• Monday, 06 May 2024
logo

كارثة القصف الكيماوي لمدينة حلبجة و انعكاساتها الدولية

كارثة القصف الكيماوي لمدينة حلبجة و انعكاساتها الدولية
أ.م.د:علي تتر نيروه يي

لقد أنتج العراق السلاح الكيماوي تحت ذريعة قطع الطريق أمام الهجوم الإيراني الموسع الذي شاركت فيه مجموعات كبيرة من الجنود الإيرانيين ... وقد استخدمت الحكومة العراقية يوم كان رد الفعل العالمي في أوج ضعفه و حتى صمته, استخدمت هذا السلاح ضد مدن و قرى كوردستان و المواطنين المدنيين فيها و قد حدث ذلك بالذات عندما كانت الحرب مع إيران تسير نحو نهايتها و فقد الكورد أية إمكانية للمقاومة.
و قد ساعدت دول ألمانيا الاتحادية و فرنسا و هولندة و إيطاليا و الصين و بريطانيا و بلجيكا و الهند و الولايات المتحدة الأمريكية العراق بصورة مباشرة أو غير مباشرة في إنتاج السلاح الكيماوي و كانت النتيجة أن أصبح أكبر مستخدم للسلاح الكيماوي في النصف الثاني من القرن العشرين و أسوأ من ذلك فقد أصبح أول دولة تستخدم السلاح الكيماوي ضد شعبها المدني المسالم.و قد غدا استخدام السلاح الكيماوي كظاهرة تراجيدية و دموية تاريخية يقترن باسم العراق من جهة و باسم الكورد و حلبجة و العشرات من المناطق المدنية في كوردستان من جهة ثانية.
و أصبحت الحكومة العراقية تحت قيادة صدام و حزب البعث العربي الاشتراكي أكبر و أبرز مستخدم لها فيما أصبح الكورد أكبر و أشهر ضحايا هذا السلاح.
و يرى العراق الذي تمكن في هجومه على إيران كبادرة حرب من التخلص من انتقادات العالم و اتهاماته له . و كان يرى أن بإمكانه الاستفادة من السلاح الكيماوي بمعزل عن اتهام المؤسسات الدولية أو إظهار أية ردود فعل دولية .. كما أن صدام يرى أن أكثرية الدول ذات التأثير على قرارات الأمم المتحدة و مجلس الأمن تمارس معها التجارة بالسلاح و يدرك جيدا أنه يتنصل عن مسؤوليات العقوبات على ممارساته الكارثية هذه في القرن العشرين ... و قد استخدم العراق نتيجة تغاضي الأوساط الدولية , هذا السلاح الفعال للإبادة الجماعية ليس ضد الجيش الإيراني فحسب , بل و ضد الشعب الكوردي في العراق أيضا.
و في أعقاب بدء عمليات الأنفال العنصرية (23 شباط – 6 أيلول ) في كوردستان و استخدام الأسلحة الكيماوية فيها و بشكل واسع فقد كان ربيع 1988 ربيعا مأساويا بالنسبة للشعب الكوردي و وجهت الحكومة العراقية ، التي تأكدت أن الجيش الإيراني لا يتمكن في جبهات الحرب من شن هجوم واسع على قواتها ، و قد وجهت قوتها الكبيرة ضد كوردستان المحررة و بدأت المرحلة الأولى من عمليات الأنفال أكبر سلسلة هجمات عسكرية ضد الشعب الكودي .. و كانت مستعدة لإتباع أية أساليب لإنهاء الحركة التحررية القومية الكوردية ، و بموجب المعلومات التي وصلت إلى الحكومة العراقية أواخر شهر شباط من تلك السنة ، فقد أدعت أن البارتي و الاتحاد قد أوصيا تنظيماتهما ، و بالأخص طلبة الجامعة ، أن يتظاهرو ا ضد الحكومة يوم 21 آذار و أصد المدير العام للأمن أوامره إلى مديرية أمن (منطقة الحكم الذاتي) و محافظات كوردستان بالرد على المتظاهرين بأشد الأساليب دموية و وحشية ... و كتبت