العبقرية والجنون
December 19, 2018
من المجتمع
لكن ما هو الجنون؟ وما هو تعريفه؟ ولماذا يربط الناس بين المجنون والعبقري في كثير من الأحيان؟
إن مصطلح "مجنون" أقرب ما يكون إلى المصطلح الأدبيّ والروائيّ، لكنه بالمطلق ليس مصطلحاً علمياً. فلا يوجد في كل المعاجم والقواميس العلمية مرادف لكلمة "مجنون".
فالمجنون ليس هو الذهاني (المريض العقلي) وليس هو العصابي (المريض النفسي)! من هو إذاً؟
كما نفهم من مقولة سويفت أعلاه أن المجنون هو من يعيش خارج الصندوق، وهو من يغرّد خارج السرب، لكنه ليس أبداً المختل العقلي أو المخبول.
وإذا ما تركنا جانباً الدور التخريبي الذي لعبته السينما الهادفة إلى الربح في تعميق هذا الالتباس، وسبرنا بعمقٍ أسباب هذا الخلط الحاصل، فإننا سنجد لهذا الالتباس مبرراً غير كافٍ، وهو ظهور بعض العباقرة ممن لديهم سجلات مرضيّة.
على سبيل المثال، العالِم جون ناش صاحب نظرية "المبادئ الموجهة" والحائز على جائزة نوبل وأحد أعظم عباقرة الرياضيات في القرن العشرين، كان يعاني من هلوسات بصرية (فصام) رافقته طيلة حياته.
وأيضاً العالم توماس أديسون، مخترع المصباح الكهربائي والتصوير السينمائي والكثير من المنجزات العلمية المذهلة، كان يعاني من ثغرات في الذاكرة.
لكن هذا قد لا يعني لنا شيئاً إذا ما اعتمدنا قانون النسبة والتناسب، فالعدد قليل إذا ما قورن بالعدد الكليّ.
العبقري، وقبل كل شيء، هو إنسان معرَّض للمرض النفسي والعقلي والعضوي، بالتالي فإن المرض يصيبه كإنسان ولا يطاله كعبقريّ.
أمَّا في ما يخص غرابة الأطوار، الصفة المميزة للعباقرة، فهذه ردَّة فعل طبيعية على أفكار ثورية وإشكالية يحملونها في رؤوسهم تتناقض كليةً مع واقعهم الذي يعيشونه.
فالإنسان الذي يستهدف في أعماله وأفكاره قضايا عظمى تراه غير مبالٍ بصغائر الأمور التي يهتم بها من هم حوله وفي محيطه.
ايلاف