق

                                                                              13 آذار 2024

 

Top