مديرية أمن أربيل ردها أنه( قد اكتملت جميع الإجراءات إزاء أية مستجدات أو مواجهات) أي أن النظام كان قد استعد لقمع الكورد بصورة فعالة وواسعة . و قد لقيت قيادة الاتحاد الوطني الكوردستاني و مقراته في المرحلة الأولى من الأنفال ضغطا كبيرا و توخيا لسحب قسم من الجيش العراقي إلى جبهة أخرى و إيجاد بديل آخر للقيادة كتب نوشيروان مصطفى : لقد تمت صياغة برناج تحرير حلبجة بصورة مشتركة مع كل من قوات الحزب الديمقراطي الكوردستاني و (حسك) و الحركة الإسلامية و فيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بالاتفاق السري مع رئيس القوات الموالية للحكومة في تلك المنطقة (قوات الجاش)
و قد تمت مساء يوم 1988 تهيئة قوات البيشمركة و تم في ذات الليلة تحرير مدينة حلبجة و استسلمت جميع القوات العراقية في المدينة أو هربت من القتال ... و لم تبد الحكومة العراقية مقاومة تذكر و لم يكن رد فعلها سريعا أيضا. و بالمقابل لم تخفف من هجماتها في الأنفال ضد كوردستان بل استمرت فيها ....فيما ساد مدينة حلبجة الهدوء الذي يسبق العاصفة و كان من دواعي العجب أنه كان رد فعل العراق بطيئا في هذه المرة فيما كان يرد على الهجمات الإيرانية بأقصى سرعةو في عمق أراضيها كل مرة .... وكما حصل في جبهات الفاو و حاج عمران بل أقدم فقط على مرابطة فوج من القوات الخاصة في قرية (عنب ) القريبة من حلبجة و الذي تم أسر جنوده بالكامل إلى جانب إبادة قسم كبير من لواء مدرع كان قد هاجم على محور دجيلة – حلبجة و أصيب بهزيمة كبيرة....
و قد كان للقوات الإيرانية في تلك المعارك وجود رمزي . و كانت هي الأخرى لا تتوقع هذا النصر الكبير ، و رفعا لمعنويات جنودها فقد أعلنت عن مسار المعركة في وسائل إعلامها و سمتها (عمليات الفجر و ليال عشر) و التي حققتها بالتعاون مع مقر القدس و الفتح المبين و بالتنسيق مع المعارضة العراقية . وقد تسببت الدعاية الإيرانية غير المعقولة في وضع كل المبررات بأيدي صدام حسين و حكومته و كان أن قصفت (50) طائرة حربية عراقية مساء الأربعاء 16 آذار 1988 و تحمل كل منها (4) قنابل ذات زنة 500 كغم مدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية و شهد ذلك اليوم قصف مركز المدينة و بلدات و قرى (خورمال و عبابيلي و سركلو و بركلو و ياخسمر و شميران و سورين و باليسان و دولماز و لأكثر من 16 مرة استشهد في الساعة الأولى من القصف أربعة آلاف شخص مدني و مع إصابة الآلاف بجروح ...و فقد زهاء الألف من المصابين حياتهم في طريقهم إلى إيران للمعالجة في مستشفاياتها . و بذلك فقد بلغ أعداد الضحايا البشرية لتلك الهجمة التي نفذت بأمر من صدام حسين زهاء خمسة آلاف شهيد و آلاف الجرحى و تدمير منطقة واسعة بالكامل ... و كانت مساحة تلك الهجمات واسعة بحيث شمل القصف الكيماوي قسماً من القوة الصغيرة التي أرسلها الجيش العراقي لتلك المنطقة قبل قصفها. لذا فقد طلبت الحكومة العراقية من السكرتير العام للأمم المتحدة يوم 5 نيسان 1988 إرسال وفد إلى بغداد للتحقيق في ضحايا السلاح الكيماوي الإيراني الذي استخدمه في هجماته و قصف القوات الإيرانية.
