• Monday, 06 May 2024
logo

معاداة فن التعايش في المجتمع الديمقراطي(الآخر مختلف وليس عدواً)

معاداة فن التعايش في المجتمع الديمقراطي(الآخر مختلف وليس عدواً)
ما يبعث على الدهشة هو أن الفن قد أصبح مسألة ذات علاقة بالمسائل والأشياء وليس بالأفراد والحياة، أو لا يمكن أن تعتبر حياة أي شخص كصرح فني، ثم لماذا يجب أن يتحول مصباح أو بيت واحد الى موضوعين فنيين و عدم تحول حياتنا موضوعاً للفن؟

(ميشيل فوكو)

لقد كانت أكبر مشكلات و معضلات مرحلة التثقيف في أوربا ما بعد القرون الوسطى التزام الأوربيين بثقافة تلك القرون وعدم الأنسجام مع تلك المرحلة وعجزوا في التخلص من القيود الثقافية التي حولت أوربا في القرون الوسطى الى ظلمات.. ظلمات العقل والتقيد بثقافة لم تكن لتنتج سوى سفك الدماء... وقد حدد فيلسوف الثورة الفرنسية فوليتر جذور تلك الوباء و بمنتهى التعقل والدقة، وفضح بجلاء سياسة و ثقافة الرفض وتعريف المقابل بإنه عدو، و يظهر ذلك بوضوح في مقاله الرائع(رسالة للتسامح) ويقول: أنا مستعد للموم من أجل أن تتحدث أنت بحرية رغم أختلافي الكامل معك)، هذه العبارة تبلغنا أنه كان يعتبر الأخر، في حقبت ما قبل الثورة الفرنسية، بإنه عدو و ليس مختلفاً.
لذا فإن فوليتر يدعو الى الحفاظ على تلك الأختلافات وهو مستعد للتضحية بنفسه من اجل عرض تلك الأختلافات بحرية، كما أن المفكر الأنكليزي الكبير جون لوك قد أعتبر هو الآخر وباء العقل المتطرف السبب الرئيس لفوضى المجتمع.
ويدعو لوك ، بأوضح من فوليتر، رجال الكنيسة: لا تشوهوا صورة السيد المسيح معكم ولا تقتلوا الناس بأسمه لأنه عليه السلام هو الذي يعلمنا التسامح وليس أعتبار المقابل بإنه عدو و توزيع المجتمع الى كافر و مؤمن)، و كتب جون لوك رسالته هذه باللغة اللاتينية لأن مسألة غياب التسامح وأعتبار الآخر عدواً أو كافراً لم تكن مشكلة أنكلترا وحدها، بل كانت مشكلة عموم أوربا في مرحلة النهضة أو التثقيف، وربما كتب رسالته باللاتينية كون جميع قساوسة أوربا كانوا يتقنون هذه اللغة، و يضيف: ولو كانت المسيحية هي الرسالة التي يبلغنا السيد المسيح إياها، فإنا أكثر الناس مسيحية لأنه يعملنا أن نكون متسامحين حتى مع أعدائنا و ليس مع معتنقي ديان و احدة و هي المسيحية، أما إذا كانت المسيحية هي الرسالة التي تدفع الكنيسة بموجبها الناس لقتل بعضهم البعض، فإن جون لوك يقول: أنا ضد مثل هذه الرسالة.. ولكن لابد من التساؤل: هل أن آفة أيديولوجية بعض المجموعات والأطراف التي تعتبر الآخر عدواً قد أنتهت بعد نجاح الثورة الفرنسية وأنتكاس الفكر النازي والشيوعي لمرتين؟
ويرد علينا تأريخ العالم بالنفي وأنه ليس بأمكان من بنوا خلفياتهم الفكرية على أساس الأيديولوجية الشمولية، أن يتعلموا (فن التسامح) والذي يغدو فناً للتعايش، وهم أناس يفكرون، ولكن التفكير لا يكفي كما يقول(جيل دولوز) في كتابه(الأختلافات والتكرار) بل الأهم كيف نتوصل الى فكر نحن بحاجة اليه) ويعرف دولوز في كتابه المذكور، والذي كان في الواقع أطروحته للدكتوراه أيضاً الخلافات داخل المجتمع وبين التوجهات بإنها خلافات بين أصدقاء لذا فإنه يدعو التميز بين الأصدقاء الحقيقيين و بين المزيفين أي أن دولوز يبلغنا بضرورة