• Saturday, 27 April 2024
logo

برندان أوليري لمجلة كولان:رغم التشابه، لماذا استقلت جنوب السودان و ارتضت كوردستان بالفدرالية.

برندان أوليري لمجلة كولان:رغم التشابه، لماذا استقلت جنوب السودان و ارتضت كوردستان بالفدرالية.

في إستفتاء عام صوت السودانيون الجنوبيون لصالح دولة مستقلة و أسسوا دولة جنوب السودان المستقلة، و لدى الكورد قضيتهم على غرار شعب جنوب السودان إلا أن مساعي الكورد نحو معالجة قضيتهم في عراق اليوم تنصب في بناء دولة فدرالية يبدو أنه لا يكتب لها النجاح ، و قد أثار البرفيسور برندان أوليري المختص بالشأن السوداني و العراقي و إقليم كوردستان في محاضرة ألقاها يوم 4/11/2011 في جامعة لندن للعلوم الاقتصادية و السياسية، سؤالا مفاده : لماذا تم تقسيم السودان فيما تتبع الفدرالية في العراق ؟ و أجرى فيها مقارنة علمية حول أوجه التشابه بين إقليم كوردستان و جنوب السودان و التي تنشر (كولان) اليوم بعض مقاطعها:
أبدأ من السؤال المهم و هو (لماذا تم تقسيم السودان و بالمقابل تتبع الفدرالية في العراق؟ و أحاول منها حل عقدة مستعصية و لغز بين يقول: لماذا لا يتطلع الشعب الكوردي الذي تعرض إلى عمليات الإبادة الجماعية و الترحيل و محاولات محو هويتهم القومية و بصلابة إلى الاستقلال كما فعل أبناء جنوب السودان؟
بداية أقول : هناك 6 نقاط أو خطوط تشابه بين الشعبين لابد من عرضها و هي:
أولاً : تعرض العراق و السودان بداية عام 1920، و كانا صنيعة قرار بريطاني غير حكيم، و وقعت أراضيهما، كموروث لما بعد العثمانيين تحت سلطة الامبراطورية البريطانية، وتم جمع (3 ) مكونات في كل منهما أي جمع ولاية الموصل التي تشمل معظم أراضي إقليم كوردستان حالياً، و ولايتي البصرة وبغداد في كيان واحد سمي العراق، إلا أن الكورد لم يقبلوا منذ البداية بهذه الهوية القومية العراقية و لم يرغب الشيعة في تبني نظرة عربية إزاءها، و بالمقابل تم جمع المكونات السودانية الثلاثة ( سلطنة فنج و سلطنة فور و هي مجموعة اثنية كبيرة و مختلفة و جنوب السودان تحت ظل حكم بريطاني باسم دولة السودان ) و اعتمدت لهم هوية عامة في ظل قانون دولي .
ثانياً : تشكل دولتا السودان والعراق ضمن الدول العربية، نموذجين لتعريف اثنيات مختلفة و أسلمة الديانات المختلفة، وتشكلت فيهما أراض و مناطق متنازع عليها،وهي في الواقع مناطق و أراض مترامية الأطراف و أكثريات وتعدديات في الثقافة الاثنية و الانتماء الديني، ونجحت بريطانيا في مركزة الدولتين و تعريبهما،إلا أنهما قد تعرضتا على مدى ( 90 ) عاماً إلى مقاومة داخلية مستمرة .
ثالثاً : لقد وقع الحكم في الدولتين ما بعد الاحتلال البريطاني و لغاية عام 2005 تحت سلطة نخبة حكم أقلية . فقد وقعت السودان تحت حكم أقلية اثنية كانت تتولى السلطة كرؤساء قبائل راديكاليين يعيشون تحت الخيم على بقية المكونات، أما في العراق فقد سيطر ضباط أسرة الشريف حسين على تشكيلة الحكومة والجيش بحيث تسلط العرب السنة على الدولة أولاً و من بعدهم تولى البعثيون الحكم حيث كان (14) من أعضاء مجلس القيادة هم من العرب السنة من أصل (15) عضواً للمجلس الذي كان يقود البلاد، بينما كانت قلة قليلة تتولى مقاليد البلاد في السودان ..
