• Tuesday, 14 May 2024
logo

كوردستان ما بين ريفراندومين (لا) لإحتلال كوردستان سنة 1925 و(نعم) لاستقلال كوردستان سنة 2017

كوردستان ما بين ريفراندومين (لا) لإحتلال كوردستان سنة 1925 و(نعم) لاستقلال كوردستان سنة 2017
دلزار صالح صادق



لا تزال كوردستان منذ معركة چالديران سنة 1514 م و إلى الأن محتلة و مقسمة بشكل غير شرعي من قِبل الدول المحتلة لها.

بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى 1914-1918 م، بدأت كل من فرنسا وبريطانيا مع حلفائهم في اميريكا و الاخرين، خلال اجتماع السلام في باريس المنعقد في 18 كانون الثاني 1919 م إلى 21 كانون الثاني 1920 م بمباحثات لأجل توزيع غنائم الحرب و تقسيم الدولة العثمانية فيما بينهم حسب اتفاقية سايكس بيكو والتي اتفق عليها مسبقاً كل من بريطانيا و فرنسا , لكن الخلاف حصل منذ البداية في الاجتماع بين تلك الدول على حصصها و أقسامها من الدولة العثمانية و ظهور ألمانيا معهم.

لهذا في أيلول 1919م و على طلب من رئيس أميريكا ويدرو ولسن (1913-1921)م شكلت لجنة أميريكية بإسم (كينگ – كراين ) لأجل زيارة الشرق الاوسط و الإطلاع عن كثب على ما تريده تلك الشعوب , و بحسب تقرير تلك اللجنة قد أعطي الحق بنيل الحكم الذاتي للكورد , لكنَ أعمال اللجنة قد أُهملت من قِبل بريطانيا و فرنسا , و أدى ذلك إلى عدم تطبيقها .

- القضية الكوردية بعد الحرب العالمية الأولى :

بالنسبة للقضية الكوردية في داخل الدولة العثمانية و التي تعتبر ثالث أكبر قومية تطالب بالاستقلال بعد العرب و التُرك , قامت بريطانيا بإعطاء وعد بإقامة دولة كوردية , وذلك عن طريق معاهدة سيفر 10 آب 1920م بين الدولة العثمانية و الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى ,حسب مواد المعاهدة 62,63,64 و التي تشير بوضوح إلى إقامة دولة كوردية للكورد في شمال كوردستان و بعد سنة من تأسيس تلك الدولة يحق ان تُلحق بها ولاية الموصل (جنوب كوردستان الحالية ) أيضاً , لكن بسبب تغير الأحداث و الأوضاع في تركيا و ظهور شخصية عسكرية بإسم مصطفى كمال (أتاتورك ) و هزيمة الجيش اليوناني وإخراجهم من المناطق التي سيطروا عليها , ظهر الخلاف بين بريطانيا و فرنسا على إقتسام ما بقي من الدولة العثمانية حسب ما اتفقوا عليه في سايكس بيكو و ظهور الحركة الكمالية في تركيا بقوة ضد بريطانيا و حلفائها , في النتيجة كانت الدول العظمى بريطانيا و حلفائها قد تراجعوا عن الوعد الذي أعطوه للكورد بإقامة دولة كوردية , لذلك عام 1923م في معاهدة لوزان دُفن حلم الكورد بتأسيس دولة كوردية , و إلحاق شمال كوردستان بالدولة التركية الجديدة .

- قضية ولاية الموصل (جنوب كوردستان )

بعد أن استطاعت الحركة الكمالية إنهاء رغبات الكورد في تأسيس دولة مستقلة لهم في شمال كوردستان , عُقب إتفاقها مع بريطانيا و حُلفائها في معاهدة لوزان , حاولت الحركة الكمالية أن تسيطر على ولاية الموصل أيضاً و ضمها للدولة التركية , و في المقابل كانت المملكة العراقية قد تأسست من قِبل بريطانيا سنة 1921م و محاولة ملكها و مؤسسها الملك فيصل بن الحسين 1921-1933م ضم جنوب كوردستان إلى مملكته , كذلك كانت رغبة بريطانيا أيضاً ضم ولاية الموصل إلى المملكة العراقية.

- مقصد بريطانيا من ذلك كان عدة أهداف:

لطالما لم ترغب بريطانيا في إقامة دولة للكورد مثلما أقامت للعرب و الأفغان و التُرك و الأخرين

1 - لأنها رغبت أن تكون القضية الكوردية ورقة ضغط و تهديد ضد تلك الدول التي تقاسمت كوردستان , و بحجة القضية الكوردية و حقوقها , نيل المكتسبات السياسية و الإقتصادية من تلك الدول , لذلك في جميع الثورات الكوردية في الدول المحتلة لكوردستان , لم تساعد الكورد في إنجاح ثوراتهم و لم تساعد تلك الدول المحتلة في إخماد ثورات الكورد فيها .

