• Tuesday, 14 May 2024
logo

محسنة توفيق تكسر جدران العزلة: "السينما المصرية أصبحت مستهلكة في لغة لا تليق بها

محسنة توفيق تكسر جدران العزلة:
هي بهية، التي جسدت روح شعب مصر العنيدة الرافضة للهزيمة في فيلم "العصفور"، وهي الفتاة التي تشكل حسها الوطني والسياسي وتشبع وجدانها برفض القهر بعد مذبحة كوبري عباس التي ارتكبت ضد مظاهرات طلبة الجامعة عام 1946 ضد الاحتلال الأجنبي واستبداد حكومة النقرشي باشا، وهي الشابة الناضجة التي اعتقلت عام 1959 لمدة عام ونصف العام فازدادت وعياً وثراءً وجدانياً وعناداً، وهي الفنانة المبدعة التي يكون منع إبداعها أقسى عقاب تعرضت له، عندما تم ذلك بقرار سياسي في عام 1973 وتحويلها إلى موظفة بهيئة الاستعلامات، ليتم استلاب روحها طوال خمس سنوات، لتعود من جديد كطائر الفينيق الذي ينبعث من الرماد أكثر تألقاً وإبداعاً في السينما والمسرح والتليفزيون <<
حوار – صفاء عبد الرازق
هي بهية، التي جسدت روح شعب مصر العنيدة الرافضة للهزيمة في فيلم "العصفور"، وهي الفتاة التي تشكل حسها الوطني والسياسي وتشبع وجدانها برفض القهر بعد مذبحة كوبري عباس التي ارتكبت ضد مظاهرات طلبة الجامعة عام 1946 ضد الاحتلال الأجنبي واستبداد حكومة النقرشي باشا، وهي الشابة الناضجة التي اعتقلت عام 1959 لمدة عام ونصف العام فازدادت وعياً وثراءً وجدانياً وعناداً، وهي الفنانة المبدعة التي يكون منع إبداعها أقسى عقاب تعرضت له، عندما تم ذلك بقرار سياسي في عام 1973 وتحويلها إلى موظفة بهيئة الاستعلامات، ليتم استلاب روحها طوال خمس سنوات، لتعود من جديد كطائر الفينيق الذي ينبعث من الرماد أكثر تألقاً وإبداعاً في السينما والمسرح والتليفزيون.
إنها الفنانة القديرة محسنة توفيق.. رحلة طويلة ومبدعة شهدت الحلو والمر.. لكنها لم تفقد يقينها الثابت بانتصار الفن والحياة وإرادة الشعب في نهاية المطاف..
في بيتها بحي المهندسين.. أجري هذا الحوار، فى غرفة نومها لأسباب صحية، فباحت بالكثير من الأسرار والحكايات السياسية والفنية، وتحدثت عن اعتقالها وعزلها، وعن حرمانها من الفن، الذي تثق أنه سينتصر في النهاية كما تثق في انتصار إرادة الشعب .
من السبب وراء عدم مشاركتك فى أعمال فنية منذ فترة؟
منتظرة عمل جيد يستحق أن أشارك فيه حتى ولو بمشهد واحد، وفى النهاية لن اترك الساحة الفنية، وملهوفة جداً لعمل يستحق مشاركتي فيه، عمل يكون ذي قيمة إنسانية، مثلاً شاركت بدور صفية زغلول زوجة زعيم الأمة سعد زغلول فى مسلسل "أم كلثوم"، وكان العمل حكاية تستحق.
كيف تشاهدين صناعة السينما بعد ثورتين؟
السينما المصرية أصبحت مستهلكة في لغة لا تليق بها، لكن في النهاية الشعوب تنتصر والفن يعكس هذا الانتصار.
بعد طول المشوار هل أنت نادمة على شئ من مشوارك الفني؟
أفضل شئ فعلته في مشواري الفني أنني كرهت المادة؛ وبالتالي خسرت أموالاً كثيرة؛ ويكفيني أنى شاركت في أعمال ذات قيمة فنية؛ سواء على المستوي المسرحي أو السينمائي، ولست نادمة على رفضي لأعمال ليس لديها قيمة فنية، ورفضت أعمالاً ضد مبادئي؛ واعتذرت عن أعمال فنية كبيرة؛ وكان بينها فيلم ليوسف شاهين. وفي النهاية ليس لدي عمل أخجل منه في مشواري الفني.