رابعاً : يتماثل النهج السياسي في كل من العراق والسودان منذ الاستقلال و لغاية عام 2005، وتوجهت السياسة فيهما بعد هذا التاريخ نحو التوجه العربي، وأدى فيهما الضباط الأحرار دورهم في تبيان نوع الحكم سواء في عام 1958 بالنسبة للعراق أو في عام 1963 في السودان عن طريق انقلابات عسكرية و تأسيس نظام اشتراكي في البلدين و تولى فيه حزب واحد مقاليد الحكم وكان النظام فيهما علمانياً في البداية ثم توجه نحو الأسلمة ، وساد البلدين حالات متقدمة من الخلافات و العداوات الأثنية و أصبح لهما نفطهما و تم في كل منهما استخدام جيش عرمرم، لقمع المتمردين ضد النظامين، وتم في العراق التركيز من قبل الحكومة على كركوك و المناطق الكوردية الأخرى المتنازع عليها ( المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم ) فيما تم في السودان التركيز على المكون النابي ومناطقهم و ساد البلدين نوع من الجمع بين المجاميع الأثنية و الدينية المختلفة، وتم فيهما، وإلى حد بعيد، قمع المنافسين من تلك المجاميع، مواجهة القبائل الإفريقية و المواطنين الكورد من قبل العشائر العربية أو المستعربة، وشهدت السودان على مدى الثلاثين سنة الماضية حروبا داخلية مستمرة و سلسلة من حالات الترحيل و الجرائم الكبيرة و القتل الجماعي باسم ( جغرافية السودان الموحدة)..و هناك في العراق منظر مشابه حيث استمر ( تمرد ) الكورد للمطالبة بحقوقهم منذ العشرينيات وصولاً إلى قيادة و زعامة البارزاني و كانت النتيجة قمع ثورتهم بحملات الإبادة الجماعية ( الجينوسايد ) و الأنفال ..
خامساً : و لدى الدولتين، وبشكل مثير موقع جيوبوليتيكي غير مستقر مع وجود دعم خارجي للتمرد في السودان و كان جيران الكورد يدعمونهم في نضالهم لتأمين حقوقهم لأن محاولات السودان و العراق للاعتداء على جيرانهم كانت مستمرة .
سادساً : و كانت للدولتين تجربتهما في منح الحكم الذاتي لأكبر أقلية في البلاد و إن كانت تجربة قصيرة.. و تحقق في العراق إبرام اتفاقية آذار 1970 على يدي مصطفى البارزاني مع الحكومة، والتي كانت حلاً ناجحاً للقضية الكوردية في العراق آنذاك، فيما تم في عام 1972 منح إقليم جنوب السودان حكماً ذاتياً وفق اتفاقية أديس أبابا، مع تقارب كبير في مواد الاتفاقيتين اللتين كتبتا باللغة العربية، وبذلك يماثل و يعتبر (البي) كركوك السودان و كركوك ( نابي ) العراق، و ما كان على وفق تلك الخطوط الستة المتماثلة، إلا أن اقترحت و وجدت أن يكون عموم شعب كوردستان مع الاستقلال و الانفصال عن العراق إلا أن ذلك لم يحصل في عام 2005 لأنه قد تمت صياغة الدستور الجديد للعراق على أساس اتفاق جديد و كان للدبلوماسيين الأمريكيين دورهم في صياغة الدستورين .

البروفيسور جاميس كرين لمجلة كولان :
" ما هو قائم اليوم في إقليم كوردستان كان يعتبر مستحيلاً قبل 20 عاماً .."
البروفيسور جامين آين كرين هو أستاذ التاريخ السياسي في جامعة براون و مختص في تاريخ دول أمريكا اللاتينية بصورة عامة و تاريخ البرازيل و البرتغال بصورة خاصة اللتين كانتا تداران و لسنوات عديدة، من قبل دكتاتورية عسكرية و قد سألنا كرين في الحديث عن العقلية الدكتاتورية و مخاطر ظهورها من جديد في مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية و كان هذا الحوار .
