• Monday, 06 May 2024
logo

الشخصية القيادية للبارزاني مصطفى تحول في التأريخ القومي للكورد

الشخصية القيادية للبارزاني مصطفى تحول في التأريخ القومي للكورد
الزعيم يتحلى عادة بدور كبير في بناء أسلوب تفكير المجتمع، و يخدم كرمز وطني مسار الوحدة الأخلاقية للمجتمع، وهو المعبر عن القيم التي تربط بين مكوناته .. ثم أن المهم بالدرجة الأولى في خصال الزعيم الرمز، و أنه يتوقع الأهداف والنتائج و بإمكانه أن يوضحها للناس.. وبإمكانه أيضا إبعاد شعبه عن الأمور الجانبية و يضع تفكيرهم في مقدمة المعضلات التي من شأنها تقسيم المجتمع.. لذا فهو يفعل كل إمكانياته لكي يحافظ على المجتمع و يبقيه موحدا و بوحدة صف وطنية.
جون وليم كاردنر

جون وليم كاردنر الذي تولى العديد من الحقائب الوزارية في الأدارات الأمريكية، هو مؤلف كتاب(القيادة في المجتمع الأمريكي) و يعرف الزعيم أو القائد الرمز بإن له هدفاً واحدا وهو الحفاظ على وحدة شعبه و صفوفه.. و جميع مكوناته حول هدف واحد وهو الهدف القومي.. والأهم من ذلك هو أن هذا (الزعيم المؤهل) عندما يتولد لديه هذا الهدف فإنه يجد ان شعبه يعيش في غاية اليأس والأحباط و عاجز عن أتخاذ أية خطوة، وهو الذي يصنع الأمل لشعبه ثانية من صميم اليأس و ينقذه من التشتت والأنقسام و يجمعه في إطار عملية قومية ووطنية، و لو تابعنا الشخصية القيادية لمصطفى البارزاني في هذا الأطار لشعرنا بإن كل الخصال التي حددها كاردنر للشخصية القيادية إنما تنطبق عليها جميع خصال مصطفى البارزاني لأن كل مساعيه في الحياة كانت تهدف الى و ضع تفكير أمته ووحدة صفوفها في مقدمة أو فوق المعضلات التي تهدد بتقسيم المجتمع وحماية وحدة صفوف أمته، لأن الطريق الوحيد لأنعتاق الأمة ووصولها الى مدارج التحرر النهائي هو ذلك النهج الذي أتبعه مصطفى البارزاني في الثورة والنضال وهو نهج وحدة شعب كوردستان و توحيد صفوفه.
(ظهور خصال القائد الرمز في شخصية البارزاني مصطفى)
لقد كانت ظهور هوية القائد الرمز في شخصية البارزاني مصطفى نتاج عملية طويلة الأمد و ذات صفات فاعلة واحدى صفات هذا الزعيم في تعامله مع شعبه و فكره النير الذي تمكن من تحويل هذا الفكر بصفاته و خصاله القيادية الى تفكير أمة بحد ذاتها والتي تم الى جانب تقسيم وطنها، تجزئتها في كل قسم الى حالة من المناطقية ما جسد ملامح تفكير البارزاني و نظرته في وطن واحد وأمة واحدة.. و لم يكن فيه أي وجود لمسألة التقسيم المناطقي والحدودي إلا أن ذلك التفكير هو ليس النقطة المهمة في الموضوع او تلك التي جعلت البارزاني رمزاً بل المهم هو الأرادة التي تمكنت من تحويل فكر شخص واحد الى تفكير أمة وعلى أمتداد وطن أسمه كوردستان.. والأهم من ذلك هو تفاعل مختلف التوجهات والمناطق واقسام كوردستان المختلفة لكي يجمعها كلها حول هدف بعينه.. هنا نقول لو كانت الشخصية القيادية للزعيم الهندي غاندي قد بدأت بقافلته المسماة(Saltsatyagraha)، فإن في شخصية البارزاني القيادية(الكاريزمية) العديد من القوافل ولم يكن أتخاذ القرار في أي منها بإقل من قافلة(ملح غاندي) الشهيرة و نورد على سبيل المثال:
1- القافلة الأولى للبارزاني مصطفى أمتدت من مدينة السليمانية الى بارزان و أشعال ثورة بارزان الثانية و تأسيس(لجنة الحرية)، نحو قيادة تلك الثورة حيث شهدت ولأول مرة في تأريخ الحركة التحررية الكوردستانية، نقل الثورة من المناطقية الى ثورة شاملة على مستوى كوردستان الجنوبية و بناء قيادة مشتركة لتلك الثورة جمعت و أحتضنت عموم قطاعات و طبقات مختلف مناطق كوردستان الجنوبية.