و اعترف الطيار العراقي طارق رمضان بكر العزاوي الذي كان يقود ذلك الهجوم بطائرته ، بأن الطائرات التي قامت بقصف مدينة حلبجة بالسلاح الكيماوي قد أقلعت من مطارات و قواعد كركوك و الموصل و الكيارة و مطار كلية القوة الجوية في تكريت و أضاف: جاء القصف انتقاما ضد الكورد و إبادتهم الجماعية إلا أن القوات العراقية ، و بعد إخلاء المدينة من سكانها، و مع بقاء الجنود الإيرانيين فيها، لم تضربها لا بالسلاح الكيماوي و لا بالسلاح التقليدي .ثم كانت الحكومة العراقية لا تحتاج في قصفها للكورد بالسلاح الكيماوي إلى أية ذرائع لأنها كانت قد أقدمت قبل ذلك ، أي في عام 1987 على استخدام السلاح الكيماوي ضد القرى و المدنيين في عدد من المناطق الكوردستانية – لقد كان قصف مدينة حلبجة بالسلاح الكيماوي نقطة تحول في تاريخ الحرب العراقية الإيرانية لأنه قد أظهر ضعف الجيش الإيراني في الدفاع عن نفسه إزاء السلاح الكيماوي حيث لم يتمكن جنودها من حماية أنفسهم بالأسلحة المتوفرة لديهم حتى أن الأقنعة الإيرانية المضادة للغازات السامة قد عجزت هي الأخرى عن حماية الجنود الإيرانيين من تأثيرها . و كان أن فكرت إيران آنذاك و بصوة جدية في إيقاف الحرب و القتال.
كان قصف مدينة حلبجة بالسلاح الكيماوي أكبر كارثة حربية بعد مدينتي هيروشيما و نكازاكي اليابانيتين بالسلاح النووي و راح ضحيته آلاف من البشر مع إصابة عشرات آلاف آخرين... و قد كانت الغازات السامة التي استخدمت في حلبجة و غيرها من المدن الكوردستانية عبارة عن: غاز الخردل و السارين و التابون VX و سيانيد الهيدروجين AC و تتسبب غازات الخردل إلى جانب حرق الجلود و الأجسام ، في إصابة البشر بالعمى و إلحاق أضرار جسيمة بالرئة فيما يتسبب السارين و التابون في الإصابة بالشلل و تشنج الجسم و التقيؤ و الغثيان قبل الموت ، و بعد هذا القصف فقد هرعت إيران لنجدة ضحايا حلبجة و ما جاورها و أدت دورا بارزا في إنقاد عدد كبير من المصابين و تعريف العالم بصور تلك المأساة الكبرى ... و كان أن هزت تلك الصور العالم و ضمير الإنسانية ... إلا أن الحكومات و الأوساط العربية قد حاولت تكذيب نبأ قصف مدينة حلبجة أو اتهام إيران بتنفيذه ... و كتب الفريق الركن رعد مجيد الحمداني قائد الفيلق الثاني / حرس جمهوري: بعد ضرب المنطقة بآلاف قذائف المدفعية و الكاتيوشا الكيماوي و 720 صاروخا كيماويا فقد أصيب الإيرانيون بأضرار كبيرة .. إلا أنه و مع الأسف قد أصيب مواطنون كورد ببعض الأضرار و الإصابات و تجاوز عددهم الـ(150) شخصا كونهم لم يخلوا منطقتهم آنذاك) . و كتب عنصري عربي آخر و هو منذر الموصلي : كل المؤسسات الاستعمارية من إذاعة و تلفزيون و صحف و مطبوعات قد وضعت في خدمة الكورد و هم يتهمون بغداد و منذ عدة أعوام في أكاذيب ملفقة ، أمثال قصف حلبجة و الأنفال و غيرها...
و كتب أبو بلال و هو كاتب جزائري إسلامي في صحيفة النهضة الإسلامية التابعة لحركة النهضة الإسلامية في العدد 13 ليوم 2 حزيران 1991 يقول: يتم إيلاء اهتمام كبير بدور الكورد في العراق مع تلفيق لهم حول مجزرة وهمية قامت القوات العراقية بارتكابها ضدهم ....الخ
و كان الكورد إبان قصف حلبجة ، حيث أصيب فيه بعض الجنود الإيرانيين أيضا ، متحالفين مع الإيرانيين و كان العراق قد قصف ليس المناطق الكوردستانية العراقية فحسب بل و حتى القرى البعيدة داخل العمق الإيراني و التي لم تكن لها أية علاقات بجبهات الحرب ثم لم تكن الحكومة الإيرانية تمتلك آنذاك غاز سيانيد الهيدروجين و غيرها من الغازات التي استخدمت في تلك الحرب.
