• Monday, 20 May 2024
logo

الأصلاح في العقول و ليس في النصوص قراءة لمفهوم الأصلاح في فكر طارق رمضان (1-2)

الأصلاح في العقول و ليس في النصوص قراءة لمفهوم الأصلاح في فكر طارق رمضان      (1-2)
"هذا الموضوع قُدّم في ملتقى الفكر الأسلامي للبروفيسور طارق رمضان حول كتاب( الأصلاح الجذري: خصائص الأسلام و التحرر) بعنوان( ملامح الأصلاح و حدود الأصلاح في الأسلام) المنعقد في كندا. ويطرح طارق رمضان خلال الندوة الفحوى الكامل لكتاب( الأصلاح الجذري)، وهذا يعني ضرورة اتخاذ خطوات نحو الأصلاح من اجل التفهم الأحسن للنصوص، و على ضوء هذه المسألة المهمة ارتأينا اعداد هذا الموضوع لقراء كولان الأعزاء.
ترجمة/ بهاءالدين جلال

حدود و جوهر الأصلاح
الحديث عن الأصلاح وفي المجتمعات الأسلامية في الشرق و بين المسلمين المقيمين في الغرب مسألة حساسة و يحتاج الى تحليل موضوعي و دقيق.لأنه عندما يجري الحديث عن عملية الأصلاح فإن الكثير من علماء العالم ينظرون اليها كعادة غربية مسيحية و يعتقدون انه لا يوجد الأصلاح في الأسلام. يتحدث طارق رمضان في بداية ندوته عن هذا الموضوع الحيوي يقول:
الموضوع يحمل عنوان( شكل الأصلاح و حدوده) وهو ليس عنواناً سهلاً، وانما حساس جداً، علينا في البداية الأجابة عن سؤالين مهمين:
1- مامدى حدود الأصلاح في الأسلام؟
2- ماهو جوهر الأصلاح في الأسلام؟
وللأجابة عنهما ينبغي الابتعاد اولاً عن الأمور الثانوية، التي قد تخلق لنا اشكاليات في الموضوع، لذا احاول في البداية الأشارة الى ثلاث نقاط مهمة وهي( المعرفة، العلوم، الثقافة) التي تساعدنا في حل بعض الأشكاليات التي تعترض حديثنا عن الأصلاح، وفي الجزء الأول من كتابي( الأصلاح الجذري: خصائص الأسلام و التحرر) اوليتُ اهتماماً كبيراً بالجانب النظري، أما في الجزء الثاني حاولت تطبيق خصائص الأسلام على المسائل، المهم بالنسبة لي هو الدخول الى جذور المسائل، و من ثم كيفية تطبيق خصائص الأسلام عليها، و الهدف من ذلك هو طرح هذه المسألة أمام المسلمين و غير المسلمين، وهذا يعني ان هذا الكتاب لم يطبع للمسلمين المقيمين في الغرب فحسب، بل انه يتعامل مع كل المسلمين في العالم، وهو يسأل عن التحديات التي تواجه اليوم الدول الاسلامية و المسلمين في الغرب، كما ان اسباب العادات و التقاليد المعقدة الموروثة فينا كمسلمين، تعود غالباً الى غياب الثقة بيننا و الأفتقار الى المعرفة الضرورية، وهذه اسباب تجعلنا عاجزين عن الأبداع و التفكير في المخاطر التي تواجه الأسلام في الغرب، اذاً عندما نتحدث عن الأصلاح فأننا نشير الى مسألة في غاية التعقيد، و التي تتعامل مع (المعرفة و العلوم و الثقافة)، و أي واحدة من هذه المسائل هي معقدة بحد ذاتها، الجانب الآخر المتعلق بالأصلاح، هو ما يتصل بالجهود المبذولة خلال ال 20 سنة المنصرمة، انا لا اريد ان انوب عن عموم المسلمن، ولكنني اسمح لنفسي ان اكون من الأصلاحيين، وما اريد ان انجزه هو الأصلاح في عقل المسلمين، و ليس في النصوص المقدسة، الكثير من علماء الدين يصفون اتجاهي هذا بأنه لا يمثل الأسلام، في حين كان اجدر بهم ان يقولوا هناك تفاسير و تحاليل عدة مقابل توجهاتي هذه، هؤلاء ينكرون وجود توجهات مختلفة في التراث الأسلامي، بل انهم يشيرون فقط الى انه لايوجد مفهوم الأصلاح في الأسلام، وانما هي محاولة لأدخال امور غريبة الى الأسلام، لذا على الجميع ملاحظة ما نقصده في هذا الجانب نحن لم تُحتل عقولنا أو لم تُستعمر! وهناك منْ يقول لنا: انكم تحثون على الأبتعاد عن الأسلام((alienation)) أو حتى توجيه الضربة اليه! وهذا يعني اننا خنّا الأسلام! بلا انهم ابتعدوا عن الأسلام لمرتين، الأولى لأنهم ابتعدوا عنه دون الدراية عن التراث و تأريخهم، و الثانية هي انهم يعيدوننا الى التراث الأسلامي في حين يصفون ذلك بالأبتعاد عن الأسلام، ولذا عندما يجري الحديث عن الأصلاح ، يظنون انّ الهدف من ذلك هو ادخال امور الى الأسلام.