تمييز المختلفين الذين يعتبرون أنفسهم أصدقاء حقيقيين لبعضهم البعض داخل المجتمع من الجماعات الذين يعتبرون أنفسهم مجرد أصدقاء صوريين و يمارسون تصرفات عدائية ضد الآخر ويقومون بتقسيم المجتمع أيضا لذا فإننا عندما نعود الى مسألة الفكر والتفكير عند دولوز، فإنه يعتبر الأفكار والتفكير الذي يهدف الى الأبداع نحو اسلوب جديد للحياة هو وحده الذي يصنف في المجال الفكري فحسب، والمفكر هو الذي يبدع أفكاراً جديدة وسط التوجهات المختلفة، لكي تكون السبب في وئام الأنسانية والمجتمع وليس في تدميرها، لذا فإن التفكير في هذا الأطار هو بناء جديد أو طريق جديد للتفكير ويتم أبداع هذا الأسلوب الجديد، كما يقول فوليتر، فإنه يتحتم علينا أن نضحى بأنفسنا من أجل عرض أختلافات الآخر، أو كما يقول جون لوك (عودوا الى رسالة الفكر القومي الكوردي (الكوردايتي) أو رسالة الدين الأسلامي الحنيف) في مجال:
هل أن(الكوردايتي) علمتنا أن نرفض بعضنا البعض ونعتبر الآخر عدواً لنا؟ أم كما يدعوا الفيلسوف الكوردي(احمد خاني) شعبه، أسوة بفوليترولوك)، الى وحدة صفوفهم وأعتبار بعضهم الآخر أصدقاء، وهو الطريق الوحيد الذي يوصلنا الى الأنعتاق، أو كما تقول الرسالة المقدسة للأسلام، تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الأثم والعدوان، وتعني هذه الرسالة السامية أن الله تعالي هو ضد التفريق وتقسيم المجتمع الى اصدقاء وأعداء، وهذا بدوره يعلمنا أنه ليس من اللائق أن ينظر المسلم بعداوة و بغضاء الى أخيه المسلم، لذا فإن هذه المادة أو الكتابة لا تهدف الى التعامل مع المقابل كأنه لاغير، بل هي مسعى للعودة الى التأريخ ولا يعني هذا أن نتعلق بالماضي بل تتولد من تلك العودة تلك الشرارة التي تنير لنا طريق مستقبلنا، وبالتالي ومهما تواصلت أعتبارات تلك الأطراف الآنفة، للمقابل بإنه عدو ، فإن هذه السطور لا يمكن أن تنتج ردود أفعال مماثلة لهم، بل تعود أدراجها الى (احمدي خاني) الذي يدعونا الى الوحدة ورص الصفوف، ثم أن الدين الأسلامي الحنيف يدعونا أيضا الى التوحد، وهنا لا بد من التساؤل التقسيم والتفرقة والعداوة من أجل ماذا؟ وهل هناك نموذج لهذا التفكير في عالمنا وقد حقق النجاح بهذا الأسلوب؟ والى أين تسير بنا ممارسة السياسة على أحتمالات وتصورات القمع وتشويه الآخر المقابل؟ ما يدفعنا جميعاً لتعريف و بلورة أفكار جديدة لخلافاتنا لا وجودفيها لأختلافات و ثقافة الرفض والمعاداة، بل يكون الخلاف فيها أنتاج التفكير المختلف لمعاني الحياة وقيمها، لذا فإن المحتم هو أن الأختلاف يكون الأرادة الحقيقية لجميع الأطراف المختلفة، في البحث عن الحقيقة، ، اي الحقيقة الناجمة عن جملة الخلافات، وهي المعاني والقيم المختلفة للحياة- لذا فإن أي طرف يدعى بإنه هو صاحب الحقيقة فإنه يكون صاحب أي شئ عدا الحقيقة ، كما أن من يرون أنهم وحدهم هم على صواب والآخرون على خطأ، وأنهم المؤمنون والآخرون هم الكفار، فأنما هم أناس يعيشون عصورما قبل النظرية النسبية لأنشتاين وأن من يرون بأنتهاء التفكير فإنهم مازالوت- يجهلون أن الفكر والتفكير قد بدءا بعد أكتشاف تلك النظرية، وهما الفكر الذي يصالح بين الأطراف المختلفة وربص بين معانيها المختلفة وقيمها المتعايشة معا.
