• Monday, 29 April 2024
logo

القاص الكوردي جليل محمد شريف: الاهل احرقوا مكتبتي

القاص الكوردي جليل محمد شريف: الاهل احرقوا مكتبتي
-السلطات الحكومية في عهد نظام عبدالكريم قاسم والانظمة التي تلته وسبقته ايضا، كانت تتعامل بمنتهى الحساسية والقسوة مع الناشطين الكورد....
أجرى اللقاء: طارق كاريزي


بين فينة واخرى، ورغم مشكلته مع البصر وعمره المديد، يزور الاستاذ الكاتب والقاص القدير جليل محمد شريف مكتبة كاريزي. الاستاذ هو احد كبار التربويين في كركوك، له باع يشهد له في الادب القصصي الكردي. رجل يجمع الادب والاعتدال والموضوعية. فيه الكثير من روح المزحة ولا يبخل عندما تلقاه بأن يتحفك بالحكم والعبر وذكريات من سالف الايام واراء سديدة حول الاوضاع الحالية للبلد، مع نظرة تفاؤل عريضة بالمستقبل المنير. كنت بصدد ان ارتب لقاء معه، الا انه سبقني وهو يسترد ذكريات الايام الاولى لانطلاق الثورة الكوردستانية عام 1961، فقال:
-كنت في مرحلة الدراسة الاعدادية عندما انطلقت شرارة ثورة ايلول التحررية عام 1961، وكنت آنذاك من انصار الفكر اليساري، وبعد تعكر صفو العلاقات بين الزعيم عبدالكريم قاسم والكورد، هاجم الطيران العراقي وبأمر من الزعيم تجمعات كوردية في منطقة بازيان خلفت شهداء وجرحى. هذا الاجراء العسكري المفاجئ قد اثار موجة واسعة من الاستنكار في الوسط الشعبي الكوردستاني.
*وما كان موقفك انت الشاب من هذا الهجوم الجوي ضد ابناء شعبك؟
-اسوة ببقية ابناء شعبي، فقد تأثرت كثيرا ازاء هذا الاجراء الصارم الذي اتخذه نظام عبدالكريم قاسم ضد ابناء شعبي. لقد اثار هذا الهجوم الجوي على كوردستان من قبل الطيران العراقي آنذاك موجة كبيرة من السخط والاستياء الشعبيين. بالنسبة لي شخصيا حدث انقلابي في قناعاتي الشخصية منذ تنفيذ هذا الهجوم الجوي على كوردستان وتراجع حكومة عبدالكريم قاسم عن الوعود التي بشر بها للشعب الكوردي وكوردستان.
*ماذا تقصد بالانقلاب في القناعات التي حصلت لديك؟
-سؤال مهم جدا. سبق وان قلت بانني كنت، اسوة بغالبية شباب ذلك العهد، ذو ميول يسارية اطالع الادبيات اليسارية والطروحات الماركسية. وكنت اتطلع الى حياة افضل لشعبي ولكل انسان على ضوء الطروحات التقدمية للفكر اليساري، الا ان موقف الحزب الشيوعي العراقي آنذاك من الحرب المفتوحة التي بدأتها حكومة عبدالكريم قاسم ضد كوردستان وشعبها، قد أثار غضبي وحفيظتي، وبت اشك في مصداقية هذا الفكر لدينا.
*وماذا كان موقف الحزب الشيوعي العراقي من مهاجمة كوردستان بالسلاح الجوي؟
-اصدر الحزب الشيوعي بيانا حول الهجوم الجوي المذكور حاول فيه تبرير هذا الهجوم، حيث دافع فيه عن نظام عبدالكريم قاسم معتبرا مهاجمة الشعب الكوردي هو من باب محاربة الرجعية والاقطاع. وجدت الكثير من المغالطة في هذا الخطاب السياسي، ترى كيف يمكن تبرير اعلان الحرب على شعب بأكمله بحجة محاربة الاقطاع والرجعية.
*وتعرضت للاعتقال خلال تلك الفترة؟
