• Friday, 03 May 2024
logo

المفكر العربي الكبير عبد الحسين شعبان لمجلة گولان:ما يحتاجه العراقيون هو الأمن والأمان

المفكر العربي الكبير عبد الحسين شعبان لمجلة گولان:ما يحتاجه العراقيون هو الأمن والأمان

الشعب الكردي عاش اضطهادًا مزدوجًا ومركبًا

 مشكلة إقليم كردستان مع بغداد أبعد من حدود المحكمة الاتحادية

 أدعوا إلى وستفاليا مشرقية على أساس حق تقرير المصير بين الترك والفرس والكرد والعرب

 قرار محكمة العدل الدولية تاريخي ومنصف وعادل لوصف جرائم الاحتلال الإسرائيلي باعتبارها "حرب إبادة جماعية"

 زيارة رئيس الوزراء العراقي للولايات المتحدة ولقاءاته مع بايدن وكبار المسؤولين، وكذلك الحرب بين إسرائيل وحماس، وكذلك هجوم إيران على إسرائيل، ومن ناحية أخرى سلوك المحكمة الاتحادية ضد إقليم كردستان . وبالإضافة إلى الاضطهاد الذي تعرض له الكورد والشيعة على يد الحكومات العراقية المتعاقبة، هذه كلها محاور هذه المقابلة مع المفكر العربي الشهير الدكتور عبد الحسين شعبان:

گولان: على وشك أن تتحول الحرب بين إسرائيل وحماس إلى حرب شاملة في المنطقة وتتّجه الأوضاع سوءًا يوما ًبعد يوم، كمفكر تعيش هذه الأوضاع، ما هي قراءتكم الآنية والمستقبلية لها؟

 عبدالحسین شعبان: الحرب التي بدأتها إسرائيل بعد عملية طوفان الاقصى في 27 الاول / اكتوبر 2023، هي حرب إبادة شاملة ضد الشعب العربي الفلسطيني، ليست في غزة فحسب، بل في الضفة الغربية أيضًا، وهي حرب ضد الفلسطينيين في كل مكان، حيث استهدفتهم تل أبيب في سوريا ولبنان أيضًا.

لم تميّز إسرائيل بين المقاومين والمدنيين الأبرياء العزل، فما معنى أن يتم تهجير أكثر من مليون و600 ألف فلسطيني باتجاه رفح جنوب قطاع غزة، وأن يُحرم عموم السكان من الغذاء والماء والدواء وجميع الحاجات الضرورية للعيش، وأن يقتل الأطفال والنساء والشيوخ بلا رحمة وبدم بارد أمام مرأى ومسمع من العالم أجمع، وأن تُقصف المستشفيات والطواقم الطبية، وأن يُقتل الصحفيون؟

وما زال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يراهن على استمرار الحرب وتوسيع رقعتها وامتداداتها، متوعدًا باجتياح رفح، وهدفه إطالة أمد الحرب لأنه ما أن تتوقف فإنه سيمثل أمام القضاء بتهم الفساد التي تلاحقه.

كل ذلك يتم وهو يزعم أن إسرائيل تدافع عن نفسها، والعالم كله يعرف أن إسرائيل تحتل منذ العام 1967 ما تبقى من فلسطين، بما فيها القسم الشرقي من القدس الشريف وجزء من أراضي سوريا (الجولان) ولبنان (مزارع شبعا) وتتغول على الأردن، وذلك خلافا لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، ولاسيّما القرار 181 لعام 1947 المعروف بقرار التقسيم والقرار 194 لعام 1948 الخاص بحق العودة.

 حرب إبادة جماعية

 لقد دانت محكمة العدل الدولية إسرائيل لقيامها بحرب إبادة جماعية، حيث بدأ العالم يعيد النظر بالموقف منها، على الرغم من أنها ما تزال مدعومة من الولايات المتحدة والدول الغربية، وأصبح موضوع حل الدولتين مطروحًا على بساط البحث، علمًا بأن العديد من يهود العالم، ولاسيّما الشباب، أخذوا ينظرون إلى ما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين من ارتكابات وجرائم باعتباره أقرب إلى الهولوكوست الذي تعرض له اليهود على يد الألمان النازيين في أوروبا. 