المعارضة في المجتمع الديمقراطي و معانيها و دلالاتها

إن جمالية النظام الديمقراطي هي أنعاش للتعددية الحزبية داخل المجتمع و يتلخص فن النظام الديمقراطي في كيفية عمل التوجهات المختلفة معاً من أجل حماية النظام الديمقراطي، لذا فإن الصداقة.
بين احزاب السلطة والمعارضة تبدأ من أصرار الطرفين على حماية هذا النظام، وهنا عندما يمنح الشعب ثقته، بحزب أو تحالف الأكثرية على أسس برنامجها و وعدهما بحماية النظام الديمقراطي و تطور و تقدم المجتمع، فإنه يكون من حق المعارضة التي لها هي الأخرى برنامجها في حماية النظام الديمقراطي و تقدم المجتمع، ان تراقب الأحزاب الحاكمة كي لا تعرض مستقبل هذا النظام الى الخطر في حال توليها الحكم، لذا فعندما نرى أن الهدف الأساس للحزب أو التحالف الحاكم هو حماية النظام الديمقراطي وعندما تقوم المعارضة بتنبيه الحزب الحاكم في أدائه فإن ذلك يعني أنها تقوم بعمل صدقي لمصلحة حماية النظام المذكور بالتعاون مع الحزب أو التحالف الحاكم، لذا فإن الملاحظ في المجتمع الديمقراطي النامي(وليس المبنى حديثاً) أن أحزاب المعارضة تكون أكثر التزاماً بآليات وقيم النظام الديمقراطي من أحزاب السلطة والأسباب متعددة مثل كيفية تنفيذ ممارسة برامجها أو تضطر لعدم الألتزام بها لذا فإننا نرى الحزب الحاكم في هذه الحالة كثيراً ما يضطر الى التنصل من الحوار أو المناظرة مع المعارضة، وبالتالي فإن الأخيرة تجعل من هذه الحالة ورقة ضغط على السلطة لأجبارها على التحاور معها والمساومة على المسائل ذات العلاقة بالجانبين وأحلال البيئة الديمقراطية في هذا الجانب حتى وإن حاولت أطراف السلطة منع ذلك.. كما أن أحزاب المعارضة في الديمقراطيات الحديثة(المشارإيه التي تكون في مرحلة بدايات الديمقراطية)تكون أكثر ألتزاماً بالديمقراطية و مساعي أجراء الحوار و ذلك لأن المعارضة هي بحاجة الى معالجة المشكلات عن طريق الحوار والتفاهم والمناظرات، لذا فإنه يصح في هذه البيئة الديمقراطية القول: المعارضة هي أوكجسين للديمقراطية.. إلا أن الأشكال الذي يتولد في هذه الحالة عندما تكون الأحزاب الحاكمة أو المعارضة ديمقراطية وهذا ما يعرض مستقبل الحرية الى الخطرو العملية الديمقراطية الى المرض وعندها يكون من الصعب أدارتها وفق ما يرتأيه افراد المجتمع.

