• Thursday, 02 May 2024
logo

التجارب النووية الفرنسية في الجزائر: آثارها تلوث العلاقات بين البلدين

التجارب النووية الفرنسية في الجزائر: آثارها تلوث العلاقات بين البلدين
ما زالت أآثار التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في صحراء مستعمرتها السابقة، الجزائر، تلوث ملف العلاقات بين البلدين بعد مرور أكثر من 60 عاما على هذه التجارب. كما يوضح ماهر مزاحي في هذا التقرير.في صبيحة الثالث عشر من فبراير/شباط عام 1960، وبعد 45 دقيقة فقط من تفجير الجيش الفرنسي لقنبلة نووية خلال تجربة في الصحراء الجزائرية، أرسل الرئيس الفرنسي شارل ديغول رسالة إلى وزير دفاعه قال فيها:

"تحية ابتهاج (هورا) لفرنسا. هذا الصباح هي قوية وفخورة. أشكركم من أعماق قلبي، أنتم وأولئك الذين حققوا هذا النجاح العظيم".

وعرفت تجربة تفجير قنبلة ممتلئة بالبلوتونيوم باسم "الجربوع الأزرق". ونُظر إلى تفجيرات الأسلحة النووية الـ 16 التي أعقبتها في الصحراء الجزائرية بوصفها استعراضا لقوة فرنسا وتطورها التكنولوجي.في ذلك الوقت، كان الجزائر مستعمرة فرنسية. وحتى الآن، ظل الوضع على الأرض، حيث اشترك في العمل على هذا المشروع 6500 من المهندسين الفرنسيين والجنود والباحثين إلى جانب 3500 من العمال اليدويين الجزائريين، لا يحظى بالترحيب.لقد وضعت القنبلة قبل تفجيرها على قمة برج بارتفاع 100 متر. ويحكي شهود عيان عن شعورهم باهتزاز الأرض تحت أقدامهم، وأنه عندما سمح لهم بالنظر إلى الانفجار رأوا سحابة غبار ضخمة على شكل فطر.وقد جعلت درجات الحرارة العالية قرب موقع الانفجار الرمل يتبلور ويتحول إلى كسر زجاجية سوداء فاحمة.

وكانت قوة تفجير "الجربوع الأزرق" أكثر بثلاث مرات من القنبلة التي ألقتها الولايات المتحدة الأمريكية على ناغازاكي في اليابان عام 1945، والتي دمرت كل شيء في مساحة 1.6 كيلومترا حول موقع الانفجار.

وقد برر الجنرال شارل أيوغيه، الذي كان مسؤولا عن العملية، تفجير مثل هذا السلاح القوي في الجنوب الغربي الجزائري بقوله "كان الغياب التام لأي مظهر من مظاهر الحياة أساسيا في اختيار الموقع".

بيد أن السكان القاطنين في بلدة رقان الواقعة على بعد عشرات الكيلومترات من موقع الانفجار لهم رأي مخالف لذلك.لقد انتقلت عائلة عبد الرحمن تومي إلى الواحة بعد التجربة في عام 1965، لكنه تأثر في حياته اللاحقة بما رآه من معاناة للسكان المحليين، حتى أسس في عام 2010 رابطة للدفاع عن حقوق أولئك الذين يعانون من تأثيرات الإشعاعات النووية.

وقال تومي البالغ من العمر 57 عاما لبي بي سي: "في عام 1960 عندما فجرت القنبلة، كان هناك أكثر من 6000 نسمة يسكنون في المنطقة. ولم تكن رقان وسط خلاء تام".وأضاف " بحسب ما أوضح لنا باحثون، فإن تأثيرات طويلة الأمد بدأت منذ نحو 20 عاما بعد تفجير أول قنبلة وستستمر لعقود على الأقل".

وأوضح تومي "إن العديد ممن تعرضوا للتلوث النووي قد توفوا لأسباب طبية غير معروفة. لقد قيل لهم أن لديهم مرضا نادرا، بيد أنهم لم يعرفوا بدقة الطبيعة المحددة للمرض الذي أصابهم".

وفي أعقاب تفجير "الجربوع الأزرق" مباشرة، وكانت هناك مظاهرات في عموم المنطقة حيث أن سِقْط الغبار الملوث بالإشعاع النووي المتخلف من الانفجار يمكن اكتشافه ضمن مسافات واسعة تصل إلى السنغال وساحل العاج وبوركينا فاسو والسودان.

كما خرجت مظاهرات في مدينة لايبزك، في ما كان يعرف بألمانيا الشرقية، سيّرها طلبة ماليون شجبوا إجراء التجربة النووية على بعد بضع مئات من الكيلومترات عن بلادهم.وبعد أن وقعت فرنسا على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، قال تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي في عام 1998: "كانت الانفجارات الجوية الفرنسية موضع انتقادات متزايدة من الدول الأفريقية المحاذية للصحراء".

