• Saturday, 27 July 2024
logo

ديناميات زيارة رئيس إقليم كوردستان لإيران لإيجاد حلول مع العراق

ديناميات زيارة رئيس إقليم كوردستان لإيران لإيجاد حلول مع العراق

شفان ابراهيم

يجد إقليم كوردستان العراق نفسه في وضع استراتيجي غير مستقر؛ فهو يقع في منطقة جيوبوليتكية تمتاز بالكثير من العقد السياسية والتدهور الدائم في العلاقات مع دول الجوار والعمق العراقي؛ بسبب التطلعات القومية للمكونات في كوردستان، وبعد عقود طويلة وسلسلة ثورات ونضالات، لا يزال يُنظر على إنها نتائج السياسات الأمريكية في المنطقة. إضافة للتجربة الديمقراطية التي تمتاز عن مختلف الجمهوريات العربية والإسلامية، خاصة في توسيع قاعدة المشاركة البرلمانية، وهي كفيلة بجعلها ساحة لتصفية الحسابات، وبالنهاية فإن الخاسر الوحيد هو شعب كوردستان.

وإذا كان التاريخ حافل بالمجازر وشلالات الدم منذ حقبة العثمانيين والانكليز والحكم الملكي وما تلاه وصولاً لنهاية حقبة النظام العراقي الأسبق "نظام البعث"، لكن الأسوأ بالنسبة للنُخب الكوردستانية هو ما يلاقونه من "شركائهم" في العاصمة الاتحادية بغداد. خاصة وأن الأوضاع تتدهور بشكل مستمر جراء القرارات التي كانت تصدرها المحكمة التي أنشأها بول بريمر عام 2005 ثم سُميت بالاتحادية بغير وجه حق. علماً إنه منذ بداية الربيع العربي، وهجمات تنظيم "داعش" على شنكال والمناطق السنية في العراق، واستمرت كوردستان باستيعاب ملايين اللاجئين الكورد الايزيديين والعراقيين والكورد والعرب السوريين. مع ذلك يُحاصر كارهي الاستقرار في إقليم كوردستان، منابع الموارد الاقتصادية سواء الناشئة أو المستقرة، خاصة وإنه يعتمد في تأمين موارده على حركة المعابر الحدودية مع تركيا و إيران، وعلى السياحة في مواسم الصيف والربيع، ويُشكل قطاع الطاقة بشقيه النفط والغاز أبرز الديناميات الاقتصادية للإقليم، بالمقابل فإن النُخب الشيعية وخاصة الإطار التنسيقي، لم يدخر جهداً لحصار تلك الموارد، وخصوصاً منع تصدير النفط من حقول كوردستان النفطية صوب ميناء جيهان التركي، وقطع رواتب موظفي الإقليم، والسعي للسيطرة على مفاعيل القوة للديمقراطي الكوردستاني في برلمان كوردستان عبر الإشراف على الانتخابات ومنع حصص الكوتا، وتمييع غالبية القضايا المتعقلة بمصالح وحيوات شعب كوردستان.

هذه التهديدات الفعلية دفعت بقيادات الصف الأول ممثلاً برئيس الإقليم ورئيس الوزراء نيجرفان ومسرور بارزاني، محاولة موازنة هذه التحديات بما أمكن من اليد الناعمة والحوار، وتكثيف الجهود الدبلوماسية مع بغداد لإيجاد مخرج من الأزمات المتكررة التي تتسبب بها "المحكمة الاتحادية". علماً أن القواعد الاجتماعية في كوردستان لا تزال غير مرتاحة تماما من كل أشكال العلاقة مع بغداد؛ نتيجة تكرار السيناريوهات ذاتها دوماً من الوعود والتخنيث بها، والأكثر مرارة للكورد هو اصطفاف أحزاب كوردستانية إلى جانب الإطار التنسيقي في مواجهتهم لحقوق وصلاحيات الإقليم المالية والبرلمانية والقضائية. والواضح أن تكثيف الجهود الدبلوماسية مع العاصمة الاتحادية لم يكن كافٍ، ليجد راسمي السياسات الكوردستانية أنفسهم مُجبرين للبحث في الديناميات الإقليمية وتوسيع نطاق جغرافية التحرك الدبلوماسي، خاصة وأن الإقليم يجد نفسه تحت ضغط اجتماعي واقتصادي كبير، من حيث تكرار القصف التركي على قراره بحجة تواجد العمال الكوردستاني، أو الهجمات الصاروخية الإيرانية على مقرات للأحزاب الكوردية الإيرانية المعارضة، وصولاً للاستهداف المباشر للإقليم  كما حصل في قصف منزل رجل الاعمال بيشرو دزيي قبل ثلاث أشهر، أو عبر ميليشيات عراقية تُدين بالولاء لطهران و بعمليات عسكرية سيئة ومضرة ضد مصالح الإقليم الحيوية وخاصة مصادر الطاقة، كما حصل في 27/4/2024 و قصف حقل  "خور مور" بثمان صواريخ كاتيوشا، وهو أكبر حقول الغاز الخاضعة لسيطرة حكومة الإقليم والتي تزود محطات إنتاج الطاقة الكهربائية بالغاز المسال، وحصل القصف على بعد 20كلم فقط من الجنوب الغربي للحقل.