2- تقريب رصيد السنة من الشيعة في العراق , لأن العرب السنة كانوا 20% و العرب الشيعة 80% , لذلك ألحقوا جنوب كوردستان بالمملكة العراقية لأن الكورد من المذهب السُني , لهذا اصبح السُنة عرباً و كورداً 40% مقابل الشيعة 60%

3- السبب الإقتصادي : معرفة بريطانيا أن جنوب كوردستان غني بالموارد الطبيعية و النفط , و قدرتها على الإكتفاء الذاتي , و فقر المدن الوسطى العراقية من الناحية الإقتصادية , و عدم رغبة بريطانيا في إستخدام قوتها الإقتصادية فيها , لهذا ألحقوا جنوب كوردستان بالقوة بالمملكة العراقية .

- لجنة جمعية الشعوب و قضية ولاية الموصل

استمرت رغبة الكورد بالاستقلال بشهادة تلك الثورات و الانتفاضات ما بين أعوام (1919-1923)م في جنوب كوردستان , في الوقت ذاته المحاولات العسكرية للدولة التركية لأجل السيطرة و ضم هذا القسم الغني بالثروات الإقتصادية و البشرية إلى الدولة التركية , و بهذه الأثناء حاولت بريطانيا حل قضية ولاية الموصل عن طريق لجنة جمعية الشعوب لانها على دراية بكسب القضية لصالحها بسبب هيمنتها القوية على الجمعية .

في البداية أرادت تركيا بأن تُجري هي استفتاء في مناطق ولاية الموصل , لمعرفة رغبة السكان في إختيار أيةَ دولة يريدون الانضمام إليها , لكن بريطانيا رفضت هذا المطلب , بعد ذلك عُينت لجنة من قِبل جمعية الشعوب سنة 1925م و زارت ( السليمانية و كركوك و هولير و دهوك و مركز مدينة الموصل و التي كانت في ذلك الحين تضم أقلية عربية فيها .

بدأ الاستفتاء و كان يطرح سؤالاً واحداً من السكان( هل تريدون الانضمام إلى الدولة العراقية أم إلى الدولة التركية )؟

هنا كانت اللجنة قد غضت البصر عن رغبة الحق الشرعي للشعب الكوردي بالاستقلال ,ومع ذلك كان جواب الكورد حسب ما جاء في التقرير أن أغلبية الشعب الكوردي في جنوب كوردستان في مدن هولير و دهوك و سليمانية و كركوك قد قاطعوا الاستفتاء ,و اللذين كانوا قد شاركوا فيها قد طالبوا بتأسيس دولة كوردية مستقلة , عكس ما كان يتأمله البريطانيون و التُرك , طالب الكورد بالاستقلال و رفضَ أن يُحكموا من قِبلِ أحد .

و هنا نستطيع القول أن الشعب الكوردي و بشجاعة و حنكة في هذا الاستفتاء سنة 1925م رفض الخضوع لسلطة أحد .

و قد لعب العشب الكوردي دوره التاريخي في رفض الخضوع و إختيار الاستقلال , لكن ومع ذلك لم تُحترم رغبة الشعب الكوردي مثل الشعوب الأخرى لدى بريطانيا لتأسيس دولة مستقلة , و ضمت جنوب كوردستان بالقوة إلى المملكة العراقية سنة 1926م

- الكورد و الحكومات العراقية 1926-2017 م

قامت بريطانيا بغير وجه حق و شرعية بضم جنوب كوردستان – للعراق و على مدى تلك الأعوام إلى الآن كل الحكومات المتتالية العراقية لم تعترف بالقضية الكوردية , و لم يحاولوا فهم مطالب و رغبة الشعب الكوردي بالاستقلال , لأنهم ينظرون إلى الكورد بنظرة أنهم من الدرجة الثانية , و ليس على أنهم أصحاب حقوق و أرض محتلة بالقوة .

- تلك السياسات الشوفينية للحكومات العراقية المتتالية ضد الكورد , خاصةً عندما كانوا يطالبون بحقوقهم السياسية و القومية الشرعية , كانوا يردون بالهجمات العسكرية الجبانة على الشعب الأعزل جوابأ لهم , مما أدى أن يكون الكورد في ثورات و انتفاضات دائمة على طول التاريخ العراقي , مثل ثورات بارزان (1931-1936)م ,كذلك الثورة الثانية البارزانية (1943-1945)م و النضال المتواصل للكورد من أجل الاستقلال , خصوصاً بعد تأسيس (الپارتي الديمقراطي الكوردستاني )سنة 1946م , و قيام ثورة أيلول (1961-1975)م و مواصلتها و اجتماع الكورد من الأجزاء الكوردستانية الأربعة , و بعدها قيام ثورة ( گولان التقدمية ) بقيادة الپارتي الديمقراطي الكوردستاني بقيادة الرئيس مسعود بارزاني و إدريس بارزاني , حاملي راية استقلال كوردستان , و نتيجة نضال الپارتي الإسطوري و عموم الشعب الكوردي المغوار استطاعوا سنة 1991م تحرير جزء من جنوب كوردستان و تشكيل حكومة إقليم كوردستان سنة 1992م و استمرارها حتى سقوط نظام البعث سنة 2003م

و اعتقد الكورد بسقوط نظام البعث أن أمنيتهم في تحقيق استقلال كوردستان قد يتحقق ضمن الحكومة الفدرالية , لكن بمرور الوقت تبين أن الحكومات المتعاقبة بعد سنة 2003م في بغداد لا يختلفون عن سابقيهم من الحكومات قبل سنة 2003م , لانهم يحملون نفس العقلية السياسية الشوفينية الناسيوناليستية العربية .