و نشرت غالبية الصحف و أجهزة الإعلام الغربية صورا و أفلاما عن كارثة حلبجة و ثار احتجاج و استنكار شديد في أوساط الرأي العام العالمي إلا أنها لم تكن كافية لمنع العراق من استخدام هذا السلاح ضد الكورد ثانية لا بل أنه قد طوره أكثر ثم أقدمت الطائرات العراقية بعد ذلك على قصف ليس المناطق الكوردستانية المحررة فحسب ، بل أقدمت مساء يوم 6 نيسان 1986 على الهجوم على مخيم زيوه الإيراني للاجئين العراقيين الكورد و الواقع جنوب شرق مدينة أورمية الإيرانية و راح ضحيته 13 طفلا كورديا و استخدمت الحكومة العراقية في هجومها ذلك القنابل العنقودية المحرمة دوليا ، إلا أن أكثريتها لم تنفجر بسبب قدمها و إلا فإنها كانت تنجم عن كارثة كبرى.
و أدرك العالم بعد قصف حلبجة أية كارثة حلت بالكورد خلال سنوات و طالب البروفسور الإيطالي لينكوسينكو ، يجب اعتماد تسمية اليوم العالمي لمنع استخدام الكيماوي ليوم قصف مدينة حلبجة ، و قالت لجنة ( كاردي ) البريطانية ضد الإرهاب في العراق: صدام حسين المجرم هو الشخص و النظام الوحيد الذي استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه على مدى التاريخ ... و دانت عشرات الجهات الرسمية و الجماهيرية في مختلف أنحاء العالم في ظرف الأشهر الأولى من قصف حلبجة ، تلك الهجمة الوحشية . إلا أنه و بعد مرور أربعة أيام فقط على تلك الكارثة فقد عقد في الجارة الكويت يوم 20 آذار 1988 المؤتمر الرفيع للدول الإسلامية و يومها كانت جثث آلاف الشهداء الكورد مازالت ملقاة في شوارع حلبجة أو مسجاة في مقبرة (بهشت زهراء)في طهران أو لم تدفن بعد ، و كان آلاف المصابين راقدين في المستشفيات الإيرانية و يتجول آلاف الآيتام و المشردين في الأزقة و الشوارع داخل مدينة سنة و غيرها من المدن الإيرانية و قد تطرق مؤتمر الكويت آنذاك إلى الحرب الإيرانية – العراقية و أوضاع الشعب الفلسطيني و البوسنة و الهرسك و أفغانستان و اضطهاد عدة مئات من الإخوة الأتراك في بلغاريا في تغيير أسمائهم التركية و الإسلامية إلى بلغارية و قد وجهت هيئة المؤتمر عدة برقيات إلى المسؤولين في تلك الدول بينما التزمت الصمت إزاء هذه المأساة الإنسانية(قصف حلبجة بالسلاح الكيمياوي) و كأن هذه الأرض و هذا الشعب هما بعيدان عن الدين الإسلامي لا بل ان الدول الإسلامية لم تتحدث حتى عن تدمير آلاف المساجد و حرق آلاف النسخ من القرآن الكريم في كوردستان على أيدي النظام العراقي.
و كتبت مجلة (المرابطون) التابعة لجماعة الجهاد الإسلامي في مصر تقول: إبان الحرب العراقية – الإيرانية كان الكورد يساندون إيران ضد العراق على أمل انتصار إيران و إضعاف العراق لتتهيأ لهم الفرصة لتأسيس دولتهم الكوردية .. ما اضطر العراق لضربهم بالسلاح الكيماوي و لولا ذلك لكان الكورد يستمرون في المقاومة و الدفاع و يساعدون إيران !! و كان هؤلاء الكتاب العنصريون يرون مشروعية استخدام أية سبل أو وسائل لكسر شوكة الكورد الدفاعية
و دانت في ذات الوقت جهات عالمية عديدة تلك الهجمات المحرمة و منهم السكرتير العام للأمم المتحدة و رئيس جمهورية باكستان (1987-1988) ضياء الحق و دول كوريا الجنوبية و يوغسلافيا و برلمانات بنغلادش و ألمانيا الاتحادية و وزارة الخارجية الكندية و اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في حلف وارسو و قابوس بن سعيد سطان عمان و السفير السويدي لدى الأمم المتحدة و أحمد بن بللا أول رئيس لجمهورية الجزائر (1962-1965)و غيرهم فيما صرح رئيس البرلمان الياباني (هارا) و إلى جانب إدانته للعراق و ممارساته هذه و قال (: هذه المذبحة تذكر بذكريات اليابان المرة إبان الحرب العالمية الثانية و لا نتجاوز إذا قلنا أن حلبجة هي هيروشيما ثانية لا بل يمكننا القول إنها أكبر إذا ما راعينا الاختلاف الأمني و الأوضاع الأخرى ).