الدولة والسلاح

 گولان:  لقد أصبح العراق ومعه إقليم كردستان جزءًا من الصراع الدائر في الشرق الأوسط، خاصة عندما تهاجم عدد من الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون اقليم كردستان، كيف يمكن لحكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية أن تتصرف لتجنب التورط في هذه الحرب المدمرة؟

 عبدالحسین شعبان : إن استمرار وجود السلاح خارج القانون وبيد جماعات مسلحة، سواء كانت سياسية أم دينية أم طائفية أم عشائرية، يُلحق أكبر الأذى بالدولة العراقية وسمعتها، وإذا ما أريد الحديث عن دولة، فلا بد لها أن تبسط سلطتها لتكون فوق جميع المرجعيات الدينية والحزبية والسياسية والقبلية والجهوية وغيرها.

وحين يغيب حكم القانون يضعف نفوذ الدولة وينتشر فيها السلاح وتستقوي فيها جماعات على أخرى، ناهيك عن التسلط على المجتمع وأفراده بغياب المساءلة القانونية، طالما أن قانون "القوة" هو الذي يحكم العلاقات.

 وعلى الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم أن تبسط سيطرتها على جميع أراضي الدولة والإقليم، وأن تضعا في حسابهما حكم القانون الذي ينبغي أن يخضع له الحكام والمحكومين، وحسب مونتسكيو فالقانون مثل الموت لا ينبغي أن يستثني أحدا.

 وحدة الإدارة والعمل

گولان:  يزور الآن رئيس الوزراء العراقي واشنطن، والعراقيون يعلقون الآمال أن تكون لهذه الزيارة نتائج جيدة وبناء علاقات أفضل مع الولايات المتحدة، لكن في هذا الوقت أصبح الوضع في المنطقة أكثر تعقيداً، سيما عندما هاجمت إيران إسرائيل، برأيك هل ستؤثر تلك الأوضاع المضطربة على هذه الزيارة ونتائجها؟

عبدالحسین شعبان: صحيح أن توقيت الزيارة يأتي في ظرف حساس ومحرج للغاية، فإيران ردّت على إسرائيل التي كانت قد قصفت مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، الأمر الذي زاد المشهد تعقيدًا وانشباكًا.

ما يعوّل عليه العراقيون، هو الأمن والأمان والتخلص من حكم المحاصصة الطائفية   الإثنية، ومحاربة الفساد وإحالة المفسدين إلى القضاء واستعادة أموال الدولة، وإيجاد فرص عمل ومكافحة الإرهاب، فما يزال بيض داعش يفقس في بيئة مشجعة، بل مولدّة ومساعدة على استمراره.

 كما يطمح العراقيون إلى حياة كريمة حرة سلمية ومدنية، تحترم المجموعات الثقافية القومية والدينية واللغوية والسلالية، وتحمي حقوقها وهويّاتها الفرعية، وتصون حياة الناس وتحافظ على ممتلكاتهم.

 العراق بحاجة إلى تنمية مستدامة بجميع حقولها وفرعياتها، وأساسها بنية تحتية متينة، وتجديد ما تهالك منها، وتوزيع عادل للثروة واستعادة سيادته كاملةً، بما فيها على موارده، ويتطلّب ذلك استقرارًا وتطامنًا مجتمعيًا وسلامًا أهليًا، خصوصًا وقد عانت بلادنا من حروب ونزاعات مسلحة وحصار دولي جائر، كما أنه بحاجة إلى علاقات متوازنة مع جميع دول العالم، بما فيها دول الإقليم والدول الكبرى، ولاسيّما الولايات المتحدة. ولا بدّ هنا من توفّر

وحده إرادة، فهي المدماك الأساسي لوحدة العمل، وهذه غائبة ومعها تضبّبت الرؤية الاستراتيجية.

 أمريكا هل عدو لدود أم صديق ودود؟

 خذ مثلًا فإن الموقف من الولايات المتحدة غير موحّد، فبعضهم يعتبرها عدوًا ويريد طرده بقوة السلاح، ولاسيّما الفصائل المسلحة، وبعضهم يعتبرها صديقًا لا غنى عنها لمساعدة العراق، ويرفض فك الارتباط بها، وبين هذا الموقف وذاك ضاعت وتضيع حقوق العراق بسبب غياب رؤية مشتركة وموحدة.

 هل إيران شيطان رجيم أم صديق حميم؟

 والموقف ينسحب على إيران، التي يعتبرها البعض شيطانًا رجيمًا يتغلغل في جميع مفاصل الدولة بصورة ناعمة، في حين أن هناك من يعتبرها صديقًا حميمًا، وهؤلاء وأولئك يتشاركون في السلطة، وهكذا تتشظى وتتذرّر الخريطة السياسية العراقية بين اتجاهين متضادين، وتستخدم الساحة العراقية لتصفية الحساب، ويدفع العراقيون الثمن باهظًا.

