• Sunday, 12 May 2024
logo

أطفالنا بين الحزم والقسوة

أطفالنا بين الحزم والقسوة
يخطئ الأباء دائما فى التمييز بين الحزم والقسوة على الطفل متى تكون حازم ومتى تصبح قاسى؟فى البداية يتمنى الأباء أن يرزقهم الله بالاطفال ثم تصبح الأم حامل فيستقبل الوالدين الأبناء بكل حب ،يحبونهم ويلعبون معهم ثم يكبر الاطفال وفى سنوات العمر الاولى تبدأ اخطائهم وتبدأ المشكلة، أخطاء ناتجة عن عدم معرفة وناتجة عن رغبة و فضول طفولى لاكتشاف العالم المحيط به وبعضها ناتج عن حرية فطره الله عليها ونسيها الاباء،عندما يخطئ الطفل ويفعل ما يزعج والديه يتخبط الاباء حول التصرف المناسب للتعامل مع الطفل المخطئ وللأباء أنواع عديدة فى طرق التعامل معهم فى سنوات العمر الاولى بالتحديد ،منهم من يقدم الحب أولا فيهمل معاقبة الطفل على أخطاءه ويتجاوز عن خطأ تلو الأخر حتى تتراكم أخطاء الطفل فى نفس ابيه (أو أمه) وتكثر مشاكله فتجد هذا الأب (أو الأم ) المحب(ة) فجأة فجر غيظه المتراكم فى ابنه بطريقة قاسية بإعتبار أنه صبر عليه فهو وقتها لا يعاقبه على خطأه الأخير البسيط بل على مجموعة أخطاء تراكمت وظهرت مشاكلها ،فيصبح العقاب قاسيا من ناحية ولا يتعلم الطفل منه من ناحية أخرى لأن الطفل نسي أخطاء الماضى التى لم يعرف أصلا أنها كانت اخطاء .ويستمر الوضع هكذا عقوبات قاسية متقطعة على مدار الايام تصيب الطفل باالخوف والحيرة من والديه ويكون متحيرا دائما لا يدرك الصواب من الخطأ فقد يمر خطأ بلا عقاب ويعاقب بقسوة على نفس الخطأ فى وقت أخر بينما يعتبر الأب (أو الام) نفسه(ها) صبورا ، وإذا ما ناقشته فى قسوة العقاب على الطفل تراه يبدأ سيل من الشكوى واصفا صبره العظيم على هذا الطفل الخطاء وهو مبرر مناسب لقسوة العقاب فى نظره .أما النوع الثانى فهو يرى أن العقاب هو الأمر الأساسى لتقويم أخطاء الطفل فتراه لا يتهاون مع ابنه عندما يخطئ لا تمر غلطة بلا عقاب و قد يخدعه إلتزام الطفل بعدم تكرار الخطأ ظننا منه أنه تعلم الصوب والواقع أنه تعلم الخوف وتجنب العقاب وقد يفعل جميع الأخطاء متعمدا بعيدا عن عيون والديه ويكبر ليصبح جبانا أو عدوانيا مع الوقت .أما النوع الثالث من الأباء وهو نوع غريب بعض الشئ لكنه موجود فهو يرى أن يترك الطفل يفعل ما يشاء فى الصغر فهو صغير لا يفهم شيئا وعندما يكبر سيتعلم فعل الصواب وحده أو كما يقولون (سيهديه الله ليصبح جيدا) لك أن تتخيل كيف تكون شخصية طفل كهذا .أيضا من الافكار الغريبة الساذجة السائدة بين بعض الناس أن الطفل العربى لا تصلح معه إلا طرق العقاب البدنى والمهين القديمة (هذا ما وجدنا عليه أباءنا) وأن الطرق الاخرى التى تُعامل الطفل بكرامة فهى تصلح للطفل الغربى فقط بما أنها أتت من الغرب ولأن الطفل الغربى ذو البشرة البيضاء والعيون الزرقاء هو أهدأ وألطف من الطفل العربى ،يا سادة الطفل هو الطفل فى كل مكان فى العالم لقد ولد على الفطرة وما يصلح له فى الغرب يمكن ان يصلح له فى الشرق وفى كل مكان فى العالم.