- و صرح مدير دائرة المعارف و المعلومات في وزارة الخارجية الروسية (كا . أي كيراسيموف) لصحيفة برافدا : يدين الاتحاد السوفيتي استخدام السلاح الكيماوي و أي انحراف عن اتفاقية جنيف لعام 1925 و بغض النظر عن أي جهة أو طرف يرتكب ذلك و في أي زمان و مكان " إلا أن الاتحاد السوفيتي لم يتهم العراق أبدا ، سيما على المستويات الرفيعة ، ولم يتحدث عن القصف الكيماوي لكوردستان..
و بعد فوز السيد فرانسوا ميتران ، وللمرة الثانية في الانتخابات الفرنسية و إعادة انتخابه رئيسا لها (1981-1995) فقد دان في لقاء صحفي يوم 6 كولان 1988 و بشدة النظام العراقي على ارتكابه لكارثة حلبجة و استخدام السلاح الكيماوي فيها و قال :قد يتسبب هذا الحادث في مراجعة فرنسا لعلاقاتها مع الدول الأخرى .. جاء ذلك عندما كانت فرنسا تعتبر بعد الاتحاد السوفيتي أكبر و أقرب شريك تجاري للعراق و بالأخص تجارة الأسلحة
في بريطانيا طالب 37 برلمانيا في مذكرة قدموها لسكرتير عام الأمم المتحدة بأرسال لجنة خاصة و بأقصى سرعة للتحقيق في قصف مدينة حلبجة و إجبار الحكومة العراقية على إيقاف استخدام الأسلحة الكيماوية و مطالبتها باحترام قرار المنظمة الدولية الصادر يوم 23 آذار 1986 الذي يدين استخدام العراق للسلاح الكيماوي . لأن الإنسانية لا تتمكن من ضبط نفسها أكثر من هذا. و يقف متفرجا إزاء المجزرة التي ترتكب ضد المواطنين المدنيين الأبرياء و إجبار العراق أيضا على إيقاف العمل في مصانعه الكيماوية في سامراء و عكاشات و مختبرات أبحاث الحرب الجرثومية في سلمان باك و إزالة مخازن الأسلحة الكيماوية العراقية تحت إشراف الأمم المتحدة.
- و طالب وزير الخارجية البريطاني "جيفري هاو" في كلمة ألقاها أمام الأمم المتحدة حول نزع الأسلحة النووية ، طالب بمنع انتشار السلاح الكيماوي و اعتبار مستخدميه أناسا لا علاقة لهم بالعالم المتحضر و اعتبر نائب وزير الخارجية الألمانية أمام بلاده استخدام السلاح الكيماوي جريمة وحشية و اتهم الحزبان الاشتراكي الألماني و الخضر في بيان مشترك الحكومة العراقية بذلك و الحكومة الألمانية أيضا لتقاعسها في السيطرة على إرسال وسائل إنتاج الأسلحة الكيماوية إلى العراق . و عبر المتحدث باسم الحكومة الإيطالية جوليو أندريوتي في كلمته أمام المؤتمر العالمي لإزالة و تدمير مخازن الأسلحة الكيماوية : هذا لا يكفي و يجب أن نتوصل إلى قرار كامل لتدمير و إزالة السلاح الكيماوي فقد شاهد العالم و بأم عينيه تلك المأساة الإنسانية التي نجمت عن الحرب الإيرانية – العراقية و في المناطق الكوردية أيضا حيث استخدمت تلك الأسلحة في المناطق المدنية مثل حلبجة في كوردستان العراق.
- و دان البابا بولص الثاني (1920-2005) في رسالة وجهها إلى لجنة نزع الأسلحة التابعة للأمم المتحدة و بصورة مباشرة استخدام الأسلحة الكيماوية و دعا المجتمع الإنساني للعمل المباشر من أجل إيقاف استخدام هذا السلاح و اعتبر استخدامه حالة من الخزي للإنسانية جمعاء. كما استنكر مجلس الشيوخ الأمريكي استخدام الأسلحة الكيماوية و غاز الأعصاب في مدينة حلبجة و أعلن أن الأمم المتحدة قد صححت وأكدت نبأ استخدام العراق للسلاح الكيماوي و لمرات عديدة و اتهم نظام صدام بصورة علنية لقصفه مدينة حلبجة . و يومها قامت منظمة حماية جرحى السلاح الكيماوي في بريطانيا ليس فقط بإدانة هذا العمل ، بل طالبت الأمم المتحدة بإحالة صدام حسين إلى محكمة لاهاي كمجرم حرب . وكانت هي إحدى المنظمات الدولية التي طالبت بهذا الأمر كما طالبت صحيفة (آري نوي) الإيطالية بذات المطلب بمحاكمة صدام دوليا.