 طموح السوداني

زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في ظروف غير مناسبة، فالرجل حمل مشروعًا يقوم على الخدمات والإعمار، إلّا أن ملف العلاقات العراقية - الأمريكية ثقيلًا وشائكًا سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، ناهيك عن الأوضاع العامة، لاسيّما الاشتباك الإيراني -  الإسرائيلي الأمريكي ومأساة غزة، فضلًا عن مشكلات عربية تؤثر على العراق، بما فيها استمرار معاناة الشعب السوري والتدخلات الخارجية في شؤونه، واستمرار انتهاك إسرائيل لسيادته.

أقول ذلك، وليس لدي أي وهم بأن الحال في المدى المنظور سيبقى على ما هو عليه، سواء موضوع القواعد العسكرية وبقاء القوات الأمريكية أم استعادة أموال العراق ومعضلة الدولار أم التدريب والتسليح وغير ذلك من القضايا العقدية، التي تحتاج إلى ظرف آخر لبحثها وتحديد طبيعة العلاقة وآفاقها المستقبلية.

حكم القانون

 گولان:  حلت المحكمة الاتحادية في العراق الآن محل جميع صلاحيات الدولة العراقية وهي تستخدم هذه السلطة بشكل علني وسياسي ضد إقليم كردستان، حتى وصل الأمر إلى مقاطعة الحزب الديمقراطي الكردستاني لانتخابات برلمان كردستان، ويهدد بالخروج من اتفاقية إدارة الدولة. إلى أي مدى ستضر قرارات المحكمة الاتحادية بالعلاقات بين إقليم كردستان والحكومة العراقية؟

 عبدالحسین شعبان:  مازال يفصل بيننا وبين حكم القانون الكثير، خصوصًا في ظل الضغوط السياسية على القضاء، ومحاولة كل طرف جرّه إلى ميدانه ومع أن الجميع يقر بدوره وأهميته وفقًا للدستور، لكن محاولات الانتقاص منه قائمة، فما بالك حين يسيس أحيانًا، وقد لاحظنا أن القضاء أعطى رأيين مختلفين لقضية واحدة، وهي مسألة "الكتلة الأكبر"، وقس على ذلك.

 إن مشكلة إقليم كردستان مع بغداد هي أبعد من حدود المحكمة الاتحادية، فحتى اليوم لم تترسخ بعد فكرة النظام الفيدرالي، ولم تتشبّع بها القوى السياسية، كما أن المجلس الاتحادي الذي نص عليه الدستور، لم يتشكّل، يضاف إلى ذلك أن هناك الكثير من الألغام التي يحتويها الدستور، ولذلك ما تزال العديد من الملفات عالقة، مثل إنتاج وتصدير نفط كردستان، خصوصًا بغياب قانون موحد للنفط، ومسألة الرواتب التي ظلت تتأرجح طيلة الفترة المنصرمة وتطلق ثم توقف وهكذا، والخلاف مستمر حول الميزانية العامة وحصة إقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها، وبشكل خاص مسألة كركوك ومسألة المنافذ الحدودية، وغير ذلك.

لا سبيل لحلّ الخلافات إلّا بالحوار

إن الحوار بين القوى السياسية مع مراعاة الدستور أو إجراء تعديلات عليه من شأنه أن يحلحل الموقف لوضع اتفاقية شاملة وتفصيلية، لكي لا تتهدّد حياة المواطنين في الإقليم وتخضع احيانًا لاعتبارات سياسية وتجاوزات حزبية.

ويمكن أن يصبح الحوار مجتمعيًا تتشارك فيه النقابات والاتحادات والمجتمع المدني أيضًا، ولعل هذا ما يضمن للشعب الكردي حقوقه المشروعة ويرسي العلاقات على أسس سليمة وثابتة بعد اتفاق معلن وشفاف يحظى بدعم البرلمان.

گولان: نحن في اقليم كردستان نحيي في هذا الشهر ذكرى الإبادة الجماعية لشعب كردستان، وأنتم تعلمون كيف تمت إبادة الكرد جماعيًا على يد نظام البعث السابق، وكيف تمت إبادة الإيزيديين في عام 2014 والآن تمارس السلطات العراقية بصيغة أخرى حربًا اقتصادية وتجويعًا لشعب كردستان؟ لماذا لا تتغير عقلية السلطات العراقية؟ ولا تريد قبول شعب كردستان كما هو؟

 عبدالحسین شعبان : تعرّض الكرد خلال الأنظمة السياسية المتعاقبة على العراق إلى ظلم مركّب واضطهاد مزدوج، لاسيّما في ظل النظام السابق، حيث مورست ضده حرب إبادة في عمليات الانفال السيئة الصيت، ولعلنا نتذكر استخدام الأسلحة الكيمياوية في حلبجة ومناطق أخرى من كردستان في العام 1988، وما تزال آثار ذلك مستمرة لحد الآن.