(النظام الديمقراطي المريض)
عندما يتم تعريف النظام الديمقراطي بإنه نظام مريض عندما يتم أستخدام أسس الليبرالية أو قوانين اللعبة الديمقراطية لأغراض تختلف وبعيد عن حماية النظام الديمقراطي وهي مسألة سماها المفكر الأمريكي من أصل هندي(فريد زكريا)ب تحول (الليبرالي الديمقراطي الى الأيللبرال الديمقراطي)وأن ما يوجد هذه الحالة هو ليس عدم وجود الأنتخابات أو رفض نتائج صناديق الأقتراع فالملاحظ أن الأنتخابات في العديد من دول العالم تجري وفق مواصفات عالمية، إلا أن صناديق الأقتراع، وبدل جمعها الأختلافات و بنائها تعددية ألوان المجتمع وتكون عادة بمثابة تعريف للحرية، إنما تنتج تعددية المضادات والتي تعرض مستقبل الحرية للخطر، إن هذه الحالة التي استجدت في أعقاب الموجه الثالثة للديمقراطية كأنتصار لليبرالية على (التوتاليتارية، لم يقم ليس بتحويل عالم ما بعد سقوط جدار برلين الى مجتمع حر و ديمقراطي فحسب، بل جعل من ديمقراطية لا أسس ليبرالية لها مصدراً آخر لأنتاج التوتاليتاريا، وقد لا تصح هذه الحالة في وسط أوربا الى حد ما بسبب أحتكام تلك الدول على بنى تحتية ليبرالية، إلا أنها تصح بالنسبة لدول أوربا الشرقية والأتحاد السوفيتي السابق والقسم الأكبر من دول أمريكا اللاتينية أيضاً، وأصبحت مصدر دهشة الباحثين في مجال الديمقراطيات كون الأحزاب التوتاليتارية و الشمولية التي تدخل العملية الديمقراطية، ليس بدافع أجراء تحولات على الأيديولوجية التوتاليتارية الخاصة و تصبح أصحاب وجهات نظر مفتوحة بل بالعكس تكون غايتها في ذلك أستخدام الأليات الديمقراطية لاضفاء الشرعية على فكرها التوتاليتاري.. ويعيد زكريا في كتابه(مستقبل الحرية) السبب في ذلك الأستخدام الى عدم وجود دستور مدني في تلك البلاد ينظم أسس الليبرالية، ويكون للديمقراطية في هذه الحالة وجودها عن طريق صناديق الأقتراع دون أنتاج الديمقراطية الليبرالية... و يعتبر فريد زكريا ترسيخ أسس الليبرالية بأتباع العملية الديمقراطية هو الأهم ما حدا به للأشادة بأنظمة الحكم في دول شرق آسيا مثل(سنغافور، كوريا الجنوبية، اليابان، تايوان، و ماليزيا الى حدما) والسبب هو صحيح أن هناك نواقص و سلبيات في ديمقراطية تلك الدول، إلا أن ترسيخ أسس الليبرالية يقف وراء أعتبار كل من هذه الدول، مواكبة مع دول الليبرالية الديمقراطية في الغرب ضمن دول العالم الأول وليس العالم الثالث.. إلا أن باكستان، ورغم كونها عضواً في مجموعة الدول البريطانية(الكومنويلث) و تجري فيها الأنتخابات منذ أكثر من(50) عاماً، إلا أن عدم ترسيخ أسس الليبرالية فيها حتى الآن، هو السبب وراء تصنفيها في الصفوف المتأخرة من دول العالم الثالث... وبالأمكان هنا التساؤل:
