• Friday, 03 May 2024
logo

في مقابلة مع اندبندنت عربية: بندر بن سلطان يكشف خفايا صفقة أسلحة لصدام حسين خلال الثمانينيات

في مقابلة مع اندبندنت عربية: بندر بن سلطان يكشف خفايا صفقة أسلحة لصدام حسين خلال الثمانينيات
كشف الأمير بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية وأمين عام مجلس أمنها الوطني سابقاً، وسفير الرياض الأشهر والأطول مدة زمنية لدى واشنطن، عن خفايا صفقة اسلحة الى العراق خلال حربه ضد ايران في الثمانينيات....
كشف الأمير بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية وأمين عام مجلس أمنها الوطني سابقاً، وسفير الرياض الأشهر والأطول مدة زمنية لدى واشنطن، عن خفايا صفقة اسلحة الى العراق خلال حربه ضد ايران في الثمانينيات.

وذكرت اندبندنت عربية، "هناك قصة شهيرة، سبق أن ذكرها الأمير بندر بن سلطان، وهي أن الملك فهد قال له بأن يخبر الأميركان بالنية لشراء صواريخ أرض - أرض من الصين، ولا يكذب عليهم".

ويروي الأمير تفاصيلها "قال لي: هذه هي آخر سلسلة تعليمات لك، أولاً، يجب عليك أن تخبر الأميركيين، ثانياً لا تخبرهم أنك ذاهب لشراء الصواريخ، ثالثاً لا تكذب عليهم. فقلت للملك: كيف يمكن فعل ذلك؟ هل تسمح لي أن أفكر؟ قال لا لا تفكر ولكن نفذ".

وتابع "عدت إلى واشنطن بعد أن أخبرت الديوان الملكي بالترتيب للمجموعة - البتروكيماوية - التي سترافقني، أن تستعد للذهاب إلى هونغ كونغ. وقبل أن أغادر أتيت بالفكرة التالية، الحرب بين العراق وإيران مستمرة، وإيران مصدر سلاحها الرئيسي من الصين، والحاجة أم الاختراع، وعند عودتي لواشنطن ذهبت لرؤية وزير الخارجية الأميركي جورج شولتز، وقلت بأنني أحمل رسالة سرية للغاية من الملك لريغان، والرسالة للرئيس ونائب الرئيس ولك فقط".

وبين ان "الرسالة مفادها أن الملك قرر أن أزور الصين، وتعرف أن المنطقة لا يمكن أن تتحمل هذه الحرب بين العراق وإيران للأبد، وسنذهب للصينيين ونعرض عليهم أمراً لا يمكن رفضه. قال شولتز ما هو؟ فأجبته سنقول لهم بأننا سنشتري كل السلاح الذي تريد إيران شراءه منكم. فقال: ماذا ستفعلون به؟ أنتم لا تستخدمون سلاحاً شرقياً ؟! قلت له، صحيح، سنعطيه لصدام للقتال به. قال فكرة هائلة. هنا قلت له: أنا أخبركم بذلك، كي تقولوا في حال تسرب الخبر بأننا ذهبنا لصفقة بتروكيماويات وغيرها. قال شولتز، لا عليك سأتدبر الأمر وأتصرف وأتحمل المسؤولية".

وضع الأمير الكرة في ملعب وزير الخارجية الأميركي، فقد أخبره بنية الذهاب للصين وبشراء أسلحة. ويكمل "ذهبنا إلى الصين، وكانت الرحلة غريبة، حين وصلنا أخذونا من المطار وانتقلنا إلى السكن بسيارات ستائرها مقفلة، وفي فلل الضيافة الصغيرة، في المجمع الكبير، طلب منا الصينيون عدم فتح الستائر. المشهد يشبه الأفلام. وقتها كان عبدالعزيز ناظر مدير مكتبي، وجاءني بعدما وصلنا إلى الفلل وقال لي: يا سمو الأمير أنا تطفلت، وتلصصت عبر الستائر وفتحت الستارة، وتعال أريد أن أطلعك على شيء. فتحنا الستارة وإذ بوفد إيراني موجود في الفلل المجاورة لنا، للتفاوض على شراء أسلحة. هذه مشيئة القدر فعلاً. ومن مصنع إلى آخر، تعب وإرهاق. في اليوم الثالث جاؤوا وأخذوني بمفردي إلى نائب رئيس الوزراء، وبعد المجاملات طرحت عليه ما قلته للسفير حرفياً. قال هل هناك شيء آخر؟ قلت له نعم نحن على استعداد لشراء أي سلاح تشتريه إيران، ونقداً، ومقدماً".

