• Monday, 06 May 2024
logo

تركيا تنظر الى اوروبا من خلال دوامة الشرق الأوسط

تركيا تنظر الى اوروبا من خلال دوامة الشرق الأوسط
ترجمة/ بهاءالدين جلال
عندما تنظر الى الموقع الجغرافي لدولة تركيا من الشرق الأوسط فأنها تبدو كدولة غربية ، وان تنظر اليها من الشرق الأوسط تبدو و كأنها احدى الدول الشرقية الأسلامية،ولهذا السبب اذا ماتم اعتبار تركيا كدولة مسلمة شرقية فأن موقعها سيكون مهماً بالنسبة الى الغرب أمّا لو اعتبرت دولة غربية فلها أهمية كبيرة بالنسبة الى الشرق الأوسط،وفي هذا الأطار يُنظر الى تركيا على صعيد الشرق كأنها دولة محورية مهمة سواء بالنسبة الى الغرب أو كقناة اتصال بين الشرق و الغرب.
كثير من المراقبين السياسيين كانوا يحللون الأوضاع ابان تظاهرات حديقة جيزي في اسطنبول بأتجاه بدء الربيع في تركيا،ولكن تبين في فترة قصيرة أنّ سبب التظاهرات ليس فشل حزب العدالة و التنمية و انما هو ثمن النجاحات الأقتصادية لتركيا التي تحققت في السنوات الماضية على يد الحزب المذكور،الى جانب الأنفتاح الذي انتهجته تركيا بأتجاه ارساء الديمقراطية و حل القضية الكوردية .
مما لاشك فيه انّ هذه القراءة لاتعني أنّ المتظاهرين لم يكن لهم حق التظاهر في موضوع هدم حديقة جيزي في اسطنبول، لأن المحكمة قضت فيما بعد بأنه كان من المفترض أنْ تستمع الحكومة في مثل هذه المسألة الى اراء المتظاهرين،وكان ذلك سبباً في قيام الحكومة فيمابعد بأيقاف عملية هدم المنطقة،و الصورة هنا واضحة جداً و هي أنَ جماهير اسطنبول لم تنزل الى الشارع بسبب البطالة و التضخم الأقتصادي كما رأينا ذلك في الدول العربية،و لهذا فأنّ ماحدث في اسطنبول كان سببه الرئيس هو تعاطف الشعب لمناهضة حزب الذي حسب رأي معظم المراقبين أنّه لن يحصل فقط على غالبية الأصوات في الأنتخابات القادمة بل يتوقعون أنه يفوز باكثر من نصف الأصوات و منْ ثم تقوم بتشكيل الحكومة بمفرده،وحتى بعد احداث اسطنبول فقد أظهرت الأستطلاعات أنه لايزال هناك اكثرمن نصف شعب تركيا مستعدين للتصويت لصالح حزب العدالة و التنمية.
قامت تركيا في ظل حزب العدالة و التنمية بصياغة سياستها الخارجية على اساس تصفية مشكلاتها مع جيرانها، ولكن بسبب التحولات الحاصلة في المنطقة فأن لتركيا الآن مشكلات مع عموم جيرانها عدا اقليم كوردستان،ان ظهور تلك المشكلات لم تعثّر فقط ستراتيجية سياسة التصفية بل في بعض منها تكاد تتحول الى جزء من المشكلات ذاتها و خاصة في الأزمة السورية،وعلى سبيل المثال حدث توتر كبير في الشهر الماضي على اعقاب تفجيرات مدينة ريحانة و كذلك في حديقة جيزي التي كانت في تصور المراقبين ان لهذا الحدث بعداً طائفياً علوياً و كان ذلك بدافع من سوريا و الدول الأخرى الجارة لتركيا،وعلى هذا الأساس من الضروري أنْ يكون لتركيا موقف واضح ازاء تلك المشاكل،و في مقدمتها المشكلة السورية،حيث اصبحت تركيا الآن ملاذاً للم شمل اطراف المعارضة السورية،ما ادى ذلك الى بث القلق في المحور الذي يضم سوريا و ايران و روسيا ازاء الموقف التركي،و في المقابل فإنّ الولايات المتحدة الأمريكية و دول غرب الناتو لن تتحرك بجدية لحسم الأزمة السورية و الأطاحة بنظام الأسد لذا نجد أنّ تركيا لاتستطيع بمفردها و من دون دعم الناتو أنْ تتخذ خطواتها بأتجاه هذه المسألة.
و حول هذا الجانب توجهنا بسؤال الى جنكيز جاندار الصحفي التركي المعروف حيث عبّر عن رأيه ل(كولان) قائلاً: حدثت موجة من التظاهرات داخل تركيا،أما في مصرفقد طرأ تحول خطير و تم عزل مرسي من منصبه،وكذلك الحال في سوريا حيث حقق النظام بعض الأنتصارات على المعارضة،و بالنسبة الى الولايات المتحدة الأمريكية فإنها لم تقف عند الخط الذي كانت تركيا تتمناه من قبل،حيث اتفقت مع روسيا على البحث عن مخرج لحل الأزمة السورية،وهذا ما يتطلب من صانعي القرارات في تركيا تقييماً للوضع الراهن،وحسب التحولات الحاصلة داخل تركيا و خارجها فأنه من الصعب أن تلعب تركيا دوراً مؤثراً في حل المشكلة،ولكن لو اعادت النظر في سياستها الحالية ازاء حل المشكلة الكوردية و تُحسّن علاقاتها مع كورد سوريا والتي هي لها صلة ايضاً بحل المشكلة الكوردية داخل تركيا، عند ذلك يمكن أنْ نتوقع أنّ بأستطاعة تركيا المشاركة في حل الأزمة السورية،ولكنها لاتستطيع تحقيق ذلك في الوقت الحاضر ،لذا عليها الأنتظار لحين استقرار الأوضاع في مصر و كذلك في اسطنبول و المدن التركية الأخرى و اعني بذلك مراقبة التطورات و من ثم تقييم الأوضاع بصورة عامة.