2- وكانت القافلة الثانية للبارزاني و رفاقه، تلبيتهم لنداء حماية جمهورية كوردستان الديمقراطية في مهاباد و أنخراطهم في صفوفها كبيشمه ركة و مدافعين عنها. وكانت تفكيراً نحو تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني كجبهة وطنية لجمع عموم القوى والأطراف السياسية وأشراك الشخصيات المستقلة داخل المجتمع الكوردستاني فيها ليعمد الجميع الى تركيز مساعيها حول هدف وطني.
3- والقافلة الثالثة للبارزاني مصطفى، كانت قافلته المشهورة لعبور آراس و تختلف عن سابقاتها بإختلاف الظروف التي تعرض لها البارزاني و رفاقه و مواجهته لجميع الدول المحتلة، لكوردستان و هذا يعني أن تفكير و وجهة نظر البارزاني لم ينقل مستوى تفكير شعب كوردستان من مرحلة الى أخرى فحسب، لا بل أن أعداء كوردستان قد تفهموا بدورهم أن كوردستان هي وطن و بلد واحد و لا بد أن تكون دولة واحدة غير أن البارزاني مصطفى كان يتخذ خطواته بتأن وحذر و سرعة نحو تحقيق هذا الهدف.. وكان توجهاً صحيحاً سليماً كون البارزاني قد شكل، وبعد عبوره نهر آراس الى الأتحاد السوفيتي السابق، مؤتمرا وطنياً و قومياً في مدينة باكو عاصمة جمهورية آذربيجان السوفيتية وأعلن فيه منهاج تأسيس جمهورية كوردستان و كشف عن تفاصيلها و مظهرها و توجهاتها في فكر البارزاني ووجهة نظره.
4- وكانت عودة البارزاني مصطفى و رفاقه من الأتحاد السوفيتي الى العراق القافلة الرابعة و أصبح فيها البارزاني رمزاً ليس للشعب والأمة الكوردستانية فحسب، بل أصبح رمزاً وأملا للسلام والديمقراطية في عموم العراق وكان أن أعرب، عقب عودته، مساندته للدستور المؤقت والذي نصت المادة الثالثة منه على (العراق وطن مشترك للكورد والعرب) غير أن تراجع نظام عبدالكريم قاسم عن هذا البند الدستوري كان المنطلق لبداية قافلة و مرحلة أخرى في الحياة السياسية للبارزاني.
5- وكانت القافلة الخامسة للبارزاني هي أندلاع ثورة أيلول 1961 وأقدم شعب كوردستان، و بسبب تفاعل وجهات نظر البارزاني وأفكاره مع مسار أمته، أقدم على تقديم منهاجه وطلبت الأمة بذاتها من البارزاني أن يتولى قيادة الثورة قبل أكتمال برنامجه الوطني ونوه التأريخ في هذا المنحى الى أن برنامج البارزاني للثورة قد بدأ في عام 1962 إلا أنه و بسبب مطالبة شعب كوردستان تلك فقد نفذ توجه شعبه في تقديم موعدها الى يوم 11 ايلول 1961.. و مع كل تلك التطورات فقد واصلت قوافل البارزاني مصطفى سيرها مع تغيرات في توجهاتها بتغير الأوضاع وهي مرحلة الدبلوماسية والحل السلمي .
