• Tuesday, 14 May 2024
logo

صقور كوردستان..وخفافيش الظلام

صقور كوردستان..وخفافيش الظلام
معد فياض

الصقور وحدها من تحلق عالياً في الفضاءات الشاهقة، تقترب من الشمس مفتخرة بقوتها وصلابة أجنحتها، سعيدة بحريتها، متخذة من قمم الجبال أوكاراً لها لتمنح للشجاعة رمزها وتجسد أرقى معانيها، بينما الخفافيش التي تعيش في الأنفاق المعتمة، لا تتحرك إلا تحت جنح الظلام لتحاول المساس بأوكار الصقور الحرة، معتقدة أنها قادرة على أن تخرب القلاع القوية.

لا نقارن هنا، بالتأكيد، بين صقور الضوء والحرية، وبين خفافيش العتمة والعبودية والشر، تلك الخفافيش التي لا تريد الخير للآخرين فتعبث هنا، وتحرق هناك، وتخرب هذا الصرح أو ذاك، وتقتل وتسلب، لتدفن فيما بعد رؤوسها في مغاراتها المظلمة التي سرعان ما يكشفها شعاع الشمس الوضاءة.

الكورد، أبناء الجبل الذين عشقوا القمم الشاهقة، وقاتلوا منذ ما يقرب من القرن من الزمان دفاعاً عن وجودهم وحاضرهم ومستقبل أبنائهم لا يهمهم أن تحرق هذه الميليشيا أو تلك المجموعة المسلحة مقراً في قلب العاصمة بغداد لتعبر عن حقدها وتعلن عن أمراضها النفسية الدفينة ضد شعب انتقل من مرحلة النضال إلى مرحلة البناء، بناء الإنسان والحياة اليوم والغد.

لكن أن يُحرق علم الكورد الذي يضم في قلبه شمساً وضاءة تعلن عن مستقبل مشرق دائماً، ولوناً أحمر يمجد شهداء وضحايا الثورة الكوردية من أجل نيل حقوق الكورد، وفضاء ابيض نقياً مثلما نقاء وطيبة الكورد، ومساحات خضراء بخضرة حقول وجبال ووديان كوردستان العزيزة، هذا هو علم الشعب الكوردي، وليس علم حزب أو ميليشيا مهمتها القتل والتخريب، وليس علم أية عشيرة، علم يختصر جغرافيا وتاريخ ووجود ومستقبل وإرادة للبناء لا تلين، ورمز وطني وقومي مقدس بالنسبة للكورد. هذا العلم مخضب بدماء الآلاف من الضحايا الكورد، وليس مجرد (خرقة) تحمل شعارات الموت بوجود البندقية رمزاً للجماعات التي تحمله، وتعلن عن ولائها لأعداء العراق والحرية والتقدم.

حادثة حرق علم إقليم كوردستان ومقر الفرع الخامس للحزب الديمقراطي الكوردستاني، وسط منطقة الكرادة بالعاصمة بغداد، دوافعها الحقد على الإقليم وعلى الشعب الكوردي لما تحقق ويتحقق في كوردستان من بناء وتقدم حضاري واستقرار، حتى أن مدن الاقليم، وفي مقدمتها العاصمة أربيل، صارت رمزا للأمن والأمان لجميع العراقيين ومن كل القوميات والأديان والمذاهب، على العكس من بقية مدن العراق التي خربتها الأحزاب الإسلاموية المتسترة بالمذهب، تلك الأحزاب التي سلبت حقوق وحرية وأموال وحياة واستقرار وتقدم وأحلام العراقيين، تلك الأحزاب التي تحمل الكثير من العقد والأمراض والأحقاد تجاه الكورد وإنجازاتهم.

إن الأسباب التي أدت إلى حرق علم إقليم كوردستان ومقر الحزب الديمقراطي الكوردستاني ببغداد، هي ذات الأسباب التي دفعت بقوة من الحشد الشعبي لإطلاق صواريخ القتل والتخريب على العاصمة أربيل، وهي ذاتها التي دفعت بنوري المالكي، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة (سابقا) لفتح أبواب محافظة نينوى أمام فلول داعش الإرهابية لتحرق الأخضر واليابس في نينوى وتقترب من حدود إقليم كوردستان، وهي نفس الأسباب التي دفعت بحكومة حيدر العبادي لحرمان الكورد من رواتبهم وأغلقت مطاراتهم.

لم يكن هوشيار زيباري، القيادي في الحزب الديمقراطي االكوردستاني ووزير الخارجية والمالية الأسبق في الحكومة الاتحادية مخطئاً في تصريحاته، ولا متجنياً على الحشد الشعبي ولا متهماً لهم، فهو يعرفهم أكثر من غيره كونه كان قريباً منهم بحكم عمله السياسي والحكومي، ويبقى ما قاله يندرج ضمن حرية التعبير منطلقاً من حرصه على إقليمه وشعبه.

لكن حرية التعبير في العراق صارت جريمة، وجريمة كبرى، والميلشيات المسلحة التي أحرقت علم إقليم كوردستان هي ذاتها من قتلت وخطفت وابتزت المئات من الكتاب والصحفيين والناشطين المدنيين، وليس آخرهم هشام الهاشمي وريهام يعقوب، من أجل إخراس أي صوت وطني يدافع عن البلد وعن حقوق الشعب العراقي.

الميلشيات المسلحة المنفلتة التي تأتمر بتوجيهات دولة مجاورة والغوغاء المنتفعين منها هم من يخربون ويقتلون سواء في بغداد أو بقية محافظات العراق، دون اية رقابة أو ملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية، وإلا كيف لنا أن نفسر إحراق مبنى محصن وسط بغداد دون أي رادع من قوة أمنية، وقبلها تم حرق مبنى قناة فضائية في بغداد، وبامكانهم حرق أي بناية أو بيت أو قتل أي شخص أو عائلة عراقية، وهناك آلاف الحوادث التي تؤكد كلامنا هذا ثم يتم غلق ملف الجريمة.

هنا يبقى دور الحكومة الاتحادية للحفاظ على هيبة الدولة وأمن واستقرار العراقيين وملاحقة عصابات الجريمة سواء كانت تندرج تحت تسميات الميلشيات المسلحة أو غيرها، وهذا الأمر يحتاج إلى تعاون جميع الأطراف الأمنية والسياسية ودعم جهود الحكومة لإقرار الأمن في العراق.
Top