• Tuesday, 14 May 2024
logo

العراق بحاجة لقانون للعنف الأسري ومنازل آمنة لحماية العائلات

العراق بحاجة لقانون للعنف الأسري ومنازل آمنة لحماية العائلات
ريجنا علاء الدين



إن العراق على وشك إحراز أهم تقدم في تاريخه في مجال حماية المرأة وذلك بتمريره المتوقع لقانون مكافحة العنف الأسري المعلق حاليا في أروقة البرلمان.

وفي خضم الأوضاع الناتجة عن الجائحة وعدم الإستقرار في أجزاء معينة في البلاد، إتخذ مجلس الوزراء في بغداد خطوة في إتجاه التصدي للزيادة الكبيرة في حالات العنف الأسري، من خلال الموافقة على مشروع قانون يتضمن فقرات تعتبر من أكثر الفقرات القانونية تقدماً بشأن هذه المسألة في العراق حتى الآن.
تشكل الشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني عاملاً أساسياً لتحقيق الإستقرار والأمن في العراق
فهو سيوضح بشكل لا رجعة فيه بأنه لا يمكن أبداً القبول بالإعتداء على النساء أو الأطفال، وفي الوقت نفسه يشجع هذا القانون الحكومة على العمل مع المجتمع المدني - إذ تشكل الشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني عاملاً أساسياً لتحقيق الإستقرار والأمن في العراق.

لقد تم إرسال هذا الصك المنقِذ للحياة إلى مجلس النواب (البرلمان) من أجل إجراء القراءة الأولى، وسوف يشكل تمرير القانون لحظة تاريخية بالتأكيد بالنسبة للحكومة العراقية الجديدة ولرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

قامت الحكومة المركزية بوضع العراقيل أمام الجهود التي بذلتها بعض المنظمات العراقية في مجال تقديم الخدمات الضرورية لضحايا العنف الأسري
في السنوات الأخيرة، ومع إزدياد حاجة الضحايا إلى الخدمات بسبب النزاعات، قامت الحكومة المركزية بوضع العراقيل أمام الجهود التي بذلتها بعض المنظمات العراقية في مجال تقديم الخدمات الضرورية لضحايا العنف الأسري، بدلاً من تقديم الدعم للمجتمع المدني، ولكن التغيير بدأ يلوح في الأفق. فبعد توليها قيادة البلاد، في أيار 2020، أظهرت الحكومة الجديدة جهوداً تنم عن حسن نية في رغبتها في العمل مع المجتمع المدني والتنسيق مع المنظمات التي تحمي الضحايا وتنقذ حياتهم.

العراق في حاجة إلى مساكن آمنة، كما أن الخدمات الحكومية والمساكن الآمنة الحالية تفتقر بشدة إلى القدرات اللازمة وأغلب هذه المساكن خالية بسبب النقص في موارد التمويل والتدريب وعدم توفير التدريب الجيد لفريق العمل.

إن العمل مع منظمات المجتمع المدني التي تتمتع بالقدرات الجيدة والتي تؤدي عملها فعلاً يمثل ستراتيجية منطقية للتخفيف من هذا العبء وسد هذه الثغرة في الخدمات، وإن القيام بعمل من هذا النوع سيعزز قدرة العراق على الوصول إلى المزيد من الناجين وإعادة توجيه التمويل الدولي إلى المنظمات المحلية، الأمر الذي سيؤدي إلى توفير المزيد من الوظائف للعراقيين.

إن المساكن الآمنة ألتي تُدار من قبل المنظمات غير الحكومية تقوم بما هو أكثر من مجرد توفير مأوى للضحايا، فهي تساعد في الحصول على لقاحات الأطفال المطالوبة بشدة وإبقاء الأطفال مسجلين في المدارس، وهي تلعب أيضاً دور الوسيط، إذ تساعد النساء والأطفال في لم الشمل مع اسرهم، وغالباً ما يكون ذلك مصحوباً بحب أعظم وتفاهم أكبر، ولجميع هذه الخدمات نتائج طويلة الأمد تتخطى الحاجة الفورية للمأوى، فهي تعمل على ردع إحتمالات زيادة التطرف والعنف والمساعدة في بناء الإستقرار الذي هو في امس الحاجة إليه في العراق.

بِيَد أن مشروع قانون الحماية من العنف الأسري قد لاقى معارضة قوية، فقد عارضت أو رفضت بعض الفصائل السياسية بالإضافة إلى بعض رجال الدين فقرات معينة من مشروع القانون ووصفتها بأنها معادية للدين ومخالفة للتقاليد، وذهبت تلك الجهات إلى حد إتهام القانون ومؤيديه بنشر الأفكار والقيم الغربية. وتركز إحدى الإنتقادات على فقرة تدعو إلى تزويد منظمات المجتمع المدني بالقدرات اللازمة لإدارة المنازل الآمنة للضحايا، إذ تصف الجهات المعارضة المساكن الآمنة بأنها "أماكن سيئة" تشجع النساء على عدم إطاعة أزواجهن كما أنها تشجع البنات على التمرد على الآباء.

إن المساكن الآمنة تقابل بالإدانة، على أية حال، لأن الناس يسيئون فهمها. ومن المهم أن يعرف العراقيون معنى المساكن الآمنة ولماذا تشكل أمراً حيوياً. إن المسكن الآمن هو مكان يستطيع الضحايا المعرضين لمخاطر العنف الذهاب إليه وطلب المساعدة. ومن دون هذه المساكن، تتعرض النساء لخطر الموت.