هل الفن يفرض قيوداً على العمل السياسي أو العكس؟
الفنان فنان وكل فنان لديه رسالة، وعلاقتي بالتمثيل سبب في دخولي إلى عالم الحياة السياسية والاجتماعية، وليس هناك فصل بين كونك فناناً أوعاملاً أو طالباً، وكانت بداية معرفتي بالحياة السياسية عندما سمعت بالحادث الإجرامي بفتح كوبري عباس على الطلبة والعمال في حكومة النقراشي باشا عام 1946، وانتبهت لهذا الفعل الإجرامي وأثار خيالي فكرة الطلبة والعمال؛ وهم جزء لا يتجزأ من الإحساس بالوطن والشعب، حيث تلاشت الطموحات الفردية والشخصية والأنانية لكل منهم وكان القاسم المشترك هو الوطن والحصول على العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. وعموماً الفن أقوي، والناس هتخرج من القهر، والمنتصر هيكون الشعب وليس العكس، والفن هيهزم الزيف، والشعوب هتهزم أعداءها المستغلين، والمقهورين هينتصروا لأنهم اقوي ولانهم أصحاب حق.
هل أثر نشاطك السياسي على مسيرتك الفنية؟
بالتأكيد.. تم اعتقالي يوم 29 إبريل عام 1959 بدون أسباب واضحة، ودون تهمة موجهة لي؛ وكنت في سن النضوج، وقضيت في المعتقل عاماً ونصف العام؛ ولكن من أهم تجارب حياتي هذه المدة التي كانت السبب في تكويني العقلي والنفسي في ما بعد؛ لأنه عندما يشعر الإنسان بالإهانه والظلم والحرمان يعرف جيداً قيمة الحرية؛ وأنا كنت محظوظة باعتقالي هذه المدة لأني أدركت جيداً "يعني إيه حبس مظلوم" ، " يعني إيه معتقل ويعني إيه يتم اعتقالك دون مسمى حقيقي لحبسك، ظلم السجن السياسي بسبب آرائك وبدون جريمة ولا مؤامرة شئ قاسي جداً على البشر.
كيف تصفين الزعيم جمال عبد الناصر؟
الزعيم عبد الناصر حالة استثنائية، غير من قبله ومن بعده؛ ومفيش نظام يساوي شخص؛ لذلك لا يوجد شخص يمثل النظام؛ لأن النظام طبقة حاكمة بمصالحها وأموالها وقوانينها، النظام أبعد كتير من أنه يختصر في فرد؛ وما يميز عبد الناصر أنه كان ضابطاً؛ وكان عنده شعور بالمسئولية لتخليص الشعب من الملكية؛ وفي النهاية إحنا مدينين لعبد الناصر بتأميم قناة السويس والقرارات الاقتصادية المهمة والإصلاح الاجتماعي . لذلك في عام 1966 جسدت شخصية "سندر اجاممنون" وهو دور استثنائي بعد اعتقالي؛ وكان كرم مطاوع مسلط الضوء علي بـ"كلوز سينما" على المسرح الإغريقي في الحديقة الفرعونية؛ ومن هنا كنت محظوظة بحصولي على وسام العلوم والفنون في فبراير 1967 من الزعيم جمال عبد الناصر
. لماذا تم انتدابك في هيئة الاستعلامات في عهد السادات؟
الفنان بطبعه نرجسي أناني، مشغول بنفسه، ولكن إذا حظه حلو وأتوجع بوجع الناس ووقع عليه ظلم الأخريين يكون محظوظ بتكوينه الإنساني؛ لذلك خسارة الفنان تساوي "حياة"؛ فكيف يتم انتزاعك بعد تألقك في المسرح؛ "تيجي تقولي انتي مش هتمثلي تاني؛ ويتم انتدابي لهئية الاستعلامات وكان مرتبي 26 جنيهاً؛ ثم وقفي نهائياً عن التمثيل على المسرح لمدة خمس سنوات؛ ومن هنا بتعرفي يعني إيه حرمان من الحياة؛ ولكن بشكل تدريجي؛ وتم عزلي في 1973 وبشكل معلن للجميع، عزلي كان جريمة ومنعي من العمل كان جريمة حتى انتهى العزل في 4 يناير 1978، بعدها شاركت في مسرحية "القصة المزدوجة للدكتور بالمي" ثم مسرحية "أجيب منبن ناس" لنجيب سرور.
