• Monday, 20 May 2024
logo

مستقبل الصحافة بين التطورات التقنية المستمرة و السريعة و الكبيرة

مستقبل الصحافة بين التطورات التقنية المستمرة و السريعة  و الكبيرة

ترجمة/ بهاءالدين جلال


استاذ الفلسفة عبدالسلام بنعبد العالي لـ (كولان): الأعلام اليوم يضعنا في جزئيات الأحداث بدلاً عن ابلاغنا الواقع

ان الأعلام لم يعد اليوم يخبرنا عن الواقع، بل اصبح يصهرنا فيه ان صح التعبير، اصبح يحشرنا في الواقع و يغرقنا فيه، أصبح يخبرنا الى حد التخمة، فعوضاً عن انْ يجعلنا ندرك الأحداث في بعدها التاريخي و دلالالتها العميقة، صرنا نضيع في جزئياتها، بل ان الأحداث هي التي اصبحت تضيع و تتحلل و تتفتت، لقد غدا الأعلام اداة لتفتيت الواقع، اداة لأذابة الأحداث و تحليلها الكيمياوي و تحويلها الى مركباتها: تحويل الحروب الى معارك متفرقة، و تحويل المواقف الى ردود افعال متقلبة، و الأفكار الى انطباعات مترددة و الأنقلابات الى سلسلة من الفتن، و الأحتلال الى محاولاات أصلاح، بل تحويل الخبر ذاته الى ساسلة من العجالات يكذب اللاحق منها السابق.



الصحفي و الأكاديمي ماكي زانكر من جامعة اريزونا لمجلة(كولان):التقدم التقني سبّب تحديات للعمل الصحفي و على الصحفي معرفة ألية نقل الخبر