هل أن المقصود بأسس الليبرالية هو تلك الحقوق التي يؤمنها النظام الليبرالي داخل المجتمع؟ أم كيفية أدارة السياسة التي تؤمن للمجتمع حقوقه تلك؟ والمقصود هنا بالطبع هو كيفية إدارة السياسة التي تنتج تلك الحقوق وليس كيفية صياغتها والدليل على ذلك هو أن غالبية الدول الأعضاء في برلمانات دول الكومنويلث تتصف نظرياً بوحدة خطابها على الحقوق التي حددها النظام الليبرالي، إلا أنه، و بسبب حاجة تثبيت تلك الحقوق الى أساليب تصرف وتعامل الأحزاب، الموجودة داخل المجتمع، فإن تثبيت النظر في تلك الدول وارد، إلا أن الجانب العملي يشير أنه بسبب عجز الأحزاب السياسية عن المشاركة معاً في العملية السياسية و تقاسم الأحزاب داخلياً و يعتبر بعضها البعض الآخر أعدائه، فإن لتلك الظاهرة أنعكاساتها وتأثيرها على الجميع و قسمت المجتع داخلياً و معاداة كل حزب أو طرف للأخر وكانت النتيجة ليس فقط عدم تحقيق الحرية في تلك البلدان، بل أن الحرية فيها هي معرضة لمخاطر راهنة ومستقبلية، أي أن هذا التناقش ليس بصدد أي التصرفات هو ديمقراطي أو غير ديمقراطي، بل أن جوهر هذا الموضوع يكمن في كيفية أنتاج الديمقراطية لمعناها الليبرالي.. هنا لو عدنا الى التأريخ السياسي لبريطانيا، لوجدنا أن(توماس هوبز) قد صاغ نظرية ليفاسان للدوله على طريق أنقاذ أنكلترا من آثار الحرب الداخلية وإعادة المجتمع الأنكليزي الى وضعه الطبيعي، ولكي يغير، كما جاء في كتابه(ليفاسان) الفوضى العارمة في البلاد الى أستقرار والتسيب الي نظام محكم وأعادة الحياة من جديد).
ويعود هوبز في تفاصيل نظريته هذه الى قوانين الرومان تلك الأمبراطورية التي يعرفها فريد زكريا بأنها :
(مع تحرك قسطنطين في روما نحو أسطنبول فإن كل شئ قد تغير وكان أن أنتهى قانون الكنسية، وتمت صياغة القوانين الوضعية والعمل بموجبها وقد يكون القانون الروماني موضع مجموعة من الأنتقاقادات المقبولة، وقد تكون المناحي الراهنة للديمقراطية في كتاب ليفاسان هي الأخرى موضع أنتقادات عديدة حتى أن الأنكليز أنفسهم، والذين يرون كتاب ليفاسان تحفة نادرة في التأريخ السياسي البريطاني، لا يتمكنون هم ايضا من ممارسة هذه النظرية أو تهذيبها مع الواقع الراهن لمجتمعهم إلا أن كل أنكليزي بصورة خاصة والأنسانية بصورة عامة ينظرون الى ليفاسان بعين التقدير لأنه وضع الحجر الأساس لأول نظام اليبرالي في العالم و قبل الثورة الفرنسية بعدة سنوات لقد كانت هذه الخلفية عن تأريخ الليبرالية، رغم طولها، ضرورية لمعرفة كيفية منع الديمقراطية من الأصابة باي مرض، وهذا بالضبط يماثل حاجة الطفل للتلقيح تلافياً لتعرضه للمرض أي أن الليبراللية هي لقاح الديمقراطية وأن الأحزاب والمجموعات السياسية غير المؤمنة بالديمقراطية ستسبب عند دخولها العملية السياسية في أصابتها بالمرض بدل بنائها.