الأصلاح كان اصلاً مفهوماً اسلامياً
انْ لم يكن الأصلاح مفهوماً اسلامياً، اذاً السؤال هو: ماذا يعني الأجتهاد؟ اليست هذه قراءة نقدية لأستجابة تفسير جديد الذي بقي بين النصوص المقدسة لسنوات كثيرة؟ يؤكد طارق رمضان على أنّ اي اجتهاد أو قراءة نقدية يصبح وسيلة للتفكير العمي في النصوص و يجيب عن الأسئلة التى تواجهنا الآن. السؤال المهم بالنسبة الى المسلمين هو: لماذا يفتخرون بماضيهم و بأعتبار انهم كانوا مبدعين و الآن قد تحولوا الى حالة الدفاع عن انفسهم؟
و السؤال الأخر هو لماذا لم يتمكن علماء الأسلام خلال الــ 20 سنة المنصرمة قراءة الواقع بمنظور نقدي و الأجتهاد و ايجاد اجابة ضرورية للتحديات التي تواجهنا في عالم اليوم؟
ان الأجابة عن هذه الأسئلة تأخذنا الى تشخيص الحقائق و العودة الى مصدر المشكلة، و هو اننا وجدنا انفسنا في هذه السنوات بين تلك القوانين و الفقه ولم نحاول العودة الى المصدر و هو اصول الفقه، أي حاولنا فقط تطبيق القوانين و الأسس كما هي، دون العودة الى مصدره وصياغة القانون و الأسس للواقع الجديد، وهذه هي بداية نقدية من اجل التحرك بأتجاه تطبيق النصوص على الواقع الحالي، المشكلة الأخرى هي ان المسلمين المقيمين في الغرب و الذين لايجيدون اللغة العربية عليهم اعادة التقييم للمفاهيم، لأن الكثير من تلك المفاهيم ترجمت الى الأنكليزية لاتعطي ذات المعاني المطلوبة ومنها(Islam by submission) أي الخضوع الى السلام ولكن((submission أي دخول الجميع الى السلم(ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين).
و ينبغي ان تكون ترجمة هذه الآية عميقاً و تتفق معها نفسياً، اذاَ هذا يعني انّه ليست لكل المفاهيم لها ذات المعاني لدى علماء الأسلام، ومن اجل التعامل مع الأصلاح علينا معرفة الوسائل و الطرق، ولكن النقطة الأساس بالنسبة لي هي : ماهو تعريف الأصلاح؟ هذه نقطة مهمة جداً و علينا معرفة ماهو الاصلاح، وفي كل الكتب التي اصدرتها عن هذا الموضوع لم اشير قط الى اجراء الأصلاح في الأسلام، انني اريد فقط معرفة ماذا يجب ان يتغير في هذا الجانب و لم استخدم هذه العبارة من قبل، اعمل كمسلم بشكل اكاديمي، واعلم ان النصوص القرآنية مقدسة، لا احاول تغيير النصوص، بل احاول ان اجعل المسلمين يعيدون تقييم النصوص و فهمها في ظل الواقع الحالي، وهنا اعيدها ثانية ان عملي ليس هو الأصلاح في النصوص القرآنية و انما الأصلاح في عقول المسلمين، لأنه اذا لم يقرأ المسلمون النصوص بشكل عميق، فإنهم لايستطيعون فهم الأسلام، أي اذا لم يقرأوا العقل الأسلامي النصوص بشكل عميق، فإن ذلك يشكّل خيانة في الدراسات و مبادىء الأسلام، هدفي هو تعميق ايماني بالأسلام ، ومن دون التقدم فإن الأيمان لايعني شيئاَ، وهذه هي النقطة المشتركة بين كل التقاليد و الديانات، وهذه خلاصة المسألة، النقطة الأخرى وهي بمثابة حدود لي هي التي تواجهني دائماً عند مناقشتي مع المسيحيين و الملحدين و اليهود حول الحوار بين الأديان، حيث يسألونني و يقولون: انتم المسلمون لاتستطيعون التحدث عن الأصلاح و مواجهة التحديات و النصوص المقدسة، لأنه من دون تغيير النصوص لاتستطيعون اجراء أي اصلاح، اقول ان هذا ليس صحيحاً حيث من الممكن اجراء الأصلاح و تبقى النصوص كما هي، اعتقد ان النصوص لا تشكل المشكلة بالنسبة لي و انما الهدف هو فهمها و كيفية تطبيقها، وبصراحة اكثر مشكلتنا مع عقول التي تقرأ النصوص، لذا لايجوز لنا النظر الى الدين نظرة الماركسيين اليه بعقلية عقائدية و نقول لا وجود لله، أو البعض من المسيحيين يقولون انه ليس كل ما جاء في الأنجيل هو كلام الله، انها تفكير جامد و لا يصلنا الى أية نتيجة، و لو اردنا فهم القرآن، لعرفنا ان مشكلتنا هي مع العقول التي تقرأ النصوص، وليس مع القرآن ذاته، لقد أُنزل القرآن في 23 سنة و في ظروف مختلفة، وهذا ما يؤكد لنا ان هناك مبادىء ثابتة في الأسلام غير قابلة للتغيير، منها العقيدة و التوحيد، و لكن هناك مسائل اخرى تتعلق بالظروف حيث يشير القرآن الى اسباب نزول هذه السورة أو تلك، لذا يجب قراءة النصوص مع الواقع الجديد(contextualize)، وهذه اشارة الى ان خلافنا ليس مع النصوص، بل مع العقول الجامدة التي تقرأ النصوص و لايراعون اسباب تزول النصوص.