إن سنوات العمر الاولى هى الأنسب لغرس المبادئ والقيم فى الطفل وفيها يمكنك أن تجعل الطفل يستفيد ويتعلم من أخطاءه بأفضل ما يمكن ،وفيها يمكنك أن تغرس قيمة أن خبرتك كأب أو أم أمر لابد أن يقدره الطفل ويصغى له بإقتناع دون اكراه وذلك بأن تعلمه عن الخطأ وتتركه يخطئ ليجرب وحينها يقتنع بصدق كلامك ويصغى بجدية لما تقول فيما بعد .فيجب ومهم جدا أن تعطى الطفل مساحة لارتكاب الاخطاء من وقت لأخر ولا تمنعه من الخطأ دائما أو تصلح له مشاكله بنفسك دائما حتى يتعلم من التجارب خاصة أن أخطاء الاطفال فى هذه المرحلة المبكرة عادة ما تكون تكون بسيطة ومن السهل عليك كمربى أن تتحملها أو تتجاوز عنها هى لا تضر الطفل نفسه بقدر ما تفيده فتلك التجارب والاخطاء تكون ذات تأثير كبير على تعلم الطفل وتكوين خبرته،وبناء على طريقة التعامل معها فى هذا السن سيحدد الطفل طريقته الخاصة فى التعامل معك ومع الأخطاء التى ستقابله لاحقا ،فمثلا فيما بعد هل سيبتعد عن الخطأ الذى حذرته منه اصغاءً لك ،هل سيعترف لك بخطأه لتساعده، هل سيخفى عنك أخطاءه ، هل سيحاول الأخطاء متعمدا لكن بعيدا عن عيونك،بدأً من تلك المرحلة تتكون شخصية الطفل وكيف سيكون تعامله مع نفسه ووالديه والمجتمع ، لاحظ عزيزى المربى أن كل ما ستبنيه فى هذه المرحلة سينتقل للعقل الباطن للطفل مع الوقت وبعض الأحداث فى تلك المرحلة تؤثر فى الطفل طوال حياته لذا فهى مرحلة مهمة جدا .

أولا:قبل التفكير فى العقاب المناسب يجب أن تفكر ما هو الخطأ الذى يستحق العقاب فى الأساس إن الخطأ الذى يستوجب العقاب هو الأتى:

• أى سلوك متعمد يضر بالطفل نفسه.

• أى سلوك متعمد يضر بالأخرين.

• أى مخالفة لقواعد المنزل المحدد والمعروفة من قبل الطفل.

• وعندما يفعل الطفل أمر سبق لك أن حذرته من فعله من قبل.

إن كثير من الأباء يصنفون مخالفة الابناء لهم فى العموم على أنه خطأ يستحق العقاب ،يجب أن تعلم عزيزى المربى أنه لا يتوجب على الطفل إطاعة الأوامر بل عليه فعل الصواب والابتعاد عن الخطأ ، قد يعصى أوامرك لكنه لا يفعل أمرا خاطئ فى نفس الوقت فلماذا تعاقبه حينها ،يزعم الأباء ان جميع أوامرهم هى لصالح الطفل وهذا غير صحيح كثير جدا من الاوامر تكون ضد طبيعة الطفل وفطرته ، لا يجب عليك أن تعطى أوامر بإستمرار فالأوامر والتى غالبا ما تكون لفظية لا تفيد الطفل ولايتعلم منها ، الطفل يحتاج التجربة ليتعلم منها بأكبر إستفادة، الأفضل كمربى أن تعتاد بناء عادات إيجابية جيدة ومفيدة يقوم بها الطفل بإستمرار كأن تضع قواعد ثابتة يعتاد الطفل أن يقوم بها بنفسه يوميا دون إنتظار أمر منك وبتكرار الفعل الجيد يتعلم الطفل بدلا من توجيه أوامر لفظية مكررة بإستمرار ،ولو فكرت قليلا ستجد أن هذا يريحك كمربى قبل أن يريح الطفل.