أقليم كوردستان والعلاقة بين السلطة والمعارضة
هل يمكن القول أن الديمقراطية في أقليم كوردستان مريضة ايضا؟ وما هو أسبابه، وسبل معالجته وأيجاد لقاح للوقاية من هذا المرض؟ ولو أمعنا الشرح والتداول في هذه الأسئلة لوجدنا أن وضع الديمقراطية في الأقليم هو ليس سليماً ، صحيح هي الآن تتوجه نحو المرض إلا أن المجال ما زال مفتوحاً لمعالجة هذا المرض، وحتى أتخاذ سبل عملية لعدم تكرارها ثانية، وهنا لو أثرنا سؤالاً آخر مفاده: هل سبق أن مرضت العملية الديمقراطية الأقليم كوردستان؟ وكيف تم تحديد أسبابه و مساعي معالجته؟
وهما سؤالان يؤديان بنا نحو الأجابة على بقية الأسئلة ما يدفعناً للبدء من تلك النقطة التي تسبب في الخلاف بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والأتحاد الوطني الكوردستاني الذي نجم عن مرض العملية الديمقراطية في الأقليم حداً يمكن القول عنه بإنها قاربت حافة الموت، إلا أن حكمة الرئيس البارزاني والرئيس الطالباني و تفهم قيادتي الجانبين لعملية أنقاذ العملية و معالجة مرضها قد تمخضت عن التوصل الى تحالف ستراتيجي بين الحزبين، ولا بد من الأشارة الى أن الهدف من ذكر الأتفاق ليس عرض جميع نقاطة و بنوده بل كان من اجل أدراك عدم نظر الحزبين أحدهما للأخر بعين العداء في هذه الأوضاع الحساسة والتحولات التي يشهدها الأقليم، بل جاء التوقيع عليه توخياً لأدارتها هذه المرحلة الحساسة كحليفين و ممارسة التداول السلمي للسلطة من خلالها وأيجاد تقليد يتضمن وجود معارضة أيجابية في أقليم كوردستان بعد أنتهاء الأتفاق الستراتيجي الذي هو، رغم نواقصه ومواطن الأنتقاد فيه، مكسب تأريخي مهم لأقليم كوردستان والكورد بصورة عامة منها:
1- الأتفاق جعل الجانب الكوردي جزءاً من عملية التحالف الدولي لأسقاط النظام السابق و تحرير العراق، ولولا ذلك لكانت أحدى الدول الأقليمية تحل محل أقليم كوردستان في التحالف وهي تركيا وعندها كانت كتابة الدستور العراقي قد اصبحت من الصعوبة بحيث لم يكن التأريخ فيه أدراج حقوق الكورد فيه كما هي الآن، ويدرك الجميع كيف كانت تركيا تتعامل مع أقليم كوردستان عقب سقوط النظام السابق في العراق، ولولا الواقع الذي فرضه الكورد لما كانت تركيا تتعامل مع أقليم كوردسان كدولة مجاورة.
2- وكان الأتفاق وراء أن يكون رئيس جمهورية العراق و وزير خارجيتها كورديين لأول مرة في تأريخ الكورد والعراق.
3- وكان الأتفاق الستراتيجي بين البارتي والأتحاد ورغم التلكؤ في تنفيذ المادة 140 من الدستور، أن يتولى الكورد، كأمر واقع، إدارة المناطق الكوردستانية خارج أدارة الأقليم .
4- وأذاب التحالف جمود وتراكمات العلاقة بين البارتي والأتحاد وتعلمهما أدارة الحكم معاً، وأن أي مراقب لا يشعر ولا يدرك الآن التمايز السياسي في أنتماءات المديرين العامين في مؤسسات أقليم كوردستان.