هذا القصف يُشكل رسالة واضحة من إيران ورفضها القاطع لكل اشكال الاتفاقيات والعلاقات بين أربيل وأنقرة التي تُبقي طهران خارج الفائدة من أي مشروع إقليمي-دولي. لتبقى سيادة العراق مهزلة عبر بقاء إقليم كوردستان العراق ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية. وشبه الثابت في إدارة البلاد، إنه منذ بدايات تشكيل الحكومة العراقية عام2005، ولا يزال الإقليم خارج حسابات الخسائر ذات القيمة والأثر السياسي الذي يجب ان ترد الحكومة الاتحادية عليها. فالضغوط الإقليمية، مع حصار "المحكمة الاتحادية"، وممارسات الاتحاد الوطني الكوردستاني، المصطف لجانب المحكمة والإطار التنسيقي، دفعت بالنخب الكوردستانية لتوسيع رقعة وجغرافية زيادة الحوار الدبلوماسي والتعاون الاقتصادي والأمني مع دول الجوار، علماً أن تركيا في وضع اقتصادي أكثر رياحة واستقرارا مقارنة بإيران التي يمتاز اقتصادها بالتدهور والانهيار الفظيع، الذي لن يتمكن من انقاذ او مساعدة الوضع الاقتصادي في كوردستان العراق، لكن لا مفر من ذلك.

في الكثير من المناطق والدول، وفي رتم تعامل الأنظمة مع/ضد شعوبها، ومن بين ابرزها العراق وطبيعة العلاقة بين السلطة مع العراقيين ومع الإقليم، يُحار المرء في حال تلك الأنظمة؛ من حيث غياب مهام الدولة والهويّة الوطنية، وتضخم مفهوم "الأوامر" العابرة للحدود. فمثلا أن يزور رئيس إقليم كوردستان العراق السيد "نيجرفان بارزاني" دول الجوار ومنها إيران، أو أيَّ دولة أخرى فهي تقع ضمن الأمور الاعتيادية التي يكفلها الدستور لأيَّ دولة فدرالية اتحادية. لكن أن تكون الزيارة لدولة جارة، وبناء على دعوة رسمية، لغرض إصدار قرار داخلي من العاصمة بغداد، فهو غير العادي جداً. ليُصبح تمتين وتطبيع العلاقات بين أربيل وطهران، بمثابة التطبيع وخلق مسارات التهدئة مع الكثير من الجهات العراقية الفاعلة في بغداد، والتي تحولت لمصادر التهديد الاستراتيجي على أمن وجغرافية كوردستان.