 داعش وتفقيس بيض الإرهاب

وبعد هيمنة داعش على الموصل 2014 واحتلالها نحو ثلث الاراضي العراقية، جرت حملة ابادة جماعية واستباحة وحشية ضد الإيزيديين، وكان المسيحيون قد تعرضوا بعد الاحتلال أيضًا إلى حملات منظمة من جانب المتعصبين والإرهابيين بهدف اجلائهم عن وطنهم العراق، وكذلك تعرض الصابئة المندائيون وغيرهم إلى عنف منفلت من عقاله، واضطر الكثير منهم إلى الهجرة، خصوصًا في ظل ضعف الدولة وعدم قدرتها على حماية مواطنيها، لاسيّما من المجموعات الثقافية وأصحاب الهويات الفرعية.

 كردستان والمواطنة الأصيلة

المواطنون في كردستان هم مواطنون أصلاء، وليسوا من الدرجة الثانية، وعلى الحكومة الاتحادية التعامل معهم على هذا الأساس. أما إخضاع رواتب الموظفين والبيشمركة والمتقاعدين وميزانية الإقليم إلى التذبذبات السياسية، فهذا أمر غير مقبول إطلاقًا، ويمثل إخلالًا سافرًا بالوحدة الوطنية وبمستقبل العلاقات العربية - الكردية.

ويستفاليا مشرقية

 وأنت تعرف أنني كنت منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن قد بادرت إلى تنظيم أول حوار عربي - كردي، كما بادرت إلى إطلاق حوار لمثقفي الأمم الأربعة: الترك والفرس والكرد والعرب للبحث عن المشتركات في إطار دعوتي المستمرّة إلى ويستفاليا مشرقية، تضع حدًا للنزاعات والاحترابات، وتعترف بالحقوق والحريّات، ولاسيّما حق تقرير المصير، وفي إطار مواطنة متكافئة.

 وفي الحديث عن المواطنة فإنني أقصد الحريّة والمساواة والعدالة، لاسيّما الاجتماعية، والشراكة في الوطن والمشاركة في اتخاذ القرار.

 گولان: للكرد والشيعة تاريخ مشترك وطويل من القمع والاضطهاد، وتعرض الطرفان للظلم من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة السؤال هو: ما هي الفكرة التي تجعل من المظلوم جلادًا؟

التشبه بالظالم

 عبدالحسین شعبان: لقد تعرض الشعب العراقي بجميع فئاته للقمع والاضطهاد والظلم، وللأسف فإن بعض الذين ذاقوا مرارة النظام السابق، لم يستفيدوا من التعامل مع الحاضر والمستقبل برؤية جديدة، بعيدة عن الثأر والانتقام والكيدية، لدرجة أنه أخذ يتشبّه بالظالم، ويمارس أشكالًا جديدةً من الظلم، لذلك لاحظ كيف تصرّف العديد من المسؤولين الذين كانوا لاجئين وبظروف صعبة، فإذا بهم يقلّدون الطاغية في سلوكه وممارساته ويتبهرجون بإمبراطوريات مالية مريبة، في ظل غياب الشفافية والرقابة وتفشي الفساد المالي والإداري.

ثقافة الاستبداد

وظلّت ثقافة الاستبداد نحو 35 عامًا، هي الثقافة السائدة، فحتى أصحاب الحقوق المشروعة اليوم يتوجهون إلى رئيس الوزراء كطلاب مكرمة وليس حق، في نوع من الخضوع بما يخدش الكرامة أحيانًا، فما زال التفكير المركزي هو الطاغي والنظرة الشمولية هي المهيمنة.

ولكي يخرج العراق من غلواء تلك الثقافة، لا بدّ من إجراء مراجعات فكرية جريئة ونقد ذاتي صريح ووضع المبادئ المعلنة موضع التطبيق، لا أن تتم التسويات في الغرف الخاصة وبعيدًا عن مصالح الناس، وتلك من مسؤولية المثقفين الذين يمتلكون سلطة المعرفة، ونقدهم لتلك السياسات ينبغي أن يتواصل حتى يتم التغيير المنشود، وقالت العرب: السلطة ملك عضوض، فمن لم يتعظ ويتحسب للمستقبل تأكله بشراسة ودون رحمة، ولنا من التجارب القريبة وليست البعيدة خير مثال. 

 

 

 

 

 

 

Top