شعر الأمير أن نائب رئيس الوزراء سيفتح موضوع العلاقات مع تايوان، وكيف يمكن القيام بصفقة الصواريخ دون وجود علاقات رسمية. يقول "قال لي نائب رئيس الوزراء هذا شيء جيد لكنه ليس المهم... المهم كيف تريدوننا أن نتعامل معكم بدون وجود علاقات بيننا؟ قلت له الشعب الصيني عظيم ومبادئه عظيمه، ومبادئكم الخمسة المعروفة عظيمة، فأعجب بمعرفتي البسيطة وخلفيتي عن ما يحدث عندهم، ثم تحدثت عن إصلاحات تشاو بينغ، وقلت له الرئيس بينغ. قال بينغ ليس الرئيس، وإنما رئيس اللجنة العسكرية، وتبين لاحقاً أن رئيس اللجنة العسكرية هو كل شيء ثم قال لي: يجب أن أعود للقيادة في هذا الموضوع، لكن كيف سنتعامل؟ وصواريخنا التي تريدونها ليست صواريخ مسافات بسيطة بل تتعدى الـ 1000كم ، ثانياً كيف تعتبرون تايوان الصين ونحن لسنا الصين؟ قلت له، نحن الآن للتو بدأنا، وهناك رغبة لدى القيادة بخلق علاقات استراتيجية مع الصين، ويجب بناؤها على الثقة، إذا قطعنا علاقتنا مع تايوان الممتدة منذ 25 سنة وحولناها لمكتب تجاري لأننا بحاجة إليكم في مسألة معينة، كيف تضمنون أن لا نتخلى عن علاقتنا معكم بعد أن نأخذ ما نحتاجه؟ فأجاب الثقة؟ قلت إذاً هذا هو المطلوب، وأنتم دولة عظمى. قال لسنا دولة عظمى، بل دولة من العالم الثالث لكن رائدة. قلت بل أنتم دولة عظمى ونحن لسنا كذلك، وأعدك أن ندرس الموضوع بجدية خلال سنة من الآن، وقلت له عندي تفويض من الملك بأن نوقع اتفاقية مع سفيركم في واشنطن بفتح مكاتب تجارية بين البلدين".

عاد الأمير بندر إلى مقر إقامته وقد اعتاد أن لا إجابة من الصين مباشرة حتى يتم بحثها بشكل جدي، ولم يكن يتوقع أن الموافقة قد جاءت. يقول: "عدت إلى الفيلا، وسألني مدير مكتبي عن النتيجة، فقلت يبدو أنه لا أمل. ثم جاؤوني وقالوا سنأخذكم في جولة على المعالم، وقلت في داخلي لسنا بحاجة للمعالم، نحن بحاجة لما أتينا من أجله".

سبق أن زار وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كسينجر الصين سراً، ودعوه للعشاء في مطعم ما، قاموا بأخذ الأمير بندر للمطعم ذاته، وقال له نائب رئيس الوزراء دعوتك لهذا المطعم لأن زيارتك سرية وقد دعوت كسينجر للمطعم ذاته حين جاءنا سراً.

يكمل الأمير "قال لي نائب رئيس الوزراء : القيادة يا بندر لم توافق، لم أرد على كلامه. ثم أتبعها… ولكن السيد تشاو بينغ صوّت بمعادلة جيدة لأنها في مصلحة الطرفين. اضمنوا توقيع اتفاقية تبادل مكاتب تجارية بأسرع وقت، وأرسلوا لنا وفداً عسكرياً بملابس مدنية، ليرى المواصفات والتفاصيل. وبعد سنة نأمل أن لا تخيبوا أملنا ثم أكمل: غداً نأخذكم إلى العاصمة السابقة شيان التي فيها المقبرة الملكية وغيرها. قلت شكرا أريد أن أعود غداً. قال لا أفضل أن تزور شيان".

يقول الأمير إن بقاءه كان مهماً، لكنه لم يكن يعرف ذلك. يكمل "وصلنا في اليوم الثاني بعد المساء، وبسيارات بستائر أيضاً، ثم عبرنا بهواً وخرجنا منه إلى السكن، وبعد الفجر أيقظونا وقطعنا مسافة بعيدة ثم دخلنا قاعدة عسكرية، وإذا بمستودع كبير، كبير جداً فتحوا بابه، وحين دخلنا صافح الضباط وشاهدت الصاروخ وذهلت. وقلت أين يمكن أن نضع هذا الصاروخ؟ ثم التفت وقلت له: أمتأكد أن مدى هذا الصاورخ 1000كم فقط؟ قال إسأل العسكريين".