خاصة وأن أبرز الملفات المتشابكة والمعقدة جداً المتصدرة لأسباب توجيه طهران دعوة رسمية لرئيس الإقليم هي، أولها: قضية الأحزاب الكوردية الإيرانية المعارضة والمتواجدة في كوردستان العراق، والتي تخشى تحريك واشنطن للورقة الكوردية والمعارضة الإيرانية ضد إيران في هذا التوقيت الذي سيكون بمثابة ضاغط كبير لن تتمكن طهران من الفكاك منه. والثاني إعادة أحياء الاتفاقيات الاقتصادية بين الجانبين، والثالث: فإن قضية انتخابات برلمان كوردستان العراق، والذي لم يدخر الاتحاد الوطني الكوردستاني، وأطراف مؤثرة ضمن الإطار التنسيقي، لم يدخروا جهداً في سبيل إضعاف الديمقراطي الكوردستاني ، والذي بدوره رفض المشاركة فيها دون رقابة دولية وقبل تعديل القرارات الصادرة ضده ، وهو ما يعني من بين ما يعنيه أن محافظتي أربيل ودهوك، ومدينة زاخو، وقضاء شنكال، وهي معاقل تاريخية للديمقراطي الكوردستاني، وقواعد اجتماعية لا يُستهان بها ضمن محافظات السليمانية وكركوك وحلبجة لن يُشاركوا في هذه الانتخابات.

وكما أن الكتل الشيعية العراقية تُدين بالولاء لإيران، فإن حجم الضغط والنفاذ الذي تشكله إيران ضمن محافظة السليمانية، حيث معقل الاتحاد الوطني الكوردستاني، لا يُمكن الاستهانة بها، مع الأدوار التي تلعبها إيران في بغداد والسليمانية والتوترات بينها وبين أربيل، لذا لابد من المساعي لإعادة خلق توازنات سياسية جديدة واضحة بهذا الخصوص، وهو ما تحقق فعلاً عبر تأجيل الانتخابات لأشعارٍ أخر، والمتوقع إعادة الصلاحيات للمفوضية العليا للانتخابات في كوردستان، إعادة مقاعد الكوتا وإن لم تكن بالنسبة السابقة.

والقضية الرابعة والتي تمنح رئيس الإقليم خطوة متقدمة هي إفشال مخطط إيران في اتهام كوردستان باحتوائها للموساد، وهي التهمة التي طالما تكررت دوماً، لكن الدعوة الرسمية من طهران، لرئيس الإقليم الذي تتهمه بإيواء الموساد، يجعل من تلك التهمة نُكتة سمجة في عالم السياسة، من جهة ثانية يُمكن أن تتحول لورقة مساومة حول الأدوار التي ستلعبها أربيل لاحقاً في خضم الصراعات الدائرة حالياً، وأول المطاليب الكوردية ستتجلى بوقف التصعيد والقصف على نقاط متفرقة وبشكل متواتر، الذي يضع الوضع الأمني في أربيل في مخاطر كبيرة، خاصة مع قدوم فصل الصيف وموسم السياحة الذي يُشكل واحد من أهم مصادر الواردات الاقتصادية للإقليم.

أمام كل تلك الديناميات الإقليمية التي وجدت النخب الرئاسية في كوردستان العراق ضرورة استغلالها، على أقل تقدير لإبعاد المزيد المواجهات السياسية والفراغ الدستوري والحصار. فإن هذه الزيارة تمتاز بشمولها للقضايا الأكثر إلحاحاً وحاجة لاستقرار الإقليم من الناحية الأمنية والاقتصادية، وإبعاد شبح ومخاطر العودة لنظام الإدارتين في حال تم إجراء الانتخابات النيابية بدون مشاركة الحزب الديمقراطي الكوردستاني-العراق، والسعي لإبقاء الإقليم خارج الصراعات الإقليمية عسكرياً، خاصة مع غياب منظومة الدفاع الجوي عن سلاح الإقليم؛ لحمايته من الهجمات الصاروخية المتكررة. بالمقابل فإن إيران تعي جيداً أن الثقل الكوردي السياسي والعسكري والعلاقاتي كله يقع في أربيل ومن حصة الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي استمر في حصد الغالبية العظمى من أصوات الناخبين في الدورات الانتخابية الأخيرة، لذلك فإن الطريق لايزال معبداً بالمسامير لكلا الطرفين، لكن الباحثين عن طوق النجاة والاستقرار هو الإقليم أكثر، نظراً للفوارق في موازين القوة والتطلعات المستقبلية. والثابت أيضاً، إن لا سيادة ولا قرار ولا تقرير مصير بيد العراقيين دون الإنصات للخارج قبل التنفيذ.

Top