اعادة تفسير النصوص و الأستنتاج الجديد للمعاني
عندما نتحدث عن اعادة التقييم أو الأجتهاد بمعنى القراءة النقدية للنصوص و تجري محاولات لتفسير جديد للنصوص، انما الهدف منها ليست اعادة النصوص، يؤكد طارق رمضان على ان بعض المبادىء العامة(immutable) هي غير قابلة للتغيير، منها التوحيد و الصلاة، لذا فإن اجراءات تطبيق هذه المبادىء لايمكن تغييرها، اما بعض الأمور المتعلقة بالشؤون الأجتماعية و التنظيم الأجتماعي فأنها قابلة للتغيير(changeable)، ولأجل معرفة الأختلاف بين المبادىء الثابتة و غيرها القابلة للتغيير علينا الأطلاع الكامل على التراث و التاريخ الأسلاميين، قد يجوز انْ يكون لأي شخص وجهات نظر حول نشر المعرفة و العلوم ولكن لايجوز فرضهما عنوة على الآخرين، وعلى سبيل المثال: عندما يرغب أحد منا قراءة آية من القرآن و فهم معناها، فإن ذلك الأمر ليس سهلاً، و لو نظرنا الى هذه الآية: ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم)، انها بالمعنى المجرد تحث على العنف و تطلب القتل انى رأيتمهوهم، ولكن تفسير و فهم الاية بحاجة الى العلوم و المعرفة، و لو قام أي شخص بتفسيرها بالمعنى الظاهري، فأن ذلك سوف يسبب كارثة، وعلينا توعية الناس بهذا الأمر، وكما هو معلوم، فإن أي شخص قرأ القرآن لايمكن انْ يصبح اماماً أو الذي قرأ الأنجيل لا يصبح قساً و قارىء التوراة لا يصبح رابياً، وعلى هذا الاساس نجد انّ منْ يقوم بالأصلاح يلجأ دائماً الى اعادة القراءة(Inductive process).
الأصلاح للتحول أم للفرض قسراً
يقول طارق رمضان لا ادري ما عمر الكرة الأرضية، و لكن ادري ان كل الأديان التي وجدت عليها دعت الى التحول نحو الأفضل(Transformation for better)، وليس للتكيف مع كلمات النصوص فقط، ولهذا فإن العلماء الذين حاولوا فرض الأصلاح قد راعوا نقطتين اساسيتين و هما الضرورة و الحاجة، و نقصد بذلك الأصلاح الذي يؤدي الى التحول الأفضل، وعندما نقرأ الكلمات العربية يتوجب علينا قبل كل شىء فهمها بشكل جيد، و على سبيل المثال عندما نتحدث عن الجهاد، حيث نراه يوصف من خلال الصحف بـ ( الحرب المقدسة) في حين ان الجهاد عبارة عن النضال و الدفاع، وهذا يعني ان المسلم الذي لم يفهمه فإنه قد ابتعد عن الأسلام مرتين، الأولى انه لم يفهم المعنى و الثاني لا يعرف ما يقصده الأسلام، و لو اردنا انْ يفهم المسلمون و غير المسلمين معنى الجهاد، انها ليست مسألة صعبة، اذا ما رجع الأنسان الى ذاته، يشعر بأنّه قد وصل الى مفترق الطرق، السيطرة على النفس في حال التعامل معك بالعنف عليك الأجابة بالسلام، ان ضبط النفس هذا و السيطرة على النزوات هي التي تعني الجهاد، أي اصلاح النفس، ان هذا التحول و الذي يسمى اصلاح التحول يحتاج الى شرطين:
1- ينبغي معرفة الأسس، و كيفية اجراء الأصلاح، هل نريد انْ نكون متسامحين؟ كما يقول الرسول(ص) : (التمس لأخيك سبعين عذرا) أي يجب الأبتعاد عن العنف.
2- الخطوة الثانية كيفية معرفة الذات، وذلك من اجل ان يتم غرس تحول روحي(Spiritual transformation) في الذات، وهذا التحول يتطلب معرفة مبادىء الأصلاح، لنكون مطلعين على ماهية الأصلاح، و السيطرة على الأنانية و حب الذات و حالات الغضب التي يجب على المسلم الأبتعاد عنها.
Top