6- وكانت السادسة (قافلة أتفاقية آذار 1970 و تحقيق مكسب الحكم الذاتي لكوردستان العراق) كانت قافلة السلام وحل المشكلات بلغة الحوار والتفاوض، إلا أن هذا النهج في فكر البارزاني لم يكن، كما يعبر عنه حوار الحاضر لدى السياسيين من مساومات بل كان في فكره عبارة عن بذل المساعي لأيصال المقابل الى قناعة أن الكوردستانيين يعيشون على أرضهم وبالأمكان أن يتعايشوا مع العرب- وهم يعيشون على أرضهم ايضا- في أطار دولة واحدة وإلا يخرق الكوردستانيون حقوق العرب ولا يخرق العرب حقوق الكوردستانيين ما يعني أن التفاوض والحوار كان بهدف تحقيق التفاهم وطريق حل مخلتفاً لمعالجة المشكلات لا ذلك النهج الذي تنتظر فيه الأنظمة العراقية أن يتنازل البارزاني و يتخلى عن التزاماته الوطنية والقومية أو يساوم عليها. وكان أن سار هذا الأصرار بهذا الزعيم والقائد نحو مرحلة أصعب.
7- مرحلة أتخاذ القرار بأستئناف القتل و ضحية بالثورة من أجل الألتزام الوطني والقومي والذي حوله البارزاني الى التزام الأجيال القادمة وأصبح خطاً أحمر، وطنياً قوميا، لا يمكن للقادة الحاليين أو حتى المستقبليين تجاوزه. هذه هي المسألة التي ترفع الشخصية القيادية الكاريزمية للبارزاني الى مظلة تجمع القوميات معاً.

(نهج الناس أم نهج البارزاني)
وفي لقاء أجراه كاتب هذه السطور مع المفكر الكوردي الأستاذ مسعود محمد نص اللقاء منشور في صحيفة برايةتي عام(1988) بشأن الشخصية القيادية للبارزاني مصطفى و أجابنا المفكر:
(إن شخصية الملا مصطفى البارزاني الكاريزمية هي قدر)
ما يعني أن تأريخا بعينه قد جعل منه رمزاً، أي أنه قد اصح، شاء أم أبى، رمزاً لكل كوردي و كوردستاني ما يسير بنا نحو التساؤل: كيف كان تفكير الملا مصطفى البارزاني، أزاء السلطة، كقائد او رئيس أو زعيم؟
هنا فإن البحوث العلمية حول تفاصيل ووجهة قائد مثل الملا مصطفى البارزاني تشير الى هؤلاء القادة لا يرغبون في السلطة كرؤساء تقليديين، أي أنهم لايسعون الى مواقع أو مناصب رسمية بل أن جل أهتمامهم ينصب في أن يحتلوا مواقع لهم في قلب أي فرد من أبناء امتهم، أي أنهم يفتخرون بهذا الموقع في ضمير شعوبهم، ولكن كيف السبيل الى ذلك؟ ونعود في ذلك الى الصفات والخصال التي أتسمت بها شخصية البارزاني مصطفى وأمثاله من القادة. فلو سألنا، على سبي، المثال- كيف أصبح الجنرال ديكول رمزا في قلب أي فرد فرنسي أو من الدول الفرانكفونية ويكون الرد أن هؤلاء قد رفضوا أحتلال بلدانهم وأن قرار ويكول بأستمرار المقاومة لتحرير فرنسا من أيدي الفاشية كان الرغبة الحقيقة لكل فرد منهم لذا فإن ما يميز ديكول عن أي فرد فرنسي أو فرانكفوني آخر هو أنه قد عرف نفسه ضمن طموحات أمته وأمانيها لا أن يكون هؤلاء تابعين لطموحات ديكول والثابت هنا هو أن نهج ديكول هو نهج تفكير شعب فرنسا والفرانكفونيين حيث أتخذ خطواته بهذا الأتجاه كخادم لأمته.. ويصح ذلك بالنسبة للشعب الأمريكي أيضا و ذلك لأنه عندما قرر الرئيس جورج واشنطن، في حفل شاي في ولاية بوسطن وأمر: اسكبوا جميعاً أقداح الشاي في المياه أشارة الى: نحن ندفع الضرائب الى الماء و ليس للبرلمان البريطاني..
و يجب أن يكون الشعب الأمريكي حراً.. هكذا كان نهج الشعب الأمريكي في أنهم لا يقبلون الأحتلال والتسلط بعد ذلك وكان ذلك أنطلاقة للثورة الأمريكية وهذا لا يعني بطيعة الحال أن فكر و تفكير جورج واشنطن هو الذي أصبح جوهر الثورة ودافعها.