-نعم بالضبط. اتذكر كنت انام في فناء دارنا في حي رحيماوا في الضاحية الشمالية من مدينة كركوك. حماسة عمر الشباب واندفاعاته منحتني الكثير من الثقة بالنفس، فكتبت في قصاصة ورق صفراء شكوى طالبت فيها الحزب الشيوعي ادانة الهجوم الذي نفذه الطيران العراقي ضد الكورد. هذه القصاصة وضعتها فوق كتبي الدراسية عندما نمت ليلا. اثناء الصباح الباكر اقتحمت قوات امنية تابعة للحكومة منزلنا واعتلوا سطح دارنا، وهي المرّة الاولى شهدنا فيها هكذا مداهمة تقوم بها السلطات الامنية من دون اذن من السلطات القضائية. وقصاصة الورق التي ضبطتها عناصر القوة الامنية التي اقتحمت المنزل اضافة الى بيانات ومنشورات سياسية، كانت الدليل المادي لادانتي من قبل السلطات. وقد تم سجني تاليا لمدة عامين وتم احالتي مع المئات من المناضلين كوردستان الى سجن نقرة السلمان في محافظة المثنى الحالية.
*ومن تتذكر من الذين تم اعتقالهم معك؟
-كوادر الحزب الديمقراطي الكوردستاني كانوا آنذاك نشطين جدا، وتنطيمات هذا الحزب كانت في منتهى النشاط والحيوية في كركوك حيث كان يمتلك الحزب قاعدة جماهيرية كبيرة. لذلك فان حملة الاعتقالات التي قامت بها السلطات ضد الكورد في كركوك، قد طالت العديدين من الناشطين السياسيين. ولعل ابرز الذين تم القاء القبض عليهم وكان مسجونا معي في الزنزانة، هو الفنان الموسيقي والملحن الشاعر الاستاذ الراحل خالد دلير. لقد اعتقل الاستاذ خالد دلير وبمعيته 300 دينار من تبرعات مناصري الديمقراطي الكوردستاني دعما للحراك الثوري والوطني الكوردستاني، وكان بصحبته اثناء اعتقاله ايضا قائمة تضم اسماء جميع المتبرعين بالمبلغ المذكور.
*هكذا انقطعت عن الدراسة؟
-نعم لقد انقطعت عن الدراسة خلال سنتي اعتقالي وسجني. وبعد اطلاق سراحي عاودت الدراسة حتى اتممت التعليم الجامعي.
*يقال ان ارشيفك ومكتبتك تم اتلافهما من قبل الاسرة؟
-السلطات الحكومية في عهد نظام عبدالكريم قاسم والانظمة التي تلته وسبقته ايضا، كانت تتعامل بمنتهى الحساسية والقسوة مع الناشطين الكورد. اثناء خمسينيات القرن الماضي كانت المطبوعات قليلة. مجلة (هتاو) كانت تصدر في اربيل من قبل المنور كيوي موكرياني وتصل نسخ منها الى كركوك، وكذلك صحيفة (زين) كانت تصدر في السليمانية من قبل الشاعر والمنور حاج توفيق بيرميرد وتصل اعدادها الى كركوك. كنت من المواظبين على شراء الاثنين حال وصولهما الى كركوك. اضافة الى ذلك صدرت في نهاية الخمسينيات مجلة (شفق) في كركوك. لقد كانت هذه المطبوعات المحدودة معيننا الوحيد باللغة الكوردية اضافة الى عدد محدود من الكتب التي كانت تصدر بين مدة واخرى خلال العام. لقد كونت مكتبة متواضعة كانت تضم جميع الاصدارات الكوردية آنذاك، علاوة على الكتب والمطبوعات العربية التي كانت تصل كركوك. وبعد اعتقالي ومن ثم الحكم علي بالسجن، بادر الاهل الى حرق محتويات مكتبتي بالكامل، خشية تعرضهم للمسألة والاعتقال من قبل السلطات.
*لماذا احرق الاهل مكتبتك وارشيفك؟
-السلطات الامنية العراقية طوال العهدين الملكي والجمهوري كانت تتعامل بقسوة مفرطة مع اي ملمح قومي كوردي. فالناس كانوا يخشون الاحتفاظ بالكتب والمطبوعات الكوردية من اجل تحاشي العقوبات المحتملة من جانب السلطات. فالكوردي ظل مدانا طوال عمر الدولة العراقية، ولم تستطع هذه الدولة التي رسم البريطانيون حدودها احتواء الكوردي ومنحه حق المواطنة كاملة. لذلك فمن باب الحيطة والحذر بادر الاهل لحرق كافة محتويات مكتبتي. وعندما اطلق سراحي من السجن، لم اجد اي اثر لمكتبتي والقصاصات التي كتبتها آنذاك.
Top