ثانيا: يجب أن ندرك أن الهدف من العقاب هو تقويم سلوك خاطئ وبناء سلوك جيد، وليس الإنتقام من الطفل لأنه أغضبنا أو خالفنا .

هذه بعض الأنواع المناسبة والفعالة من العقوبات للسن المبكر:(من عام إلى ستة أعوام)

• أن يصلح الطفل خطأه بنفسه :إذا كان الخطأ يقبل الاصلاح فليتعلم الطفل إصلاح ما افسده بنفسه.

• التعويض بعمل إضافى فى المنزل عن الخطأ الذى ارتكبه.

• مناقشة الطفل فى الخطأ الذى ارتكبه ويكون أمرا مهما إذا كان الطفل لايفهم لماذا هذا الفعل خاطئ أو لنفهم نحن لماذا قام الطفل بهذا الخطأ، وأبدا لا تفكر أن صغر سنه سيجعله لا يفهم إن الاطفال أذكياء وعليك كمربى أن تناقشه بكلمات بسيطة تناسب سنه، وتفهم منه لماذا فعل هذا الخطأ معرفة السبب مهم فى حالات كثيرة فقد يكون سببا بسيطا ما إن تعالجه أو تصلح له الفكرة الخاطئة التى لديه حتى ينتهى الامر ولا يرى الطفل أن هناك داعى لتكرار نفس الخطأ .

• كرسى المشاغبين: وهو طريقة فعالة جدا فى تقويم الأخطاء للاطفال الصغار وله شروط سأذكرها

شروط العقاب المناسب (كرسى المشاغبين):لا يشترط كرسى يمكنك أن تختار أى زاوية فى البيت المهم ان تكون بعيدا عن جلوس بقية العائلة.

• أولا:لا يتم معاقبة الطفل على الخطأ للمرة الاولى ،بل يتم تحذيره فقط من أن هذا التصرف خطأ ويجب عدم تكراره (يجب تحديد وتسمية التصرف) وإلا سوف يعاقب.

• ثانيا :عند تكرار الخطأ (وغالبا سيتكرر ههه) تنظر للطفل فى عينه مباشرة بتعبير وجه جاد وتتأكد أنه ايضا ينظر اليك(تواصل بصرى مهم) وتذكره أنك حذرته من تكرار هذا الخطأ (وتسمى الخطأ) وتخبره بما انه كرره فسوف تعاقبه الان .

• ثالثا:تضعه فى المكان الذى حددته للعقاب ليجلس بمفرده بعيدا عن العائلة لفترة قصيرة تقدر تلك الفترة بمقدار دقيقة لكل عام، مثلا عمر الطفل ثلاث سنوات إذا عقابه لمدة ثلاث دقائق.

• رابعا : يجب أن تذهب للطف فى منتصف الوقت وتذكره أنه يعاقب هذا العقاب لأنه ارتكب هذا الخطأ(وتسمى الخطأ مهم) وأنك ستسامحه إذا اعتذر ووعد بعدم تكرار نفس هذا الخطأ مجددا(تسمى الخطأ)، إذا اعتذر أنهى العقاب هنا وقم بتقبيله واحتضنه لتذكره انك مازلت تحبه ،ومعاقبة سلوك خاطئ لا دخل لها بالحب.

• خامسا: إذا لم يعتذر اتركه ليكمل الوقت واذهب له فى نهاية الوقت مجددا وذكره أنه يعاقب هذا العقاب لأنه ارتكب هذا الخطأ(وتسمى الخطأ مهم) وأنك ستسامحه إذا اعتذر ووعد بعدم تكرار نفس هذا الخطأ مجددا(تسمى الخطأ).فى الغالب سيعتذر فى نهاية الوقت إذا لم يفعلها فى منتصف الوقت عندها قبله واحتضنه ، أما إذا لم يعتذر فى نهاية الوقت فأظهر تعبير وجه غاضب ومستاء دون اعادته للمكان مجددا و دون أن تغضب فعلا ، واجعل الطرف الأخر(الأب مثلا) يحدثه فى سلوكه هذا فى وقت لاحق ، وهذا قليلا جدا ما يحدث.

