• Thursday, 02 May 2024
logo

أفاق المظاهرات.. وآفاق الحلول؛ عسى ان تكون ذكرى نافعة…احمد ناصر الفيلي

أفاق المظاهرات.. وآفاق الحلول؛ عسى ان تكون ذكرى نافعة…احمد ناصر الفيلي
تصاعدت حدة المظاهرات المنطلقة في العاصمة ، وهي المظاهرات التي يسميها المواطنون بمظاهرات الجمعة لانطلاقتها في كل يوم جمعة. صاحب حدة المظاهرات تذمر اذكاه الصمت الحكومي ازاء اصوات الجماهير المتعالية ، بطلب الاصلاح والتغيير ومحاسبة المفسدين الذين تسببوا بأفلاس البلاد ، ومأزقها المستفيض في معالجة الازمات المتلاحقة من كل صوب واتجاه ، جراء الاهمال وعدم المبالاة التي باتت اليوم تضغط على الناس بقدم من حديد في ظروف عاصفة.
تكرر الوعود الحكومية بالاصلاح والمعالجة من دون حلول جذرية او برنامج اصلاحي واضح ، واتباع الاسلوب الترقيعي البطيء في التعامل مع المطالب الجماهيرية افقدت تلك الوعود مصداقيتها ما تسبب في ازدياد حدة التوترات المؤدية في حال تواترها الى الترقب والانفجار. الحكومة مطالبة بوضع مطالب المتظاهرين على المحك ، وان تتعامل معها بجدية وتفاعل حي يقظ ، لتحقيق نتائج واقعية ملموسة تخلق حالة الثقة والأطمئنان ، كما تؤسس لعلاقة ايجابية ثمارها التماسك والوحدة ، وهي ما تحتاجهما البلاد راهنا ومستقبلاً. تراكم الغضب الجماهيري واحتدامه ، يبعث على المراجعة واعادة الحسابات ، وتبني خطوات جريئة في محاولة اعادة المسار لأبجدياته الصحيحة، كما تقرأ من قبل الناس قراءة جديدة وصحيحة ايضاً.
ان بقاء الامور في وضع المراوحة من دون الاقدام او الدخول في عمق المشكلة ، يبَين عقَدة القوى السياسية المشاركة في الحكومة ، التي تريد ان تدلو بدلوها ، حتى في هذا الوضع الذي تتحمل قسطا وافرا منه ، غير عابئة بما حققته من نتائج سيئة للمرحلة المنصرمة من جهة ، واحترام رغبة المواطنين الذين يعبرون عن استيائهم وسخطهم من خلال هذه المظاهرات من جهة اخرى . فهم قدموا الكثير من اجل انجاز المشروع الديمقراطي الجديد على امل الحصول على ثماره الموعودة ، وبرغم ما قدم المواطنون خلال مسيرة الاعوام الماضية من تضحيات ودماء طاهرة وانفس غالية ، حيث ذهب في الحوادث الارهابية الالوف من الشهداء في بغداد واربيل وبقية مدن البلاد، فأن ما نالوه من المشروع الديمقراطي بعد التغيير في عام 2003 لم يكن سوى مشاريع فساد وجملة شعارات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع ، اوصلت البلاد الى حافة هاوية الفقر والعوز ، لدرجة اصبحت معها الحكومة تفكر في تمويل نفسها من خلال معاشات المواطنين وهي بالكاد تكفي لسد رمقهم. ان الكثير من مشكلات البلاد المتداخلة المعقدة ، انما نجمت عن عدم التقيد بالدستور وآلياته في العمل والممارسة ، بوصفه ضمانة التوازن والتكافؤ في الفرص ، فضلا عن الابتعاد عن روح الحوار والاقتناع الحقيقي القائم على مفردات التوافق والتفاهم بوصفه الاساس الفلسفي المهم في الدستور، وهو ما ينبغي العمل به واعادته الى فضائنا اليوم ، اذا كانت النوايا متجهة الى وضع الحلول ، اذ لا يمكن للعقد ان تنفك ، ونحلم بالتقدم والمواصلة مع الناس ، ما لم يتم الانفتاح على مطالبها ، ومصارحتها بحقائق الامور والحديث بصوت عال عن نواحي القصور الذاتي والضعف والانتهاك . ولو اننا اعترفنا بوجود توتر اجتماعي في وقت مبكر، لكّننا شخصنا العلة الناجمة جراءه في زمن مبكر ايضاً، وهي ما تتطلب ايضاً التحليل والصراحة ، والاعتراف بالاخطاء . فالعراق للجميع ، ومراجعة ما فات وانتقاد الذات مطلوب للجميع . من المهم ألا تغيب عن البال ، صورة بلادنا طوال ثمانية عقود واكثر، صورة الوطن المشوه المشوب بكثير من القلق والتأزم والجزع على مستقبله ، فضلا عن عدم المبالاة والتوازن الذي هو عنوان واقعها المزري . وهي من افرازات وعطاء السياسات الطائشة والحسابات المبنية على الاهواء والمصالح ، التي وضعت البلاد في دوامة مستديمة من العنف والاستعداء وهدر الحقوق الخاصة والعامة ، فكان طبيعياً والحال هذه ، ان يكون الشعور الوطني بعد التغيير في نيسان 2003 متجها الى الحلم بوطن للجميع ، يقوم على التوازن والمساواة والتكافؤ بين مكوناته القومية والثقافية والاجتماعية وخال من مظاهر انعدام الحقوق ومشكلات المعيشة واشكال المعاناة ، وبالمختصر ختم كل تلك الظواهر السلبية المدانة بالشمع الاحمر. ازاء ذلك ليس من المعقول ان تتفاقم المعاناة ، باكثر من السابق ، وان تنشأ ظروف أسوأ بكثير من تلك التي ناضل الجميع لتغييرها. من حق المواطنين طلب الاصلاح والتغير، وهي تتطلب جرأة ومبادرة لتمهيد الطريق نحو اصلاح جذري ، يترك اثرا في الذاكرة والتاريخ ، بوصفه قصة نجاح انجزت في اشد الظروف حراجة ، وهذه عسى ان تكون ذكرى نافعة.
Top