5- وكان التحالف أو الأتفاق السبب وراء أدراج أقليم كوردستان على خريطة الطاقة في العالم ، وهي مسألة أمتدت آثارها، رغم تطلع (حركة كوران) لألا يتمكن الكورد أصلا من السيطرة على مصادره و ثرواته الطبيعية، أمتدت الى القول بإن الأقليم سيتمكن خلال شهرين أو ثلاثة من تصدير نفطه بصورة مباشرة الى الخارج، عن طريق أنبوبه النفطي وهو مسار يخطط و يحدد ليس للراهن، بل و لمستقبل أقليم كوردستان من النواحي السياسية والأقتصادية ولو واجهنا مؤيدي حزب كوران بهذه الحقيقة لقالوا نحن نتحدث عن الفساد في القطاع النفطي ليس إلا... و سيكون ردنا أن أيرادات النفط هي لكل العراقيين ثم لو كانوا حريصين بصدق على مصالح شعب كوردستان، فلماذا لا يتحدثون عن الفساد القائم في عمليات نفط البصرة مثلاً حيث يقوم كل حزب سياسي لوحده بتصدير أو بالأحرى تهريب النفط الى الخارج؟ و لماذا العزف على منوال حسين الشهرستاني بعد أن قام وزير الثروات الطبيعية في حكومة الأقليم شخصياً بزيارة رئيس حزب كوران وأعقبه السيد نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة أقليم كوردستان بأعتماد كل العقود النفطية في كتب ونشره بالتفصيل على شبكة الأنترنيت؟ و لماذا؟
معاداة الأتفاق الستراتيجي لماذا؟ في أحراز الأصوات اللازمة في الأنتخابات الداخلية للأتحاد الوطني الكوردستاني، فقد سارع الى الأعلان عن انفصاله من الأتحاد ثم أخذ ينتقد الأتفاق الستراتيجي في كل مناسبة، ونتساءل: هل كان يعادي الأتفاق في حال تمكن من الفوز في الأنتخابات تلك؟ أم كان يتخذ موقفاً آخر؟ و يفسر العارفون بالوضع السياسي في أقليم كوردستان هذه المسألة بما يأتي: لم يكن نوشيروان و جماعته يتعاملون مع التحاف الستراتيجي في حالة عدم خسارتهم لتلك الأنتخابات بل كان يتخذه هدنة للأستعداد لجولة حرب أخرى مع البارتي، إلا أن خسارته كانت البداية آنذاك لأنتهاء مرحلة معاداة البارتي وأخذ بالمقابل بتقسيم الأتحاد الوطني و تأسيس حركة أو حزب كوران أستمراراً لعملية معاداة الديمقراطي الكوردستاني (البارتي) لذا فقد أشتدت معاداته للأتفاق الستراتيجي والسعي لحلحلة ذلك الأتفاق الذي حقق هذه المكتسبات التأريخية للكورد... وكان هدف نوشيروان مصطفى في تقسيم الأتحاد وأغراء البارتي للمبادرة بحل الأتفاق، إلا أن السياسة المبدئية للرئيس البارزاني والرئيس الطالباني وبعد نظرهما قد أثبت أن الأساس في الأتفاق الستراتيجي هو الحرص على المصلحة العليا لشعب كوردستان و مستقبل تجربته الديمقراطية في الأقليم وليس من وجهة نظر تراجع بعض مقاعد البارتي البرلمانية نتيجة أنفصال كوران عن الأتحاد وعندما أدرك نوشيروان نظرة الديمقراطي الكوردستاني و شخص الرئيس البارزاني الى الأتفاق ليس لمصالح حزبية والأهم من ذلك أن جميع الأطراف(بعد مرض الرئيس الطالباني الذي نتمنى له السلامة والشفاء العاجل) قد وقفت على سياسة البارتي والبارزاني و موقفهما وأستعدادهما لمساندة الأتحاد الوطني، عندها أظهر نوشيروان مصطفى علناً موقفه المعادي للبارتي وبالأخص عندما سمع بإن الأتحاد سيخوض الأنتخابات القادمة بقائمة مستقلة دون أن ينتهى الأتفاق الستراتيجي، ما يعني أن حزب كوران و نوشيروان مصطفى مقبلاًن هذه المرة أيضاً على خسارة الأنتخابات واللعبة الديمقراطية ما دفع به، حرصاً على عدم تداول نتيجة خسارته هذه، أن يسعى منذ الآن لتعكير الوضع إلا أن تحقيق حلمه هذه المرة أيضا سيكون من الصعب أدراكه كما في أحلامه السابقة.

ترجمة / دارا صديق نورجان
Top