إلا أنه و نظرا لكون جورج واشنطن قد تمكن من أتخاذ الخطوة السليمة لتنفيذ رغبة شعبه في الحرية فإن الأمريكيين، وعلى إختلاف قومياتهم و مكوناتهم، يعتبرونه الأب المؤسس لجمهورية أمريكا الحرة.. والأهم من ذلك هو تقليد متبع في التأريخ الأمريكي وهو أن، أي رئيس آخر، قد أتخذ ذات التوجه، على غرار جورج واشنطن، يسمى الأب المؤسس، و منهم الرؤساء (توماس جيفرسن وأبراهام لنكولن و روزفلت وغيرهم) كما أن لقب الأب المؤسس ليس حكراً على حزب معين بل يطلق على من يحافظون على ذلك النهج الذي تم تأسيس جمهورية أمريكا الحرة عليه أي أنه مكمل لنهج أولئك الرؤساء.. ولو أمعنا النظر، ضمن هذا الأطار، في نهج البارزاني وتساءلنا هل أن البارزاني مصطفى هو الذي يتبع طموحات أمته وأمانيها ونهجها أم أن شعب كوردستان هو الذي يتبع نهج الملا مصطفى و سنشعر بلا شك ، إذا ما دققنا النظر في مواقفه و نهجه، أن مقدرة البارزاني و قابليته و كفاءته هي التي صنعت و حققت توحدا بين قيم أمته و أخلاقها و تفكيرها، نحو أهداف مشتركة وأن يجد و يعتبر كل فرد من هذه الأمة طموحاته وأمانيه في ذلك النهج السليم حيث أعاد البارزاني مصطفى التعريف بنفسه ضمن طموحاتهم تلك وهذا ما يبلغنا حقيقة أنه كان ذلك القائد والزعيم الذي فكر في طموحات وأهداف امته في أصعب الظروف وكان يحمل أرادة تعبر عن تلك التطلعات في أصعب حالات اليأس وأصبحت باعثا أن يتصور أفراد الأمة، كما البارزاني ، هذا الهدف ، و يتعاون و يصبح سندً للأرادة التي. تكافح من أجل هذا الهدف المشترك.. ما يسمح لنا القول بكل صراحة لقد كان هدف البارزاني، وكأي فرد من هذه الأمة، الحرية والأنعتاق إلا أنه كن يختلف عن الآخرين في أنه تمكن من إعادة تعريف أرادته ضمن اهداف الأمة و يوجه خطواته نحوها وهذا بالضبط ما جعل البارزاني مصطفى يظهر كشخصية و زعامة كاريزمية في أمته.

(عندما تتطلع الأمة نحو شخصية زعيمه القيادية كضرورة)
يشير الباحث الهندي(كيتان بالشيكار) في دراسة له بعنوان الزعامة القيادية (الكاريزمية) الى أنه عندما تظهر شخصية زعامة قيادية فإن قسما من النخبة التابعة لها تشعر بنوع من اليأس بأعتبار أن ظهورهم هذا سيجعل من الآخرين، و دون هذا الزعيم.. أناساً هامشيين ، و يشير الباحث بهذا الصدد الى زعيم مثل(سوبهاس جاندرابوس) والذي لجأ الى الأنفصال عقب ظهور خصلة الزعامة و القيادة(الكاريزما) لدى غاندي و كان يعتقد أن أسلوب غاندي في اللاعنف لا يحقق أي نجاح وأن يصار الى التحالف مع المانيا واليابان وذلك لتحرير الهند وبالقوة من السلطة البريطانية.. و يعيد الباحث هذا اللجوء للزعيم جاندرا ليس قبوله أو تقبله لنهج غاندي بل أن شخصيته القيادية هي التي أصابته بالأحباط وكانت هذه الحالة موجودة في تأريخ أكثرية القادة الوطنيين ذوى الشخصية الكاريزمية وكانت هذه الحالة بلا شك موجودة في الزعامة القيادية للبارزاني أيضا.. هنا لا نقصد من وراء هذا التقرير سرد التأريخ بل هو عودة للتأريخ لقراءة المستقبل، و مسعى لألقاء الضوء على صفات الزعيم الكاريزمي و خصاله التي تتسبب في أحباط و يأس الآخرين أزاءها.. وهذا لا يعني أن مثل هذا الزعيم هو بمنأى عن النواقص أو هو خارج التقييم الأنتقادي لا بل أن عظمة الزعيم الكاريزمي تتجلى ضمن قراء نقدية عقلانية، ما يبرر أننا عندما ننوه الى الشخصية او الزعيم الكاريزمي في هذا البحث إنما نشير الى شخصية لها، كأي شخص آخر، سلبياتها وأيجابياتها، إلا أن ما يميزه عن الآخرين هو أنه سيغدو هو المراقب لتصرفاته، قبل أن ينتقده الآخرون أو يصححوا له سلبياته، و يضع نفسه مدار المساءلة وبشكل قاض عادل و متشدد.. ما يبرر أن أحدى خصوصيات القائد الكاريزمي هي القدرات التي تسمى(قابلية التصحيح الذاتي )،(self-correcting)، وتكون لديه قابلية أدراك نظرة شعبه وأمته اليه، ما يجعله أن يسائل نفسه بأستمرار و يصحح لها نواقصها ليبقى ذلك المشهد الرائع في نظر الأمة، كما أنه يشعر بحقيقة أن شخصيته في الزعامة(الكاريزما) هي نتاج جملة متطلبات لشعبه والتي وضعها نصب عينيه قبل غيره..