وأوضح التقرير "إنهم لا يفهمون لماذا سنواصل استخدام تقنية ملوثة بوضوح، على الرغم من كل الاحتياطات المتخذة لتقليل الغبار النووي الناجم عنها"، بيد أن التقرير لم يحدد ما هي هذه الاحتياطات.

وبعد أربع تجارب أجريت فوق الأرض في منطقة رقان، قررت السلطات الفرنسية في عام 1961، أن تجري تجارب تحت الأرض في منطقة عين إيكر الواقعة على في بعد نحو 700 كيلومترا داخل جبال الهقار المعروفة بمناظرها الخلابة.

ولكن حتى هذه التجارب التي أجريت تحت الأرض تسببت بوقوع تلوث.فخلال تفجير القنلة التي عرفت باسم بيريل، على سبيل المثال لا الحصر، قذفت مادة إشعاعية إلى الغلاف الجوي في المنطقة جراء وجود فتحة تحت الأرض لم تغلق بشكل صحيح.

وهز الانفجار عموم المنطقة المحيطة بالجبل، وحض المراقبون للتجربة العاملين على الابتعاد من المنطقة المحيطة لأن انفجار القنبلة فتح شقا في الجبل تسربت منه نفايات نووية إلى الهواء.

وقد تضرر تسعة جنود بشدة جراء التلوث الإشعاعي الذي تسببت به التجربة، بينما كان عدد كبير من المسؤولين الحكوميين مدعويين لحضور مشاهدة الإنفجار في التجربة.

وبعد أكثر من عشر تجارب أجريت تحت الأرض في منطقة عين إيكر، نقل الجيش الفرنسي تجاربه إلى جزر بولينزيا الفرنسية في المحيط الهادئ.وحتى اليوم، ما زال الغبار النووي الناجم عن التجارب النووية الفرنسية في الصحراء يلوث العلاقات الجزائرية الفرنسية.

ويقدر باحثون محليون أن آلاف الجزائريين قد عانوا من آثار الإشعاعات النووية في عموم الصحراء الجزائرية، وما زال العديد من المواقع حتى الآن في عداد الأماكن التي ستجري إزالة التلوث منها.

واكتسبت القضية أهمية مضافة عشية قرار البلدين بتشكيل لجنة تهدف إلى اقتراح اجراءات لتذليل العقبات التي تكتنف هذه العلاقات، والتي ما زالت مثقلة بإرث 123 عاما من الاستعمار.

وفي تقرير أعد لحساب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تناول المؤرخ بنيامين ستورا القضية النووية، قائلا إن فرنسا والجزائر يجب أن يعملان معا على تنظيف مواقع التجارب.

بيد أنه لم يتحدث كثيرا عن التعويضات. وكانت مقترحاته مبهمة جدا بالنسبة للجزائريين الذين يقولون إنهم سيستمرون في المعاناة من آثار التجارب الفرنسية.ويضحك محمد المحمودي (49 عاما) الناشط الذي يعتقد أنه تعرض للإشعاعات في مطلع التسعينيات أثناء أدائه الخدمة العسكرية قرب رقان، قائلا " إن ستورا مثل الخياط، فهو يخيط بالضبط ما تريده فرنسا". مشيرا إلى أنه لم يخبره أحد حينها بمخاطر الوجود في هذه المنطقة.وقالت الخارجية الفرنسية في رسالة إلكترونية لبي بي سي " لقد أُجري كشف وتشخيص إشعاعي في مختلف مناطق التجارب في هذه المواقع وقد أشركت السلطات الجزائرية بالإطلاع على نتائجه".

وفي عام 2010، أقر البرلمان الفرنسي قانون موران الذي يقر، نظريا، تعويض ضحايا الإشعاع النووي في الجزائر.

بيد أن القانون يشترط على المطالبن بالتعويض أن يكونوا من سكان المنطقة أثناء حدوث التجارب، ويعترف بأمراض معينة فقط. ونتيجة لهذا الشرط لن يكن ضحايا من أمثال محمودي مؤهلين للمطالبة بالتعويض.

على الرغم من ذلك يقول محمودي إنه ساعد في توثيق أكثر من 800 حالة تنطبق عليها شروط التعويض.وأفادت لجنة تعويض ضحايا التجارب النووية، التي شكلت بناء على قانون موران، بأن حالة واحدة فقط من 545 حالة ممن دفعت لهم أموال التعويضات كانت من الجزائر، أما البقية فمن بولينزيا الفرنسية.

وفي ردها، قالت الخارجية الفرنسية إن فرنسا "ستواصل فحص الحالات المقدمة".






بي بي سي
Top