- جنوب كوردستان, ريفراندوم 25 أيلول 2017م

بعد خسارة العراق مناطق واسعة من اراضيه بسبب الهجمة الداعشية التكفيرية , استطاع الكورد و قوات الپيشمرگة الكوردستانية الباسلة بقيادة الرئيس و الپيشمرگة الكوردستاني الرئيس مسعود بارزاني , ليس فقط بحماية المناطق الكوردستانية التابعة لإدارة الإقليم , و إنما المناطق الكوردستانية التي هي خارج إدارة و سيطرة الإقليم و الحفاظ عليها و حمايتها من الهجمة الداعشية التكفيرية.

و قد أصبح الكورد الرادع و القوة الوحيدة التي وقفت نيابة عن جميع دول العالم ضد الإرهاب , و هذا بشهادة جميع دول العالم التي نسبت هذا اللقلب لپيشمرگة كوردستان .

- لكن مع انتهاء محاربة داعش, عادت مرة أخرى القوى العظمى العالمية إلى شعارها السابق و هي الحفاظ على مصالح بلادها فوق جميع الاخلاق و القيم الإنسانية .

- و في هذه الأثناء قام الرئيس و الپيشمرگة الكوردستاني مسعود بارزاني و الذي أعطى و أفنى حياته لأجل استقلال كوردستان بإتخاذ قرار إجراء استفتاء استقلال كوردستان في 25 أيلول 2017م .

- و على الرغم من التهديدات و المعوقات التي فرضتها الدول الإقليمية و العالمية على كوردستان بشكل عام و على الرئيس بارزاني بشكل خاص لإجل العدول عن إجراء الاستفتاء و التراجُعَ عنه, إلا أن الرئيس بارزاني أصر على الرغبة الكوردية الوطنية لديه, و التي هي (يجب على الدول العظمى إعطاء ضمان بروتوكولي رسمي للكورد, أو أنهم لن يستطيعوا كسر و إقصاء الإرادة الكوردية بهذا الشأن, لذلك إن لم يتم إعطاء ضمان رسمي للكورد تحت إشراف الأمم المتحدة سوف ننجز الاستفتاء .

لكن بسبب عدم رغبة دول العالم بشكل عام و الدول العظمى بشكل خاص باستقلال كوردستان , و إبتعادهم عن إعطاء أي ضمان رسمي بروتوكولي للكورد .

و النتيجة أن الشعب الكوردي في جنوب كوردستان قام في 25 أيلول 2017م بالذهاب لصناديق التصويت و الإدلاء بأصواتهم التي وصلت قرابة 93% منها .

- لكن بعد خطة إقليمية خسيسة و بمعرفة الدول العظمى و تواطُؤ بعض القوى الداخلية و بتاريخ 16 أكتوبر سُلِمت قسم من الأراضي الكوردستانية المحررة إلى قوات الحشد الشعبي , و إعتقدوا أنهم بهذا الأمر قد كسروا إرادة الكورد و البارتي الكوردستاني , و على الرغم من تلك الخيانة الكبيرة التي فعلوها , ما زال و يظل الپارتي و إقليم كوردستان مثل قوة فولاذية منتصرة على المسرح السياسي الكوردستاني و العراقي , و إلى الآن يُعد الرئيس بارزاني محل الثقة و القدر و الهيبة في الداخل الكوردستاني و العراقي و الصلة المركزية للمعاهدات الخاصة بالمصير الكوردي و المنطقة عامةً , و يُنظرُ إليه في الداخل العراقي و الدولي على أنه المرجع الأعلى للكورد , وتتوجه إليه جميع القضايا الخاصة بالدولة العراقية بشكل عام و الكوردستانية بشكل خاص و تُرجع إليه للنظر فيها لأخذ الرضا و القبول من شخصه الكريم .

- الرفراندوم – الاستفتاء و نتائجه وثيقة تاريخية مهمة باقية إلى الأبد, حين يصبح وضع كوردستان و الوضع الدولي ملائماً تستطيع كوردستان تقديمها للمحفل الدولي و المطالبة بالحق الشرعي لتحقيق استقلال كوردستان و تأسيس الدولة الكوردية المنشودة .

----------

*أ‌. دلزار صالح صادق

أستاذ جامعي / كلية الاداب – جامعة صلاح الدين – اربيل.

مختص في التاريخ الحديث و المعاصر







باسنيوز
Top