أي أنه يدرك حقيقة أن تلك المتطلبات هي في تغير يومي و مستمر و يحاول دائماً أن يعيد تعريف ذاته و أنسجامها مع مستلزمات أمته و هذا ما يقودنا الى صفه أخرى لهذا الزعيم وهي أنه منفتح يوجه التحولات ولا يخافها بل يرحب بها و يسعى لأن يؤدي هو الدور الرئيس في تلك التحولات.. ولو أوردنا ضمن هذا المنحى أحد الطلاب المعدين على يدي البارزاني، فنشير الى السيد مسعود بارزاني الرئيس الحالي لأقليم كوردستان والذي كان له تفاعل و تجاوب متزن مع التحولات في أصعب الظروف بحيث تصور الجميع أنه يجازف وأن الوقت لم يحن بعد لأجرائها.. إلا أنه كان للرئيس البارزاني، و بشجاعة، ردوده بوجه التحولات وقد أدى شخصياً الدور الرئيس فيها.. و كمثال تقول إن قراره الذي أتخذه في نهاية تسعينيات الفرن الماضي برفع علم كوردستان في الأقليم و بصورة رسمية، فإن ذلك كان تحولا في واقع الأمة والذي مزق جدار الخوف وكذلك الحال إبان عملية تحرير العراق وأنضمام أقليم كوردستان للتحالف الدولي لأنقاذ العراق من نير الدكتاتورية وأثار بذلك، ليس فقط مخاوف رد فعل النظام العراقي آنذاك بل أن دول الجوار قد هددت بأحتلال أقليم كوردستان، وتناول الرئيس البارزاني ثانية قصب السبق و دخول المواجهة والتحول وأوقد شخصياً شعلة نوروز مساء يوم 20 آذار 2003 فوق قلعة أربيل التأريخية. إن الأشارة الى الموقفين المذكورين للرئيس مسعود بارزاني هي مسعى لقراءة ثانية و مراعاة جديدة للتربية التي تلقاها على أيدي الملا مصطفى البارزاني.. لأن أحدى الصفات التي تميز بها كانت أتخاذ القرارات الصعبة عند الضرورة و مواجهة التحولات والسعى للسيطرة عليها و لصالح أمته، و هي بحد ذاتها صفة أخرى للزعيم الكاريزمي و تسمى (الثقة بالنفس(Self-confident)، أي أنها هي أحدى المخصال البارزة للملا مصطفى البارزاني في أتخاذ القرارات الصعبة والتي بها أصبح ذلك الواقع الذي تطلعت اليه الأمة كضرورة أي أن الثقة بالنفس تفرض( شخصي الزعيم-self- Actualization) وبرهن هو أن شخص الزعيم ينبع من الثقة بالنفس وهي صفة تتجلى اليوم في الرئيس مسعود بارزاني والذي يقول للعالم و بثقة عالية بنفسه وأرادة أمته، إن شعبي لن يقبل الدكتاتورية مرة أخرى وهو حر في أتخاذ قراره المصيري و سوف أنفذ أي قرار يتخذه شعبي، و هو يبرهن أن الثقة بالنفس و بأرادة الأمة هي خصلة أخرى للزعماء والقادة الذين تعتبرهم رموزاً لها.. ومما يجد الأشارة اليه هنا هو أن الأشارة الى بعض مواقف الرئيس مسعود بارزاني ليست مقارنة بين رئيسين أو زعيمين بل هو تنويه الى سبل الأستفادة من تجربة البارزاني مصطفى وأسلوبه في القيادة لأنه، و كما أشار اليه السيد مـحـسن دزه يي في مقال سابق له في مجلة كولان (رغم أن الرئيس مسعود بارزاني قد تمكن من السير الى حد بعيد على نهج البارزاني، إلا أنه ليس من المتوقع وفي المستقبل المنظور أن يظهر شخص مثل الملا مصطفى ثانية).