السيدة ماكي زانكر هي استاذة الصحافة في جامعة اريزونا و المختصة في مجالات الصحافة الدولية و تغطية الأزمات و الكوارث الأنسانية، و كذلك المختصة في اعلام جنوب كوردستان و قد عملت أواخر تسعينيات القرن الماضي في اقليم كوردستان و على اطلاع تام في الصحافة الكوردستانية، تحدثت لمجلة كولان عن وضع الصحافة في العالم و كيفية مواجهة التحديات و المشكلات، من خلال اجابتها عن اسئلة المجلة.
* تقدم تقنيات المعلومات و الأعلام الديجتالي احدثت تغييرات حقيقية في مجال الصحافة المهنية، كما انها تعرقل عمل الصحفي في كتابته لتقرير يستخدم فيها مصادر معلوماتية حقيقية، كيف ترون مستقبل الصحافة الآن في العالم؟ - من المعلوم انّ الصحافة تواجه تطورات نوعية، ولكن من الأجدر انْ اقول انّ التكنلوجيا هي في تغيير مستمر،ولكن الآليات تختلف، وهذا يعني انّ الكتابة و نشر المعلومات كما هي و الصحفيون يدركون ذلك منذ قرون، الكثير منهم كانوا يظنون انّ الصحافة قد تنتهي مع ظهور التلفزيون، ولكن رأينا أنها لم تنته بل استمرت بصيغة اخرى، اذاَ كل الأمور في تغيير مستمر وهذا شأن صحيح، الآن نشعر بوجود مشكلة في هذا الجانب ولكن علينا التريث بما سيحدث لاحقاً، الصحافة لاتتغير ولكن التكنلوجيا في تغيير، الناس يرغب في سماع و متابعة الأخبار و المستجدات، سواء عبر الأذاعات أم التلفاز أو عن طريق الصحافة، هذه كلها وسائل تستخدم لهذا الغرض، وبمعنى آخر الصحافة موجودة ولكن هناك اختلاف في آلية الحصول على المعلومات الصحفية، ان داعش يستطيع استخدام وسائل الصحافة بجدية ولكنه لايحتاج الى صحفيين، ولهذا السبب نجده يقتل الصحفيين بدلاً من قيامه بأعلامهم ما يدور حوله من الأحداث، وهذا يعد من الأمور المهمة بالنسبة للكورد للأطلاع على اخبار داعش، ولذا نجد ان الكورد يدعون الصحفيين لتغطية الأخبار دون أي تستر على الأحداث مطلقاً، لأنهم يريدون ايصال اخبارهم عن طريق الصحافة، انني مطلع على اوضاعكم عن كثب لأنكم تملكون الكثير من القنوات الفضائية الى جانب مواقع اخرى على شبكات التواصل الأجتماعي، و لكن هذه التقنيات قد تضر بالعالم من بعض الجوانب، لأن مجموعة ارهابية كداعش تستطيع الحصول على معلومات، و تتعرف على ما يحدث حولها من الأحداث.
* احد الجوانب المهمة في مجال العمل الصحفي هو نقل الأخبار العاجلة و المباشرة، ومن جهة اخرى نجد انّ الاشخاص الأعتياديين ينشرون الأخبار و الفيديوات على مواقع اليوتيوب، وبالنتيجة فإنّ الصورة هي التي تتحدث و لا حاجة الى سماع الأخبار، و برأيكم كيف يستطيع الصحفي التعامل مع الأحداث السريعة و التحقيقات الصحفية؟
- هذه نقطة مهمة جدا و مشكلة في ذات الوقت، لأن الشخص الأعتيادي لايستطيع الفصل بين المعلومات الصحيحة و بين المعلومات الملفقة، كان في السابق يتم تناقل الأخبار الملفقة شفهياً أما الآن فإنه يتم عبر شبكة الأنترنيت، لذا على الصحفي أخذ الحيطة و الحذر من تبعيات هذه الظاهرة، كما مُنح الصحفيين المجال للقيام بممارسة مهمتهم الصحفية و الحصول على المعلومات الضرورية عبر وسائل عدة، ما تقولونه صحيح حيث هناك أخبار تُنقل عن طريق صحفيين يقيمون في سوريا ما يشكل ذلك خطراً على حياتهم و من الصعوبة جداَ التواجد في هذا المكان ولكن الكثيرمن الأخبار و الأحداث تنقل للمتلقي عبر اشخاص هم اصلاً سوريي الجنسية، لذا فإن هذا الموضوع يواجه مشكلة كبيرة من خلال الطريقة الصحيحة و المعتمدة لنقل الأخبار، حيث تم نشر بعض الأخبار السيئة ولكن دون معرفة مصادرها هل هي محل الثقة و الأعتماد أم انها مزيفة و تنشر للمغالطة و التشويه؟.
* حماية الأخلاق و القيم الصحفية هي احدى المبادىء في حماية الحريات و المجتمعات الديمقراطية، ولكن التكنلوجيا حالت دون تحقيقها، اذاً ماهي الوسائل الحديثة في حماية الأخلاق و القيم الصحفية؟
- اكررها مرة اخرى، عندما يكون هناك اشخاص غير مهنيين و يقومون بنشر المعلومات فإن هذا يعد تحدياً حقيقياً للذين يتابعون الأخبار و يقرأونها، هؤلاء غير ملتزمين بأخلاقية و مهنية الصحافة، ولكن القراء لايشعرون بذلك، اذاً يجب توفر أساس للأشخاص الذين يتولون نشر الأخبار و الأحداث، وهذا يعني وجود صحفيين مهنيين، يلتزمون بالأسس و الأخلاقيات المهنية للصحافة، وهذا يساعد القراء لمتابعتهم بأستمرار و عدم اللجوء الى مصادر أخرى غير موثوقة.
* في خضم كل هذه التحولات، تعويد الجيل الجديد من الصحفيين على الأسلوب التقليدي لن يلقى النجاح، هل هناك اساليب جديدة لتعويد الصحفيين على اتخاذها بغية المحافظة على القيم و الأخلاقيات الصحفية؟
- لهذا السبب اعتقد انه من الأهمية بمكان ان يتلقى الصحفيون تدريبات مهنية، و من الضروري ان تولي كليات الأعلام تدريب الصحفيين على القوانين و الأنظمة الخاصة بالمهنية الصحفية، كما يستطيع الصحفيون استخدام شبكة التواصل الجتماعي( الفيس بوك) وعلى سبيل المثال ابلغت طلبتي بأنهم في حال البحث عن الأشخاص الذين بهم مشكلة مع صاحب عمارة بسبب رداءة خدماتها أنْ يتوجهوا الى الفيس بوك و التويتر وذلك من خلال نشر رسالة عبر هاتين الشبكتين و الحصول على المعلومات بأسرع وقت، ولكن بعد هذه العملية قد يتصل بك شخص ليعطيك المعلومات لذا يجب ان تكون حذراً للتأكد من المصدر و معرفة هل انه يعيش فعلاً في هذه العمارة؟ اذاً التكنلوجيا الحديثة توفر الفرص للصحفيين لأداء مهامهم بأنماط مختلفة، وعلى المؤسسات الأعلامية تعيين اشخاص اكفاء لأداء مهمة الصحافة الصادقة و العمل بمهنية و اخلاقية كاملة.
* في الوقت الحاضر استفاد الأرهابيون من الأعلام التقليدي الى جانب الأعلام الأجتماعي لأيصال رسائلهم و التأثير الكامل على الرأي العام، اذاًَ كيف يستطيع الصحفيون مواجهة الأرهابيين فيما يتعلق بأستخدام الأعلام كأداة لأيصال رسائلهم؟
- اعتقد أنّه ليس بمقدور أحد منعهم، لقد قيل ان المعلومات تحاول ان تبقى حرة و هناك طريقة ثابتة لحصول الناس على تلك المعلومات، سواء منها دقيقة أو غيرها واضحة، الكثير من الشركات أمثال كوكل و يوتيوب تنشر لقطات مصورة عن الذبح و القتل، أو تعذيب مدنيين، وينبغي عليها الكف عن نشر و بث مثل هذه اللقطات، اعتقد انه ليس من المعقول السماح باستخدام اجهزة الأتصالات هذه لنشر هذه المشاهد لأنتهاك حقوق الأنسان و يجب ايقافها فوراً، لأن هذه الأجهزة تُستخدم كأدوات كسب للآخرين.
قد يكون من الممكن منع بث لقطات الفيديو أو ازالتها و الذي نشرها داعش، ولكن من الصعب ايقاف الفيس بوك و التويتر، ثم من الذي يقوم بإيقاف هذه اللقطات غير الشركات ذاتها، ولكن تلك الشركات لاتريد تقييد نشر المعلومات، لأنه اذا ارادت ان تقيد داعش فإنها تستطيع ايضاً تقييد جهات أخرى، و نحن لانريد انْ نسمح لها بذلك، وهذه مشكلة صعبة، حيث اننا لا نرغب في قيام المجاميع الأرهابية بنشر هذه المعلومات.