الخدمات الحكومية والمساكن الآمنة الحالية في العراق تفتقر بشدة إلى القدرات اللازمة
فقط فكِّروا في مَلَك حيدر الزبيدي. ففي شهر نيسان الماضي، توفيت ملك بعد حرقها، في ذروة فترة إعتداء لم يكن لديها مكان تلجأ إليه فراراً منه. وقد أثارت قضيتها ضجة كبيرة في العراق حال تداول مقاطع فيديو حول الألم الذي اصابها قبل موتها. فلو كانت قد حصلت على مسكن آمن لربما كانت باقية على قيد الحياة حتى يومنا هذا.

إن ملك ما هي إلّا واحدة من بين عدد كبير من النساء اللواتي توفين نتيجة للعنف المرتكب من قبل أسرهن وكان من الممكن إنقاذهن إذا ما كانت هنالك مساكن آمنة ليذهبن إليها. وسوف تستمر هذه الحلقة من اعمال العنف المميتة حتى نرى تغييراً حقيقياً، بما في ذلك تمرير قانون مكافحة العنف الأسري.

بعض الفصائل السياسية ورجال الدين عارضوا فقرات من مشروع قانون الحماية من العنف الاسري ووصفوها بأنها معادية للدين ومخالفة للتقاليد
ليس من المقبول أبداً أن يعتدي الأزواج على زوجاتهم، ولكن إذا ما أقدموا على هذا الفعل، فإن المساكن الآمنة توفر مكاناً للنساء للذهاب إليه عند نشوب العنف. وعند تواجد الضحايا في المسكن الآمن، يمكن لهم أيضاً الحصول على خدمات داعمة أخرى كالمعالجة الطبية والدعم العلاجي. وعلاوة على ذلك، يتم إعطاء الوقت لتنبيه الاسر بأن هنالك مشكلة عنف لغرض تشجيع التشاور وإعطاء أفراد الأسرة الآخرين فرصة للتدخل الإيجابي. أخيراً، فإن معظم الضحايا الذين يسعون للحصول على مساكن آمنة يتصالحون مع أسرهم في نهاية المطاف.
إقراراً منها بالحاجة إلى المساكن الآمنة، تبنت حكومة أقليم كوردستان قانون رقم 8 الخاص بمكافحة العنف الأسري في 2011. يأمر القانون بفتح مساكن آمنة لضحايا العنف الأسري. ويُسمَح لمنظمات المجتمع المدني بالدخول في إتفاقيات مع وزارة العمل والشؤون الإجتماعية لإدارة المساكن الآمنة. وتتولى وزارة الداخلية مسؤولية توفير الأمن للمساكن الآمنة وكذلك تكون مسؤولة عن الوحدات المختصة وإدارة المديرية العامة لمكافحة العنف الأسري ضد النساء، التي تقوم بمتابعة قضايا العنف الأسري. لقد أسفر هذا عن إنشاء هيكل مفيد من الناحية العملية يمكن تكراره في سائر أنحاء العراق.


إن دولاً مثل لبنان والأردن والمملكة العربية السعودية وتونس، على سبيل المثال، تسبق العراق بسنوات في مجال التصدي للعنف الأسري. فقد قامت المملكة الأردنية الهاشمية بتمرير قانون الحماية من العنف الأسري وإنشاء برنامج خاص بملجأ النساء لغرض إيواء النساء المهدَّدات اللواتي هن في حاجة إلى مسكن آمن للمكوث فيه حتى يتمكن من الحصول على الخدمات الضرورية أو يرجعن إلى منازلهن.

وفي تونس، تم إعداد إتفاقية مشتركة بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني لغرض توفير الدعم لضحايا العنف. إن نماذج شبيهة بتلك التشريعات التي سُنَّت في لبنان، كانت فعالة إلى درجة كبيرة وساعدت في تقوية القيم والروابط الأسرية. وبعد إطلاق حملات قوية من قبل منظمات المجتمع المدني تضمنت رفع مستوى التوعية ونشر مواد خاصة بالعنف الاسري والمساكن الآمنة، تغيرت وجهات النظر السلبية تجاه الملاجىء وإزداد الدعم الجماهيري لقانون مكافحة العنف الأسري. وتعمل وزارة الشؤون الإجتماعية اللبنانية الآن مع منظمات المجتمع المدني المحلية على تقديم الدعم للناجين من العنف، وقد أثبت هذا التعاون نجاحه الكبير في إنقاذ حياة الناس.

إن من واجب البرلمان تمرير قوانين فعالة تحمي المواطنين. ويعتبر قانون مكافحة العنف الأسري أحد تلك القوانين البالغة الأهمية. لقد شهدنا ما يفعلة العنف الأسري بالنساء من أمثال مَلَك، ولاتزال مثل هذه الحالات المؤسفة تظهر في العراق. كم من النساء والفتيات ينبغي لهن التعرض للإعتداء أو القتل قبل أن يكون لدينا قانون يمنع العنف ويحميهن؟ إذا كان الضحايا لا ينعمون بالحماية وإذا لم يكن لديهم مكان يذهبون إليهِ، فإنهم سيتعرضون للموت بإستمرار. إننا بحاجة إلى قانون يحمي النساء المعرضات للخطر ويساعد في تعافي الأسر التي أصيبت بجروح العنف.







روداو
Top