عاد الأمير إلى المملكة، وأخبر الملك فهد، وسُر الملك بالتفاصيل، لكن الأمير قال: "سيدي، الصاروخ أطول من مجلسكم هذا 6-7 مرات، ويحتاج مخابئ وبناء وليس بالشيء السهل...ثم أمرني أن أتصرف".

حيرة جديدة للأمير بندر، فالأقمار الصناعية ستلتقط الصاروخ، ويحتاج لمخابئ ومخازن ببناء مسلح. يحكي هذه القصة أيضاً ويقول: "عدت لواشنطن وأخبرت الوزير شولتز وقلت له الصينيون وافقوا ولن يبيعوا أسلحة لإيران، لكن عندنا مشكلة وجلالة الملك يريد أخذ رأي الأصدقاء في واشنطن. كنت أفكر في التمهيد لبناء المخابئ، فقلت لشولتز: مخازن ذخائر القوات المسلحة جميعها في الخرج - قرب الرياض، تبعد عنها 100 كلم- وقد يحاول شخص مجنون التعرض لهذه الذخيرة، الملك يفكر بنقلها كلها بعيداً عن العاصمة، قال شولتز هذه فكرة جيدة. وقلت له سأقترح على جلالة الملك أن نعطي عقد المقاولات للصين، حتى نضمن عدم تسليحهم لإيران أيضاً. وحين أيد شولتز الفكرة قلت له: إذا سأبدأ بالتنفيذ، ولكن هناك إشكالية، وهي أن المنفذين الصينيين سيأتون للسعودية عبر باكستان. وكنت بحديثي، أمهد لكل شيء. وكان شولتز يؤيد كل ما أقول".

لا يمكن نقل الصواريخ بالطائرات، والميناء الذي يمكن من خلاله استقبالها يقع قرب مدينة رابغ غرب السعودية، يكمل الأمير "هذا الميناء بني خصيصاً للحرب العراقية الإيرانية وتم فتح خط بري سريع منه للعراق، وكان كل ما يحتاجه العراق يأتيه مباشرة عبر هذا الميناء. وانتهت الحاجة إليه حيث كان يتم تزويد العراق بالسلاح لاحقاً عن طريق العقبة".

ويكمل الأمير بندر عن إيصال الصواريخ "إذا كان الميناء جاهزاً، تصل الصواريخ إليه، لكن كيف ننقلها لمخابئها؟ اتفقت أنا والمسؤولون العسكريون على أن نلصق إعلانات لقوارير مياه باردة ومشروبات باردة أو ما شابه على شاحنات، كنوع من التمويه، فتبدو وكأنها شاحنات لنقل بضائع. وحين تصل السفينة ننقل ما بداخلها إلى الشاحنات، وتتحرك في المساء، وحين تريد التوقف، تتوقف تحت أقرب جسر".

يقول الأمير، أن نصيحة الملك فهد الأولى أنقذته، وجعلت موضوع الصواريخ الصينية يمر بسلاسة عند المسؤولين الأميركيين يقول "حين وصلت بكين أول مرة، أرسل مندوب المخابرات الأميركية خبراً لواشنطن بأن السفير السعودي لدى واشنطن وصل الصين وأبلغوا مجلس الأمن الوطني، وقال لهم شولتز: لا داعي للقلق، لدينا خبر ! وموضوع المخابئ كذلك وصل لمجلس الأمن الوطني وقال لهم شولتز لدينا خبر".

كان المسؤولون العسكريون السعوديون يريدون معرفة سؤال مهم، وهو الدورة الزمنية للقمر الصناعي فوق الأراضي السعودية، حتى يتمكنوا من رسم خطة لتمرير الصواريخ ونقلها في أوقات مناسبة وإدخالها للمخابئ. يقول الأمير عن كيف استطاعوا الحصول على الإجابة : "ذهبت لرئيس الاستخبارات الأميركية وقتها، وقلت له: لدينا مشكلة كبيرة وردت معلومات، بأن الإيرانيين بدأوا بتحريك أسلحة وصواريخ تجاه المنطقة الشرقية السعودية. قال لي رئيس الاستخبارات هذه مسألة سهلة (هل هناك تحريك لأسلحة إيرانية أم لا)، سنستطلع ذلك بالأقمار الصناعية وقلت له متى أستطيع العلم بذلك. سأل وعاد لي وقال: خلال 12 ساعة. وطلبت منه تحديث المعلومة وإبلاغي حتى لا يشك".