مدير المناهج الصحفية في جامعة ستانفورد جاميس هاملتون لـ ( كولان):تحولت التكنلوجيا الى تحديات تواجه العمل الصحفي و نشر المعلومات
البروفيسور جاميس تي هاملتون استاذ وسائل العلاقات و مدير المناهج الصحفية في جامعة ستانفورد و مختص في مجال الأعلام المرئي و السمعي و الكتابي، و قد تحدّث لـ (كولان) عن التحديات التي تواجه العمل الصحفي في العالم قائلاً:
الصحافة هي عبارة عن الكشف عن حادث أو نشره، ولكن التكنلوجيا اصبحت تحدياً أمام اجزائها الثلاثة( المقروءة، المسموعة، المرئية)، قد يكون هذا التحدي دائمياً، تستطيع في الوقت الحالي استخدام المعلومات لتحديد اساليب الفساد، و وضع الصور و الأشتراك في المواقع من خلال الأعلام الأجتماعي، وعلى غرار التحولات التي حدثت في التكنلوجيا في الفترة الماضية، فإنّ زيادة المسافة و السرعة عبر التقدم الحاصل في جهاز الحاسوب اوجدت تأثيرات ايجابية و سلبية في آن واحد، ما تقولونه هو صحيح فإن الأعلام الأجتماعي باستطاعته نشر كل تلك المعلومات و التي لم تمر برقابة اشخاص مهنيين، لذا نجد ان الأجهزة الأعلامية تنشر معلومات قد تكون مفيدة أو ضارة.
المسألة الرئيسة لأجهزة الأعلام هي مراعاة خصائص الدقة و الثقة و السرعة و العلاقة مع الأخبار المراد نشرها، و على المدى القصير قد يستفيد البعض عندما يقوم بنشر المعلومات، وذلك على اساس الأيديولوجيا و استهداف الخوف، ولكن على المدى البعيد سيكون لنشر المعلومات تأثير ايجابي على تغيير الأفكار و السياسات.


الصحفي و الأكاديمي في جامعة فلوريدا واين كراشيا لـ ( كولان):مستقبل الصحافة عبارة عن تربية الناس ليكونوا متعلمين من ناحية الأعلام
البروفيسور واين كراشيا عمل لمدة 25 سنة في مجال الصحافة، وهو استاذ الصحافة في جامعة فلوريدا و المختص في مجال الصحافة السياسية و البحوث الصحفية ، تحدث لمجلتنا حول مجريات التغيير في صحافة اليوم حيث قال: انها لحظات نجد فيها تناقضات كبيرة حول الأخبار و الصحافة بشكل عام، لم تمر الصحافة و المهنة التقليدية بازمة مثل ما نراها اليوم حيث يعمل البعض في هذا المجال للحصول على الأموال من خلال نشر المعلومات، وفي الوقت ذاته لم يحصل الناس مثل هذا اليوم على المعلومات بهذه السهولة، الى جانب توفير المصادر، اعتقد انّ المشكلة الكبيرة التي يعاني منها مستقبل الصحافة اليوم هي مستقبل تربية الأشخاص لكي يكونوا متعلمين من ناحية الأعلام في خضم هذه التغييرات التي تحدث في العالم الآن، وهل انّ ما يُنشر على شبكات الأنترنيت يعدّ صحيحاً وكيف يمكن حسم ذلك؟ الصحافة تواجه في عصرنا هذا المشكلة ذاتها، حيث ان الأجهزة الأعلامية التي لها موارد مالية كبيرة و مستوى تربوي جيد تتحول الى فريسة للتضليل و المعلومات غير الدقيقة، انها مشكلة بالنسبة للذين يقومون بصياغة الأخبار و كذلك الى الذين يقرأونها، وعلى الجانبين مراجعة قدراتهما من حيث نشر الأخبار و قراءتها.

Top