(قراءة البارزاني مصطفى للمستقبل)
إن محاولة قراءة الشخصيات القيادية(الكاريزما) للأمة هي قراءة للمستقبل أكثر من كونها قراءة لتأريخ الماضي، إلا أنه يستحيل علينا قراءة المستقبل دون العودة الى التأريخ... إن ما نتعلمه من حقبة زعامة الملا مصطفى البارزاني هو إعادة أنتاج و أسترداد تلك الأرادة التي تعامل بها مع واقع تلك الحقبة، لذا فعندما نعود الى تأريخ زعامة البارزاني الخالد، إنما نبحث عن تلك الأرادة التي نتمكن نحن بدورنا أيضا من التعامل وفقها مع عصرنا.. وكما يقول أوباما(العودة الى تأريخ لنكولن هي بهدف الأعتبار من ذلك الدرس الذي يعلمنا كيف نتمكن من اتخاذ قرارنا بحماية الحرية عندما تتلبد السماء بالغيوم والضباب كما أن الغاية من العودة الى تأريخ لنكون هي لنتمكن من أتخاذ قرارات صعبة و دون أن نتهرب منها..
وذلك لأن لنكولن عندما قرر الحرب ضد العبودية فإن الكونكريس لم يسانده، غير أنه قد شيد مبنى الكونكريس لكي تتم مساءلته فيه بعد أنتهاء الحرب.
وهي ليست عودة للحرب بل محاولة لتعلم التعامل مع بنادقنا و خيولنا حيث لم يسترد لنكولن و لم ينزع الأسلحة والخيول من الأسرى بل أبلغهم: أستخدموها بصورة أخرى وأستعملوا البنادق في الصيد والخيول في زراعة الأرض، وهذا ما ذكرنابه أوباما في الذكرى السنوية ال(200) لولادة الرئيس لنكولن ما يعني أن الولايات المتحدة ما زالت بحاجة الى أرادة لنكولن ما يحتم علينا، ونحن نحتفل بالذكرى السنوية ال(110) لميلاد البارزاني مصطفى، أن نتعلم الدرس القائل بإن أرادة البارزاني الخالد هي الضمانة الوحيدة للحفاظ على وحدة شعب كوردستان و صفوفه وهو السبيل لوصولنا الى أخر مراحل التحرر.
فيليب. جي. أيتنكتن لمجلة كولان:
(أتخاذ القادة الرموز مظلة تجمع كل القوميات وعلى أختلافها)
البروفيسور فيليب. جي. أيتنكتن هو أستاذ التأريخ والعلوم السياسة في جامعة جنوب كاليفورنيا و مختص في تأريخ السياسية و قد حدثنا عن دور القادة في التأريخ و ظهور الزعيم كرمز قومي:
لم يكن الزعماء الذين أصبحوا في أحدى مراحل التأريخ رموزاً لأممهم زعماء و سياسيين أعتياديين منذ البداية، إلا أنهم اصبحوا رموزاً عندما بذلوا جل مساعيهم لتوحيد الأمة أي أن السبب في التحول الى رموز يعود الى أنهم تمكنواـ وفي خضم الخلافات القومية والدينية من حماية وحدة صفوف الأمة و بناء التعايش داخل مجتمع تعددي، ما يظهره كقائد متميز في نظر المواطنين و بالمقابل هناك الكثيرون ممن يعجبون بأولئك القادة والزعماء فنجد على سبيل المثال ان غاندي و لنكولن و جون كندي سيكونون زعماء عظماء و يقدرون أكثر مماكانوا في الحياة لذا فإن أكثرية أعضاء الأمة يعملون على تعظيم مثل هؤلاء الزعماء و تقديرهم لقاء مساعيهم في توحيد الأمة كما أن جانباَ آخر من ظهور الزعيم كرمز للأمة هو تلك و يصبحون بالنتيجة أساطير وأكبر مما كانوا في الحياة المرحلة التي تشعر فيها باليأس والخيبة لأن الأمة كانت