• Saturday, 27 July 2024
logo

براغماتية الحلبوسي وسر الصمود

براغماتية الحلبوسي وسر الصمود

سيف السعدي

 

لعل الذي يبحث في الشأن السياسي منذ عام 2003 لغاية اليوم لم يجد شخصية من المكون السني برزت وعززت صمودها أمام الهجمة الممنهجة من إعلام حزبي ومناطقي، عبر الفضائيات والصحف والمجلات، مقالات وتغريدات، فضلاً عن التلميح والتصريح والتهديد بالقضاء مثل السيد محمد الحلبوسي.

إذا ما رجعنا الى الوراء وجدنا اغلب السياسيين السُنة المشاركين بالعملية السياسية بعد الاستفتاء على الدستور عام 2005 لغاية 2017 اغلبهم سافر خارج البلد بمجرد التلميح بالتهديد واتخذوا من الخارج ادوات لتكون منطلقًا للهجوم على العملية السياسية بالداخل، وكثير منهم اتجه نحو المجتمع في المحافظات السُنية ليجعلها درعًا مانعًا له من اجل مواجهة السلطة، والأغلبية يتذكرون جيداً عام 2013 وما أعقبه من أحداث نعاني من تراكماتها لغاية اليوم، ولكن عندما حصلت ضغوط سياسية على السيد الحلبوسي لم يتجه إلى المجتمع ليكون بمواجهة السلطة، وانما بقي صامداً متحدياً خصومه، وصار حزبه ممسوكاً ومتماسكاً على الرغم من كثير من المحاولات لحله، وتعاطى بشكل إيجابي مع القضاء العراقي، مطبقاً مقولة الشاعر الكميت بن زيد الاسدي "إذا لم تكن إلا الأسنةُ مركبا، فما حيلة المضطر إلا ركوبها" وعلى الرغم من عدم دستورية قرار المحكمة الاتحادية العدد 9 اتحادية 2023 لأن المحكمة الاتحادية وفق الصلاحيات الدستورية بالمادة 52 ثانياً والمادة 93 وفقراتها هي محكمة تمييز وليس موضوع، فضلاً عن توقيت القرار قبيل انتخابات مجالس المحافظات هو سياسي بامتياز!!!، وكانوا يقولون انتهى الحلبوسي وحزبه ولكن مخرجات الانتخابات المحلية كانت الأرقام صادمة للجميع وهو تحقيق اكثر من 35 مقعدا على مستوى العراق.

إنّ سر صمود الحلبوسي أمام كل هذه الجبهات هو فن إتقان سياسة "حافة الهاوية" كلما كانت هناك هجمة ممنهجة اعلامية وسياسية، كلما استطاع التغلب عليها بحنكة وفطنة ودهاء وذكاء، ويلعب أوراقا رابحة، لأنه يعي جيداً أن المعادلة السياسية تحتاج إلى مرونة وتكييف ولا تحتاج إلى قوة التهديد والوعيد باستخدام المجتمع كورقة أخيرة مثل السابقين، وهنا اتذكر قول غاندي اذ يقول: يمسك المحارب بالسيف ليضرب الصخر لكن السيف يرتد عليه، بينما الماء يُفتت الصخر!! فقال "جربت اللين والسيف فوجدت اللين أقطع" وهذه الرمزية تشير إلى أهمية المرونة والتعاطي مع الاحداث بمرونة عالية، وعمل خصوم السيد الحلبوسي على توظيف كل أدوات الحرب النفسية وبمساعدة خارجية من اجل الدفع به لمغادرة العراق ولكن صمد امام هذا التيار والموج المتلاطم من التهديدات وباستخدام وسائل غير اخلاقية لم تُجدِ نفعًا ، ولو حصلت هذه الهجمة مع اي شخصية سُنية أو شيعية اخرى لما صمدت، لأن الحلبوسي يستمد قوته من الفواعل والقواعد الجماهيرية بالمحافظات السُنية، وتماسك جبهته امام كل المغريات المالية والسياسية، الأمر الذي يجعل الحلبوسي يتحدث بثقة كبيرة امام قادة تحالف إدارة الدولة عن استحقاق المكون والشرعية الدستورية والجماهيرية والديمقراطية وأحقية حزبه وفق لغة الأرقام بمنصب رئيس مجلس النواب.

وفي كل يوم نجد القنوات الحزبية والمناطقية والمدعومة من خصوم الحلبوسي يصدرون خطابًا لإيهام المتلقي بأن الحلبوسي خسر المعركة ولكن نجده يخرج من كل معركة منتصراً على خصومه، وهنا اتذكر قصة تناولها الدكتور علي الوردي في كتابهِ "طبيعة المجتمع العراقي" خلاصتها ان الاسكندر المقدوني كتب بعد فتحه للعراق إلى أستاذه أرسطو طاليس يقول له "لقد أعياني أهل العراق، ما أجريت عليهم حيلة إلا وجدتهم قد سبقوني إلى التخلص منها، فلا أستطيع الإيقاع بهم، ولا حيلة لي معهم إلا أن أقتلهم عن آخرهم" فأجابه أرسطو طاليس قائلاً "لا خير لك في أن تقتلهم، ولو أفنيتهم جميعاً، فهل تقدر على الهواء الذي غذى طباعهم؟ فإن ماتوا ظهر في موضوعهم من يشاكلهم فكأنك لم تصنع شيئاً"، وانا أقول للسيد الحلبوسي لقد أتعبت وارهقت خصومك لأن كلما جربوا حيلة من اجل إبعادك والقضاء عليك سياسياً إلا وجدتك سابقهم بمناورة لتتفوق عليهم، وهذه براغماتية الحلبوسي وسر الصمود.

 

 

 

روداو

Top