كولان : المشكلة الرئيسية للدكتاتوريات هي أنها تحدث مشكلات سياسية مع جميع حلفائها و تتعامل مع الجميع معاملة أعداء، فإلى أي مدى تعتبر هذه السياسة فشلاً للدولة ؟
- العقلية الدكتاتورية هي في الواقع تفشل الدولة الديمقراطية و تحولها إلى قمعية و تسلطية و عندما تنجح في ذلك فإنها سوف تنال الدعم الجماهيري عن طريق ممارساتها القمعية، إلا أنها لو لم تنل ذلك عن طريق اللجوء إلى سياسة اقتصادية بعينها، وإثارة المشاعر الاشتراكية للجماهير ؛ عندها سوف تلجأ إلى طرق أخرى للسيطرة على السلطة أو الفوز بها عن طريق الانتخابات و تتوجه في ذلك إلى الضغط و الإجبار و العنف و القمع و الاغتيال و ما إلى ذلك ) و نجد في التاريخ السياسي أن بعض الدكتاتوريين قد نجحوا لفترات طويلة و استمروا فيها، ما يبرر أنهم، إلى جانب تلك الطرق القمعية، يتبعون أحياناً طرقاً إيجابية حسب نظرة الشعب .. إلا أن الكثيرين منهم يفشلون وبالإمكان هنا أن نورد البرازيل نموذجاً و التي شهدت خلال فترة (1969-1974) أسوء سنوات و عهود القمع مع كونها أفضل عهد للانتعاش الاقتصادي الذي بلغ نسبة 11%، ولكن عندما تعرضت البلاد في عام 1973 إلى أزمة النفط العالمية و اضطرت لاستيراده و بأسعار مرتفعة، فقد تخلت الطبقة الوسطى عن دعمها للدكتاتورية و كذلك الحال في الأرجنتين حيث كان دكتاتورها قد ضمن الحكم خلال الفترة (1976 – 1983) بسبب مساندة الجماهير له نتيجة وجود العنف الذي كانت المجموعات الثورية تمارسه، وعندها ساندت الطبقة الوسطى الجيش الذي أعاد الأمن و الاستقرار للبلاد، ثم تولت الحكومة الحكم عن طريق الرعب و القمع، غير أنها لم تتمكن من الاستمرار فيه، بسبب اتخاذ الجنرالات (الذين تخوفوا من تخلي الطبقة الوسطى عن مساندتهم) قراراً بتحرير جزيرة فوكلاند المحتلة آنذاك من قبل بريطانيا، ويومها فقد كذبوا على شعبهم عن حقيقة سوء إدارتهم للعمليات العسكرية و فشل العملية الذي ولدّ معارضة ومقاومة واسعة ضد الجنرالات و بالتالي فشل الجيش في الحرب، ولو أجرينا مقارنة بين الدكتاتور و الشخصية الجماهيرية المتسلطة، نقول لو كانت الأخيرة حكومة متسلطة أو دكتاتورية، فإنها تؤمن لها مساندتها بعدة طرق و أساليب و بالأخص تلك الطرق التي تستهدف الطبقات الفقيرة و العمال و ذلك عن طريق برنامج لتوزيع الأغذية أو إيجاد فرص للعمل .. و قد تكون،كما أشرت، حكومة متسلطة أو دكتاتورية، وكانت هناك في البرازيل مثل هذه الحكومة و قد اتبعت عدة طرق مع الطبقات تلك من عمال وفقراء ...الخ، وعادت بمساندة قوية للحكومة، إلا أنّ الجيش قد تصور و اعتبر تلك المساندة خطراً عليه فقام بإسقاط الحكومة و قد اوقف الإجراءات تلك، أي أنّ الفارق بين حكومتين بوبوليستية ديمقراطية و أخرى دكتاتورية هو أن الحكومة الدكتاتورية حين تعمل لصالح الناس إنها لا تسمح بوجود الديمقراطية في الداخل أو الانتقاد و الرأي المخالف، ما يعني أنما ستضمن تلك المساندة الجماهيرية طالما استمرت في توزيع السلع و البضائع عليها،إلا أنها تفقدها عندما تعجز عن الاستمرار فيها و تظهر معاداتها للديمقراطية، لأنها عند ذلك تلجأ إلى القمع الجماهيري ما يزيد من ضعفها و بالتالي حدوث ردود فعل إزاء تلك السلطات و تعقبها الأحداث الخارجية و التي تتسبب بمجموعها في إسقاطها.