آنذاك تحت التهديد وسط نوع من الفوضى وعدم الأستقرار.. هنا يأتي دور الزعيم ذي الشخصية القيادية (الكاريزما) الذي يسعى بمواقف فريدة تصحبها القوة والكفاح لتحرير الأمة.. ويعتبر أبراهام لنكولن نموذجاً بارزاً لتوحيد الولايات المتحدة إبان الحر الأهلية وأصبح فيما بعد زعيماً و رمزاً ما يعني أن الشخصية القيادية تمتلك أرادة تبرز إبان الأزمات حيث تتعرض الأمة للخطر والوضع في غاية الخطورة.. و يكون الزعيم الأخرمثل نيلسن منديلا اليوم نموذجا بارزاً و شخصية عظيمة أتسمت بإرادة جيدة مكنته من التعامل مع الأقلية البيضاء والأنسجام معهم. والمهم والضروري أن يخرج الزعيم من دائرة المجموعات العرقية والدينية و يتابع المصالح الوطنية كمطلب أسمى، وهذا هو ما يمنح السمو للقادة والزعماء.. لأنه يتوجب عليهم ألا يفكروا من وجهة نظر طائفية ما يعني أتخاذ الزعيم الرمز مظلة يجتمع كامل الأمة لديها و يعتبر المصلحة العامة فوق المصلحة الطائفية وأسمى من الخلافات العرقية والدينية ويكون الزعيم الوطني بمثابة راية لعموم المجموعات والمكونات القومية.

ب. بدري ناريان تواري لمجلة كولان:
(استذكار الزعماء الرموز ثروة رمزية)

البروفيسور بدري ناريان تواري هو أستاذ التأريخ الأجتماعي وثقافة الأنثروبولوجيا في جامعة الله آباد شمالي الهند وباحث في معهد علم الأجتماع بالجامعة المذكورة و تحدث للمجلة عن دور الزعماء رموز الأمة في حياة الشعوب وأهمية أحياء ذكراهم:
(إن العلاقة بين التأريخ وبين الزعماء الرموز هي علاقة ثنائية و ذات وجهين.. لأن التأريخ هو الذي يصنع الزعيم الرمز وبالمقابل يصنع هذا الزعيم التأريخ.. كون التأريخ والظروف التأريخية و متطلبات الناس في الأوقات الحساسة هي التي تصنع الزعيم الرمز وهم بدورهم يصنعون التأريخ. و ذلك في سياق النضال من أجل أنقاذ الناس في تلك الظروف التأريخية القمعية و معطياتها و تداعياتها.. كما أن الناس يدركون في ظروف الأزمات حاجتهم شخصية تتمكن من انقاذهم..إن الأزمة النفسية هذه تدفعهم لتطوير و جهات نظر تبحث عن الشخصيات الكاريزمية، أي أن المستلزمات الأساسية للناس توجد أوضاعاً تتطور فيها فكرة (الكاريزما) كما أن العناصر الشخصية للكاريزما لدى أي زعيم هي ذات العناصر المؤثرة على المسار والحراك السياسي للناس و رغباتهم..كما أن عادات و تقاليد كلاسيكسية تتولد في فكر الناس و ذكرياتهم ولو توافق الزعماء في هذا المجال مع الذكريات و تأقلم بعضهم الآخر في أطارهم الذاتي، فإنهم سيؤثرون بشكل مفاجئ و مباشر في الناس العاديين، و هذا بدوره يولد نوعاً من العلاقة بين الناس و بين زعمائهم ثم يقوم الزعيم المعتمد على شخصيته القيادية بإيجاد و تطوير أفكار و مبادئ جديدة بينهم... لذا فإن أحياء ذكرى الزعيم الرمز هو أيجاد الثقة بالنفس و بالمجتمع أيضا و يكون أستذكارهم بمثابة ثروة رمزية للمجتمعات الساعية لتطوير سياساتها الذاتية.

ترجمة / دارا صديق نورجان
Top