- في 17 حزيران عقد مؤتمر مهم في لندن بصدد القصف الكيماوي لمدينة حلبجة نظمته حركة السلام البريطانية و الأوربية و اللجنة الكوردستانية المشتركة و شارك فيه العديد من البرلمانيين و السكرتير العام لحركة إزالة و مكافحة الأسلحة النووية (CND) و العشرات من الشخصيات و المنظمات و دانت صدام وقام بعرض العديد من الوثائق حول القصف الكيماوي لمدينة حلبجة . و اتهم (500) من رجال الدين المسيحي في بريطانيا هذه العملية في بيان أصدروه يوم 8 آب عقب اجتماعهم الذي عقدوه في مدينة كونتربري بحضور ممثلين عن الكنيسة البريطانيةفي 146 دولة و أكدوا فيه على وجوب مكافحة السلاح الكيماوي لدى العراق أو أية دولة أخرى و طالبوا بالقصاص الفوري للمتهمين
- خصص الأمين العام للأمم المتحدة قسما كبيرا من نشاطاته في عام 1988 لمشكلة استخدام السلاح الكيماوي و بعث لهذا الغرض العديد من الوفود إلى جبهات القتال لتجتمع مع الدولتين المتحارتين و عقد (8) اجتماعات مع مجلس الأمن الدولي بهذا الشأن . و أرسل الأمين العام و بناء على طلب الحكومة الإيرانية يومي 21 و 24 آذار عام 1988 وفدا لتقصي الحقائق حول استخدام العراق السلاح الكيماوي و زار الوفد كلا من إيران و العراق لأن البعثة الدولية كانت قد أكدت استخدامه. وتم إرسال هذا التقرير من قبل الأمين العام إلى مجلس الأمن الدولي الذي أصدر في جلسته يوم 9 كولان لسنة 1988 قراره المرقم (612)بهذا الشأن و كان القرار الثاني الذي دان استخدام السلاح الكيماوي في الحرب بعد التحقيق في هذا الجانب.
و عادت الأمم المتحدة و دانت العراق ثانية في جلستها مساء يوم 1 آب من تلك السنة بموجب التقرير الذي أعدته لجنة التحقيق التابعة للمنظمة الدولية لحرب الخليج و عبر الأمين العام في نيويورك ، حسب إذاعة BBC ، ثانية عن قلقه و امتعاضه إزاء نتائج زيارة الوفد الأممي بشأن استخدام السلاح الكيماوي في الحرب و دان استخدامه ضد كورد العراق ما تسبب في إبادة 40 ألف شخص و أشارت فيه بصراحة إلى قصف مدينة حلبجة.
- إلا أن صدام و الحكومة العراقية قد واصلوا سياستهم هذه حتى بعد صدور القرار و لم يضعوا أية أهمية لهذه التقارير و الأنباء . و كتبت صحيفة (انديبنـديـنت) البريطانية عن ذلك: لو كانت الأكثرية في الأمم المتحدة متفقة على حركتها و نشاطها لإزالة السلاح الكيماوي ، لكان من الواجب أن تفرض أشد العقوبات ضد الدولة التي استخدمته.
- و بعد يوم من صدور قرار مجلس الأمن الذي تحدث عن استخدام الأسلحة الكيماوية و اتهم العراق باستخدام مكثف له فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميكية :
"إن قرار الأمم المتحدة يتفق مع معلوماتنا و ندين العراق باستخدام السلاح الكيماوي خلافا لإتفاقية جنيف لعام 1925 و ليس هناك أية حجة أو مبرر يوافق على هذا التصرف"
- و بسبب استمرار الحكومة العراقية و عدم استماعها للمجتمع الدولي فقد كتبت صحيفة ( كارديان) البريطانية في مقالها الافتتاحي يوم 3 آب 1988: لقد تجاوز الرئيس العراقي ما ارتكبه هتلر الذي لم يستخدم سلاح الغاز السام في حروبه..