* والى أي مدى يكون الفكر الدكتاتوري سبباً في تدهور البنى الخدمية الحكومية؟
- يبين لنا التاريخ في هذا المجال بتولي الدولة الروسية (السوفيتية) التي كانت نظاماً تسلطياً على مدى قرن كامل تقريباً (أي القياصرة) و أخضعوا الفلاحين لسيطرتهم تحت تهديد القمع, ولكل اختلاف فكري أيضاً، وكانت النتيجة القيام بممارسة النضال السري و من ثم اندلاع الثورة فيها، و مازال بوتين شخصاً متسلطاً، وكون الاتحاد السوفيتي السابق قد شهد وقتاً وزمناً محدوداً من الديمقراطية و المؤسسات الحقيقية التي بإمكانها مقاومة حكومة مركزية قوية فإن من الصعب جداً في هذه الحالة ترسيخ نظام ديمقراطي و إدامته فضلاً عن تعود الناس على مثل تلك الحكومة المتسلطة و أن سمو الماضي و عظمته لدى الشعب الروسي يجعله يحن لذلك الماضي و يسانده و بالمقابل فإن بوتين يتبع بشكل واسع الممارسات التي كان يقوم بها القياصرة في القرن التاسع عشر و يواجه بها شعبه،باعتبارها رمزاً لماضي روسيا و عظمتها و مستقبلها .. وبالنسبة للشأن العراقي عندما نتابع توجيه صدام للعراق نحو دولة فاشلة و الأسلوب الذي اتبعته الولايات المتحدة الأمريكية في احتلاله ومن ثم بروز الخلافات بين الشيعة و السنة، إنما نرى أن الكورد هم المستفيدون من تلك المعطيات بسبب الضعف الذي نال من العراق نتيجة غزو الكويت أو حرب احتلال العراق . و التي حققت للكورد فرصة لتولي الإدارة الذاتية المستقلة و أصبحوا عاملاً فاعلاً فيه،إلا أنه لا يشترط أن يحدث ذلك في منطقة أخرى وبالأخص تلك التي لم تحظ بفترة طويلة من الديمقراطية ، مع أهمية و سمو الفكر القومي الكوردي في تحقيق النجاح الذي تعيشونه، و رأيي أن التوتر بين الجماهير والسلطة المتسلطة، كما هو الحال في اليمن، هو حالة مختلفة أو كما حدث في شمال افريقيا حيث تداعت فيها عدة أنظمة مع عدم وجود مؤسسات أو قادة شرعيين يحلون محل تلك الأنظمة .
و كيف التعامل مع الوضع المعقد الراهن في سوريا ؟
الوضع في سوريا هو ملفت للنظر بسبب وجود بعض المجموعات الدينية و الأثنية القريبة من الأسد،نتيجة تخوفها من فقدها لحقوقها أو تهديدها من قبل أي نظام جديد. هذا هو الجانب الأكبر من التعقيد لأن هؤلاء يساندون الأسد بحماس واندفاع نتيجة تلك المخاوف التي ذكرناها، على غرار ما تعرض له الأقباط في مصر من مضايقات وضعهم الحياتي ( في حقبة انتخاب الإخوان المسلمين ) أي أن التعقيدات التي عاشتها بعض الأقليات إنما تؤدي دورها في هذا الوضع المعقد، ويسرني جداً أن الكورد يواصلون العمل و المساعي لنيل احترام العالم و تحقيق حكمهم الذاتي الحقيقي و هي مسيرة نضالية مستمرة و لم تنته بعد بل البيّن هو أنها سوف تنجح و تنتصر لأنه لم يكن هناك من يتوقع، قبل عشرين عاماً من الآن، أن يتحقق للكورد منطقة إدارة ذاتية في العراق بل كان ذلك من المستحيلات نتيجة قمع الكورد من قبل كل الأطراف، أو أن ما يتحقق ما هو قائم الآن في إقليم كوردستان و هو مبعث تفاؤل لكم و لشعبكم.



ترجمة : دارا صديق نورجان

Top