ملحوظة: إذا اخترت تنفيذ هذا العقاب فأرجو الإلتزام حرفيا بالخطوات السابقة،فالتنفيذ بتلك الخطوات والألفاظ هو ما رأيت نتيجته الفعالة .

ورغم أنه ليس عقاب مؤذى بدنيا وليس طويلا إلا ان مجرد فكرة أنه عقاب لن تعجب الطفل خاصة إذا لم يكن معتادا على أنك تعاقبه من قبل ستجد الطفل يحاول المقاومة بطرق متعددة، فيجب أن تعلم أن الطفل لن يتقبل هذا العقاب الجديد بسهولة، قد يحاول مغادرة المكان الذى وضعته فيه عندها احمله بصمت وضعه فى نفس المكان وغادر وإن كررها كرر انت نفس الفعل ، وقد يجلس فى المكان ويغضب بشدة ويضرخ ويضرب الارض بعنف تجاهله ، وقد يجلس فى المكان ويبدأ بالبكاء بصوت عالى ومؤثر ليثير استعطافك ويجعلك تذهب إليه وقتها تماسك وتذكر أنك تبنى شخصية وسلوك جيد يبقى معه فى حياته فيما بعد ، عليك الالتزام بنفس الخطوات بحزم وإكمال الوقت ، إذا نجح الطفل فى أن يجعلك تنهى العقاب قبل الوقت المحدد دون أن يعتذر أن يعترف بخطائه فستفقد مصداقيتك ولن يصدق الطفل تحذيراتك فيما بعد وسيستخدم طريقته تلك التى نجحت معك فى كل مرة تعاقبه فيها مما يفقد العقاب جدواه ،لكن إن نجحت انت سيبدأ فى الاصغاء لتحذيراتك بجدية فيما بعد وسيقل معدل أخطاءه تدريجيا مع الوقت ، هذه الانواع من المقاومة تكون فى البداية فقط .

وختاما:

• تسامح مع بعض اخطاء الطفل من وقت لأخر خاصة عندما تكون الاشياء الجيدة التى تراها من هذا الطفل كثيرة.

• أبدا أبدا لا تخاصم الطفل كعقاب لا تحرمه من حبك ولا تجعله يدفع ثمنا لذلك الحب حتى لو كان هذا الثمن أن يفعل أمورا جيدة مفيدة له لا تطلبها منه مقابل منحه حبا يريده منك .

• بقدر ما تعاقب الطفل على الخطأ يجب أن تكافئه على كل أمر جيد يصدر منه فهو يستحق ذلك لأنه طفل رائع وكل طفل فى العالم هو طفل رائع مهما ارتكب من اخطاء.

• تعامل مع الطفل على انه طاقة لانكبتها فتنفجر أو نهملها فتفسد ما حولها بل نوجهها نحن للمسار الأفضل.

• الحزم أن نلتزم بتقويم اخطاء الطفل ان نعاقب بهدف اصلاح خلل فحسب دون أذى،دون إهانة،دون إذلال أو قهر.

• القسوة أن تؤذى الطفل بدنيا وتهينه معنويا بحجة العقاب والاصلاح والواقع أنك تغير ظاهر الطفل وتهدم ما فى العمق .

• أنتى كأم (او كأب) قد ترتكبين أخطاء عديدة مع طفلك بعلمك أو بدون علمك سامحى نفسك دائما ولا تشعرى بالذنب ففى النهاية أنتى بشر ،وأنتى تحاولين فعل الأفضل قدر إستطاعتك .فلا يوجد شخص مثالى خالى من الاخطاء .



ملحوظة هذا المقال موجه للتعامل مع الاطفال من عام واحد إلى ستة أعوام.
Top