- و كتبت صحيفة ( نيويورك تايمز) في عددها ليوم 8 آب:
تقرير الأمم المتحدة يؤكد ثانية أن العراق قد استخدم في هذه الحرب غاز الخردل و السيانيد و حتى غازات الأعصاب ، ما يتطلب أن يكون للعالم رد فعله إزاء هذا الحدث إلا أنه قد تم فقط انتقاد العراق الذي كان الدولة الأولى التي استخدمت هذا الغاز بعد الحرب العالمية الأولى و لو لم يتسبب تجاوزه هذا لاتفاقية جنيف لعام 1925 في قلق كبير , إلا أن التنصل عن هذا الموضوع على المستوى الدولي لن يستمر طويلا"
- أفرحت الحركة التحررية الكوردية نفسها و تفاءلت بالجهات التي لم يكن لها أية ردود فعل كما أن المجموعة الاشتراكية التي نظمتها غالبية المنظمات و الأحزاب ، و بمساندة الشعوب المحبة للحرية و حركات التحرر و الشعوب المضطهدة , لم يكن لها هو الآخر أي موقف بهذا الشأن ، كما أن الجماعات الإسلامية الكوردية قد أصيبت هي الأخرى بخيبة أمل كبرى عندما وقفت الدول الإسلامية و بمنتهى البرود أمام هذه الكارثة.
و يبدو أنه لم يتمكن لا انتقاد العراق و لا اتهامه من قبل المجتمع الدولي من ضمان تراجعه عن هذه الممارسات و استمرار سياسته العنصرية و الإبادة الجماعية (جينوسايد) ضد الشعب الكوردي
- جاء في تقرير المؤتمر العاشر للحزب الديمقراطي الكوردستاني بعد عام واحد من هذا الحدث:
"لقد عجزت الأمم المتحدة بصورة عامة و دول عدم الانحياز بصورة خاصة ، عن إيقاف النظام الفاشي في بغداد عن جرائمه و قد انتظرت الأمة الكوردية بصورة عامة و الشعب الكوردي في العراق خاصة أن يدين العالم الإنساني و المجموعة الاشتراكية و الدول العربية هذه الجريمة إلا أنها لم تؤدي دورها مع الأسف فقد أضر هذا الحدث بشعبنا و بأنفسهم هم أيضا"
و كان الموقف الدولي ينسجم أكثر مع العراق إبان الحرب الباردة و مشكلة تحول الكورد إلى ضحية للخلافات و الصراعات الدولية و الإقليمية خصوصا أثناء الحرب العراقية الإيرانية و ذلك بسبب عدم توافق سياسة إيران و عدم احترامها من قبل أكثرية دول العالم شرقا و غربا لذا فقد وقف المجتمع الدولي صامتا و دون حراك إزاء كل الجرائم التي ارتكبت ضد الشعب الكوردي و حتى إزاء الجرائم الكبرى مثل فاجعة حلبجة و عمليات الأنفال العنصرية و لم تتمكن ، كما يجب، من الفات نظر العالم إلى القضية الكوردية رغم تأثيراتها و انعكاساتها على الملايين من الناس في العالم و صداها الواسع في القسم الأكبر من المؤسسات الرسمية (كمشكلة داخلية في دولة عضو في الأمم المتحدة و ليس من حق الآخرين التدخل فيها.) !!
و كان رد فعل العالم، عندما كانت الأحزاب السياسية و الجبهة الكوردستانية و بما فيها الأوساط السياسية و المنظمات العالمية و يتواصل السعي لإيصال صوت الكورد و قضيتهم ، كان أقل بكثير من هول الكارثة و مع ذلك كان هناك أناس أولوا اهتماما كبيرا بهذه المسألة و تجاوبوا مع مأساة الكورد و منهم السيدة دانيال ميتران عقيلة الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران..
و كان لتنظيمات الأحزاب السياسية الكوردستانية في الخارج دور بارز في المظاهرات و الاحتجاجات التي نظمت لاستمرار فضح حكومة صدام و تعريف الشعوب الأوربية و الأمريكية بالقضية الكوردية و إدانة و شجب استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الكورد و كوردستان إلا أن خطورة صدام على العالم المتحضر لم تتجسد لحين احتلاله لدولة الكويت و لم تكن تتخذ المواقف إزاءه كما يجب.

* (عضو مجلس قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني)


ترجمة: دارا صديق نورجان
Top