"أخي جاوز الظالمون المدى.. فحق الجهاد وحق الفدا" لماذا هذا البيت له تأثير فى حياتك الشخصية؟
أخي جاوز الظالمون المدى.. فحق الجهاد وحق الفدا.. أنتركهم يغصبون العروبة" كلمات غناها محمد عبد الوهاب " وهي تخص فلسطين والعروبة، عندما كانت السينما المصرية تدافع وتحكي عن بلد اسمها فلسطين.
(تذكرت محسنة الحزن الذي حل على حي العباسية عند استشهاد شخص من العائلة؛ وهو الضابط محمود صادق باشا في غزة . وتذكرت مسرحية "ولد يا عمري" في أوائل السبعينات على مسرح محمد فريد عندما جاءتها أرملة الشهيد محمود صادق لتحييها على آدائها فى العمل المسرحي فبكت على الشهيد، وعلى الأبطال الذين ضحوا بحياتهم من أجل الوطن.
هل هناك اختلافات في الشارع المصري بين الحاضر والماضي؟
بكل تأكيد.. الاختلاف جاء نتيجة التغيرات المناخية في التطور الطبيعي الذي حدث فى العالم الرقمي، أما في الماضي فكان الوضع مختلف تماماً؛ والدليل على ذلك أني كانت تبهرني وشوش الناس والبائعين في المناطق الشعبية؛ وكان الناس دائماً يلفتون انتباهي برغم حياتهم المدربكة والثقيلة والمؤلمة؛ وكانت ملامحهم تصدر ما لا تصدره الآن من بعض التنفيس المتاح للمجتمع؛ وكانت ظروفنا في السابق مالياً واقتصادياً صعبة؛ وارفض كلمة "فقر" لأنها غامضة لا أحد يعرف من السبب فيها. في صغري كنت أذهب إلي سوق "الوايلية" مع "على" المساعد في المنزل لشراء طلبات البيت؛ وهو المعروف لدي أهالي العباسية باسم شارع 10؛وكانت أمي تعيش في ذلك الحي، وكان وشوش الناس تستوقفني؛ وتحديداً في المناطق الشعبية، في ظل ظروف اجتماعية غير عادلة؛ ولكن مع هذا كان يوجد حلم عام؛ وهو النهوض ببناء السد العالي والمشاريع الكبيرة التي راح ضحيتها عدد كبير من فلاحي مصر، والحقيقة أن التاريخ المصري ملهم جداً للعالم .
ماذا عن مسلسل "أهل أسكندرية"؟
غضبت من الإعلام لعدم ذكر اسمي وتجاهل اسم محسنة توفيق وكأني لم اكن فى العمل؛ رغم أن دوري مهم جدا فى المسلسل؛ ورغم تراكم القيمة خلال سنين طويلة لتاريخي السياسي والفني؛ وذلك لان النظام ذكي وليس غبياً ليكون وراء إجبار الإعلام من عدم ذكر اسمي.

كيف كانت علاقتك بالمخرج يوسف شاهين أثناء العمل ؟
علاقتي بيوسف شاهين كانت علاقة جيدة جداً على المستوي الفني والإنساني لأنه من المخرجين القلائل الملهمين أثناء التصوير، كان لديه شعور بالكمال فى ضبط الإيقاع بينه وبين فريق عمله، والأهم أنه كان لا يشعر الآخرين أنه ابن الطبقة المتوسطة المتعالية، بل كان يمثل عمق ورغبة كبيرة لجميع العاملين معه، وكان يعي جيداً القيمة الحقيقية للشعب المصري، ولدية شعور إنساني عميق لدي الناس، من محبة وحب وتقدير للطبقات الشعبية، كان يعرف جيداً لغتهم الخاص ويشعر بظروفهم الاقتصادية والاجتماعية؛ لأن الظروف الخاصة في بداية مشواره كانت السبب في شعوره بالمسئولية الكبيرة تجاه الناس؛ وهذا ما كان يميزه
كيف كانت علاقتك بالفنان محمود المليجي؟
محمود المليجي فنان ذكي إنسانياً، وموهوب، وكان حكاية كبيرة جداً، والعمل معه كان متعه لا توصف، سواء أثناء فيلم"العصفور" أو غيره من الأعمال السينمائية أو التلفزيونية ، ولكن تم ظلمه بشكل كبير من مخرجين كبار بوضعه في كادر واحد، وهو الشخص الشرير، ولم يأخذ حقه، لا فى التترات ولا فى الأجر.
من هم الفنانين الأقرب إلي قلب محسنه توفيق؟
الفنان رشدي اباظة كان لدية حضور، وسعاد حسني وعلى الشريف فنانان لديهما حضور قوي.
Top