بدأ السعوديون العمل بناء على هذه المعلومة، لكنهم لم يضعوا في الحسبان الأقمار الصناعية الإشعاعية كما يقول عنها الأمير، ويضيف "تعطلت إحدى الشاحنات، ومر القمر الصناعي الأول، ثم القمر الثاني الذي التقط بالأشعة وجود جسم غريب على شكل صاروخ داخل شاحنة. الضابط المناوب في غرفة عمليات الاستخبارات الأميركية قام بمقارنة الصور حين وصلته، وفجأة ظهر له أقرب شكل للمجسم وهو "c3 رياح الشرق". فاتصل بمسوؤليه وقالوا سنتأكد، وفي كل مرة يتصلون بالقيادة السياسية لديهم يقولون لدينا علم. هذه المرة اختاروا التركيز على الشاحنة وتتبع مسارها حتى دخلت المخابئ، ولحسن الحظ كانت الشاحنة المعطّلة تحمل آخر صاروخ".

كان الجانب الأميركي يتوقع أن الأسلحة هي تلك التي اشترتها السعودية لمنع حصول إيران عليها، وكل ما اتصل بهم ضباط الاستخبارات لإخبارهم قالوا أن لديهم علماً، لكن التغير حدث بشكل دراماتيكي. يقول الأمير "فجأة اتصل بي السفير الأميركي السابق لدى السعودية ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ريتشارد ميرفي وكان يوم جمعة، وقال لي هل أستطيع أن أمر لمقابلتك لمدة 5 دقائق. قلت له تفضل على العشاء، فأجاب بأن وقته ضيق، وهو مدعو للعشاء مع زوجته ولكنه سيمر لحديث سريع. دخل هو وزوجته وكان يحمل مظرفاً، وكانت زوجتي موجودة. قال لي أريد أن أختلي بك في المكتب وذهبنا ومعه المظرف، وقال نحن أصدقاء منذ وقت طويل أرجوك لا تحرج نفسك. تفضل هذا المظرف افتحه، واشرح لنا، كيف حصل؟ ولماذا لم نعرف إلا عن طريق الصدفة؟ قلت له دعني أرى ما في المظرف، وإذ بها الصور الملتقطة وصور أخرى للصاروخ نفسه. قلت له: نعم هذا صحيح، نحن أصدقاء منذ زمن، ونعرف بعضنا منذ فترة طويلة منذ كنت سفيراً، أما عن هذا الموضوع بالذات فأنا كنت في القوات المسلحة، أما الآن فلا، وهذا سؤال عسكري، أستغرب أنك أتيت تسألني عنه، كنت أتوقع في حدث مثل هذا أن يأتي شخص من البنتاغون، لكن لا تعليق لدي. سآخذ هذا المظرف وأرسله لحكومتي ويجيبون هم عليه".

اكتشفت واشنطن أن بندر بن سلطان قد حصل على ما يريد، وأنه خدعهم في الوقت ذاته. قال المسؤول للأمير "هناك رسالة من شولتز، قل لبندر إنه كذب علي وكذب على الولايات المتحدة وهذا عمل خطير، وأنا كوزير خارجية أميركي أحظر عليه الذهاب لأي جهة حكومية إلا بعد أخذ الإذن مني ولن أعطيه". لم يستسلم الأمير حسب قوله ورد : " قلت له أنقل له التحيات، وقل له إنني أتحداه عليه أن يعود إلى المحاضر، ويجد أنني قلت له سنشتري سلاحاً من الصين للعراقيين. وإذا كان ما يقوله صحيح، قد يكون هذا صحيحاً، لأن السعودية لديها رد فعل من منع الولايات المتحدة بيع صواريخ بيرشنغ لنا، ويستطيع شولتز العودة لمحاضر الاجتماعات وسيجد أنني قلت له أننا سنستعين بالصينيين لبناء مخابئ للذخيرة، ولم أكذب عليه، ثم قال لي: أنت ثعلب فعلاً، لكن الوزير غاضب. قلت له أشكر الوزير وأنا غداً سأذهب لمزرعتي في أسبن، وسأبقى هناك لأسبوعين أو ثلاثة، وإذا لم يتصل بي أحد ويخبرني أنه رفع عني هذا القرار سأذهب لإنكلترا أو جنوب فرنسا".











شفق نيوز
Top