لو تمعنّا في اقوال جنكيز لوجدنا انّ لدوامة أزمات المنطقة تداعيات كبيرة على نهج السياسة التركية و تتجلى هذه المسألة في تأثير تطورات الأوضاع في مصر بعد عزل محمد مرسي على السياسة التركية،وبهذا الصدد سألنا حسين كويلرجه الصحفي و المحلل السياسي في صحيفة (زمان) التركية حيث أجاب قائلاً: اعتقد أنّ تركيا تعمل بأتجاهين اتجاه نحو الغرب و الثاني صوب الشرق الأوسط و الدول الأسلامية،وهذا يعني أنّ تركيا لاتستطيع اتخاذ أية خطوة بأتجاه الغرب مالم تنظر الى الشرق و العكس صحيح،وهذا يعكس صورة واضحة من منظور الأخرين و مفادها أنه لايمكن اعتبار تركيا دولة شرقية أو دولة غربية بالمعنى الصحيح،وفي هذا الأطار لونظرنا الى دور تركيا في مسألة حل الأزمة السورية لتوصلنا الى حقيقة و هي أنها لاتستطيع مواجهة الدولة السورية بشكل مباشر،أي عليها البحث عن الحل الأمثل لهذه الأزمة و بالتنسيق مع دول المنطقة و الأمم المتحدة.
ولكن رغم أهمية الدور التركي في هذه الأزمة الكبيرة في المنطقة الاّ أنّ الكثير من المراقبين يعتقدون أنّ تركيا التي ليس بمقدورها تصفية مشكلاتها مع الخارج عليها تطبيق هذه السياسة مع الأطراف الأخرى داخل البلاد.
اذا اعتبرت الخطوات التي تُتخذ لحل المشكلات الداخلية في تركيا ستراتيجاً واضحاً و في مقدمتها حل المشكلة الكوردية التي تشهد الآن انفتاحاً وأنّ الحكومة التركية بدأتْ حواراً مع حزب العمال الكوردستاني،وبذلك يكون لها دور اكثر تأثيراً على مستوى المنطقة،ويصف جنكيز جاندار تطبيع العلاقات بين اربيل و انقرة بالشراكة الستراتيجية ولايكون للتطورات الحاصلة أي تأثير على تلك الشراكة، ولكن فهي مهمة بالنسبة الى المصلحة المشتركة بين اربيل و انقره و تأثيرها المباشر على عملية الأنفتاح في المشكلة الكوردية ما دفعت تركيا الى اتخاذ خطوات جريئة بأتجاه حل المشكلة.
وبصدد العلاقات بين تركيا و اقليم كوردستان فأنه بدون شك أن تركيا تنظر الى الأقليم كشريك ستراتيجي،و لاتؤثر التحولات الجارية في المنطقة وفي داخل تركيا على تلك العلاقات،و حول معالجة المشكلة الكوردية في تركيا فقد اعلن رجب طيب اردوغان أنه لن يتراجع عن حلها ابداً جاء ذلك من خلال التعقيب على ما يتردد بين حين و آخر أنّ الحكومة تخلت عن مواقفها فيما اكد الجانب الكوردي أنه ملتزم بالعملية، وقد تشكلت الآن لجنة برئاسة احمد تورك و كولتن كشناك لأجراء الحوار مع مسلحي حزب العمال الكوردستاني و قد توجهت اللجنة الى جبل قنديل بعد اجراء مباحثات مع الحكومة التركية،لذا انني متفائل بنتائج اللقاء مستقبلاً.
ويضيف الصحفي حسين كوليرجه ان المرحلة الحالية تشهد انسحاباً منظماً لقوات حزب العمال الكوردستاني ولكن العملية اخذت تولّد نوعاً من انعدام الثقة لأن الحكومة التركية تؤكد على أن نسبة انسحاب تلك القوات لاتتعدى الآن اكثر من 15% فيما يؤكد صلاح الدين دميرتاش من الجانب الكوردي انّ 85% من مسلحي الحزب قد تحركوا من مواقعهم، ويشير كوليرجه أنّ لأقليم كوردستان الآن علاقات وطيدة مع الحكومة التركية و كذلك مع حزب العمال الكوردستاني ما يجعله في موقع يستطيع أنْ يلعب دوراَ متميزاً في انجاح عملية السلام في تركيا.
وفي خضم الأزمة التي تمر بها المنطقة تكاد الحالة تتحول الى صراعات مذهبية بين الشعة و السنة،اما الكورد في اجزاء كوردستان الأربعة ليسوا جزءاَ من تلك الصراعات و انما هو عامل لتوازن القوى و حسم المشكلات،و السبب الذي لم يجعل الكورد جزءاً من الصراع المذهبي يعود الى أنّ للكورد قضية قومية و ليست دينية،و الأهم من كل ذلك أنّ حكومة اقليم كوردستان تؤيد الطرف الذي يسعى الى احلال السلام وحل المشكلة بالصيغ السلمية.و كما يشير اليه جنكيز جادار إنّ هذه الخطوة من شأنها حل القضية الكوردية في تركيا مما يفتح الباب أمام هذا البلد للتقارب الأسرع من الأتحاد الأوروبي.
Top